• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء السادس سورة المائدة 37 الی41


مجمع البيان ج : 3 ص : 294
إِنَّ الَّذِينَ كفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فى الأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَ لهَُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(36) يُرِيدُونَ أَن يخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَ مَا هُم بخَرِجِينَ مِنهَا وَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(37)
الإعراب
خبر إن في لو و جوابها و قوله « و لهم عذاب أليم » يحتمل أن يكون في موضع الحال و أن يكون عطفا على خبر إن و لا يجوز أن يكون الخبر « يريدون أن يخرجوا من النار و ما هم بخارجين منها » و لو في موضع الحال كما تقول مررت بزيد لو رآه عدوه لرحمه لأنه في موضع معتمد الفائدة مع أن الثاني في استئناف آية و إنما أجيبت لو بما و لم يجز أن يجاب إن بما لأن ما لها صدر الكلام و جواب لو لا يخرجها من هذا المعنى كما لا يخرجها جواب القسم لأنه غير عامل و إن عاملة فلذلك صلح أن يجاب إن بلا و لم يصلح أن يجاب بما تقول أن تأتني لا يلحقك سوء و لا يجوز ما لأن لا تنفي عما بعدها ما وجب لما قبلها في أصل موضوعها كقولك قام زيد لا عمرو و ما تنفي عما بعدها ما لم يجب لغيرها فلذلك كان لها صدر الكلام .

المعنى
ثم أخبر سبحانه عن وعيد الكفار فقال « إن الذين كفروا لو أن لهم » أي لكل واحد منهم « ما في الأرض جميعا » من المال و الولاية و الملك « و مثله » أي مثل ذلك « معه ليفتدوا به » أي ليجعلوا ذلك فداهم و بدلهم « من عذاب يوم القيامة » الذي يستحقونه على كفرهم فافتدوا بذلك « ما تقبل منهم » ذلك الفداء « و لهم عذاب أليم » أي وجيع « يريدون أن يخرجوا من النار » أي يتمنون أن يخرجوا من النار عن أبي علي الجبائي قال لأن الإرادة هنا بمعنى التمني و قيل معناه الإرادة على الحقيقة أي كلما دفعتهم النار بلهبها رجوا أن يخرجوا و هو كقوله « كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها » عن الحسن و قيل معناه يكادون يخرجون منها إذا دفعتهم النار بلهبها كما قال سبحانه جدارا يريد أن ينقض فأقامه أي يكاد و يقارب فإن قال قائل كيف يجوز أن يريدوا الخروج من النار مع علمهم بأنهم لا يخرجون منها فالجواب أن العلم بأن الشيء لا يكون لا يصرف عن إرادته كما أن العلم بأنه يكون لا يصرف عن إرادته و إنما الداعي إلى الإرادة حسنها و الحاجة إليها
مجمع البيان ج : 3 ص : 295
« و ما هم بخارجين منها » يعني جهنم « و لهم عذاب مقيم » أي دائم ثابت لا يزول و لا يحول كما قال الشاعر :
فإن لكم بيوم الشعب مني
عذابا دائما لكم مقيما .
وَ السارِقُ وَ السارِقَةُ فَاقْطعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءَ بِمَا كَسبَا نَكَلاً مِّنَ اللَّهِ وَ اللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(38) فَمَن تَاب مِن بَعْدِ ظلْمِهِ وَ أَصلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوب عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(39) أَ لَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْك السمَوَتِ وَ الأَرْضِ يُعَذِّب مَن يَشاءُ وَ يَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ وَ اللَّهُ عَلى كلِّ شىْء قَدِيرٌ(40)
