• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء التاسع عشر سورة الفرقان آیات68الی77


وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً ءَاخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْس الَّتى حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ وَ مَن يَفْعَلْ ذَلِك يَلْقَ أَثَاماً(68) يُضعَف لَهُ الْعَذَاب يَوْمَ الْقِيَمَةِ وَ يخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً(69) إِلا مَن تَاب وَ ءَامَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صلِحاً فَأُولَئك يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسنَت وَ كانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً(70)
القراءة
قرأ أهل الكوفة غير عاصم سرجا بضمتين من غير ألف و الباقون « سراجا » و قرأ حمزة و خلف أن يذكر خفيفا و الباقون يذكر بتشديدتين و قرأ أهل المدينة و ابن عامر يقتروا بضم الياء و قرأ أهل الكوفة بفتح الياء و ضم التاء و قرأ أهل البصرة و ابن كثير بفتح الياء و كسر التاء و قرأ أبو جعفر و ابن عامر و يعقوب و سهل يضعف له العذاب بالتشديد و الجزم و « يخلد » بالجزم و قرأ ابن عامر يضعف بالتشديد و الرفع و يخلد بالرفع و قرأ أبو بكر يضاعف بالألف و الرفع و يخلد بالرفع و قرأ نافع و أبو عمرو و أهل الكوفة إلا أبا بكر « يضاعف » بالألف و الجزم « و يخلد » بالجزم و قرأ ابن كثير و حفص فيهي مهانا بإشباع كسرة الهاء و ذلك مذهب ابن كثير في جميع القرآن و وافقه حفص في هذا الموضع فقط و قرأ يبدل الله بسكون الباء البرجمي عن أبي بكر مختلفا عنه و الباقون بالتشديد .

الحجة
من قرأ « سراجا » فحجته قوله « و جعل فيها سراجا » و من قرأ سرجا فحجته قوله « و لقد زينا السماء الدنيا بمصابيح » فشبهت الكواكب بالمصابيح كما شبهت المصابيح بالكواكب في قوله الزجاجة كأنها كوكب دري و إنما المصباح الزجاجة في المعنى و قد سبق
مجمع البيان ج : 7 ص : 277
القول في يذكر و يذكر فيما مضى و الإقتار خلاف الإيسار قال الشاعر :
لكم مسجد الله المزوران و الحصى
لكم قبصة من بين أثرى و أقترا تقديره من بين رجل أثرى و رجل أقترا فأقام الصفة مقام الموصوف و مثله في التنزيل و من أهل المدينة مردوا على النفاق قال أبو علي يجوز أن يكون على قبيل مردوا مثل قوله و من آياته يريكم البرق و أما قتر يقتر و يقتر فمثل عكف يعكف و يعكف و عرش يعرش و يعرش فمن ضم الياء أراد لم يقتروا في إنفاقهم لأن المسرف مشرف على الإقتار و من فتح الياء فالمعنى لم يضيقوا في الإنفاق و من قرأ يضاعف بالجزم جعله بدلا من الفعل الذي هو جزاء الشرط و هو قوله « يلق أثاما » و ذلك أن تضعيف العذاب هو لقي جزاء الآثام في المعنى و مثله قول الشاعر
إن يجبنوا أو يغدروا أو يبخلوا لا يحفلوا
يغدوا عليك مرجلين كأنهم لم يفعلوا فغدوهم مرجلين في المعنى ترك الاحتفال و قد أبدل من الشرط كما أبدل من الجزاء و ذلك في قول الشاعر
متى تأتنا ثلمم بنا في ديارنا
تجد حطبا جزلا و نارا تأججا فأبدل تلمم من تأتنا لأن الإلمام إتيان في المعنى قال أبو علي و مثل حذف الجزاء الذي هو مضاف في المعنى في قوله « يلق أثاما » أي جزاء أثام قوله ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا و هو واقع بهم المعنى من جزاء ما كسبوا و قال أبو عبيدة « يلق أثاما » أي عقوبة و أنشد لمسافع الليثي
جزى الله ابن عروة حيث أمسى
عقوقا و العقوق له أثام قال و ابن عروة رجل من ليث كان دل عليهم ملكا من غسان فأغار عليهم قال أبو علي و يمكن أن يكون هذا من قول بشر :
مجمع البيان ج : 7 ص : 278

