• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثاني عشر سورة هودآیات38الى45


وَ يَصنَعُ الْفُلْك وَ كلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِن تَسخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسخَرُونَ(38) فَسوْف تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يخْزِيهِ وَ يحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُّقِيمٌ(39)
اللغة
الابتئاس حزن في استكانة و أنشد أبو عبيدة :
ما يقسم الله أقبل غير مبتئس
منه و أقعد كريما ناعم البال و هو افتعال من البؤس و قد يكون البؤس بمعنى الفقر أيضا و الصنع جعل الشيء موجودا بعد أن كان معدوما و مثله الفعل و ينفصلان من الحدوث من حيث إن الصنعة يقتضي صانعا و الفعل يقتضي فاعلا من حيث اللفظ و ليس كذلك الحدوث لأنه يفيد تجدد الوجود لا غير و الصناعة الحرفة التي يكتسب بها و الفلك السفينة و يكون واحدا و جمعا و السخرية إظهار خلاف الإبطان على وجه يفهم منه استضعاف العقل و منه التسخير التذليل يكون استضعافا بالقهر و الفرق بين السخرية و اللعب أن في السخرية خديعة و استنقاصا و لا يكون إلا بحيوان و قد يكون اللعب بجماد و الحلول النزول للمقام و هو من الحل خلاف الارتحال و حلول العرض وجوده في الجوهر من غير شغل حيز و المصحح للحلول التحيز .

الإعراب
سوف ينقل الفعل من الحال إلى الاستقبال مثل السين سواء إلا أن فيه معنى التسويف و هو تعليق النفس بما يكون من الأمور من يأتيه قيل في من هذه قولان ( أحدهما ) أن يكون بمعنى أي فكأنه قال أينا يأتيه عذاب يخزيه ( و الآخر ) أن يكون بمعنى الذي و المعنى واحد و من إذا كانت للاستفهام استغنت عن الصلة كما استغنت كيف و كم عن الصلة و إذا كانت بمعنى الذي فلا بد لها من الصلة لأن البيان مطلوب من المسئول دون السائل .

المعنى
« و أوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن » أعلم الله سبحانه نوحا أنه لن يؤمن به أحد من قومه في المستقبل « فلا تبتئس » أي لا تغتم و لا تحزن « بما كانوا يفعلون » و العقل لا يدل على أن قوما لا يؤمنون في المستقبل و إنما طريق ذلك السمع فلما علم أن أحدا منهم لا يؤمن في ما بعد و لا من نسلهم دعا عليهم فقال رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك و لا يلدوا إلا فاجرا كفارا فلما أراد الله سبحانه إهلاكهم أمر نبيه باتخاذ السفينة له و لقومه فقال « و اصنع الفلك » أي أعمل السفينة لتركبها أنت و من آمن بك « بأعيننا » أي بمرأى منا عن ابن عباس و التأويل بحفظنا
مجمع البيان ج : 5 ص : 241
إياك حفظ الرائي لغيره إذا كان يدفع الضرر عنه و ذكر الأعين لتأكيد الحفظ و قيل أراد بالأعين الملائكة الموكلين بك و بحضرتهم و هم ينظرون بأعينهم إليك و إنما أضاف ذلك إلى نفسه إكراما و تعظيما لهم و قوله « و وحينا » معناه و على ما أوحينا إليك من صفتها و حالها عن أبي مسلم و قيل المراد بوحينا إليك أن اصنعها و ذلك أنه (عليه السلام) لم يعلم صنعة الفلك فعلمه الله تعالى عن ابن عباس أي فإنا نوحي إليك بما تحتاج إليه من طوله و عرضه و هيأته « و لا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون » أي لا تسألني العفو عن هؤلاء الذين كفروا من قومك و لا تشفع لهم فإنهم مغرقون عن قريب و هذا غاية في الوعيد كما يقول الملك لوزيره لا تذكر حديث فلان بين يدي و قيل إنه عنى به امرأته و ابنه و إنما نهاه عن ذلك ليصونه عن سؤال ما لا يجاب إليه و ليصرف عنه مأثم الممالأة للطغاة « و يصنع