• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء السادس والعشرون سورة الحجرات آیات 5 الی 11

وَ لَوْ أَنهُمْ صبرُوا حَتى تخْرُجَ إِلَيهِمْ لَكانَ خَيراً لَّهُمْ وَ اللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(5)
القراءة
قرأ يعقوب لا تقدموا بفتح التاء و الدال و الباقون « لا تقدموا » بضم التاء و كسر الدال و قرأ أبو جعفر الحجرات بفتح الجيم و الباقون بضمها .

الحجة
قال ابن جني معناه لا تفعلوا ما تؤثرونه و تتركوا ما أمركم الله و رسوله به و هذا معنى القراءة المشهورة « لا تقدموا » أي لا تقدموا أمرا على ما أمركم الله به فالمفعول هنا محذوف كما ترى و من قرأ الحجرات أبدل من الضمة فتحة استثقالا بتوالي الضمتين و منهم من أسكن فقال الحجرات مثل عضد و عضد و قال أبو عبيدة حجرات جمع حجر فهو جمع الجمع .

اللغة
قدم تقديما و أقدم إقداما و استقدم و قدم كل ذلك بمعنى تقدم و الجهر ظهور الصوت بقوة الاعتماد و منه الجهارة في المنطق و جاهر بالأمر مجاهرة و يقال جهارا و نقيض الجهر الهمس و الحروف المجهورة تسعة عشر حرفا يجمعها قولك أطلقن ضرغم عجز ظبي ذواد و ما عداها من الحروف مهموس يجمعها قولك حث فسكت شخصه و الغض الحط من منزلة على وجه التصغير يقال غض فلان من فلان إذا صغر حالة من هو أرفع منه و غض بصره إذا ضعفه عن حدة النظر قال جرير :
فغض الطرف إنك من نمير
فلا كعبا بلغت و لا كلابا .

الإعراب
« أن تحبط أعمالكم » في محل النصب لأنه مفعول له و يجوز أن يكون في محل جر باللام المقدرة أي لأن تحبط أعمالكم و قيل تقديره كراهة أن تحبط أو حذار أن تحبط .

النزول
نزل قوله « يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم » إلى قوله « غفور رحيم » في وفد تميم و هم عطارد بن حاجب بن زرارة في أشراف من بني تميم منهم الأقرع بن حابس و الزبرقان بن بدر و عمرو بن الأهتم و قيس بن عاصم في وفد عظيم فلما
مجمع البيان ج : 9 ص : 195
دخلوا المسجد نادوا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من وراء الحجرات أن اخرج إلينا يا محمد ف آذى ذلك رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فخرج إليهم فقالوا جئناك لنفاخرك فأذن لشاعرنا و خطيبنا فقال قد أذنت فقام عطارد بن حاجب و قال الحمد لله الذي جعلنا ملوكا الذي له الفضل علينا و الذي وهب علينا أموالا عظاما نفعل بها المعروف و جعلنا أعز أهل المشرق و أكثر عددا و عدة فمن مثلنا في الناس فمن فاخرنا فليعد مثل ما عددنا و لو شئنا لأكثرنا من الكلام و لكنا نستحي من الإكثار ثم جلس فقال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لثابت بن قيس بن شماس قم فأجبه فقام فقال الحمد لله الذي السماوات و الأرض خلقه قضى فيهن أمره و وسع كرسيه علمه و لم يكن شيء قط إلا من فضله ثم كان من فضله أن جعلنا ملوكا و اصطفى من خير خلقه رسولا أكرمهم نسبا و أصدقهم حديثا و أفضلهم حسبا فأنزل الله عليه كتابا و ائتمنه على خلقه فكان خيرة الله على العالمين ثم دعا الناس إلى الإيمان بالله ف آمن به المهاجرون من قومه و ذوي رحمة أكرم الناس أحسابا و أحسنهم وجوها فكان أول الخلق إجابة و استجابة لله حين دعاه رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) نحن فنحن أنصار رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و ردؤه نقاتل الناس حتى يؤمنوا فمن آمن بالله و رسوله منع ماله و دمه و من نكث جاهدناه في الله أبدا و كان قتله علينا يسيرا أقول هذا و أستغفر الله للمؤمنين و المؤمنات و السلام عليكم ثم قام الزبرقان بن بدر ينشد و أجابه حسان بن ثابت فلما فرغ حسان من قوله قال الأقرع إن هذا الرجل خطيبه أخطب من خطيبنا و شاعرة أشعر من شاعرنا و أصواتهم أعلى من أصواتنا فلما فرغوا أجازهم رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأحسن جوائزهم و أسلموا عن ابن إسحاق و قيل إنهم أناس من بني العنبر كان النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أصاب من ذراريهم فأقبلوا في فدائهم فقدموا المدينة و دخلوا المسجد و عجلوا أن يخرج إليهم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فجعلوا يقولون يا محمد اخرج إلينا عن أبي حمزة الثمالي عن عكرمة عن ابن عباس .