فكان مقامنا ندعو عليهم
بأسفل ذي المجاز له أثام و من رفع يضاعف و يخلد قطعه عما قبله و استأنف و أما يضاعف و يضعف فهما في المعنى سواء و كذلك و يبدل و يبدل .

اللغة
قال أبو عبيدة الخلفة كل شيء بعد شيء الليل خلفة النهار و النهار خلفة الليل لأن أحدهما يخلف الآخر قال زهير
بها العين و الآرام يمشين خلفة
و أطلاؤها ينهضن من كل مجثم و الهون مصدر إلهين في السكينة و الوقار و الغرام أشد العذاب و هو اللازم الملح و منه الغريم لملازمته و إلحاحه و فلان مغرم بالنساء أي ملازم لهن لا يصبر عنهن قال بشر بن أبي حازم :
و يوم النسار و يوم الجفار
كانا عذابا و كانا غراما و قال آخر :
إن يعاقب يكن غراما و إن يعط
جزيلا فإنه لا يبالي .

الأعراب
« الذين يمشون » خبر المبتدأ الذي هو « عباد الرحمن » و يجوز أن يكون خبره أولئك يجزون الغرفة و يكون « الذين يمشون » صفة العباد و « هونا » في موضع الحال و « سلاما » نصب على المصدر بفعل محذوف و تقديره فتسلم منكم سلاما لا نجاهلكم كأنهم قالوا تسلما منكم .
و « مستقرا و مقاما » منصوبان على التمييز و المخصوص بالذم محذوف و تقديره ساءت مستقرا جهنم « و كان بين ذلك قواما » أي كان الإنفاق ذا قوام بين الإسراف و الإقتار فقوله « بين ذلك » تبيين لقوام و إن شئت علقته بنفس كان و إن شئت علقته بخبر كان أي ثابتا بين ذلك فيكون خبرا بعد خبر .

