• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثامن سورة الأنعام 119 الی 124


وَ مَا لَكُمْ أَلا تَأْكلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلا مَا اضطرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَ إِنَّ كَثِيراً لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائهِم بِغَيرِ عِلْم إِنَّ رَبَّك هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ(119) وَ ذَرُوا ظهِرَ الاثْمِ وَ بَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الاثْمَ سيُجْزَوْنَ بِمَا كانُوا يَقْترِفُونَ(120)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير حفص « فصل لكم » بالفتح ما حرم بالضم و قرأ أهل المدينة و حفص و يعقوب و سهل « فصل لكم ما حرم » كليهما بالفتح و قرأ الباقون فصل لكم ما حرم بالضم فيهما و قرأ ابن كثير و أبو عمرو و يعقوب ليضلون بفتح الياء هنا و في يونس ليضلوا عن سبيلك و في إبراهيم ليضلوا عن سبيله و في الحج ليضل عن سبيل الله و في لقمان و الزمر
مجمع البيان ج : 4 ص : 551
في المواضع الستة و قرأ أهل الكوفة بضم الياء في هذه المواضع و قرأ الباقون هنا و في سورة يونس بفتح الياء و في الأربعة بعد هذين الموضعين بضم الياء .

الحجة
حجة من ضم الفاء من فصل و الحاء من حرم قوله حرمت عليكم الميتة و الدم و لحم الخنزير فهذا تفصيل هذا العام المجمل بقوله حرم و هو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلا فمفصلا يدل على فصل و حجة من قرأ فصل و حرم بفتح الفاء و الحاء قوله قد فصلنا الآيات و قوله أتل ما حرم ربكم و قوله الذين يشهدون أن الله حرم هذا و حجة من ضم الياء من يضلون و يضلوا أنه يدل على أن الموصوف بذلك في الضلالة أذهب و من الهدى أبعد أ لا ترى أن كل مضل ضال و ليس كل ضال مضلا لأن الضلال قد يكون مقصورا على نفسه لا يتعداه إلى سواه و من قرأ بفتح الياء فإنه يريد أنهم يضلون في أنفسهم من غير أن يضلوا غيرهم من أتباعهم بامتناعهم من أكل ما ذكر اسم الله عليه و غير ذلك أي يضلون باتباع أهوائهم .

الإعراب و اللغة
« و ذروا » الواو للعطف و إنما استعمل منه الأمر و المستقبل و لا يستعمل وذر و لا واذر أشعروا بذلك كراهية الابتداء بالواو حتى لم يزيدوها هناك أصلا مع زيادتهم أخواتها و استغنوا فيها بترك و تارك و هذا كما استعملوا الماضي دون المستقبل و اسم الفاعل في عسى و الظاهر الكائن على وجه يمكن إدراكه و الباطن هو الكائن على وجه يتعذر إدراكه و الكسب ما يفعل لاجتلاب النفع أو دفع الضرر و إنما يوصف به العبد دون الله تعالى لاستحالة النفع و الضرر عليه سبحانه و الكواسب الجوارح من الطير لأنها تكسب ما تنتفع به و قد بينا أن معنى الاقتراف الاكتساب .

