• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء السابع والعشرون سورة القلم آیات28 الی 49 وسورة الرحمن آیات1 الی 16


وَ مَا أَمْرُنَا إِلا وَحِدَةٌ كلَمْح بِالْبَصرِ(50) وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا أَشيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مُّدَّكر(51) وَ كلُّ شىْء فَعَلُوهُ فى الزُّبُرِ(52) وَ كلُّ صغِير وَ كَبِير مُّستَطرٌ(53) إِنَّ المُْتَّقِينَ فى جَنَّت وَ نهَر(54) فى مَقْعَدِ صِدْق عِندَ مَلِيك مُّقْتَدِرِ(55)
القراءة
قرأ يعقوب عن رويس سنهزم الجمع و الباقون « سيهزم الجمع » و في الشواذ قراءة أبي السماك إنا كل شيء بالرفع و قراءة زهير و القرقني و الأعمش و نهر بضمتين .

الحجة
قال ابن جني الرفع في قوله « إنا كل شيء خلقناه » أقوى من النصب و إن كانت الجماعة على النصب و ذلك أنه من مواضع الابتداء فهو كقولك زيد ضربته و هو مذهب
مجمع البيان ج : 9 ص : 293
صاحب الكتاب لأنها جملة وقعت في الأصل خبرا عن المبتدأ في قولك نحن كل شيء خلقناه بقدر فهو كقولك زيد هند ضربها ثم دخلت أن فنصبت الاسم و بقي الخبر على تركيبه الذي كان عليه و اختيار محمد بن يزيد النصب لأن تقديره إنا فعلنا كذا قال و الفعل منتظر بعد إنا فلما دل عليه ما قبله حسن إضماره قال ابن جني و هذا ليس بشيء لأن الأصل في خبر المبتدأ أن يكون اسما لا فعلا جزاء منفردا فما معنى توقع الفعل هنا و خبر إن و أخواتها كإخبار المبتدأ و قوله نهر جمع نهر فيكون كأسد و أسد و وثن و وثن و يجوز أن يكون جمع نهر كسقف و سقف و رهن و رهن .