المعنى
ثم مدح سبحانه نفسه بأن قال « تبارك » و قد مر معناه في أول السورة
مجمع البيان ج : 7 ص : 279
« الذي جعل في السماء بروجا » يريد منازل النجوم السبعة السيارة التي هي زحل و المشتري و المريخ و الشمس و الزهرة و عطارد و القمر و هي اثنا عشر برجا الحمل و الثور و الجوزاء و السرطان و الأسد و السنبلة و الميزان و العقرب و القوس و الجدي و الدلو و الحوت و قيل هي النجوم الكبار عن الحسن و مجاهد و قتادة و سميت بروجا لظهورها « و جعل فيها سراجا » يعني الشمس و من قرأ سرجا أراد الشمس و الكواكب معها « و قمرا منيرا » أي مضيئا بالليل إذا لم تكن شمس « و هو الذي جعل الليل و النهار خلفة » أي يخلف كل واحد منهما صاحبه فيما يحتاج أن يعمل فيه فمن فاته عمل الليل استدركه بالنهار و من فاته عمل النهار استدركه بالليل و هو قوله « لمن أراد أن يذكر » عن عمر بن الخطاب و ابن عباس و الحسن و روي ذلك عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال تقضي صلاة النهار بالليل و صلاة الليل بالنهار و قيل معناه أنه جعل كل واحد منهما مخالفا لصاحبه فجعل أحدهما أسود و الآخر أبيض عن مجاهد « لمن أراد أن يذكر » أي يتفكر و يستدل بذلك على أن لهما مدبرا و مصرفا لا يشبههما و لا يشبهانه فيوجه العبادة إليه « أو أراد شكورا » يقال شكر يشكر شكرا و شكورا أي أراد شكر نعمة ربه عليه فيهما و على القول الأول فمعناه أو أراد النافلة بعد أداء الفريضة « و عباد الرحمن » يريد أفاضل عباده و هذه إضافة التخصيص و التشريف كما يقال ابني من يطيعني أي ابني الذي أنا عنه راض و يكون توبيخا لأولاده الذين لا يطيعونه « الذين يمشون على الأرض هونا » أي بالسكينة و الوقار و الطاعة غير أشرين و لا مرحين و لا متكبرين و لا مفسدين عن ابن عباس و مجاهد و قال أبو عبد الله (عليه السلام) هو الرجل يمشي بسجيته التي جبل عليها لا يتكلف و لا يتبختر و قيل معناه حلماء علماء لا يجهلون و إن جهل عليهم عن الحسن و قيل أعفاء أتقياء عن الضحاك « و إذا خاطبهم الجاهلون » بما يكرهونه أو يثقل عليهم « قالوا » في جوابه « سلاما » أي سدادا من القول لا يقابلونهم بمثل قولهم من الفحش عن مجاهد و قيل سلاما أي قولا يسلمون فيه من الإثم أو سلموا عليهم دليله قوله و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه و قالوا لنا أعمالنا و لكم أعمالكم سلام عليكم و قال قتادة كانوا لا يجاهلون أهل الجهل و قال ابن عباس لا يجهلون مع من يجهل قال الحسن هذه صفة نهارهم إذا انتشروا في الناس و ليلهم خير ليل إذا خلوا فيما بينهم و بين ربهم يراوحون بين أطوافهم و هو قوله « و الذين يبيتون لربهم سجدا و قياما » قال الزجاج كل من أدركه الليل فقد بات نام أو لم ينم و المعنى يبيتون لربهم بالليل في الصلاة ساجدين و قائمين طالبين لثواب ربهم فيكونون سجدا في مواضع السجود و قياما في مواضع القيام « و الذين يقولون ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غراما » أي يدعون بهذا القول و غراما أي لازما ملحا دائما غير مفارق « إنها ساءت
مجمع البيان ج : 7 ص : 280
مستقرا و مقاما » أي إن جهنم بئس موضع قرار و إقامة هي « و الذين إذا أنفقوا لم يسرفوا و لم يقتروا » و اختلف في معنى الإسراف فقيل هو النفقة في المعاصي و الإقتار الإمساك عن حق الله تعالى عن ابن عباس و قتادة و قيل السرف مجاوزة الحد في النفقة و الإقتار التقصير عما لا بد منه عن إبراهيم النخعي و روي عن معاذ أنه قال سألت رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عن ذلك فقال من أعطى في غير حق فقد أسرف و من منع عن حق فقد قتر و روي عن أمير المؤمنين عليه أفضل الصلاة أنه قال ليس في المأكول و المشروب سرف و إن كثر « و كان بين ذلك قواما » أي و كان إنفاقهم بين الإسراف و الإقتار لا إسرافا يدخلون به في حد التبذير و