الإعراب
قال سيبويه و كثير من النحويين ارتفع السارق و السارقة على معنى و فيما فرض عليكم السارق و السارقة أي حكم السارق و السارقة و مثله قوله تعالى « الزانية و الزاني فاجلدوا » و اللذان يأتيانها منكم ف آذوهما قال سيبويه و الاختيار في هذا النصب في العربية كما تقول زيدا أضربه و أبت العامة القراءة إلا بالرفع يعني بالعامة الجماعة و قرأ عيسى بن عمرو السارق و السارقة و كذلك الزانية و الزاني و قال أبو العباس المبرد الاختيار فيه الرفع بالابتداء لأن القصد ليس إلى واحد بعينه فليس هو مثل قولك زيدا فاضربه إنما هو كقولك من سرق فاقطع يده و من زنى فاجلده قال الزجاج و هذا القول هو المختار و إنما دخلت الفاء في الخبر للشرط المنوي و ذكر في قراءة ابن مسعود و السارقون و السارقات فاقطعوا أيمانهم و إنما قال « أيديهما » و لم يقل يديهما لأنه أراد يمينا من هذا و يمينا من هذه فجمع إذ ليس في الجسد إلا يمين واحدة قال الفراء و كل شيء موحد من خلق الإنسان إذا ذكر مضافا إلى اثنين فصاعدا جمع فقيل قد هشمت رءوسهما و ملأت ظهورهما و بطونهما ضربا و مثله قوله « أن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما » قال و إنما اختير الجمع على التثنية لأن أكثر ما يكون عليه الجوارح اثنان اثنان في الإنسان كاليدين و الرجلين و اثنان من اثنين جمع لذلك يقال قطعت أرجلهما و فقات عيونهما فلما جرى الأكثر على هذا ذهب بالواحد إذا أضيف إلى اثنين مذهب الاثنين قال و يجوز التثنية كقول الهذلي :
مجمع البيان ج : 3 ص : 296

فتخالسا نفسيهما بنوافذ
كنوافذ العبط التي لا ترقع لأنه الأصل و يجوز هذا أيضا فيما ليس من خلق الإنسان كقولك للاثنين خليتما نساءكما و أنت تريد امرأتين قال و يجوز التوحيد أيضا لو قلت في الكلام السارق و السارقة فاقطعوا يمينهما جاز لأن المعنى اليمين من كل واحد منهما قال الشاعر :
كلوا في بعض بطنكم تعيشوا ) و يجوز في الكلام أن تقول ائتني برأس شاتين و برأسي شاة فمن قال برأس شاتين أراد الرأس من كل شاة منهما و من قال برأسي شاة أراد رأسي هذا الجنس قال الزجاج إنما جمع ما كان في الشيء منه واحد عند الإضافة إلى الاثنين لأن الإضافة تبين أن المراد بذلك الجمع التثنية لا الجمع و ذلك أنك إذا قلت أشبعت بطونهما علم أن للاثنين بطنين فقط و أصل التثنية الجمع لأنك إذا ثنيت الواحد فقد جمعت واحدا إلى واحد و ربما كان لفظ الجمع أخف من لفظ الاثنين فيختار لفظ الجمع و لا يشتبه ذلك بالتثنية عند الإضافة إلى اثنين لأنك إذا قلت قلوبهما فالتثنية في هما قد أغنتك عن تثنية القلب قال و إن ثني ما كان في الشيء منه واحد فذلك جائز عند جميع النحويين و أنشد :
ظهراهما مثل ظهور الترسين ) فجاء باللغتين و هذا كما حكينا عن الفراء في قول الهذلي فتخالسا نفسيهما البيت و قوله « جزاء بما كسبا » قال الزجاج انتصب جزاء بأنه مفعول له و كذلك « نكالا من الله » و إن شئت كانا منصوبين على المصدر الذي دل عليه فاقطعوا لأن معنى فاقطعوا جازوهم و نكلوا بهم قال الأزهري تقديره لينكل غيره نكالا عن مثل فعله من نكل ينكل إذا جبن .