المعنى
ثم خوف سبحانه كفار مكة فقال « أ كفاركم خير » و أشد و أقوى « من أولئكم » الذين ذكرناهم و قد أهلكناهم و هذا استفهام إنكار أي لستم أفضل من قوم نوح و عاد و ثمود لا في القوة و لا في الثروة و لا في كثرة العدد و العدة و المراد بالخير ما يتعلق بأسباب الدنيا لا أسباب الدين و المعنى أنه إذا هلك أولئك الكفار فما الذي يؤمنكم أن ينزل بكم ما نزل بهم « أم لكم براءة في الزبر » أي أ لكم براءة من العذاب في الكتب السالفة أنه لن يصيبكم ما أصاب الأمم الخالية « أم يقولون نحن جميع منتصر » أي أم يقول هؤلاء الكفار نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا عن الكلبي و المعنى أنهم يقولون نحن يد واحدة على من خالفنا ننتصر ممن عادانا فيدلون بقوتهم و اجتماعهم و وحد منتصر للفظ الجميع فإنه واحد في اللفظ و إن كان اسما للجماعة كالرهط و الجيش أي كما أنهم ليسوا بخير من أولئك و لا لهم براءة فكذلك لا جمع لهم يمنع عنهم عذاب الله و ينصرهم و إن قالوا نحن مجتمعون متناصرون فلا نرام و لا نقصد و لا يطمع أحد في غلبتنا ثم قال سبحانه « سيهزم الجمع » أي جمع كفار مكة « و يولون الدبر » أي ينهزمون فيولونكم أدبارهم في الهزيمة ثم أخبر سبحانه نبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أنه سيظهره عليهم و يهزمهم فكانت هذه الهزيمة يوم بدر فكان موافقة الخبر للمخبر من معجزاته ثم قال سبحانه « بل الساعة موعدهم » أي إن موعد الجميع للعذاب يوم القيامة « و الساعة أدهى و أمر » فالأدهى الأعظم في الدهاء و الدهاء عظم سبب الضرر مع شدة انزعاج النفس و هو من الداهية أي البلية التي ليس في إزالتها حيلة و المعنى أن ما يجري عليهم من القتل و الأسر يوم بدر و غيره لا يخلصهم من عقاب الآخرة بل عذاب الآخرة أعظم في الضرر و أقطع و أمر أي أشد مرارة من القتل و الأسر في الدنيا و قيل الأمر الأشد في استمرار البلاء لأن أصل المر النفوذ ثم بين سبحانه حال القيامة فقال « إن المجرمين في ضلال و سعر » أي في ذهاب
مجمع البيان ج : 9 ص : 294
عن وجه النجاة و طريق الجنة في نار مسعرة عن الجبائي و قيل في ضلال أي في هلاك و ذهاب عن الحق و سعر أي عناء و عذاب « يوم يسحبون » أي يجرون « في النار على وجوههم » يعني أن هذا العذاب يكون لهم في يوم يجرهم الملائكة فيه على وجوههم في النار و يقال لهم « ذوقوا مس سقر » يعني أصابتها إياهم بعذابها و حرها و هو كقولهم وجدت مس الحمى و سقر جهنم و قيل هي باب من أبوابها و أصل السقر التلويح يقال سقرته الشمس و صقرته إذا لوحته و إنما لم ينصرف للتعريف و التأنيث « إنا كل شيء خلقناه بقدر » أي خلقنا كل شيء خلقناه مقدرا بمقدار توجبه الحكمة لم نخلقه جزافا و لا تخبيتا فخلقنا العذاب أيضا على قدر الاستحقاق و كذلك كل شيء في الدنيا و الآخرة خلقناه مقدار بمقدار معلوم عن الجبائي و قيل معناه خلقنا كل شيء على قدر معلوم فخلقنا اللسان للكلام و اليد للبطش و الرجل للمشي و العين للنظر و الأذن للسماع و المعدة للطعام و لو زاد أو نقص عما قدرناه لما تم الغرض عن الحسن و قيل معناه جعلنا لكل شيء شكلا يوافقه و يصلح له كالمرأة للرجل و الأتان للحمار و ثياب الرجال للرجال و ثياب النساء للنساء عن ابن عباس و قيل خلقنا كل شيء بقدر مقدر و قضاء محتوم في اللوح المحفوظ « و ما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر » أي و ما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كطرف البصر عن ابن عباس و الكلبي و معنى اللمح النظر بالعجلة و هو خطف البصر و المعنى إذا أردنا قيام الساعة أعدنا الخلق و جميع المخلوقات في قدر لمح البصر في السرعة و قيل معناه و ما أمرنا إذا أردنا أن نكون شيئا إلا مرة واحدة لم نحتج فيه إلى ثانية و إنما نقول له كن فيكون كلمح البصر في سرعته من غير إبطاء و لا تأخير عن الجبائي « و لقد أهلكنا أشياعكم » أي أشباهكم و نظائركم ففي الكفر من الأمم الماضية عن الحسن و سماهم أشياعهم لما وافقوهم في الكفر و تكذيب الأنبياء « فهل من مدكر » أي فهل من متذكر لما يوجبه هذا الوعظ من الانزجار عن مثل ما سلف من أعمال الكفار لئلا يقع به ما وقع بهم من الإهلاك « و كل شيء فعلوه في الزبر » أي في الكتب التي كتبها الحفظة و هذه إشارة إلى أنهم غير مغفول عنهم عن الجبائي و قيل معناه أن جميع ذلك مكتوب عليهم في الكتاب المحفوظ لأنه من أعظم العبرة في علم ما يكون قبل أن يكون على التفصيل « و كل صغير و كبير مستطر » أي و ما قدموه من أعمالهم من صغير و كبير مكتوب عليهم عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و الضحاك و قيل معناه كل صغير و كبير من الأرزاق و الآجال و الموت
مجمع البيان ج : 9 ص : 295
و الحياة و نحوها مكتوب في اللوح المحفوظ « إن المتقين في جنات و نهر » أي أنهار يعني أنهار الجنة من الماء و الخمر و العسل وضع نهر في موضع أنهار لأنه اسم جنس يقع على الكثير و القليل و الأولى أن يكون إنما وحد لوفاق الفواصل و النهر هو المجرى الواسع من مجاري الماء « في مقعد صدق » أي في مجلس حق لا لغو فيه و لا تأثيم و قيل وصفه بالصدق لكونه رفيعا مرضيا و قيل لدوام النعيم به و قيل لأن الله صدق وعد أوليائه فيه « عند مليك مقتدر » أي عند الله سبحانه فهو المالك القادر الذي لا يعجزه شيء و ليس المراد قرب المكان تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا بل المراد أنهم في كنفه و جواره و كفايته حيث تنالهم غواشي رحمته و فضله .