لا تضييقا يصيرون به في حد المانع لما يجب و هذا هو المحمود و القوام من العيش ما أقامك و أغناك و قيل القوام بالفتح و هو العدل و الاستقامة و بالكسر ما يقوم به الأمر و يستقر عن تغلب و قال أبو عبد الله (عليه السلام) القوام هو الوسط و قال (عليه السلام) أربعة لا يستجاب لهم دعوة رجل فاتح فاه جالس في بيته فيقول يا رب ارزقني فيقول له أ لم آمرك بالطلب و رجل كانت له امرأة يدعو عليها يقول يا رب أرحني منها فيقول أ لم أجعل أمرها بيدك و رجل كان له مال فأفسده فيقول يا رب ارزقني فيقول أ لم آمرك بالاقتصاد و رجل كان له مال فأدانه بغير بينة فيقول أ لم آمرك بالشهادة « و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر » أي لا يجعلون لله سبحانه شريكا بل يوجهون عبادتهم إليه وحده « و لا يقتلون النفس التي حرم الله » أي حرم الله قتلها « إلا بالحق » و النفس المحرم قتلها نفس المسلم و المعاهد و المستثناة قتلها نفس الحربي و من يجب قتلها على وجه القود و الارتداد أو للزنا بعد الإحصان و للسعي في الأرض بالفساد « و لا يزنون » و الزنا هو الفجور بالمرأة في الفرج و في هذا دلالة على أن أعظم الذنوب بعد الشرك القتل و الزنا و روى البخاري و مسلم في صحيحيهما بالإسناد عن عبد الله بن مسعود قال سألت رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أي الذنب أعظم قال إن تجعل لله ندا و هو خلقك قال قلت ثم أي قال إن تقتل ولدك مخافة أن يطعم معك قال قلت ثم أي قال إن تزاني حليلة جارك فأنزل الله تصديقها « و الذين لا يدعون مع الله إلها آخر » الآية « و من يفعل ذلك » قال مقاتل هذه الخصال جميعا « يلق أثاما » أي عقوبة و جزاء لما فعل قال الفراء أثمه الله يأثمه إثما و أثاما أي جزاه جزاء الإثم و قال الشاعر :
و هل يأثمني الله في أن ذكرتها
و عللت أصحابي بها ليلة النفر
مجمع البيان ج : 7 ص : 281
و قيل إن أثاما اسم واد في جهنم عن عبد الله بن عمر و قتادة و مجاهد و عكرمة ثم فسر سبحانه لقي الآثام بقوله « يضاعف له العذاب يوم القيامة » يريد سبحانه مضاعفة أجزاء العذاب لا مضاعفة الاستحقاق لأنه تعالى لا يجوز أن يعاقب بأكثر من الاستحقاق لأن ذلك ظلم و هو منفي عنه و قيل معناه أنه يستحق على كل معصية منها عقوبة فيضاعف عليه العقاب و قيل المضاعفة عذاب الدنيا و عذاب الآخرة عن قتادة « و يخلد فيه مهانا » أي و يدوم في العذاب مستحقا به و إنما قال ذلك لأنه عز اسمه قد يوصل الآلام إلى بعض المكلفين لا على وجه الاستخفاف و الإهانة فبين أنه يوصل العقاب إليهم على وجه الإهانة ثم استثنى من جملتهم التائب بقوله « إلا من تاب و آمن و عمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات » قال قتادة إلا من تاب من ذنبه و آمن بربه و عمل عملا صالحا فيما بينه و بين ربه قال و التبديل في الدنيا طاعة الله بعد عصيانه و ذكر الله بعد نسيانه و الخير يعمله بعد الشر و قيل يبدلهم الله بقبائح أعمالهم في الشرك محاسن الأعمال في الإسلام بالشرك إيمانا و بقتل المؤمنين قتل المشركين و بالزنا عفة و إحصانا عن ابن عباس و مجاهد و السدي و قيل إن معناه أن يمحو السيئة عن العبد و يثبت له بدلها الحسنة عن سعيد بن المسيب و مكحول و عمرو بن ميمون و احتجوا بالحديث الذي رواه مسلم في الصحيح مرفوعا إلى أبي ذر قال قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يؤتى بالرجل يوم القيامة فيقال أعرضوا عليه صغار ذنوبه و نحوا عنه كبارها فيقال عملت يوم كذا و كذا كذا و كذا و هو مقر لا ينكر و هو مشفق من الكبائر فيقال أعطوه مكان كل سيئة عملها حسنة فيقول أن لي ذنوبا ما أراها هاهنا قال و لقد رأيت رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ضحك حتى بدت نواجذه « و كان الله غفورا » أي ساترا لمعاصي عباده « رحيما » أي منعما عليهم بالرحمة الفضل .

