• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء السادس سورة المائدة 24 الی31


قَالُوا يَمُوسى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَ إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حَتى يخْرُجُوا مِنْهَا فَإِن يخْرُجُوا مِنهَا فَإِنَّا دَخِلُونَ(22) قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيهِمُ الْبَاب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَلِبُونَ وَ عَلى اللَّهِ فَتَوَكلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ(23) قَالُوا يَمُوسى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَداً مَّا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَب أَنت وَ رَبُّك فَقَتِلا إِنَّا هَهُنَا قَعِدُونَ(24)
بصري ثلاث عند الباقين عد بصري « غالبون » و قوله « جبارين » مما يشكل و لا يعده الجميع .

مجمع البيان ج : 3 ص : 278
اللغة
الجبار هو الذي لا ينال بالقهر و أصله في النخل و هو ما فأت اليد طولا و الجبار من الناس هو الذي يجبرهم على ما يريد و الجبر جبر العظم و هو كالإكراه على الصلاح و قال العجاج :
قد جبر الدين الإله فجبر
و عور الرحمن من ولى العور و الجبار في صفة الله تعالى صفة تعظيم لأنه يفيد الاقتدار و هو سبحانه لم يزل جبارا بمعنى أن ذاته تدعو العارف بها إلى تعظيمها و الفرق بين الجبار و القهار أن القهار هو الغالب لمن ناواه أو كان في حكم المناوي بمعصيته إياه و لا يوصف سبحانه فيما لم يزل بأنه قهار و الجبار في صفة المخلوقين صفة ذم لأنه يتعظم بما ليس له فإن العظمة لله سبحانه .

الإعراب
« فاذهب أنت و ربك » إنما أتى بالضمير المرفوع المنفصل تأكيدا للضمير المستكن في اذهب ليصح العطف عليه فإنه يقبح العطف بالاسم الظاهر على الضمير المستكن و المتصل من غير أن يؤكد لأنه يصير كأنه معطوف على الفعل إذا عطف علي ما هو متصل بالفعل غير مفارق له و لا يجوز أن يقال أنه أبرز الضمير فإن الضمير إذا أبرز يصير الفعل خاليا منه و قوله « اذهب » غير فارغ من الضمير و إنما حسن العطف على الضمير المتصل في قوله « فاجمعوا أمركم و شركاءكم » لأن ذكر المفعول صار عوضا من الضمير المنفصل كما كان لا في قوله لو شاء الله ما أشركنا و لا آباؤنا عوضا منه .