المعنى
ثم عطف سبحانه على ما تقدم من الكلام فقال « فكلوا » ثم اختلف في ذلك فقيل إنه لما ذكر المهتدين فكأنه قال و من الهداية أن تحلوا ما أحل الله و تحرموا ما حرم الله فكلوا و قيل إن المشركين لما قالوا للمسلمين أ تأكلون ما قتلتم أنتم و لا تأكلوا ما قتل ربكم فكأنه قال سبحانه لهم أعرضوا عن جهلكم فكلوا و المراد به الإباحة و إن كانت الصيغة صيغة الأمر « مما ذكر اسم الله عليه » يعني ذكر اسم الله عند ذبحه دون الميتة و ما ذكر عليه اسم الأصنام و الذكر هو قول بسم الله و قيل هو كل اسم يختص الله تعالى به أو صفة تختصه كقول
مجمع البيان ج : 4 ص : 552
باسم الرحمان أو باسم القديم أو باسم القادر لنفسه أو العالم لنفسه و ما يجري مجراه و الأول مجمع على جوازه و الظاهر يقتضي جواز غيره لقوله سبحانه « قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى » « إن كنتم ب آياته مؤمنين » بأن عرفتم و رسوله و صحة ما أتاكم به من عند الله فكلوا ما أحل دون ما حرم و في هذه الآية دلالة على وجوب التسمية على الذبيحة و على أن ذبائح الكفار لا يجوز أكلها لأنهم لا يسمون الله تعالى عليها و من سمى منهم لا يعتقد وجوب ذلك حقيقة و لأنه يعتقد أن الذي يسميه و هو الذي أبد شرع موسى أو عيسى فإذا لا يذكرون الله تعالى حقيقة « و ما لكم ألا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه » قد ذكرنا إعرابه في سورة البقرة عند قوله و ما لنا ألا نقاتل في سبيل الله و تقديره أي شيء لكم في أن لا تأكلوا فيكون ما للاستفهام و هو اختيار الزجاج و غيره من البصريين و معناه ما الذي يمنعكم أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عند ذبحه و قيل معناه ليس لكم أن لا تأكلوا فيكون ما للنفي « و قد فصل لكم » أي بين لكم « و ما حرم عليكم » قيل هو ما ذكر في سورة المائدة من قوله « حرمت عليكم الميتة و الدم » الآية و اعترض على هذا بأن سورة المائدة نزلت بعد الأنعام بمدة فلا يصح أن يقال أنه فصل إلا أن يحمل على أنه بين على لسان الرسول (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و بعد ذلك نزل به القرآن و قيل إنه ما فصل في هذه السورة في قوله قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما الآية « إلا ما اضطررتم إليه » معناه إلا ما خفتم على نفوسكم الهلاك من الجوع إذا تركتم التناول منه فحينئذ يجوز لكم تناوله و إن كان مما حرمه الله و اختلف في مقدار ما يسوغ تناوله عند الاضطرار فعندنا لا يجوز أن يتناول إلا ما يمسك به الرمق و قال قوم يجوز أن يشبع المضطر منها و أن يحمل منها معه حتى يجد ما يأكل و قال الجبائي في هذه الآية دلالة على أن ما يكره على أكله من هذه الأجناس يجوز أكله لأن المكره يخاف على نفسه مثل المضطر « و إن كثيرا ليضلون بأهوائهم » أي باتباع أهوائهم و من قرأ بالضم أراد أنهم يضلون أشياعهم فحذف المفعول به و في أمثاله كثرة و إنما جعل النكرة اسم أن لأن الكلام إذا طال احتمل ذلك و دل بعضه على بعض « بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين » المتجاوزين الحق إلى الباطل و الحلال إلى الحرام « و ذروا ظاهر الإثم و باطنه » أمر سبحانه بترك الإثم مع قيام الدلالة على كونه إثما و نهى عن ارتكابه سرا و علانية و هو قول قتادة و مجاهد و الربيع بن أنس و قيل أراد بالظاهر أفعال الجوارح و بالباطن أفعال القلوب عن الجبائي و قيل الظاهر من الإثم هو الزنا و الباطن هو اتخاذ الأخدان عن السدي و الضحاك و قيل ظاهر الإثم امرأة الأب و باطنه الزنا عن سعيد بن جبير و قيل إن أهل الجاهلية كانت ترى أن الزنا إذا أظهر كان فيه إثم و إذا استسر