المعنى
« يا أيها الذين آمنوا » روى زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) أنه قال ما سلت السيوف و لا أقيمت الصفوف في صلاة و لا زحوف و لا جهر بأذان و لا أنزل الله « يا أيها الذين آمنوا » حتى أسلم أبناء قبيلة الأوس و الخزرج « لا تقدموا بين يدي الله و رسوله » بين اليدين عبارة عن الإمام لأن ما بين يدي الإنسان أمامه و معناه لا تقطعوا أمرا دون الله و رسوله و لا تعجلوا به قال أبو عبيدة العرب تقول لا نقدم بين يدي الإمام و بين يدي الأب أي لا تعجل بالأمر دونه و النهي و قدم هنا بمعنى تقدم و هو لازم و قيل معناه لا تقدموا أعمال الطاعة قبل الوقت الذي أمر الله و رسوله به حتى أنه قيل لا يجوز تقديم الزكاة قبل وقتها عن الزجاج
مجمع البيان ج : 9 ص : 196
و قيل لا تمكنوا أحدا يمشي أمام رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بل كونوا تبعا له و أخروا أقوالكم و أفعالكم عن قوله و فعله و قال الحسن نزل في قوم ذبحوا الأضحية قبل صلاة العيد فأمرهم رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالإعادة و قال ابن عباس نهوا أن يتكلموا قبل كلامه أي إذا كنتم جالسين في مجلس رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فسئل عن مسألة فلا تسبقوه بالجواب حتى يجيب النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أولا و قيل معناه لا تسبقوه بقول و لا فعل حتى يأمركم به عن الكلبي و السدي و الأولى حمل الآية على الجميع فإن كل شيء كان خلافا لله و رسوله إذا فعل فهو تقديم بين يدي الله و رسوله و ذلك ممنوع « و اتقوا الله » أي اجتنبوا معاصيه « إن الله سميع » لأقوالكم « عليم » بأعمالكم فيجازيكم بها « يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي » لأن فيه أحد الشيئين إما نوع استخفاف به فهو الكفر و إما سوء الأدب فهو خلاف التعظيم المأمور به « و لا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض » أي غضوا أصواتكم عند مخاطبتكم إياه و في مجلسه فإنه ليس مثلكم إذ يجب تعظيمه و توقيره من كل وجه و قيل معناه لا تقولوا له يا محمد كما يخاطب بعضكم بعضا بل خاطبوه بالتعظيم و التبجيل و قولوا يا رسول الله « أن تحبط أعمالكم » أي كراهة أن تحبط أو لئلا تحبط أعمالكم و قيل إنه في حرف عبد الله فتحبط أعمالكم « و أنتم لا تشعرون » أي و أنتم لا تعلمون أنكم أحبطتم أعمالكم بجهر صوتكم على صوته و ترك تعظيمه قال أنس لما نزلت هذه الآية قال ثابت بن قيس أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أجهر له بالقول حبط عملي و أنا من أهل النار و كان ثابت رفيع الصوت فذكر ذلك لرسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال هو من أهل الجنة و قال أصحابنا أن المعنى في قوله « أن تحبط أعمالكم » أنه ينحبط ثواب ذلك العمل لأنهم لو أوقعوه على وجه تعظيم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و توقيره لاستحقوا الثواب فلما فعلوه على خلاف ذلك الوجه استحقوا العقاب و فاتهم ذلك الثواب فانحبط عملهم فلا تعلق لأهل الوعيد بهذه الآية و لأنه تعالى علق الإحباط في هذه الآية بنفس العمل و هم يعلقونه بالمستحق على العمل و ذلك خلاف الظاهر ثم مدح سبحانه من يعظم رسوله و يوقره فقال « إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله » أي يخفضون أصواتهم في مجلسه إجلالا « أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى » أي اختبرها فأخلصها للتقوى عن قتادة و مجاهد أخذ من امتحان الذهب بالنار إذا أذيب حتى يذهب غشه و يبقى خالصة و قيل معناه أنه علم خلوص نياتهم لأن الإنسان يمتحن الشيء ليعلم حقيقته و قيل معناه