المعنى
ثم ذكر جواب القوم فقال سبحانه « قالوا » يعني بني إسرائيل « يا موسى إن فيها » أي في الأرض المقدسة « قوما » أي جماعة « جبارين » شديدي البطش و البأس و الخلق قال ابن عباس بلغ من جبرية هؤلاء القوم أنه لما بعث موسى (عليه السلام) من قومه اثني عشر نقيبا ليخبروه خبرهم رآهم رجل من الجبارين يقال له عوج فأخذهم في كمه مع فاكهة كان يحملها من بستانه و أتى بهم الملك فنثرهم بين يديه و قال للملك تعجبا منهم هؤلاء يريدون قتالنا فقال الملك ارجعوا إلى صاحبكم فأخبروه خبرنا قال مجاهد و كان فاكهتهم لا يقدر على حمل عنقود منها خمسة رجال بالخشب و يدخل في قشر نصف رمانة خمسة رجال
مجمع البيان ج : 3 ص : 279
و أن موسى (عليه السلام) كان طوله عشرة أذرع و له عصا طولها عشرة أذرع و نزا من الأرض مثل ذلك فبلغ كعب عوج بن عنق فقتله و قيل كان طول سريره ثمانمائة ذراع « و إنا لن ندخلها » يعني لقتالهم « حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا » يعني الجبارين « منها فإنا داخلون » « قال رجلان » من جملة النقباء الذين بعثهم موسى ليعرف خبر القوم و قيل هما يوشع بن نون و كالب بن يوفنا عن ابن عباس و مجاهد و السدي و قتادة و الربيع و قيل رجلان كانا من مدينة الجبارين و كانا على دين موسى لما بلغهما خبر موسى جاءاه فاتبعاه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس « من الذين يخافون » الله تعالى « أنعم الله عليهما » بالإسلام عن قتادة و الحسن و قيل يخافون الجبارين أي لم يمنعهم الخوف من الجبارين أن قالوا الحق أنعم الله عليهما بالتوفيق للطاعة عن الجبائي و كان سعيد بن جبير يقرأ يخافون بضم الياء و روي تأويل ذلك عن ابن عباس أنهما كانا من الجبارين أنعم الله عليهما بالإسلام « ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون » أخبر عن الرجلين أنهما قالا ادخلوا يا بني إسرائيل على الجبارين باب مدينتهم و إنما علما أنهم يظفرون بهم و يغلبونهم إذا دخلوا باب مدينتهم لما أخبر به موسى (عليه السلام) من وعد الله تعالى بالنصرة و قيل لما رأوه من إلقاء الله الرعب في قلوب الجبارين فعلما أنهم إن دخلوا الباب غلبوا « و على الله فتوكلوا » في نصرة الله على الجبارين « إن كنتم مؤمنين » بالله و بما آتاكم به رسوله من عنده ثم أخبر عن قوم موسى بأنهم « قالوا يا موسى إنا لن ندخلها » أي هذه المدينة « أبدا ما داموا » أي ما دام الجبارون « فيها » و إنما قالوا ذلك لأنهم جبنوا و خافوا من قتالهم لعظم أجسامهم و شدة بطشهم و لم يثقوا بوعد الله سبحانه بالنصرة لهم عليهم « فاذهب » يا موسى « أنت و ربك فقاتلا » الجبارين « إنا هاهنا قاعدون » إلى أن تظفر بهم و ترجع إلينا فحينئذ ندخل و إنما لم ينكر موسى عليهم قولهم « اذهب أنت و ربك » لأمرين ( أحدهما ) أن الكلام كله يدل على الإنكار عليهم و التعجب من جهلهم في تلقيهم أمر ربهم بالرد له و المخالفة عليه ( و الآخر ) أنهم إنما قالوا ذلك مجازا بمعنى و ربك معين لك على ما قاله أبو القاسم البلخي و الأول أليق بجهل أولئك القوم قال الحسن هذا القول منهم يدل على أنهم كانوا مشبهة و لذلك عبدوا العجل و لو عرفوا الله تعالى حق معرفته لما عبدوا العجل و قال الجبائي إن كانوا قالوا ذلك على وجه الذهاب من مكان إلى مكان فإنه كفر و إن قالوا على وجه الخلاف فإنه فسق و أما قوله سبحانه قاتلهم الله أنى يؤفكون
مجمع البيان ج : 3 ص : 280
فإنه مجاز و المعنى أنه يعاديهم عداوة المقاتل و يحل بهم ما يحله المقاتل المستعلي بالاقتدار و عظم السلطان بمن يقاتله .
قَالَ رَب إِنى لا أَمْلِك إِلا نَفْسى وَ أَخِى فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَ بَينَ الْقَوْمِ الْفَسِقِينَ(25) قَالَ فَإِنَّهَا محَرَّمَةٌ عَلَيهِمْ أَرْبَعِينَ سنَةً يَتِيهُونَ فى الأَرْضِ فَلا تَأْس عَلى الْقَوْمِ الْفَسِقِينَ(26)
اللغة
أصل التيه التحير الذي لا يهتدى لأجله للخروج عن الطريق إلى الغرض المقصود يقال تاه يتيه تيها و تيوها إذا تحير و تيهته و توهته و الياء أكثر و التيهاء من الأرض و هي التي لا يهتدى فيها و أرض تيهاء و الأسى الحزن يقال أسي يأسى أسا إذا حزن قال امرؤ القيس :
وقوفا بها صحبي علي مطيهم
يقولون لا تهلك أسى و تجمل .

الإعراب
أخي يجوز أن يكون في موضع رفع و يجوز أن يكون في موضع نصب و رفعه من وجهين ( أحدهما ) أن يكون عطفا على موضع إني و مثله أن الله بريء من المشركين و رسوله ( و الآخر ) أن يكون معطوفا على ما في أملك أي لا أملك أنا و أخي إلا أنفسنا و نصبه أيضا من وجهين ( أحدهما ) أن يكون عطفا على الياء في إني أي إني و أخي لا نملك إلا أنفسنا ( و الآخر ) أن يكون عطفا على نفسي أي لا أملك إلا نفسي و لا أملك إلا أخي و أربعين نصب على الظرف و العامل فيه قوله « يتيهون » و قيل هو منصوب بقوله « محرمة » قال الزجاج هذا خطأ لأنه جاء في التفسير أنها محرمة عليهم أبدا .