مجمع البيان ج : 4 ص : 553
به صاحبه لم يكن إثما ذكره الضحاك و الأصح القول الأول لأنه يعم الجميع « إن الذين يكسبون الإثم » أي يعملون المعاصي التي فيها الآثام و يرتكبون القبائح « سيجزون » أي سيعاقبون « بما كانوا يقترفون » بما كانوا يكسبون و يرتكبون .
وَ لا تَأْكلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسقٌ وَ إِنَّ الشيَطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيَائهِمْ لِيُجَدِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لمَُشرِكُونَ(121)
المعنى
ثم أكد سبحانه ما تقدم بقوله « و لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه » يعني عند الذبح من الذبائح و هذا تصريح في وجوب التسمية على الذبيحة لأنه لو لم يكن كذلك لكان ترك التسمية غير محرم لها « و إنه لفسق » يعني و إن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه لفسق و في هذا دلالة على تحريم أكل ذبائح الكفار كلهم أهل الكتاب و غيرهم من سمي منهم و من لم يسم لأنهم لا يعرفون الله تعالى على ما ذكرناه من قبل فلا يصح منهم القصد إلى ذكر اسمه فأما ذبيحة المسلم إذا لم يسم الله تعالى عليها فقد اختلف في ذلك فقيل لا يحل أكلها سواء ترك التسمية عمدا أو نسيانا عن مالك و داود و روي ذلك عن الحسن و ابن سيرين و به قال الجبائي و قيل يحل أكلها في الحالين عن الشافعي و قيل يحل أكلها إذا ترك التسمية ناسيا بعد أن يكون معتقدا لوجوبها و يحرم أكلها إذا تركها متعمدا عن أبي حنيفة و أصحابه و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) « و إن الشياطين » يعني علماء الكافرين و رؤساءهم المتمردين في كفرهم « ليوحون » أي يؤمون و يشيرون « إلى أوليائهم » الذين اتبعوهم من الكفار « ليجادلوكم » في استحلال الميتة قال الحسن كان مشركو العرب يجادلون المسلمين فيقولون لهم كيف تأكلون مما تقتلونه أنتم و لا تأكلون مما قتله الله و قتيل الله أولى بالأكل من قتيلكم فهذه مجادلتهم و قال عكرمة إن قوما من مجوس فارس كتبوا إلى مشركي قريش و كانوا أولياءهم في الجاهلية أن محمدا و أصحابه يزعمون أنهم يتبعون أمر الله ثم يزعمون أن ما ذبحوه حلال و ما قتله الله حرام فوقع ذلك في نفوسهم فذلك إيحاؤهم إليهم و قال ابن عباس معناه و إن الشياطين من الجن و هم إبليس و جنوده ليوحون إلى أوليائهم من الإنس و الوحي
مجمع البيان ج : 4 ص : 554
إلقاء المعنى إلى النفس من وجه خفي و هم يلقون الوسوسة إلى قلوب أهل الشرك ثم قال سبحانه « و إن أطعتموهم » أيها المؤمنون فيما يقولون من استحلال الميتة و غيره « إنكم » إذا « لمشركون » لأن من استحل الميتة فهو كافر بالإجماع و من أكلها محرما لها مختارا فهو فاسق و هو قول الحسن و جماعة المفسرين و قال عطا أنه مختص بذبائح العرب التي كانت تذبحها للأوثان .
أَ وَ مَن كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَهُ وَ جَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشى بِهِ فى النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فى الظلُمَتِ لَيْس بخَارِج مِّنهَا كَذَلِك زُيِّنَ لِلْكَفِرِينَ مَا كانُوا يَعْمَلُونَ(122) وَ كَذَلِك جَعَلْنَا فى كلِّ قَرْيَة أَكبرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكرُوا فِيهَا وَ مَا يَمْكرُونَ إِلا بِأَنفُسِهِمْ وَ مَا يَشعُرُونَ(123)
القراءة
قرأ أهل المدينة و يعقوب ميتا بالتشديد و الباقون بالتخفيف .