مجمع البيان ج : 7 ص : 282
وَ مَن تَاب وَ عَمِلَ صلِحاً فَإِنَّهُ يَتُوب إِلى اللَّهِ مَتَاباً(71) وَ الَّذِينَ لا يَشهَدُونَ الزُّورَ وَ إِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كرَاماً(72) وَ الَّذِينَ إِذَا ذُكرُوا بِئَايَتِ رَبِّهِمْ لَمْ يخِرُّوا عَلَيْهَا صمًّا وَ عُمْيَاناً(73) وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَب لَنَا مِنْ أَزْوَجِنَا وَ ذُرِّيَّتِنَا قُرَّةَ أَعْين وَ اجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً(74) أُولَئك يجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صبرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيهَا تحِيَّةً وَ سلَماً(75) خَلِدِينَ فِيهَا حَسنَت مُستَقَرًّا وَ مُقَاماً(76) قُلْ مَا يَعْبَؤُا بِكمْ رَبى لَوْ لا دُعَاؤُكمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسوْف يَكونُ لِزَامَا(77)
القراءة
قرأ أبو عمرو و أهل الكوفة غير حفص و ذريتنا و الباقون « ذرياتنا » على الجمع و قرأ يلقون بفتح الياء و التخفيف أهل الكوفة غير حفص و الباقون « يلقون » بضم الياء و التشديد و في قراءة أهل البيت (عليهم السلام) و اجعل لنا من المتقين إماما و القراءة المشهورة « و اجعلنا للمتقين إماما » و في قراءة ابن عباس و ابن الزبير فقد كذب الكافرون .