المعنى
لما ذكر تعالى الحكم فيمن أخذ المال جهارا عقبه ببيان الحكم فيمن أخذ المال إسرارا فقال « و السارق و السارقة » و الألف و اللام للجنس فالمعنى كل من سرق رجلا كان أو امرأة و بدأ بالسارق هنا لأن الغالب وجود السرقة في الرجال و بدأ في آية الزنا بالنساء فقال الزانية و الزاني لأن الغالب وجود ذلك في النساء « فاقطعوا أيديهما » أي أيمانهما عن ابن عباس و الحسن و السدي و عامة التابعين قال أبو علي في تخطي المسلمين إلى قطع الرجل اليسرى بعد قطع اليمني و تركهم قطع اليد اليسرى دلالة على أن اليد اليسرى لم ترد بقوله « فاقطعوا أيديهما » أ لا ترى أنها لو أريدت بذلك لم يكونوا ليدعوا نص القرآن إلى غيره و هذا يدل على أن جمع اليد في هذه الآية على حد جمع القلب في قوله فقد
مجمع البيان ج : 3 ص : 297
صغت قلوبكما و دلت قراءة عبد الله بن مسعود على أن المراد بالأيدي الأيمان قال العلماء أن هذه الآية مجملة في إيجاب القطع على السارق و بيان ذلك مأخوذ من السنة و اختلف في القدر الذي يقطع به يد السارق فقال أصحابنا يقطع في ربع دينار فصاعدا و هو مذهب الشافعي و الأوزاعي و أبي ثور و رووا عن عائشة عن النبي أنه قال لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا و ذهب أبو حنيفة و أصحابه أنه يقطع في عشرة دراهم فصاعدا و احتجوا بما روي عن عطا عن ابن عباس أن أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال و كان ثمن المجن على عهد رسول الله عشرة دراهم و ذهب مالك أنه يقطع في ثلاثة دراهم فصاعدا و روي عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قطع سارقا في ثمنه مجن ثلاثة دراهم و قال بعضهم لا تقطع الخمس إلا في خمسة دراهم و اختاره أبو علي الجبائي و قال لأنه بمنزلة من منع خمسة دراهم من الزكاة في أنه فاسق و قال بعضهم تقطع يد السارق في القليل و الكثير و إليه ذهب الخوارج و احتجوا بعموم الآية و بما روي عن النبي أنه قال لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده و يسرق الحبل فتقطع يده و هذا الخبر قد طعن أصحاب الحديث في سنده و ذكر أيضا في تأويله أن المراد بالبيضة بيضة الحديد التي تغفر الرأس في الحرب و بالحبل حبل السفينة و اختلف أيضا في كيفية القطع فقال أكثر الفقهاء أنه إنما يقطع من الرسغ و هو المفصل بين الكف و الساعد ثم أن عند الشافعي تقطع يده اليمني في المرة الأولى و رجله اليسرى في المرة الثانية و يده اليسرى في المرة الثالثة و رجله اليمني في المرة الرابعة و يحبس في المرة الخامسة و عند أبي حنيفة لا تقطع في الثالثة و قال أصحابنا أنه تقطع من أصول الأصابع و تترك له الإبهام و الكف و في المرة الثانية تقطع رجله اليسرى من أصل الساق و يترك عقبه يعتمد عليها في الصلاة فإن سرق بعد ذلك خلد في السجن و هو المشهور عن علي و أجمعت الطائفة عليه و قد استدل على ذلك أيضا بقوله « فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم » و لا شك في أنهم إنما يكتبونه بالأصابع و لا خلاف أن السارق إنما يجب عليه القطع إذا سرق من حرز إلا ما روي عن داود أنه قال يقطع السارق و إن سرق من غير حرز و الحرز في كل شيء إنما يعتبر فيه حرز مثله في العادة و حده عندنا كل موضع لم يكن لغير مالكه الدخول إليه و التصرف فيه إلا بإذنه « جزاء بما كسبا » أي افعلوا ذلك بها مجازاة بكسبهما و فعلهما « نكالا من الله » أي عقوبة على ما فعلاه قال زهير :
مجمع البيان ج : 3 ص : 298

و لو لا أن ينال أبا طريف
عذاب من خزيمة أو نكال أي عقوبة « فمن تاب من بعد ظلمه » أي أقلع و ندم على ما كان منه من فعل الظلم بالسرقة « و أصلح » أي و فعل الفعل الصالح الجميل « فإن الله يتوب عليه » أي يقبل توبته بإسقاط العقاب بها عن المعصية التي تاب منها و وصف الله بأنه يتوب على التائب فيه فائدة عظيمة و هي أن في ذلك ترغيبا للعاصي في فعل التوبة و لذلك وصف نفسه تعالى بالتواب الرحيم و وصف العبد بأنه تواب و معناه أواب و هو من صفات المدح « إن الله غفور رحيم » فيه دلالة على أن قبول التوبة تفضل من الله « أ لم تعلم » قيل هو خطاب للنبي و المراد به أمته كقوله « يا أيها النبي إذا طلقتم النساء و قيل هو خطاب للمكلفين و تقديره أ لم تعلم يا إنسان و إنما يتصل هذا الخطاب بما قبله اتصال الحجاج و البيان عن صحة ما تقدم من الوعد و الوعيد و الأحكام و معناه أ لم تعلم يا إنسان « أن الله له ملك السماوات و الأرض » أي له التصرف فيهما بلا دافع و لا منازع « يعذب من يشاء » إذا كان مستحقا للعقاب « و يغفر لمن يشاء » إذا عصاه و لم يتب لأنه إذا تاب فقد وعده تعالى بأنه لا يؤاخذه بذلك بعد التوبة و عند أهل الوعيد يقبح منه أن يؤاخذه بعد التوبة فعلى الوجهين مما لا تعلق لذلك بالمشيئة « و الله على كل شيء قدير » مر معناه .