المعنى
ثم ذكر سبحانه دعاء موسى على قومه عند مخالفتهم إياه فقال تعالى « قال » أي قال موسى (عليه السلام) إذ غضب على قومه « رب إني لا أملك إلا نفسي » أي لا أملك إلا تصريف نفسي في طاعتك لأنها التي تجيبني إذا دعوت « و أخي » أي و أخي كذلك لا يملك إلا نفسه أو يكون معناه و لا أملك أيضا إلا أخي لأنه يجيبني إذا دعوت « فافرق بيننا و بين القوم الفاسقين » أي فافصل بيننا و بينهم بحكمك و سماهم فساقا و إن كانوا قد كفروا بالرد على نبيهم لخروجهم من الإيمان إلى الكفر و الفسق و الخروج من الطاعة إلى المعصية و الكفر من أعظم المعاصي قال الله تعالى إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه و قيل
مجمع البيان ج : 3 ص : 281
في سؤال موسى الفرق بينه و بينهم قولان ( أحدهما ) أنه سأل تعالى أن يحكم و يقضي بما يدل على بعدهم عن الحق و الصواب فيما ارتكبوا من العصيان و لذلك ألقوا في التيه عن ابن عباس و الضحاك ( و الآخر ) أنه سأله أن يفرق بينه و بينهم في الآخرة بأن يكون هؤلاء في النار و يكون هو في الجنة و لو دعا عليهم بالهلاك لأهلكوا عن الجبائي « قال » أي قال الله سبحانه لموسى (عليه السلام) « فإنها محرمة عليهم » أي إن الأرض المقدسة حرمت عليهم و في كيفية التحريم قولان ( أحدهما ) أنه تحريم منع كقول امرىء القيس :
جالت لتصرعني فقلت لها اقصري
إني امرؤ صرعي عليك حرام يعني دابته التي هو راكبها و يريد بذلك أني فارس لا تملكين أن تصرعيني و قيل يجوز أن يكون تحريم تعبد عن أبي علي الجبائي و الأول أظهر و قال البلخي يجوز أن يكونوا أمروا بأن يطوفوا فيه « أربعين سنة يتيهون في الأرض » يعني يتحيرون في المسافة التي بينهم و بينها لا يهتدون إلى الخروج منها و كان مقداره ستة فراسخ عن الربيع كانوا يصبحون حيث أمسوا و يمسون حيث أصبحوا عن الحسن و مجاهد و قال أكثر المفسرين إن موسى و هارون كانا معهم في التيه و قيل أيضا إنهما لم يكونا في التيه لأن التيه عذاب و عذبوا عن كل يوم عبدوا فيه العجل سنة و الأنبياء لا يعذبون قال الزجاج إن كانا في التيه فجائز أن يكون الله تعالى سهل عليهما ذلك كما سهل على إبراهيم النار فجعلها عليه بردا و سلاما و شأنها الإحراق و مات موسى (عليه السلام) في التيه و فتح المدينة يوشع وصي موسى بعده و كان يوشع ابن أخت موسى و وصيه و النبي في قومه بعده عن ابن عباس و قيل لم يمت في التيه عن الحسن و مجاهد قالا و فتح المدينة موسى و متى سئل فقيل كيف يجوز على عقلاء كثيرين أن يسيروا في فراسخ يسيرة فلا يهتدوا للخروج منها فالجواب عنه من وجهين ( أحدهما ) أن يكون ذلك بأن تحول الأرض التي هم عليها إذا ناموا فيردوا إلى المكان الذي ابتدأوا منه عن أبي علي ( و الآخر ) أن يكون ذلك بالأسباب المانعة من الخروج عنها إما بأن تمحى العلامات التي يستدل بها أو بأن يلقى شبه بعضها على بعض و يكون ذلك معجزا خارقا للعادة و قال قتادة لم يدخل بلد الجبارين أحد من القوم إلا يوشع بن نون و كالب بن يوفنا بعد موت موسى بشهرين و إنما دخلها أولادهم معهما « فلا تأس على القوم الفاسقين » خطاب لموسى (عليه السلام) أمره الله تعالى أن لا يحزن على إهلاكهم لفسقهم و قال الزجاج هو خطاب للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) .