بعدی
عاملهم معاملة المختبر بما تعبدهم به من هذه العبادة فخلصوا على
مجمع البيان ج : 9 ص : 197
الاختبار كما يخلص جيد الذهب بالنار « لهم مغفرة » من الله لذنوبهم « و أجر عظيم » على طاعتهم ثم خاطب النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال « إن الذين ينادونك من وراء الحجرات » و هم الجفاة من بني تميم لم يعلموا في أي حجرة هو فكانوا يطوفون على الحجرات و ينادونه « أكثرهم لا يعقلون » وصفهم الله سبحانه بالجهل و قلة الفهم و العقل إذ لم يعرفوا مقدار النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و لا ما استحقه من التوقير فهم بمنزلة البهائم « و لو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم » من أن ينادوك من وراء الحجرات في دينهم بما يحرزونه من الثواب و في دنياهم باستعمالهم حسن الأدب في مخاطبة الأنبياء ليعدوا بذلك في زمرة العقلاء و قيل معناه لأطلقت أسراهم بغير فداء فإن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كان سبى قوما من بني العنبر فجاؤوا في فدائهم فأعتق نصفهم و فادى النصف فيقول و لو أنهم صبروا لكنت تعتق كلهم « و الله غفور رحيم » لمن تاب منهم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 198
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِن جَاءَكمْ فَاسِقُ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمَا بجَهَلَة فَتُصبِحُوا عَلى مَا فَعَلْتُمْ نَدِمِينَ(6) وَ اعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكمْ فى كَثِير مِّنَ الأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَ لَكِنَّ اللَّهَ حَبَّب إِلَيْكُمُ الايمَنَ وَ زَيَّنَهُ فى قُلُوبِكمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسوقَ وَ الْعِصيَانَ أُولَئك هُمُ الرَّشِدُونَ(7) فَضلاً مِّنَ اللَّهِ وَ نِعْمَةً وَ اللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ(8) وَ إِن طائفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصلِحُوا بَيْنهُمَا فَإِن بَغَت إِحْدَاهُمَا عَلى الأُخْرَى فَقَتِلُوا الَّتى تَبْغِى حَتى تَفِىءَ إِلى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَت فَأَصلِحُوا بَيْنهُمَا بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطوا إِنَّ اللَّهَ يحِب الْمُقْسِطِينَ(9) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصلِحُوا بَينَ أَخَوَيْكمْ وَ اتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكمْ تُرْحَمُونَ(10)
القراءة
قرأ يعقوب فأصلحوا بين إخوتكم بالتاء على الجمع و هو قراءة ابن سيرين و الباقون « بين أخويكم » على التثنية لقوله « طائفتان » و في الشواذ قراءة زيد بن ثابت و الحسن إخوانكم بالألف و النون على الجمع و قد ذكرنا في سورة النساء اختلافهم في قوله فتبينوا و الوجه في القراءتين و المروي عن الباقر (عليه السلام) فتثبتوا بالثاء و التاء .

اللغة
العنت المشقة يقال عنت الدابة تعنت عنتا إذا حدث في قوائمه كسر بعد جبر لا يمكنه معه الجري قال ابن الأنباري أصل العنت التشديد يقال فلان يعنت فلانا أي يشدد عليه و يلزمه ما يصعب عليه ثم نقل إلى معنى الهلاك و القسط العدل و نحوه الأقساط و القسوط و القسط بالفتح الجور و العدول عن الحق فأصل الباب العدول فمن عدل إلى الحق فقد أقسط و من عدل عن الحق فقد قسط .

الإعراب
« أن فيكم رسول الله » خبر أن في الظرف الذي هو فيكم عند النحويين و فيه نظر لأن من حق الخبر أن يكون الخبر مفيدا فلا يقال النار حارة لعدم الفائدة و الوجه عندي أن يكون لو مع ما في حيزه خبر أن و المعنى و اعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم و يجوز على الوجه الأول أن يكون المراد التنبيه لهم على مكان رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) كما يقول القائل للرجل يريد أن ينبهه على شيء فلان حاضر و المخاطب يعلم حضوره و لو قال أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فيكم احتمل أن يكون غير رسول الله فيهم ممن هو بمنزلته فإذا قال إن فيكم رسول الله لا يحتمل ذلك على هذا فقوله « لو يطيعكم » لو مع ما في حيزه في محل رفع بأنه خبر أن خبر بعد خبر « فضلا من الله » مفعول له و التقدير فعل الله ذلك لكم فضلا منه و نعمة و يجوز أن يكون العامل فيه الراشدون و ما فيه من الفعل أي رشدا و فضلا من الله و قوله « بجهالة » و « بالعدل » كلاهما في موضع نصب على الحال و العامل في الأول فتصيبوا و في الثاني فأصلحوا .