الحجة
قال أبو عبيدة الميتة تخفيف ميتة و معناهما واحد قال أبو الرعلاء الغساني :
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيبا
كاسفا باله قليل الرجاء و المحذوف من الياءين الثانية المنقلبة عن الواو و أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب .

اللغة
الأكابر جمع الأكبر و قد قالوا الأكابرة و الأصاغرة كما قالوا الأساورة و الأحامرة قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 4 ص : 555

إن الأحامرة الثلاثة أهلكت
ما لي و كنت بهن قدما مولعا
الخمر و اللحم السمين أحبه
و الزعفران و قد أبيت مردعا و أصل المكر الفتل و منه جارية ممكورة أي مفتلة البدن فكان المكر معناه الفتل إلى خلاف الرشد .

الإعراب
« أ و من » هذه همزة الاستفهام دخلت على واو العطف و هو استفهام يراد به التقرير و موضع الكاف في قوله « و كذلك جعلنا » نصب معطوفة على ما قبلها و هو قوله « كذلك زين للكافرين » مجرميها يجوز أن يكون منصوبا على التقديم و التأخير تقديره جعلنا في كل قرية مجرميها أكابر و يجوز أن يكون منصوبا بإضافة أكابر إليه .

النزول
الآية الأولى قيل أنها نزلت في حمزة بن عبد المطلب و أبي جهل بن هشام و ذلك أن أبا جهل آذى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأخبر بذلك حمزة و هو على دين قومه فغضب و جاء و معه قوس فضرب بها رأس أبي جهل و آمن عن ابن عباس و قيل إنها نزلت في عمار بن ياسر حين آمن و أبي جهل عن عكرمة و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و قيل نزلت في عمر بن الخطاب عن الضحاك و قيل أنها عامة في كل مؤمن و كافر عن الحسن و جماعة و هذا أولى لأنه أعم فائدة فيدخل فيه جميع الأقوال المذكورة .

المعنى
ثم ذكر سبحانه مثل الفريقين فقال « أ و من كان ميتا فأحييناه » أي كافرا فأحييناه بأن هديناه إلى الإيمان عن ابن عباس و الحسن و مجاهد شبه سبحانه الكفر بالموت و الإيمان بالحياة و قيل معناه من كان نطفة فأحييناه كقوله و كنتم أمواتا فأحياكم « و جعلنا له نورا يمشي به في الناس » قيل فيه وجوه ( أحدها ) أن المراد بالنور العلم و الحكمة سمى سبحانه ذلك نورا و الجهل ظلمة لأن العلم يهتدى به إلى الرشاد كما يهتدى بالنور في الطرقات ( و ثانيها ) أن المراد بالنور هنا القرآن عن مجاهد ( و ثالثها ) أن المراد به الإيمان عن ابن عباس « كمن مثله في الظلمات » لم يقل سبحانه كمن هو في الظلمات تقديره كمن مثله مثل من هو في الظلمات يعني به الكافر الذي هو في ظلمة الكفر و قيل معناه كمن هو في ظلمات الكفر « ليس بخارج منها » لكنه ذكره بلفظ المثل ليبين أنه بلغ في الكفر و الحيرة