الفلك » أي و جعل نوح (عليه السلام) يصنع الفلك كما أمره الله تعالى و قيل و أخذ نوح في صنعه السفينة بيده فجعل ينحتها و يسويها و أعرض عن قوله « و كلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه » أي كلما اجتاز به جماعة من أشراف قومه و رؤسائهم و هو يعمل السفينة هزؤا من فعله و قيل إنهم كانوا يقولون له يا نوح صرت نجارا بعد النبوة على طريق الاستهزاء و قيل إنما كانوا يسخرون من عمل السفينة لأنه كان يعملها في البر على صفة من الطول و العرض و لا ماء هناك يحمل مثلها فكانوا يتضاحكون و يتعجبون من عمله « قال » أي كان يقول لهم « إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون » و المراد أن تستجهلونا في هذا الفعل فإنا نستجهلكم عند نزول العذاب بكم كما تستجهلونا عن الزجاج و قيل معناه فإنا نجازيكم على سخريتكم عند الغرق و الهلاك و أراد به تعذيب الله إياهم فسمى الجزاء باسم المجزي به و يحتمل أن يريد فإنا نسخر منكم بعد الغرق على وجه الشماتة لا على وجه السفه « فسوف تعلمون » أينا أحق بالسخرية أو تعلمون عاقبة سخريتكم « من يأتيه عذاب يخزيه » هذا ابتداء كلام من نوح و الأظهر أن يكون متصلا بما قبله أي فسوف تعلمون أينا يأتيه عذاب يهينه و يفضحه في الدنيا و يكون يخزيه صفة العذاب « و يحل عليه عذاب مقيم » أي و ينزل عليه عذاب دائم في الآخرة .

] القصة [
قال الحسن كان طول السفينة ألف ذراع و مائتي ذراع و عرضها ستمائة ذراع و قال قتادة كان طولها ثلاثمائة ذراع و عرضها خمسين ذراعا و ارتفاعها ثلاثين ذراعا و بابها في عرضها و قال ابن عباس كانت ثلاث طبقات طبقة للناس و طبقة للأنعام و الدواب و طبقة للهوام و الوحش و جعل أسفلها للوحوش و السباع و الهوام و أوسطها للدواب و الأنعام و ركب هو و من معه في الأعلى مع ما يحتاج إليه من الزاد و كانت من خشب الساج و روت عائشة عن
مجمع البيان ج : 5 ص : 242
النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه قال مكث نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى الله تعالى حتى إذا كان آخر زمانهم غرس شجرة فعظمت و ذهبت كل مذهب فقطعها و جعل يعمل على سفينته و قومه يمرون عليه فيسألونه فيقول أعمل سفينة فيسخرون منه و يقولون تعمل سفينة على البر فكيف تجري فيقول سوف تعلمون فلما فرغ منها و فار التنور و كثر الماء في السكك خشيت أم صبي عليه و كانت تحبه حبا شديدا فخرجت إلى الجبل حتى بلغت ثلثه فلما بلغها الماء خرجت به حتى بلغت ثلثيه فلما بلغها الماء خرجت به حتى استوت على الجبل فلما بلغ الماء رقبتها رفعته بيديها حتى ذهب بها الماء فلو رحم الله منهم أحدا لرحم أم الصبي و روى علي بن إبراهيم عن أبيه عن صفوان عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لما أراد الله إهلاك قوم نوح عقم أرحام النساء أربعين سنة فلم يلد لهم مولود و لما فرغ نوح من اتخاذ السفينة أمره الله تعالى أن ينادي بالسريانية أن يجمع إليه جميع الحيوانات فلم يبق حيوان إلا و قد حضر فأدخل من كل جنس من أجناس الحيوان زوجين ما خلا الفأر و السنور و إنهم لما شكوا إليه سرقين الدواب و القذر دعا بالخنزير فمسح جبينه فعطس فسقط من أنفه زوج سنور و كان الذين آمنوا به من جميع الدنيا ثمانين رجلا و في حديث آخر إنهم شكوا إليه العذرة فأمر الله الفيل فعطس فسقط الخنزير و روى الشيخ أبو جعفر في كتاب النبوة بإسناده عن حنان بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال آمن مع نوح من قومه ثمانية نفر .