النزول
قوله « إن جاءكم فاسق » نزل في الوليد بن عقبة بن أبي معيط بعثه رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في صدقات بني المصطلق فخرجوا يتلقونه فرحا به و كانت بينهم عداوة في الجاهلية فظن أنهم هموا بقتله فرجع إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قال إنهم منعوا صدقاتهم و كان الأمر بخلافه فغضب النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و هم أن يغزوهم فنزلت الآية عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل إنها نزلت فيمن قال للنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إن مارية أم إبراهيم يأتيها ابن عم لها قبطي فدعا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عليا (عليه السلام) و قال يا أخي خذ هذا السيف فإن وجدته عندها فاقتله فقال يا رسول الله أكون في أمرك
مجمع البيان ج : 9 ص : 199
إذا أرسلتني كالسكة المحماة أمضي لما أمرتني أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب قال علي (عليه السلام) فأقبلت متوشحا بالسيف فوجدته عندها فاخترطت السيف فلما عرف إني أريده أتى نخلة فرقي إليها ثم رمى بنفسه على قفاه و شغر برجليه فإذا أنه أجب أمسح ما له مما للرجال قليل و لا كثير فرجعت فأخبرت النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال الحمد لله الذي يصرف عنا السوء أهل البيت و قوله « و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا » نزل في الأوس و الخزرج وقع بينهما قتال بالسعف و النعال عن سعيد بن جبير و قيل نزل في رهط عبد الله بن أبي سلول من الخزرج و رهط عبد الله بن رواحة من الأوس و سببه أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) وقف على عبد الله بن أبي فراث حمار رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأمسك عبد الله أنفه و قال إليك عني فقال عبد الله بن رواحة لحمار رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أطيب ريحا منك و من أبيك فغضب قومه و أعان ابن رواحة قومه و كان بينهما ضرب بالحديد و الأيدي و النعال .