الحجة
قال أبو علي الذرية تكون واحدة و تكون جمعا فمن قرأ و ذريتنا على الإفراد فإنه أراد به الجمع فاستغنى عن جمعه لما كان جمعا و من جمع فكما يجمع هذه الأسماء التي تدل على الجمع نحو قوم و أقوام و جاء في الحديث صواحبات يوسف و حجة من قرأ « و يلقون » قوله و لقاهم نضرة و سرورا و حجة من خفف فسوف يلقون غيا و من قرأ فقد كذب الكافرون ترك لفظ الحضور إلى الغيبة أ لا ترى أن قبله « قل ما يعبؤ بكم ربي لو لا دعاؤكم » .

اللغة
القرة مصدر يقال قرت عينه قرة و يكون من القرور و هو برد العين عند السرور و يكون أيضا من استقرارها عند السرور و قوله إماما مصدر من أم فلان فلانا إماما كما قيل قام قياما و صام صياما و لذلك وحده هنا من جمع إماما فقال أئمة فلأنه قد كثر في معنى الصفة و قيل إنه إنما وحد لأنه جاء على الجواب كقول القائل من أميركم فيقول المجيب هؤلاء أميرنا قال الشاعر .

يا عاذلاتي لا تردن ملامتي
إن العواذل لسن لي بأمير و قيل إنما وحد لأن المعنى و اجعل كل واحد منا إماما فأجمل فالمعنى معنى التفصيل و قال الزجاج تأويل « ما يعبؤ بكم » أي وزن يكون لكم عنده كما يقال ما عبأت بفلان أي ما كان له عندي وزن و لا قدر و أصل العبء في اللغة الثقل و قيل أصله من تهيئة الشيء يقال عبئت الطيب أعبؤ عبا إذا هيأته قال الشاعر يصف أسدا

بعدی
مجمع البيان ج : 7 ص : 283

كأن بنحره و بمنكبيه
عبيرا ، بات تعبأه عروس أي تهيئة و عبأت الجيش بالتشديد و التخفيف إذا هيأته و ما أعبؤ به أي لا أهيء به أمرا .