مجمع البيان ج : 5 ص : 243
حَتى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَ فَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِن كلّ زَوْجَينِ اثْنَينِ وَ أَهْلَك إِلا مَنْ سبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَ مَنْ ءَامَنَ وَ مَا ءَامَنَ مَعَهُ إِلا قَلِيلٌ(40) * وَ قَالَ ارْكبُوا فِيهَا بِسمِ اللَّهِ مجْراهَا وَ مُرْساهَا إِنَّ رَبى لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ(41) وَ هِىَ تجْرِى بِهِمْ فى مَوْج كالْجِبَالِ وَ نَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَ كانَ فى مَعْزِل يَبُنىَّ ارْكب مَّعَنَا وَ لا تَكُن مَّعَ الْكَفِرِينَ(42) قَالَ سئَاوِى إِلى جَبَل يَعْصِمُنى مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَن رَّحِمَ وَ حَالَ بَيْنهُمَا الْمَوْجُ فَكانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ(43)
القراءة
قرأ حفص عن عاصم « من كل زوجين » منونا و في المؤمنين كذلك و قرأ الباقون من كل زوجين مضافا و قرأ أهل الكوفة غير أبي بكر « مجريها » بفتح الميم و الباقون بضم الميم و اتفقوا على ضم الميم في « مرسيها » إلا ما يرى في الشواذ عن ابن محيصن أنه فتح الميم فيهما و قرأ عاصم « يا بني اركب معنا » بفتح الياء و الباقون بالكسر و روي عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) و أبي جعفر محمد بن علي و جعفر بن محمد (عليهماالسلام) و عروة بن الزبير و نادى نوح ابنه و روي عن عكرمة ابنها و عن السدي ابناه و عن ابن عباس ابنه على الوقف .

الحجة
الوجه في قراءة حفص ما قاله أبو الحسن إن الاثنين زوجان قال الله تعالى « و من كل شيء خلقنا زوجين » و المرأة زوج الرجل و الرجل زوجها قال و قد يقال للاثنين هما زوج قال لبيد :
من كل محفوف يظل عصية
زوج عليه كلة و قرامها قال أبو علي من قرأ « من كل زوجين » كان قوله « اثنين » مفعول الحمل و المعنى احمل من الأزواج إذا كانت اثنين اثنين زوجين فالزوجان في قوله من كل زوجين يراد بهما الشياع و ليس يراد بهما الناقص عن الثلاثة و مثل ذلك قول الشاعر :
فاعمد لما يعلو فما لك بالذي
لا تستطيع من الأمور يدان إنما يريد تشديد انتفاء قوته عنه و تكثيره و يبين هذا المعنى قول الفرزدق :
و كل رفيقي كل رحل و إن هما
تعاطى القنا قوما هما أخوان فرفيقان اثنان لا يكونان رفيقي كل رحل و إنما يريد الرفقاء إذا كانوا رفيقين و من نون فقال « من كل زوجين » فحذف المضاف إليه من كل و نون فالمعني من كل شيء و من كل زوج

بعدی
مجمع البيان ج : 5 ص : 244
زوجين اثنين فيكون انتصاب اثنين على أنه صفة لزوجين فإن قلت فالزوجان قد فهم أنهما اثنان فكيف جاز وصفهما بقوله « اثنين » فإنما جاز ذلك للتأكيد و التشديد كما قال لا تتخذوا إلهين اثنين و قد جاء في غير هذا من الصفات ما مصرفة إلى التأكيد كقولهم أمس الدابر و نفخة واحدة و نعجة واحدة قال و مناة الثالثة الأخرى قال أبو علي و يجوز في قوله « بسم الله مجريها و مرساها » أن يكون حالا من شيئين من الضمير الذي في قوله « اركبوا » و من الضمير الذي في فيها فإن جعلت قوله « بسم الله » خبر مبتدإ مقدما في قول من لم يرفع بالظرف أو جعلت قوله « مجريها » مرتفعا بالظرف لم يكن قوله « بسم الله مجريها » إلا جملة في موضع الحال من الضمير الذي في فيها و لا يجوز أن يكون