بعدی
مجمع البيان ج : 4 ص : 556
غاية يضرب به المثل فيها و إنما سمى الله تعالى الكافر ميتا لأنه لا ينتفع بحياته و لا ينتفع غيره بحياته فهو أسوء حالا من الميت إذ لا يوجد من الميت ما يعاقب عليه و لا يتضرر غيره به و سمي المؤمن حيا لأن له و لغيره المصلحة و المنفعة في حياته و كذلك سمي الكافر ميتا و المؤمن حيا في عدة مواضع مثل قوله « إنك لا تسمع الموتى » و « لينذر من كان حيا » و قوله « و ما يستوي الأحياء و لا الأموات » و سمي القرآن و الإيمان و العلم نورا لأن الناس يبصرون بذلك و يهتدون به من ظلمات الكفر و حيرة الضلالة كما يهتدي بسائر الأنوار و سمي الكفر ظلمة لأن الكافر لا يهتدي بهداه و لا يبصر أمر رشده و هذا كما سمي الكافر أعمى في قوله « أ فمن يعلم إنما أنزل إليك من ربك الحق كمن هو أعمى » و قوله « و ما يستوي الأعمى و البصير » « كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون » وجه التشبيه بالكافر أن معناه زين لهؤلاء الكفر فعملوه مثل ما زين لأولئك الإيمان فعملوه فشبه حال هؤلاء في التزيين بحال أولئك فيه كما قال سبحانه كل حزب بما لديهم فرحون و روي عن الحسن أنه قال زينه و الله لهم الشيطان و أنفسهم و استدل بقوله « و إن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم » و قوله « زين » لا يقتضي مزينا غيرهم لأنه بمنزلة قوله تعالى « أنى يصرفون » و « أنى يؤفكون » و قول العرب أعجب فلان بنفسه و أولع بكذا و مثله كثير « و كذلك جعلنا في كل قرية أكابر » أي مثل ذلك الذي قصصنا عليك زين للكافرين عملهم و مثل ذلك جعلنا في كل قرية أكابر « مجرميها » و جعلنا ذا المكر من المجرمين كما جعلنا ذا النور من المؤمنين فكل ما فعلنا بهؤلاء فعلنا بأولئك إلا أن أولئك اهتدوا بحسن اختيارهم و هؤلاء ضلوا بسوء اختيارهم لأن في كل واحد منهما الجعل بمعنى الصيرورة إلا أن الأول باللطف و الثاني بالتمكين من المكر و إنما خص أكابر المجرمين بذلك دون الأصاغر لأنه أليق بالاقتدار على الجميع لأن الأكابر إذا كانوا في قبضة القادر فالأصاغر بذلك أجدر و اللام في قوله « ليمكروا فيها » لام العاقبة و يسمى لام الصيرورة كما في قوله سبحانه « ليكون لهم عدوا و حزنا » و كما قال الشاعر :
فأقسم لو قتلوا مالكا
لكنت لهم حية راصدة
و أم سماك فلا تجزعي
فللموت ما تلد الوالدة « و ما يمكرون إلا بأنفسهم و ما يشعرون » لأن عقاب ذلك يحل بهم و لا يصح أن يمكر الإنسان بنفسه على الحقيقة لأنه لا يصح أن يخفي عن نفسه معنى ما يحتال به عليها و يصح أن يخفي ذلك عن غيره و فائدة الآية أن أكابر مجرميها لم يمكروا بالمؤمنين على وجه
مجمع البيان ج : 4 ص : 557
المغالبة لله إذ هم كأنه سبحانه جعلهم ليمكروا و هذه مبالغة في انتفاء صفة المغالبة .
وَ إِذَا جَاءَتْهُمْ ءَايَةٌ قَالُوا لَن نُّؤْمِنَ حَتى نُؤْتى مِثْلَ مَا أُوتىَ رُسلُ اللَّهِ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْث يجْعَلُ رِسالَتَهُ سيُصِيب الَّذِينَ أَجْرَمُوا صغَارٌ عِندَ اللَّهِ وَ عَذَابٌ شدِيدُ بِمَا كانُوا يَمْكُرُونَ(124)
القراءة
قرأ ابن كثير و حفص « رسالته » على التوحيد و نصب التاء و الباقون رسالاته على الجمع .

الحجة
من وحد فلأن الرسالة تدل على القلة و الكثرة لكونها مصدرا و من جمع فلما تكرر من رسالات الله سبحانه مرة بعد أخرى .

اللغة
الأجرام الإقدام على القبيح بالانقطاع إليه لأن أصل الجرم القطع فكأنه قطع ما يجب أن يوصل من العمل و منه قيل للذنب الجرم و الجريمة و الصغار الذل الذي يصغر إلى المرء نفسه يقال صغر الإنسان يصغر صغارا و صغرا .