* يَأَيُّهَا الرَّسولُ لا يحْزُنك الَّذِينَ يُسرِعُونَ فى الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا ءَامَنَّا بِأَفْوَهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا سمَّعُونَ لِلْكذِبِ سمَّعُونَ لِقَوْم ءَاخَرِينَ لَمْ يَأْتُوك يحَرِّفُونَ الْكلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَ إِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَ مَن يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِك لَهُ مِنَ اللَّهِ شيْئاً أُولَئك الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطهِّرَ قُلُوبَهُمْ لهَُمْ فى الدُّنْيَا خِزْىٌ وَ لَهُمْ فى الاَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ(41)

مجمع البيان ج : 3 ص : 299
اللغة
« سماعون للكذب » أي قابلون له يقال لا تستمع من فلان قوله أي لا تقبل و منه سمع الله لمن حمده أي تقبل الله منه حمده و فيه وجه آخر و هو أن معناه أنهم يسمعون منك ليكذبوا عليك و السماع الجاسوس و الفتنة الاختبار و أصله التخليص من قولهم فتنت الذهب في النار أي خلصته من الغش .

الإعراب
ارتفع سماعون لأنه خبر مبتدإ محذوف أي هم سماعون و يجوز أن يرتفع على معنى « و من الذين هادوا سماعون » فيكون مبتدءا على قول سيبويه و معمولا لمنهم على قول الأخفش تقديره و منهم فريق سماعون للكذب و قوله « لم يأتوك » في موضع جر لأنه صفة لقوم و قوله « يحرفون الكلم » صفة لقوله « سماعون » فيكون موضعه رفعا و يجوز أن يكون موضعه نصبا على أنه حال من الضمير في اسم الفاعل أي محرفين الكلم بمعنى مقدرين تحريفه أي يسمعون كلام النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و يقدرون في أنفسهم تحريف ما يسمعون كقولهم معه صقر صائدا به غدا و قوله « من بعد مواضعه » من باب حذف المضاف و التقدير من بعد وضعه كلامه مواضعه و لو قال في معناه عن مواضعه لجاز لأن معناهما متقارب كما يقال أتيتك بعد فراغي من الشغل و عن فراغي منه و لا يجوز أن يقول رميت بعد القوس بدلا من قولك رميت عن القوس لأن المعنى يختلف و ذلك أن عن لما عدا الشيء الذي هو كالسبب له و بعد إنما هو لما تأخر عن كون الشيء فما صح فيه معنى السبب و معنى التأخر جاز فيه الأمران و ما لم يصح فيه إلا أحد الأمرين لم يجز إلا أحد الحرفين .

النزول
قال الباقر (عليه السلام) و جماعة من المفسرين أن امرأة من خيبر ذات شرف بينهم زنت مع رجل من أشرافهم و هما محصنان فكرهوا رجمهما فأرسلوا إلى يهود المدينة و كتبوا إليهم أن يسألوا النبي عن ذلك طمعا في أن يأتي لهم برخصة فانطلق قوم منهم كعب بن الأشرف و كعب بن أسيد و شعبة بن عمرو و مالك بن الصيف و كنانة بن أبي الحقيق و غيرهم فقالوا يا محمد أخبرنا عن الزاني و الزانية إذا أحصنا ما حدهما فقال و هل ترضون بقضائي في ذلك قالوا نعم فنزل جبرائيل بالرجم فأخبرهم بذلك فأبوا أن يأخذوا به فقال جبرائيل اجعل بينك و بينهم ابن صوريا و وصفه له فقال النبي هل تعرفون شابا أمرد أبيض أعور يسكن فدكا يقال له ابن صوريا قالوا نعم قال فأي رجل هو فيكم قالوا أعلم يهودي بقي على ظهر الأرض بما أنزل الله على موسى قال فأرسلوا إليه ففعلوا فأتاهم عبد الله بن صوريا فقال له النبي إني أنشدك الله الذي لا إله إلا هو الذي أنزل التوراة على موسى و فلق لكم البحر و أنجاكم و أغرق