من الضمير الذي في قوله « اركبوا » لأنه لا ذكر فيها يرجع إلى الضمير أ لا ترى أن الظرف في قول من رفع بالظرف قد ارتفع به الظاهر و في قول من رفع في هذا النحو بالابتداء قد جعل في الظرف ضمير المبتدأ فإذا كان كذلك خلت الجملة من ذكر يعود إلى ذي الحال من الحال و إذا خلا من ذلك لم يكن إلا حالا من الضمير الذي في فيها و يجوز أن يكون بسم الله حالا من الضمير الذي في قوله « اركبوا » على أن لا يكون الظرف خبرا عن الاسم الذي هو مجريها على ما كان في الوجه الأول و يكون حالا من الضمير على حد قولك خرج بثيابه و ركب في سلاحه و المعنى ركب مستعدا بسلاحه و متلبسا بثيابه و في التنزيل و قد دخلوا بالكفر و هم قد خرجوا به فكان المعنى اركبوا متبركين باسم الله و متمسكين بذكر اسم الله و يكون في باسم الله ذكر يعود إلى المأمورين فإن قلت فكيف يكون اتصال المصدر الذي هو مجريها بالكلام على هذا فإنه يكون متعلقا بما في باسم الله من معنى الفعل و جاز تعلقه به لأنه يكون ظرفا على نحو مقدم الحاج و خفوق النجم كأنهم متبركين بهذا الاسم أو متمسكين به في وقت الجري أو الإجراء و الرسو أو الإرساء على حسب الخلاف بين القراء فيه و لا يكون الظرف متعلقا باركبوا لأن المعنى ليس عليه أ لا ترى أن المعنى لا يراد اركبوا فيها في وقت الجري و الثبات إنما المعنى اركبوا الآن متبركين باسم الله في الوقتين اللذين لا ينفك الراكبون فيها من الإجراء و الإرساء ليس يراد اركبوا وقت الجري و الرسو فموضع مجريها نصب على هذا الوجه بأنه ظرف عمل فيه المعنى و في الوجه الأول رفع بالابتداء أو بالظرف و يدل على أنه في الوجه الأول رفع و إن كان ذلك الفعل الذي كان يتعلق به لا يعتبر به الآن قول الشاعر أنشده الأصمعي :
وا بأبي أنت و فوك الأشنب
كأنما ذر عليه الزرنب
مجمع البيان ج : 5 ص : 245
و حجة من فتح مجريها قوله « و هي تجري بهم » و لو كان مجريها لكان و هي تجريهم و حجة من ضم إن جرت بهم و أجرتهم يتقاربان في المعنى يقال جرى الشيء و أجريته و جريت به و أما قوله « يا بني » فقد قال أبو علي الكسر في الياء الوجه في يا بني و ذلك أن اللام من ابن ياء أو واو حذفت في ابن كما حذفت في اسم و اثنين فإذا حقرت ألحقت ياء التحقير فلزم أن ترد اللام الذي حذفت لأنك لو لم تردها لوجب أن تحرك بالتحقير بحركات الإعراب و تعاقبها عليها و هي لا تحرك أبدا بحركة الإعراب و لا غيرها أ لا ترى أن من حذف الهمزة الساكن ما قبلها في نحو الخبء لم يفعل ذلك في الهمز نحو أفياس إنما يبدل من الهمزة ياء و يدغم فيها ياء التحقير كما يفعل ذلك مع ياء خطية و واو مقروة و نحو ذلك من حروف المد التي لا تتحرك فإذا تبينت أن ياء التحقير أجريت هذا المجرى علمت أنها لا تتحرك كما لا تتحرك حروف المد التي أجريت بالتحقير مجراها فلو لم ترد اللام مع ياء التحقير و جعلتها محذوفة في التحقير كما حذفتها في التكبير للزم الياء التي للتحقير الانقلاب كما لزم سائر حروف الإعراب فيبطل دلالتها على التحقير كما أن الألف في التكسير لو حركتها لبطلت دلالتها على التكسير و لذلك رددت اللام فإذا رددت اللام و أضفتها إلى نفسك اجتمعت ثلاث ياءات الأولى منها التي للتحقير و الثانية لام الفعل و الثالثة التي للإضافة تقول هذا بني فإذا ناديت جاز فيها وجهان إثبات الياء و حذفها فمن قال يا عبادي فأثبت فقياس قوله أن يقول بنيي و من قال يا عباد قال يا بني فحذف الياء التي للإضافة و أبقى الكسرة دالة عليها و هذا الوجه هو الجيد عندهم و من قرأ « يا بني » بالفتح فالقول فيه أنه أراد به الإضافة كما أرادها في قوله يا بني إذا كسر الياء التي هي لام الفعل كأنه قال يا بنيي بإثبات ياء الإضافة ثم أبدل من الكسرة الفتحة و من الياء الألف فصار يا بنيا كما قال الشاعر :