مجمع البيان ج : 3 ص : 282
* وَ اتْلُ عَلَيهِمْ نَبَأَ ابْنىْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَاناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَ لَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاَخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّك قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27)
اللغة
القربان ما يقصد به القرب من رحمة الله من أعمال البر و هو على وزن فعلان من القرب كالفرقان من الفرق و الشكران و الكفران من الشكر و الكفر و قرابين الملك و جلساؤه لقربهم إليه .

الإعراب
« إذ قربا » متعلق بقوله « نبأ » و التقدير خبر ابني آدم و ما جرى منهما حين قربا قربانا أي قرب كل واحد منهما قربانا فجمعهما في الفعل و أفرد الاسم لأنه يستدل بفعلهما على أن لكل واحد منهما قربانا و قيل إن القربان اسم جنس فهو يصلح للواحد و المتعدد على أنه مصدر من قرب الرجل قربانا .

المعنى
« و اتل » أي و اقرأ « عليهم » يا محمد « نبأ ابني آدم » أي خبرهما « بالحق » أي بالصدق و أجمعوا على أنهما كانا ابني آدم لصلبه إلا الحسن فإنه قال كانا رجلين من بني إسرائيل « إذ قربا قربانا » أي فعلا فعلا يتقرب به إلى الله تعالى « فتقبل من أحدهما و لم يتقبل من الآخر » تقبل الطاعة إيجاب الثواب عليها قالوا و كانت علامة القبول في ذلك الزمان نارا تأتي فتأكل المتقبل و لا تأكل المردود و قيل كانت النار تأكل المردود عن مجاهد و الأول أظهر « قال لأقتلنك » في الكلام حذف التقدير قال الذي لم يتقبل منه للذي تقبل منه لأقتلنك فقال له لم تقتلني « قال » أنه تقبل قربانك و لم يتقبل قرباني قال له و ما ذنبي « إنما يتقبل الله من المتقين » للمعاصي فأطلق للعلم بأن المراد أنها أحق ما يجب أن يخاف منه قال ابن عباس أراد إنما يتقبل الله ممن كان زاكي القلب و رد عليك لأنك لست بزاكي القلب و استدل بهذا على أن طاعة الفاسق غير مقبولة لكنها تسقط عقاب تركها و هذا لا يصح لأن المعنى أن الثواب إنما يستحقه من يوقع الطاعة لكونها طاعة فأما إذا فعلها لغير ذلك فلا يستحق عليها ثوابا و لا يمتنع على هذا أن يقع من الفاسق طاعة يوقعها على الوجه الذي يستحق عليه الثواب فيستحقه .

النظم
و وجه اتصال هذه الآية بما قبلها إن الله تعالى أراد أن يبين أن حال اليهود في
مجمع البيان ج : 3 ص : 283
نقض العهد و ارتكاب الفواحش كارتكاب ابن آدم في قتله أخاه و ما عاد عليه من الوبال بتعديه فأمر نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أن يتلو عليهم أخبارهما تسلية لنبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فيما ناله من جهلهم و تكذيبهم و تبكيتا لليهود .