مجمع البيان ج : 3 ص : 300
آل فرعون و ظلل عليكم الغمام و أنزل عليكم المن و السلوى هل تجدون في كتابكم الرجم على من أحصن قال ابن صوريا نعم و الذي ذكرتني به لو لا خشية أن يحرقني رب التوراة إن كذبت أو غيرت ما اعترفت لك و لكن أخبرني كيف هي في كتابك يا محمد قال إذا شهد أربعة رهط عدول أنه قد أدخله فيها كما يدخل الميل في المكحلة وجب عليه الرجم قال ابن صوريا هكذا أنزل الله في التوراة على موسى فقال له النبي فما ذا كان أول ما ترخصتم به أمر الله قال كنا إذا زنى الشريف تركناه و إذا زنى الضعيف أقمنا عليه الحد فكثر الزنا في أشرافنا حتى زنى ابن عم ملك لنا فلم نرجمه ثم زنى رجل آخر فأراد الملك رجمه فقال له قومه لا حتى ترجم فلانا يعنون ابن عمه فقلنا تعالوا نجتمع فلنضع شيئا دون الرجم يكون على الشريف و الوضيع فوضعنا الجلد و التحميم و هو أن يجلد أربعين جلدة ثم يسود وجوههما ثم يحملان على حمارين و يجعل وجوههما من قبل دبر الحمار و يطاف بهما فجعلوا هذا مكان الرجم فقالت اليهود لابن صوريا ما أسرع ما أخبرته به و ما كنت لما أتينا عليك بأهل و لكنك كنت غائبا فكرهنا أن نغتابك فقال أنه أنشدني بالتوراة و لو لا ذلك لما أخبرته به فأمر بهما النبي فرجما عند باب مسجده و قال أنا أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأنزل الله فيه « يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب و يعفوا عن كثير » فقام ابن صوريا فوضع يديه على ركبتي رسول الله ثم قال هذا مقام العائذ بالله و بك أن تذكر لنا الكثير الذي أمرت أن تعفو عنه فأعرض النبي عن ذلك ثم سأله ابن صوريا عن نومه فقال تنام عيناي و لا ينام قلبي فقال صدقت و أخبرني عن شبه الولد بأبيه ليس فيه من شبه أمه شيء أو بأمه ليس فيه من شبه أبيه شيء فقال أيهما علا و سبق ماء صاحبه كان الشبه له قال قد صدقت فأخبرني ما للرجل من الولد و ما للمرأة منه قال فأغمي على رسول الله طويلا ثم خلي عنه محمرا وجهه يفيض عرقا فقال اللحم و الدم و الظفر و الشحم للمرأة و العظم و العصب و العروق للرجل قال له صدقت أمرك أمر نبي فأسلم ابن صوريا عند ذلك و قال يا محمد من يأتيك من الملائكة قال جبرائيل قال صفه لي فوصفه النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال أشهد أنه في التوراة كما قلت و إنك رسول الله حقا فلما أسلم ابن صوريا وقعت فيه اليهود و شتموه فلما أرادوا أن ينهضوا تعلقت بنو قريظة ببني النضير فقالوا يا محمد إخواننا بنو النضير أبونا واحد و ديننا واحد و نبينا واحد إذا قتلوا منا قتيلا لم يقد و أعطونا ديته سبعين وسقا من تمر و إذا قتلنا منهم
مجمع البيان ج : 3 ص : 301
قتيلا قتلوا القاتل و أخذوا منا الضعف مائة و أربعين وسقا من تمر و إن كان القتيل امرأة قتلوا بها الرجل منا و بالرجل منهم رجلين منا و بالعبد الحر منا و جراحاتنا على النصف من جراحاتهم فاقض بيننا و بينهم فأنزل الله في الرجم و القصاص الآيات .