يا بنت عما لا تلومي و اهجعي ثم حذف الألف كما كان حذف الياء في يا بني و قد حذفت الياء التي للإضافة إذا أبدلت الألف منها أنشد أبو الحسن :
فلست بمدرك ما فأت مني
بلهف و لا بليت و لا لو أني إنما هو بلهفا قال أبو عثمان و وضع الألف مكان الياء في الإضافة مطرد و أجاز يا زيدا أقبل إذا أردت الإضافة فقال و على هذا قراءة من قرأ يا أبت لم تعبد و يا قوم لا أسألكم و أنشد :
و هل جزع أن قلت وا بتاهما و أما من قرأ و نادى نوح ابنه فإنه أراد ابنها كما روي عن
مجمع البيان ج : 5 ص : 246
عكرمة و المعنى ابن امرأته لأنه قد جرى ذكرها في قوله سبحانه « و أهلك » فحذف الألف تخفيفا كما قلنا في بني بالفتح و يا أبت و أما قراءة السدي ابناه فإنه يريد به الندبة و هو على الحكاية أي قال له يا ابناه و وا ابناه فأما ابنه بالسكون فعلى ما جاء في نحو قوله :
و مطواي مشتاقان له أرقان .

اللغة
الفور الغليان و أصله الارتفاع فار القدر يفور فورا و فؤرا و فورانا ارتفع ما فيه بالغليان و منه قولهم فعل ذلك من فوره أي من قبل أن يسكن و الإرساء إمساك السفينة بما تقف عليه يقال أرساها الله فرست قال عنترة :
فصبرت نفسا عند ذلك حرة
ترسو إذا نفس الجبان تطلع و الموج جمع موجة و هي قطعة عظيمة ترتفع عن جملة الماء الكثير و العصمة المنع .

الإعراب
حتى متعلقة بقوله و اصنع الفلك بأعيننا لا عاصم ركب عاصم مع لا فبني لأنهما بالتركيب صارا كاسم واحد و قيل إنه بني لتضمنه معنى من لأن هذا جواب هل من عاصم و حق الجواب أن يكون وفق السؤال فكان يجب أن يقول لا من عاصم إلا أن من حذفت و تضمن الكلام معناه فبني الاسم لذلك و هذا وجه حسن و اليوم خبر و العامل فيه المحذوف لا قوله عاصم لأنه لو عمل فيه عاصم لصار من صلته فكان يجب تنوينه لأنه يشبه المضاف كما تقول لا ضاربا زيدا في دارك و لم يقرأ أحد لا عاصما اليوم و قيل أن خبره قوله « من أمر الله » و التقدير لا ذا عصمة كائن من أمر الله في اليوم و اليوم معمول الظرف و إن تقدم عليه كما جاز كل يوم لك ثوب و لا يجوز أن يتعلق اليوم بنفس أمر لأن أمرا مصدر فلا يتقدم عليه ما في صلته و من رحم فيه ثلاثة أقوال ( أحدها ) أن يكون استثناء منقطعا لأن التقدير إلا من رحمه الله فيكون من مفعولا و استثناء من عاصم و عاصم فاعل فكأنه قال لكن من رحمه الله معصوم ( و ثانيها ) أن يكون المعنى لا عاصم إلا من رحمنا فكأنه قال لا عاصم إلا الله ( و الثالث ) أن عاصم هاهنا بمعنى معصوم و تقديره لا معصوم من أمر الله إلا من رحمه الله و قد يأتي فاعل بمعنى مفعول كقوله في عيشة راضية أي مرضية و ماء دافق أي مدفوق و قال الحطيئة :
دع المكارم لا ترحل لبغيتها
و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
مجمع البيان ج : 5 ص : 247
أي المكسو و على القولين الأخيرين يكون الاستثناء متصلا و قال ابن كيسان لما قال « لا عاصم » كان معناه لا معصوم لأن في نفي العاصم نفي المعصوم ثم قال « إلا من رحم » فاستثناه على المعنى فيكون متصلا .