] القصة [
قالوا إن حواء امرأة آدم كانت تلد في كل بطن غلاما و جارية فولدت أول بطن قابيل بن آدم و قيل قابين و توأمته إقليما بنت آدم و البطن الثاني هابيل و توأمته لبوذا فلما أدركوا جميعا أمر الله تعالى أن ينكح آدم قابيل أخت هابيل و هابيل أخت قابيل فرضي هابيل و أبى قابيل لأن أخته كانت أحسنهما و قال ما أمر الله سبحانه بهذا و لكن هذا من رأيك فأمرهما آدم أن يقربا قربانا فرضيا بذلك فغدا هابيل و كان صاحب ماشية فأخذ من خير غنمه زبدا و لبنا و كان قابيل صاحب زرع فأخذ من شر زرعه ثم صعدا فوضعا القربانين على الجبل فأتت النار فأكلت قربان هابيل و تجنبت قربان قابيل و كان آدم غائبا عنهما بمكة خرج إليها ليزور البيت بأمر ربه فقال قابيل لا عشت يا هابيل في الدنيا و قد تقبل قربانك و لم يتقبل قرباني و تريد أن تأخذ أختي الحسناء و آخذ أختك القبيحة فقال له هابيل ما حكاه الله تعالى فشدخه بحجر فقتله روي ذلك عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) و غيره من المفسرين و كان سبب قبول قربان أحدهما دون الآخر أن قابيل لم يكن زاكي القلب و قرب بشر ماله و أخسه و قرب هابيل بخير ماله و أشرفه و أضمر الرضا بحكم الله تعالى و قيل إن سبب أكل النار للقربان أنه لم يكن هناك فقير يدفع إليه ما يتقرب به إلى الله تعالى فكانت تنزل نار من السماء فتأكله و عن إسماعيل بن رافع أن قربان هابيل كان يرتع في الجنة حتى فدي به ابن إبراهيم .
لَئن بَسطت إِلىَّ يَدَك لِتَقْتُلَنى مَا أَنَا بِبَاسِط يَدِى إِلَيْك لأَقْتُلَك إِنى أَخَاف اللَّهَ رَب الْعَلَمِينَ(28) إِنى أُرِيدُ أَن تَبُوأَ بِإِثْمِى وَ إِثمِك فَتَكُونَ مِنْ أَصحَبِ النَّارِ وَ ذَلِك جَزؤُا الظلِمِينَ(29) فَطوَّعَت لَهُ نَفْسهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصبَحَ مِنَ الخَْسِرِينَ(30)
اللغة
البسط المد و هو ضد القبض تبوء ترجع يقال باء إذا رجع إلى المباءة و هي المنزل و باءوا بغضب من الله أي رجعوا و البوء الرجوع بالقود و هم في هذا الأمر بواء أي سواء

بعدی
مجمع البيان ج : 3 ص : 284
طوعت فعلت من الطوع و العرب تقول طاع لهذه الظبية أصول هذه الشجرة و طاع لفلان كذا أي أتاه طوعا و لا يقال أطاعته نفسه لأن أطاع يدل على قصد موافقة معنى الأمر و ليس كذلك طوع لأنه بمنزلة انطاع له أصول الشجرة و في الفعل ما يتعدى إلى نفس الفاعل نحو حرك نفسه و قتل نفسه و فيه ما لا يتعدى إلى ذلك نحو أمر و نهى لأن الأمر و النهي لا يكونان إلا بمن هو أعلى إلى من هو دونه .

الإعراب
« لئن بسطت » اللام للقسم و جوابه « ما أنا بباسط » و لا يقع ما جوابا للشرط لأن ما يكون لها صدر الكلام بالقسم لا يخرجها عن ذلك كما جاز أن يكون جواب القسم بإن و لام الابتداء و لم يجز بالفاء لأن المقسم عليه ليس يجب بوجوب القسم و إنما القسم يؤكده و جواب الشرط يجب بوجوب الشرط فإذا اجتمع جواب القسم و الجزاء كان جواب القسم أولى من الجزاء لأنه لما تقدم القسم و صار الجزاء في حشو الكلام غلبة على الجواب فصار له و اكتفي به عن جواب الشرط لدلالته عليه .