المعنى
لما تقدم ذكر اليهود و النصارى عقبه سبحانه بتسلية النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أمانه من كيدهم فقال « يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون » أي لا يغمك و قرىء لا يحزنك و معناهما واحد « الذين يسارعون » أي مسارعة الذين يسارعون « في الكفر » أي يبادرون فيه بالإصرار عليه و التمسك به « من » المنافقين « الذين قالوا آمنا بأفواههم و لم تؤمن قلوبهم و من الذين هادوا » أي و من اليهود « سماعون للكذب » قيل هو كناية عن اليهود و المنافقين و قيل عن اليهود خاصة و المعنى سماعون قولك ليكذبوا عليك « سماعون » كلامك « لقوم آخرين لم يأتوك » ليكذبوا عليك إذا رجعوا أي هم عيون عليك لأنهم كانوا رسل خيبر و أهل خيبر لم يحضروا عن الحسن و الزجاج و اختاره أبو علي و قيل معنى سماعون أي قائلون للكذب سماعون لقوم آخرين أرسلوهم في قصة زان محصن فقالوا لهم إن أفتاكم محمد بالجلد فخذوه و إن أفتاكم بالرجم فلا تقبلوه لأنهم كانوا حرفوا حكم الرجم الذي في التوراة عن ابن عباس و جابر و سعيد بن المسيب و السدي و قيل إنما كان ذلك في قتيل منهم قالوا إن أفتاكم بالدية فاقبلوه و إن أفتاكم بالقود فاحذروه عن قتادة و قال أبو جعفر كان ذلك في أمر بني النضير و بني قريظة « يحرفون الكلم » أي كلام الله « من بعد مواضعه » أي من بعد أن وضعه الله مواضعه أي فرض فروضه و أحل حلاله و حرم حرامه يعني بذلك ما غيروه من حكم الله في الزنا و نقلوه من الرجم إلى أربعين جلدة عن جماعة من المفسرين و قيل نقلوا حكم القتل من القود إلى الدية حتى كثر القتل فيهم عن قتادة و قيل أراد به تحريفهم التوراة بتحليلهم الحرام و تحريمهم الحلال فيها و قيل معناه يحرفون كلام النبي بعد سماعه و يكذبون عليه عن الحسن و أبي علي الجبائي و كانوا يكتبون بذلك إلى خيبر و كان أهل خيبر حربا لرسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هذه تسلية للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقول أن اليهود كيف يؤمنون بك مع أنهم يحرفون كلام الله في التوراة و يحرفون كلامك « يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه و إن لم تؤتوه فاحذروا » أي يقول يهود خيبر ليهود المدينة إن أعطيتم هذا أي أن أمركم محمد بالجلد فاقبلوه و إن لم تعطوه يعني الجلد أي إن أفتاكم محمد بالرجم فاحذروه عن الحسن معناه أن أوتيتم الدية فاقبلوه و إن
مجمع البيان ج : 3 ص : 302
أوتيتم القود فلا تقبلوه « و من يرد الله فتنته » قيل فيه أقوال ( أحدها ) أن الفتنة العذاب أي من يرد الله عذابه كقوله تعالى « على النار يفتنون » أي يعذبون و قوله « ذوقوا فتنتكم » أي عذابكم عن الحسن و قتادة و اختاره الجبائي و أبو مسلم ( و ثانيها ) أن معناه من يرد الله هلاكه عن السدي و الضحاك ( و ثالثها ) أن المراد من يرد الله خزيه و فضيحته بإظهار ما ينطوي عليه عن الزجاج ( و رابعها ) أن المراد من يرد الله اختياره بما يبتليه به من القيام بحدوده فيدع ذلك و يحرفه و الأصح الأول « فلن تملك له من الله شيئا » أي فلن تستطيع أن تدفع لأجله من أمر الله الذي هو العذاب أو الفضيحة أو الهلاك شيئا « أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم » معناه أولئك اليهود لم يرد الله أن يطهر من عقوبات الكفر التي هي الختم و الطبع و الضيق قلوبهم كما طهر قلوب المؤمنين منها بأن كتب في قلوبهم الإيمان و شرح صدورهم للإسلام عن الجبائي و الحسن و قيل معناه لم يرد الله أن يطهرها من الكفر بالحكم عليها أنها بريئة منه ممدوحة بالإيمان عن البلخي قال القاضي و هذا لا يدل على أنه سبحانه لم يرد منهم الإيمان لأن ذلك لا يعقل من تطهير القلب إلا على جهة التوسع و لأن قوله « لم يرد الله أن يطهر قلوبهم » يقتضي نفي كونه مريدا و ليس فيه بيان الوجه الذي لم يرد ذلك عليه و المراد بذلك أنه لم يرد تطهير قلوبهم مما يلحقها من الغموم بالذم و الاستخفاف و العقاب و لذلك قال عقيبه « لهم في الدنيا خزي و لهم في الآخرة عذاب عظيم » و لو كان أراد ما قاله المجبرة لم تجعل ذلك ذما لهم و لا عقبه بالذم و لا جعله في حكم الجزاء على ما لأجله عاقبهم و أراد ذلك منهم و الخزي الذي لهم في الدنيا هو ما لحقهم من الذل و الصغار و الفضيحة بإلزام الجزية و إظهار كذبهم في كتمان الرجم و إجلاء بني النضير من ديارهم و خزي المنافقين باطلاع النبي على كفرهم .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page