المعنى
ثم أخبر سبحانه عن إهلاك قوم نوح فقال « حتى إذا جاء أمرنا » و المعنى فذلك حاله و حالهم حتى إذا جاء قضاؤنا بنزول العذاب « و فار التنور » بالماء أي ارتفع الماء بشدة اندفاع و في التنور أقوال ( أولها ) أنه تنور الخابزة و أنه تنور كان لآدم فار الماء منه علامة لنوح (عليه السلام) إذ نبع الماء من موضع غير معهود خروجه منه عن ابن عباس و الحسن و مجاهد ثم اختلف في ذلك فقال قوم أن التنور كان في دار نوح (عليه السلام) بعين وردة من أرض الشام و قال قوم بل كان في ناحية الكوفة و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) و روى المفضل بن عمر عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث طويل قال كان التنور في بيت عجوز مؤمنة في دير قبلة ميمنة مسجد الكوفة قال قلت فكيف كان بدء خروج الماء من ذلك التنور قال نعم إن الله أحب أن يري قوم نوح آية ثم أن الله سبحانه أرسل عليهم المطر يفيض فيضا و فاض الفرات فيضا و فاضت العيون كلها فيضا فغرقهم الله و أنجى نوحا و من معه في السفينة فقلت فكم لبث نوح في السفينة حتى نضب الماء فخرجوا منها فقال لبث فيها سبعة أيام بلياليها فقلت له إن مسجد الكوفة لقديم فقال نعم و هو مصلى الأنبياء و لقد صلى فيه رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) حين أسري به إلى السماء قال له جبرائيل (عليه السلام) يا محمد هذا مسجد أبيك آدم و مصلى الأنبياء فانزل فصل فيه فنزل فصلى فيه ثم أن جبرائيل (عليه السلام) عرج به إلى السماء و في رواية أخرى أن السفينة استقلت بما فيها فجرت على ظهر الماء مائة و خمسين يوما بلياليها و روى أبو عبيدة الحذاء عن أبي جعفر (عليه السلام) قال مسجد كوفان وسطه روضة من رياض الجنة الصلاة فيه بسبعين صلاة صلى فيه ألف نبي و سبعون نبيا فيه فار التنور و جرت السفينة و هو سرة بابل و مجمع الأنبياء (عليهم السلام) ( و ثانيها ) أن التنور وجه الأرض عن ابن عباس و الزهري و عكرمة و اختاره الزجاج و يؤيده قوله « و فجرنا الأرض عيونا » ( و ثالثها ) أن معنى قوله « و فار التنور » طلع الفجر و ظهرت أمارات دخول النهار و تقضي الليل من قولهم نور الصبح تنويرا و روي ذلك عن علي (عليه السلام) ( و رابعها ) أن التنور أعلى الأرض و أشرفها و المعنى نبع الماء من الأمكنة المرتفعة فشبهت بالتنانير لعلوها عن قتادة ( و خامسها ) أن فار التنور معناه اشتد غضب الله عليهم و وقعت نقمته بهم كما تقول العرب حمي الوطيس إذا اشتد الحرب و فار قدر القوم إذا اشتد حربهم قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 5 ص : 248

تفور علينا قدرهم فنذيمها
و نفثاها عنا إذا حميها غلا يريد بالقدر الحرب و نذيمها نسكنها و هذا أبعد الأقوال من الأثر و حمل الكلام على الحقيقة التي تشهد بها الرواية أولى « قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين » أي قلنا لنوح (عليه السلام) لما فار الماء من التنور احمل في السفينة من كل جنس من الحيوان زوجين أي ذكر و أنثى و قد ذكرنا المعنى في حجة القراءتين « و أهلك » أي و احمل أهلك و ولدك « إلا من سبق عليه القول » أي من سبق الوعد بإهلاكه و الإخبار بأنه لا يؤمن و هي امرأته الخائنة و اسمها واغلة و ابنها كنعان « و من آمن » أي و احمل فيها من آمن بك من غير أهلك ثم أخبر سبحانه فقال « و ما آمن معه إلا قليل » أي إلا نفر قليل و هم ثمانون إنسانا في قول الأكثرين و قيل اثنان و سبعون رجلا و امرأة و بنوه الثلاثة و نساؤهم فهم ثمانية و سبعون نفسا و حمل معه جسد آدم (عليه السلام) عن مقاتل و قيل عشرة أنفس عن ابن إسحاق و قيل ثمانية أنفس عن ابن جريج و قتادة و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل سبعة أنفس عن الأعمش و كان فيهم بنوه الثلاثة سام و حام و يافث و ثلاث كنائن لهم فالعرب و الروم و فارس و أصناف العجم ولد سام و السودان من الحبش و الزنج و غيرهم ولد حام و الترك و الصين و الصقالبة و يأجوج و مأجوج ولد يافث « و قال اركبوا فيها » أي و قال نوح لمن آمن معه اركبوا في السفينة و في الكلام حذف تقديره فلما فار التنور و وقف نوح على ما دله الله عليه من هلاك الكفار قال لأهله و قومه « اركبوا فيها بسم الله مجريها و مرسيها » أي متبركين باسم الله أو قائلين بسم الله وقت إجرائها و وقت إرسائها أي إثباتها و حبسها و قيل معناه بسم الله إجراؤها و إرساؤها و قد ذكرنا تفسيره في الحجة و قال الضحاك كانوا إذا أرادوا أن تجري السفينة قالوا بسم الله مجريها فجرت و إذا أرادوا أن تقف السفينة قالوا بسم الله مرسيها فوقفت « إن ربي لغفور رحيم » هذا حكاية عما قاله نوح لقومه و وجه اتصاله بما قبله أنه لما ذكرت النجاة بالركوب في السفينة ذكرت النعمة بالمغفرة و الرحمة لتجتلبا بالطاعة كما اجتلبت النجاة بركوب السفينة « و هي تجري بهم في موج كالجبال » معناه أن السفينة كانت تجري بنوح و من معه على الماء في أمواج كالجبال في عظمها و ارتفاعها و دل بتشبيهها بالجبال على أن ذلك لم يكن موجا واحدا بل كان كثيرا و روي عن الحسن إن الماء ارتفع فوق كل شيء و فوق كل جبل ثلاثين ذراعا و قال غيره خمسة عشر ذراعا و قيل أن سفينة نوح سارت لعشر مضين من رجب فسارت ستة أشهر حتى
مجمع البيان ج : 5 ص : 249
طافت الأرض كلها لا تستقر في موضع حتى أتت الحرم فطافت بموضع الكعبة أسبوعا و كان الله سبحانه رفع البيت إلى السماء ثم سارت بهم حتى انتهت إلى الجودي و هو جبل بأرض الموصل فاستقرت عليه اليوم العاشر من المحرم و روى أصحابنا عن أبي عبد الله (عليه السلام) أن نوحا ركب السفينة في أول يوم من رجب فصام و أمر من معه أن يصوموا ذلك اليوم و قال من صام ذلك اليوم تباعدت عنه النار مسيرة سنة « و نادى نوح ابنه » كنعان و قيل أن اسمه يأم « و كان في معزل » أي في قطعة من الأرض غير القطعة التي كان نوح فيها حين ناداه و قيل معناه كان في ناحية من دين أبيه أي قد اعتزل دينه و كان نوح يظن أنه مسلم فلذلك دعاه و قيل كان في معزل من السفينة « يا بني اركب معنا و لا تكن مع الكافرين » دعا ابنه إلى أن يركب معه في السفينة ليسلم من الغرق قال الحسن كان ينافق أباه فلذلك دعاه و قال أبو مسلم دعاه بشرط الإيمان و معناه يا بني آمن بالله ثم اركب معنا و لا تكن على دين الكافرين و على القول الأول يكون معناه لا تتخلف مع الكافرين فتغرق معهم فأجابه ابنه « قال س آوي إلى جبل » أي سأرجع إلى مأوى من جبل « يعصمني من الماء » أي يمنعني من آفات الماء « قال » نوح « لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم » أي لا مانع و لا دافع اليوم من عذاب الله إلا من رحمه الله بإيمانه ف آمن بالله يرحمك الله « و حال بينهما الموج فكان » أي فصار « من المغرقين » .