المعنى
ثم أخبر سبحانه عن هابيل أنه قال لأخيه حين هدده بالقتل لما تقبل قربانه و لم يتقبل قربان أخيه « لئن بسطت إلي يدك » و معناه لئن مددت إلي يدك « لتقتلني » أي لأن تقتلني « ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك » أي لأن أقتلك قال أهل التفسير أن القتل على سبيل المدافعة لم يكن مباحا في ذلك الوقت و كان الصبر عليه هو المأمور به ليكون الله تعالى هو المتولي للانتصاف عن الحسن و مجاهد و اختاره الجبائي و قيل إن معنى الآية « لئن بسطت إلى يدك » على سبيل الظلم و الابتداء « لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك » على وجه الظلم و الابتداء عن ابن عباس و جماعة قالوا إنه قتله غيلة بأن ألقى عليه و هو نائم صخرة شدخه بها قال المرتضى و الظاهر بغير الوجهين أشبه لأنه تعالى أخبر عنه أنه و إن بسط إليه أخوه يده ليقتله أي و هو مريد لقتله لأن اللام بمعنى كي و هي منبئة عن الإرادة و الغرض و لا شبهة في قبح ذلك لأن المدافع إنما يحسن منه المدافعة للظالم طلبا للتخلص من غير أن يقصد إلى قتله فكأنه قال لئن ظلمتني لم أظلمك « إني أخاف الله رب العالمين » في مدي إليك يدي لقتلك « إني أريد أن تبوء بإثمي و إثمك » معناه إني لا أبدؤك بالقتل و لأني أريد أن ترجع بإثم قتلي إن قتلتني و إثمك الذي كان منك قبل قتلي عن ابن عباس و الحسن و ابن مسعود و قتادة
مجمع البيان ج : 3 ص : 285
و مجاهد و الضحاك و قال الجبائي و الزجاج و إثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك و قيل معناه بإثم قتلي و إثمك الذي هو قتل جميع الناس حيث سننت القتل و معنى تبوء بإثمي تبوء بعقاب إثمي لأنه لا يجوز لأحد أن يريد معصية الله من غيره و لكن يجوز أن يريد عقابه المستحق عليه بالمعصية و متى قيل كيف يحسن إرادة عقاب لم يقع سببه فإن القتل على هذا لم يكن واقعا فجوابه أن ذلك بشرط وقوع ما يستحق به العقاب فهابيل لما رأى من أخيه العزم على قتله و غلب على ظنه ذلك جاز أن يريد عقابه بشرط أن يفعل ما عزم عليه « فتكون من أصحاب النار » أي فتصير بذلك من الملازمين النار « و ذلك جزاء الظالمين » أي عقاب العاصين و يحتمل أن يكون هذا إخبار عن قول هابيل و يحتمل أن يكون ابتداء حكم من الله تعالى « فطوعت له نفسه » فيه أقوال ( أحدها ) أن معناه شجعته نفسه على « قتل أخيه » أي على أن يقتل أخاه عن مجاهد ( و ثانيها ) أن المراد زينت له نفسه قتل أخيه ( و ثالثها ) أن المراد ساعدته نفسه و طاوعته نفسه على قتله أخاه فلما حذف حرف الجر نصب قتل أخيه و من قال إن معناه زينت له فيكون قتل أخيه مفعولا به « فقتله » قال مجاهد لم يدر قابيل كيف يقتله حتى ظهر له إبليس في صورة طير فأخذ طيرا آخر و ترك رأسه بين حجرين فشدخه ففعل قابيل مثله و قيل هو أول قتيل كان في الناس « فأصبح من الخاسرين » أي صار ممن خسر الدنيا و الآخرة و ذهب عنه خيرهما و استدل بعضهم بقوله « فأصبح » على أنه قتله ليلا و هذا ليس بشيء لأن من عادة العرب أن يقولوا أصبح فلان خاسر الصفقة إذا فعل أمرا كانت ثمرته الخسران يعنون حصوله كذلك لا أنه تعلق بوقت دون وقت .
فَبَعَث اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَث فى الأَرْضِ لِيرِيَهُ كَيْف يُوَرِى سوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَوَيْلَتى أَ عَجَزْت أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَرِى سوْءَةَ أَخِى فَأَصبَحَ مِنَ النَّدِمِينَ(31)
اللغة
أصل البحث طلب الشيء في التراب ثم يقال بحثت عن الأمر بحثا و أصل السوأة التكره يقال ساءه يسوءه سوءا إذا أتاه بتكرهة قال سيبويه الويل كلمة تقال عند الهلكة و عجزت عن الأمر أعجز عجزا و معجزة و معجزة .

مجمع البيان ج : 3 ص : 286
الإعراب
قال الزجاج « يا ويلتي » الوقف عليها في غير القرآن يا ويلتاه و النداء لغير الآدميين نحو يا حسرتاه و يا ويلتاه إنما وقع في كلام العرب على تنبيه المخاطبين و أن الوقت الذي تدعى له هذه الأشياء هو وقتها فالمعنى يا ويلتي تعالي فإنه من أوانك أي قد لزمني الويل و كذلك يا عجباه المعنى يا أيها العجب هذا وقتك هذا على كلام العرب و قرأ الحسن يا ويلتي مضافا و ذكر الأزهري أنهما بمعنى .