المعنى
ثم قال سبحانه « و من تاب » أي أقلع عن معاصيه و ندم عليها « و عمل صالحا فإنه يتوب إلى الله متابا » أي يرجع إليه مرجعا عظيما جميلا و فرق علي بن عيسى بين التوبة إلى الله و التوبة من القبيح لقبحه بأن التوبة إلى الله تقتضي طلب ثوابه و ليس كذلك التوبة من القبيح لقبحه فعلى هذا يكون المعنى من عزم على التوبة من المعاصي فإنه ينبغي أن يوجه توبته إلى الله بالقصد إلى طلب جزائه و رضائه عنه فإنه يرجع إلى الله فيكافيه و قيل معناه من تاب و عمل صالحا فقد انقطع إلى الله فاعرفوا ذلك له فإن من انقطع إلى خدمة بعض الملوك فقد أحرز شرفا فكيف المنقطع إلى الله سبحانه ثم عاد سبحانه إلى وصف عباده المخلصين فقال « و الذين لا يشهدون الزور » أي لا يحضرون مجالس الباطل و يدخل فيه مجالس الغناء و الفحش و الخنا و قيل الزور الشرك عن الضحاك قال الزجاج الزور في اللغة الكذب و لا كذب فوق الشرك بالله و قيل الزور أعياد أهل الذمة كالسعانين و غيرها عن محمد بن سيرين و قيل هو الغناء عن مجاهد و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) و أبي عبد الله (عليه السلام) و قيل يعني شهادة الزور عن علي بن أبي طلحة فيكون المراد أنهم لا يشهدون شهادة الزور فحذف المضاف و كان عمر بن الخطاب يجلد شاهد الزور أربعين جلدة و يسخم وجهه و يطوف به في السوق و أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنه حق « و إذا مروا باللغو مروا كراما » و اللغو المعاصي كلها أي مروا به مر الكرماء الذين لا يرضون باللغو لأنهم يجلون عن الدخول فيه و الاختلاط بأهله عن الحسن و الكلبي و التقدير إذا مروا بأهل اللغو و ذوي اللغو مروا منزهين أنفسهم معرضين عنهم فلم يجاروهم فيه و لم يخوضوا معهم في ذلك فهذه صفة الكرام يقال تكرم فلان عما يشينه إذا تنزه و أكرم نفسه عنه و قيل مرورهم كراما هو أن يمروا بمن يسبهم فيصفحون عنه و بمن يستعين بهم على حق فيعينونه و قيل هم الذين إذا أرادوا ذكر الفرج كنوا عنه عن أبي جعفر (عليه السلام) و مجاهد و أصل اللغو هو الفعل الذي لا فائدة فيه و لهذا يقال للكلمة التي لا تفيد لغو و ليس المراد به القبيح فإن فعل الساهي و النائم لغو و ليس بحسن و لا قبيح إلا ما يتعدى إلى الغير على الخلاف فيه « و الذين إذا ذكروا
مجمع البيان ج : 7 ص : 284
ب آيات ربهم لم يخروا عليها صما و عميانا » أي إذا وعظوا بالقرآن و الأدلة التي نصبها الله لهم نظروا فيها و تفكروا في مقتضاها و لم يقعوا عليها صما كأنهم لم يسمعوها و عميانا كأنهم لهم يروها لكنهم سمعوها و أبصروها و انتفعوا بها و تدبروا لها قال الحسن كم من قارىء يقرؤها فخر عليها أصم و أعمى و قال الأخفش « لم يخروا عليها » أي لم يقيموا و قال ابن قتيبة لم يتغافلوا عنها كأنهم صم لم يسمعوها و عمي لم يروها « و الذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين » أي اجعل أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين بأن نراهم يطيعون الله عن الحسن و قيل معناه ارزقنا من أزواجنا أولادا و من ذريتنا أعقابا قرة أعين أي أهل طاعة تقر بهم أعيننا في الدنيا بالصلاح و في الآخرة بالجنة « و اجعلنا للمتقين إماما » أي اجعلنا ممن يقتدي بنا المتقون طلبوا العز بالتقوى لا بالدنيا و قيل معناه اجعلنا نأتم بمن قبلنا حتى يأتم أي يقتدي بنا من بعدنا و على هذا فيجوز أن يكون اللام في اللفظ في المتقين و في المعنى في نا و التقدير و اجعل المتقين لنا إماما و مثله قول الشاعر
كأننا رعن قف يرفع الآلا و التقدير يرفعه الآل ثم أخبر سبحانه عن جميع هذه الأوصاف فقال « أولئك يجزون الغرفة » أي يثابون الدرجة الرفيعة في الجنة « بما صبروا » على أمر ربهم و طاعة نبيهم و على مشاق الدنيا و صعوبة التكليف و قيل هي غرف الزبرجد و الدر و الياقوت عن عطا و الغرفة في الأصل بناء فوق بناء و قيل الغرفة اسم لأعلى منازل الجنة و أفضلها كما أنها في الدنيا أعلى المساكن « و يلقون فيها تحية و سلاما » أي تتلقاهم الملائكة فيها بالتحية و هي كل قول يسر به الإنسان و بالسلام بشارة لهم بعظيم الثواب و قيل التحية الملك العظيم و السلام جميع أنواع السلامة و قيل التحية البقاء الدائم و قال الكلبي يحيي بعضهم بعضا بالسلام و يرسل إليهم الرب بالسلام « خالدين » أي مقيمين « فيها » من غير موت و لا زوال « حسنت » الغرفة « مستقرا و مقاما » أي موضع قرار و استقامة « قل » يا محمد « ما يعبؤ بكم ربي » أي ما يصنع بكم ربي عن مجاهد و ابن زيد و قيل ما يبالي بكم ربي عن أبي عمرو بن العلاء و ما لا يعبأ به فوجوده و عدمه سواء « لو لا دعاؤكم » أي لو لا دعاؤه إياكم إلى الدين و الإسلام عن ابن عباس فيكون المصدر مضافا إلى المفعول و المعنى قل للمشركين ما يفعل بكم ربي أي أي نفع له فيكم و أي ضرر يعود إليه من عدمكم و أي قدر لكم عند الله حتى يدعوكم إلى الإيمان لكن الواجب في الحكمة دعاؤكم إلى الدين و إرسال الرسول و قد فعل و قيل معناه لو لا عبادتكم له و إيمانكم به و توحيدكم إياه عن الكلبي و مقاتل و الزجاج فيكون الدعاء بمعنى
مجمع البيان ج : 7 ص : 285
العبادة و في هذا دلالة على أن من لا يعبد الله و لا يطيعه فلا وزن له عند الله و قيل معناه ما يعبأ بعذابكم ربي لو لا دعاء بعضكم بعضا إلى الشرك و الشر عن البلخي و دليله ما يفعل الله بعذابكم الآية و قيل معناه لو لا دعاؤكم له إذا مسكم ضر أو أصابكم سوء رغبة له و خضوعا له و روى العياشي بإسناده عن يزيد بن معاوية العجلي قال قلت لأبي جعفر (عليه السلام) كثرة القراءة أفضل أم كثرة الدعاء أفضل قال كثرة الدعاء أفضل و قرأ هذه الآية « فقد كذبتم » الخطاب لأهل مكة أي أن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده و عبادته فقد كذبتم يا معاشر الكفار الرسول « فسوف يكون لزاما » أي فسوف يكون عقابه لتكذيبكم إياه لازما لكم قال صخر الغي :
فأما ينجوا من حتف أرضي
فقد لقيا حتوفهما لزاما أي أنه واقع لا محالة قال الزجاج تأويله فسوف يكون تكذيبكم لزاما يلزمكم فلا تعطون التوبة و تلزمكم به العقوبة و قال أبو عبيدة لزاما فيصلا و قيل في تفسير اللزام أنه القتل يوم بدر عن ابن مسعود و أبي بن كعب و قيل هو عذاب الآخرة و قال أبو ذؤيب في اللزام :
ففاجأه بعادية لزام
كما يتفجر الحوض اللقيف فلزام معناه كثيرة يلزم بعضها بعضا و لقيف متساقط متهدم و بالله التوفيق .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page