وَ قِيلَ يَأَرْض ابْلَعِى مَاءَكِ وَ يَسمَاءُ أَقْلِعِى وَ غِيض الْمَاءُ وَ قُضىَ الأَمْرُ وَ استَوَت عَلى الجُْودِى وَ قِيلَ بُعْداً لِّلْقَوْمِ الظلِمِينَ(44)
اللغة
البلع إجراء الشيء في الحلق إلى الجوف و الإقلاع إذهاب الشيء من أصله حتى لا يرى له أثر يقال أقلعت السماء إذا ذهب مطرها حتى لا يبقى شيء منه و أقلع عن الأمر إذا تركه رأسا .

المعنى
ثم بين سبحانه الحال بعد انتهاء الطوفان فقال « و قيل يا أرض ابلعي ماءك » أي قال الله سبحانه للأرض أنشفي ماءك الذي نبعت به العيون و اشربي ماءك حتى لا يبقى على وجهك شيء منه و هذا إخبار عن ذهاب الماء عن وجه الأرض بأوجز مدة فجرى مجرى أن قيل لها ابلعي فبلعت « و يا سماء أقلعي » أي و قال تعالى للسماء يا سماء أمسكي
مجمع البيان ج : 5 ص : 250
عن المطر و هذا إخبار عن إقشاع السحاب و انقطاع المطر في أسرع زمان فكأنه قال لها أقلعي فأقلعت « و غيض الماء » أي ذهب به عن وجه الأرض إلى باطنه و المعنى و نشفت الأرض ماءها و يقال أن الأرض ابتلعت جميع مائها و ماء السماء لقوله « و غيض الماء » و يقال لم تبتلع ماء السماء لقوله « ابلعي ماءك » و إن ماء السماء صار بحارا و أنهارا و هو المروي عن أئمتنا (عليهم السلام) « و قضي الأمر » أي وقع إهلاك الكفار على التمام و فرغ من الأمر و قيل و قضي الأمر بنجاة نوح و من معه « و استوت على الجودي » أي استقرت السفينة على الجبل المعروف قال الزجاج هو بناحية آمد و قال غيره بقرب جزيرة الموصل قال زيد بن عمرو بن نفيل :
سبحانه ثم سبحانا يعود له
و قبله سبح الجودي و الجمد و قال أبو مسلم الجودي اسم لكل جبل و أرض صلبة و في كتاب النبوة مسندا إلى أبي بصير عن أبي الحسن علي بن موسى بن جعفر (عليه السلام) قال كان نوح لبث في السفينة ما شاء الله و كانت مأمورة فخلى سبيلها فأوحى الله إلى الجبال إني واضع سفينة نوح على جبل منكن فتطاولت الجبال و شمخت و تواضع الجودي و هو جبل بالموصل فضرب جؤجؤ السفينة الجبل فقال نوح عند ذلك يا ماريا أتقن و هو بالعربية يا رب أصلح و في رواية أخرى يا رهمان أتقن و تأويله يا رب أحسن و قيل أرست السفينة على الجودي شهرا « و قيل بعدا للقوم الظالمين » أي قال الله تعالى ذلك و معناه أبعد الله الظالمين من رحمته لإيرادهم أنفسهم مورد الهلاك و إنما انتصب على المصدر و فيه معنى الدعاء و يجوز أن يكون هذا من قول الملائكة أو من قول نوح و المؤمنين و في هذه الآية من بدائع الفصاحة و عجائب البلاغة ما لا يقارب كلام البشر و لا يدانيه منها أنه خرج مخرج الأمر و إن كانت الأرض و السماء من الجماد ليكون أدل على الاقتدار و منها حسن تقابل المعنى و ائتلاف الألفاظ و منها حسن البيان في تصوير الحال و منها الإيجاز من غير إخلال إلى غير ذلك مما يعلمه من تدبره و له معرفة بكلام العرب و محاوراتهم و يروى أن كفار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن فعكفوا على لباب البر و لحوم الضأن و سلاف الخمر أربعين يوما لتصفو أذهانهم فلما أخذوا فيما أرادوا سمعوا هذه الآية فقال بعضهم لبعض هذا كلام لا يشبهه شيء من الكلام و لا يشبه كلام المخلوقين و تركوا ما أخذوا فيه و افترقوا .

مجمع البيان ج : 5 ص : 251
وَ نَادَى نُوحٌ رَّبَّهُ فَقَالَ رَب إِنَّ ابْنى مِنْ أَهْلى وَ إِنَّ وَعْدَك الْحَقُّ وَ أَنت أَحْكَمُ الحَْكِمِينَ(45)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page