المعنى
« فبعث الله غرابا يبحث في الأرض ليريه » قالوا كان هابيل أول ميت من الناس فلذلك لم يدر قابيل كيف يواريه و كيف يدفنه حتى بعث الله غرابين أحدهما حي و الآخر ميت و قيل كانا حيين فقتل أحدهما صاحبه ثم بحث الأرض و دفنه فيها ففعل قابيل به مثل ذلك عن ابن عباس و ابن مسعود و جماعة و في ذلك دلالة على فساد قول الحسن و الجبائي و أبي مسلم أن ابني آدم كانا من بني إسرائيل و قيل معناه بعث الله غرابا يبحث التراب على القتيل فلما رأى قابيل ما أكرم الله به هابيل و أنه بعث طيرا ليواريه و تقبل قربانه « قال يا ويلتي » عن الأصم و قيل كان ملكا في صورة الغراب و في هذا دلالة على أن الفعل من الغراب و إن كان المعني بذلك الطير كان مقصودا و لذلك أضاف سبحانه بعثه إلى نفسه و لم يقع اتفاقا كما قاله أبو مسلم و لكنه تعالى ألهمه و قال الجبائي كان ذلك معجزا مثل حديث الهدهد و حمله الكتاب و رده الجواب إلى سليمان و يجوز أن يزيد الله في فهم الغراب حتى يعرف هذا القدر كما نأمر صبياننا فيفهمون عنا « ليريه » أي ليري الغراب قابيل « كيف يواري » أي كيف يغطي و يستر « سوأة أخيه » أي عورة أخيه و قال الجبائي يريد جيفة أخيه لأنه كان تركه حتى أنتن فقيل لجيفته سوأة « قال يا ويلتي أ عجزت » هاهنا حذف فإن التقدير ليريه كيف يواري سوأة أخيه فواراه فقال القاتل أخاه يا ويلتى أ عجزت « أن أكون » في هذا العلم « مثل هذا الغراب فأواري » أي استر « سوأة أخي » و السوأة عبارة عما يكره و عما ينكر « فأصبح من النادمين » على قتله و لكن لم يندم على الوجه الذي يكون توبة كمن يندم على الشرب لأنه يصدعه فلذلك لم يقبل ندمه عن الجبائي و قيل من النادمين على حمله لا على قتله من النادمين على موت أخيه لا على ارتكاب الذنب .

] القصة [
روت العامة عن جعفر الصادق (عليه السلام) قال قتل قابيل هابيل و تركه بالعراء لا يدري ما يصنع به فقصده السباع فحمله في جراب على ظهره حتى أروح و عكفت عليه
مجمع البيان ج : 3 ص : 287
الطير و السباع تنتظر متى يرمي به فتأكله فبعث الله غرابين فاقتتلا فقتل أحدهما صاحبه ثم حفر له بمنقاره و برجله ثم ألقاه في الحفيرة و واراه و قابيل ينظر إليه فدفن أخاه و عن ابن عباس قال لما قتل قابيل هابيل أشاك الشجر و تغيرت الأطعمة و حمضت الفواكه و أمر الماء و اغبرت الأرض فقال آدم قد حدث في الأرض حدث فأتى الهند فإذا قابيل قد قتل هابيل فأنشأ يقول :
تغيرت البلاد و من عليها
فوجه الأرض مغبر قبيح
تغير كل ذي لون و طعم
و قل بشاشة الوجه الصبيح و قال سالم بن أبي الجعد لما قتل هابيل مكث آدم سنة حزينا لا يضحك ثم أتى آت فقيل له حياك الله و بياك أي أضحكك قالوا و لما مضى من عمر آدم مائة و ثلاثون سنة و ذلك بعد قتل هابيل بخمس سنين ولدت له حواء شيثا و تفسيره هبة الله يعني أنه خلف من هابيل و كان وصي آدم و ولي عهده و أما قابيل فقيل له اذهب طريدا شريدا فزعا مذعورا لا يأمن من يراه و ذهب إلى عدن من اليمن فأتاه إبليس فقال إنما أكلت النار قربان هابيل لأنه كان يعبدها فانصب أنت أيضا نارا تكون لك و لعقبك فبنى بيت نار و هو أول من نصب النار و عبدها و اتخذ أولاده آلات اللهو من اليراع و الطبول و المزامير و العيدان و انهمكوا في اللهو و شرب الخمر و عبادة النار و الزنا و الفواحش حتى غرقهم الله أيام نوح بالطوفان و بقي نسل شيث .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page