الإعراب
الله أعلم حيث يجعل رسالاته لا يخلو حيث هنا من أن يكون ظرفا متضمنا لحرفه أو غير ظرف فإن كان ظرفا فلا يجوز أن يعمل فيه أعلم لأنه يصير المعنى أعلم في هذا الموضع أو في هذا الوقت و لا يوصف تعالى بأنه أعلم في مواضع أو في أوقات كما يقال زيد أعلم في مكان كذا أو أعلم في زمان كذا و إذا كان الأمر كذلك لم يجز أن يكون حيث هنا ظرفا و إذا لم يكن ظرفا كان اسما و كان انتصابه انتصاب المفعول به على الاتساع و يقوي ذلك دخول الجار عليها فكان الأصل الله أعلم بمواضع رسالاته ثم حذف الجار كما قال سبحانه أعلم بمن ضل عن سبيله و في موضع آخر أعلم من يضل عن سبيله فمن يضل معمول فعل مضمر دل عليه أعلم و لا يجوز أن يكون معمول أعلم لأن المعاني لا تعمل في مواضع الاستفهام و نحوه إنما تعمل فيها الأفعال التي تلغى فتعلق كما تلغى و مثل ذلك في أنه لا يكون إلا محمولا على فعل قوله :
و أضرب منا بالسيوف القوانس ) فالقوانس منصوب
مجمع البيان ج : 4 ص : 558
بفعل مضمر دل عليه قوله اضرب لأن المعاني لا تعمل في المفعول به و مما جعل حيث فيه اسما متمكنا غير ظرف متضمن لمعنى في قول الشاعر :
كان منها حيث تلوي المنطقا
حقفا نقا مالا على حقفي نقا أ لا ترى أن حيث هنا في موضع نصب بكان و حقفا نقا مرفوع بأنه خبره و قال القاضي أبو سعيد السيرافي في شرح كتاب سيبويه أن من العرب من يضيف حيث إلى المفرد فيجر ما بعدها و أنشد ابن الأعرابي بيتا آخره :
حيث لي العمايم ) و أنشد أيضا أبو سعيد و أبو علي في إخراج حيث من حد الظرفية بالإضافة إليها إلى حد الأسماء المحضة قول الشاعر يصف شيخا يقتل القمل :
يهز الهرانع عقده عند الخصى
بأذل حيث يكون من يتذلل و من ذلك قول الفرزدق :
فمحن به عذبا رضابا غروبه
رقاق و أعلى حيث ركبن أعجف و قوله « صغار عند الله » قال الزجاج عند متصلة بسيصيب أي سيصيبهم عند الله صغار و جاز أن يكون عند متصلة بصغار فيكون المعنى سيصيب الذين أجرموا صغار ثابت لهم عند الله و لا يصلح أن يكون من محذوفة من عند إنما المحذوف من عند في إذا قلت زيد عند عمرو فالمعنى زيد في حضرة عمرو قال أبو علي إذا قلت أن عند معمول لصغار لم تحتج إلى تقدير محذوف في الكلام لكن نفس المصدر يتناوله و يعمل فيه و يكون التقدير أن يصغروا عند الله فلا وجه لتقدير ثابت في الكلام فإن قدرت صغارا موصوفا بعند لم يكن عند معمولا لصغار و لكن يكون متعلقا بمحذوف فلا بد على هذا من تقدير ثابت و نحوه ما يكون في الأصل صفة ثم حذف و أقيم الظرف مقامه للدلالة عليه و هذا كقولك و أنت تريد الصفة هذا رجل عندك فالمعنى ثابت عندك أو مستقر عندك و كلا الوجهين جائز .

مجمع البيان ج : 4 ص : 559
النزول
نزلت في الوليد بن المغيرة قال و الله لو كانت النبوة حقا لكنت أولى بها منك لأني أكبر منك سنا و أكثر منك مالا و قيل نزلت في أبي جهل بن هشام قال زاحمنا بني عبد مناف في الشرف حتى إذا صرنا كفرسي رهان قالوا منا نبي يوحى إليه و الله لا نؤمن به و لا نتبعه أبدا إلا أن يأتينا وحي كما يأتيه عن مقاتل .

المعنى
ثم حكى سبحانه عن الأكابر الذين تقدم ذكرهم اقتراحاتهم الباطلة فقال « و إذا جاءتهم آية » أي دلالة معجزة من عند الله تعالى تدل على توحيده و صدق نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « قالوا لن نؤمن » أي لن نصدق بها « حتى نؤتى » أي نعطي آية معجزة « مثل ما أوتي » أي أعطي « رسل الله » حسدا منهم للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ثم أخبر سبحانه على وجه الإنكار عليهم بقوله « الله أعلم حيث يجعل رسالته » أنه أعلم منهم و من جميع الخلق بمن يصلح لرسالاته و يتعلق مصالح الخلق ببعثه و أنه يعلم من يقوم بأعباء الرسالة و من لا يقوم بها فيجعلها عند من يقوم بأدائها و يحتمل ما يلحقه من المشقة و الأذى على تبليغها ثم توعدهم سبحانه فقال « سيصيب » أي سينال « الذين أجرموا » أي انقطعوا إلى الكفر و أقدموا عليه يعني بهم المشركين من أكابر القرى الذين سبق ذكرهم « صغار عند الله » أي سيصيبهم عند الله ذل و هوان و إن كانوا أكابر في الدنيا عن الزجاج و يجوز أن يكون المعنى سيصيبهم صغار معد لهم عند الله أو سيصيبهم أن يصغروا عند الله « و عذاب شديد بما كانوا يمكرون » في الدنيا أي جزاء على مكرهم .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page