المعنى
ثم خاطب سبحانه المؤمنين فقال « يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ » أي بخبر عظيم الشأن و الفاسق الخارج عن طاعة الله إلى معصيته « فتبينوا » صدقه من كذبه و لا تبادروا إلى العمل بخبره و من قال فتثبتوا فمعناه توقفوا فيه و تأنوا حتى يثبت عندكم حقيقته « أن تصيبوا قوما بجهالة » أي حذرا من أن تصيبوا قوما في أنفسهم و أموالهم بغير علم بحالهم و ما هم عليه من الطاعة و الإسلام « فتصبحوا على ما فعلتم » من إصابتهم بالخطأ « نادمين » لا يمكنكم تداركه و في هذا دلالة على أن خبر الواحد لا يوجب العلم و لا العمل لأن المعنى إن جاءكم من لا تأمنون أن يكون خبره كذبا فتوقفوا فيه و هذا التعليل موجود في خبر من يجوز كونه كاذبا في خبره و قد استدل بعضهم بالآية على وجوب العمل بخبر الواحد إذا كان عدلا من حيث أن الله سبحانه أوجب التوقف في خبر الفاسق فدل على أن خبر العدل لا يجب التوقف فيه و هذا لا يصح لأن دليل الخطاب لا يعول عليه عندنا و عند أكثر المحققين « و اعلموا أن فيكم رسول الله » أي فاتقوا الله أن تكذبوه أو تقولوا باطلا عنده فإن الله تعالى يخبره بذلك فتفضحوا و قيل معناه و اعلموا بما أخبره الله تعالى من كذب الوليد أن فيكم رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فهذه إحدى معجزاته « لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم » أي لو فعل ما تريدونه في كثير من الأمر لوقعتم في عنت و هو الإثم و الهلاك فسمى موافقته لما يريدونه طاعة لهم مجازا أ لا ترى أن الطاعة تراعى فيها الرتبة فلا يكون الإنسان مطيعا لمن دونه و إنما يكون مطيعا لمن فوقه إذا فعل ما أمره به ثم خاطب المؤمنين الذين لا يكذبون فقال « و لكن الله حبب إليكم الإيمان » أي جعله أحب الأديان إليكم بأن أقام الأدلة على صحته و بما وعد من الثواب عليه « و زينه في قلوبكم » بالألطاف الداعية
مجمع البيان ج : 9 ص : 200
إليه « و كره إليكم الكفر » بما وصف من العقاب عليه بوجوه الألطاف الصارفة عنه « و الفسوق » أي الخروج عن الطاعة إلى المعاصي « و العصيان » أي جميع المعاصي و قيل الفسوق الكذب عن ابن عباس و ابن زيد و هو المروي عن أبي جعفر (عليه السلام) ثم عاد سبحانه إلى الخبر عنهم فقال « أولئك هم الراشدون » يعني الذين وصفهم بالإيمان و زينه في قلوبهم هم المهتدون إلى محاسن الأمور و قيل هم الذين أصابوا الرشد و اهتدوا إلى الجنة « فضلا من الله و نعمة » أي تفضلا مني عليهم و رحمة مني لهم عن ابن عباس « و الله عليم » بالأشياء كلها « حكيم » في جميع أفعاله و في هذه الآية دلالة على بطلان مذهب أهل الجبر من وجوه ( منها ) أنه إذا حبب في قلوبهم الإيمان و كره الكفر فمن المعلوم أنه لا يحبب ما لا يحبه و لا يكره ما لا يكرهه ( و منها ) أنه إذ ألطف في تحبيب الإيمان بألطافه دل ذلك على ما نقوله في اللطف ثم قال « و إن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا » أي فريقان من المؤمنين قاتل أحدهما صاحبه « فأصلحوا بينهما » حتى يصطلحا و لا دلالة في هذا على أنهما إذا اقتتلا بقيا على الإيمان و يطلق عليهما هذا الاسم و لا يمتنع أن يفسق إحدى الطائفتين أو تفسقا جميعا « فإن بغت إحداهما على الأخرى » بأن تطلب ما لا يجوز لها و تقاتل الأخرى ظالمة لها متعدية عليها « فقاتلوا التي تبغي » لأنها هي الظالمة المتعدية دون الأخرى « حتى تفيىء إلى أمر الله » أي حتى ترجع إلى طاعة الله و تترك قتال الطائفة المؤمنة « فإن فاءت » أي رجعت و تابت و أقلعت و أنابت إلى طاعة الله « فأصلحوا بينهما » أي بينها و بين الطائفة التي هي على الإيمان « بالعدل » أي بالقسط حتى يكونوا سواء لا يكون من إحديهما على الأخرى جور و لا شطط فيما يتعلق بالضمانات من الأروش « و أقسطوا » أي اعدلوا « إن الله يحب المقسطين » العادلين الذين يعدلون فيما يكون قولا و فعلا « إنما المؤمنون إخوة » في الدين يلزم نصرة بعضهم بعضا « فأصلحوا بين أخويكم » أي بين كل رجلين تقاتلا و تخاصما و معنى الاثنين يأتي على الجمع لأن تأويله بين كل أخوين يعني فأنتم إخوة للمتقاتلين فأصلحوا بين الفريقين أي كفوا الظالم عن المظلوم و أعينوا المظلوم « و اتقوا الله » في ترك العدل و الإصلاح أو في منع الحقوق « لعلكم ترحمون » أي لكي ترحموا قال الزجاج سمي المؤمنين إذا كانوا متفقين في دينهم إخوة لاتفاقهم في الدين و رجوعهم إلى أصل النسب لأنهم لأم واحدة و هي حواء و روى الزهري عن سالم عن أبيه أن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال المسلم أخو المسلم لا يظلمه و لا يسلمه من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته و من فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كروب يوم القيامة و من ستر مسلما يستره الله يوم القيامة أورده البخاري و مسلم في صحيحيهما و في وصية النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لأمير
مجمع البيان ج : 9 ص : 201
المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) سر ميلا عد مريضا سر ميلين شيع جنازة سر ثلاثة أميال أجب دعوة سر أربعة أميال زر أخا في الله سر خمسة أميال أجب دعوة الملهوف سر ستة أميال انصر المظلوم و عليك بالاستغفار .

النظم
وجه اتصال قوله « إن جاءكم فاسق بنبأ » بما قبله أنه لما أمر بطاعة الله و رسوله بين عقيبه أن الرسول لا يجوز أن يتبع أهواءهم بل ينبغي أن يعمل بما عنده و وجه اتصال قوله « و لكن الله حبب إليكم الإيمان » لئلا تقعوا في العنت و إنما قلنا ذلك لأن لكن لا بد أن يتقدمه نفي إذا كان ما بعده إثباتا و قوله « لو يطيعكم » « لعنتم » معناه أنه لم يطعكم فما عنتم .

مجمع البيان ج : 9 ص : 202
يَأَيهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا يَسخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْم عَسى أَن يَكُونُوا خَيراً مِّنهُمْ وَ لا نِساءٌ مِّن نِّساء عَسى أَن يَكُنَّ خَيراً مِّنهُنَّ وَ لا تَلْمِزُوا أَنفُسكمْ وَ لا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَبِ بِئْس الاسمُ الْفُسوقُ بَعْدَ الايمَنِ وَ مَن لَّمْ يَتُب فَأُولَئك هُمُ الظلِمُونَ(11)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page