مجمع البيان ج : 9 ص : 296
( 55 ) سورة الرحمن مدنية و آياتها ثمان و سبعون ( 78 )
و قيل مكية غير آية نزلت بالمدينة « يسأله من في السماوات و الأرض » عن عطاء و قتادة و عكرمة و إحدى الروايتين عن ابن عباس و قيل مدنية عن الحسن و همام عن قتادة و أبي حاتم .

عدد آيها
ثمان و سبعون آية كوفي شامي سبع حجازي ست بصري .

اختلافها
خمس آيات « الرحمن » كوفي شامي « خلق الإنسان » الأول غير المدني « وضعها للأنام » غير المكي « المجرمون » غير البصري « شواظ من نار » حجازي .

فضلها
أبي بن كعب قال قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من قرأ سورة الرحمن رحم الله ضعفه و أدى شكر ما أنعم الله عليه و روي عن موسى بن جعفر عن آبائه (عليهم السلام) عن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال لكل شيء عروس و عروس القرآن سورة الرحمن جل ذكره . أبو بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال لا تدعوا قراءة الرحمن و القيام بها فإنها لا تقر في قلوب المنافقين و تأتي ربها يوم القيامة في صورة آدمي في أحسن صورة و أطيب ريح حتى تقف من الله موقفا لا يكون أحد أقرب إلى الله سبحانه منها فيقول لها من الذي كان يقوم بك في الحياة الدنيا و يدمن قراءتك فتقول يا رب فلان و فلان و فلان فتبيض وجوههم فيقول لهم اشفعوا فيمن أحببتم فيشفعون حتى لا يبقى لهم غاية و لا أحد يشفعون له فيقول لهم أدخلوا الجنة و اسكنوا فيها حيث شئتم . حماد بن عثمان قال قال الصادق (عليه السلام) يجب أن يقرأ الرجل سورة الرحمن يوم الجمعة فكلما قرأ « فبأي آلاء ربكما تكذبان » قال لا بشيء من آلائك يا رب أكذب و عنه (عليه السلام) قال من قرأ سورة الرحمن ليلا يقول عند كل « فبأي آلاء ربكما تكذبان » لا بشيء من آلائك يا رب أكذب وكل الله به ملكا إن قرأها في أول الليل يحفظه حتى يصبح و إن قرأها حين
مجمع البيان ج : 9 ص : 297
يصبح وكل الله به ملكا يحفظه حتى يمسي .
تفسيرها
ختم الله سبحانه سورة القمر باسمه و افتتح هذه السورة أيضا باسمه فقال : .
سورة الرحمن
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الرَّحْمَنُ(1) عَلَّمَ الْقُرْءَانَ(2) خَلَقَ الانسنَ(3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ(4) الشمْس وَ الْقَمَرُ بحُسبَان(5) وَ النَّجْمُ وَ الشجَرُ يَسجُدَانِ(6) وَ السمَاءَ رَفَعَهَا وَ وَضعَ الْمِيزَانَ(7) أَلا تَطغَوْا فى الْمِيزَانِ(8) وَ أَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسطِ وَ لا تخْسِرُوا الْمِيزَانَ(9) وَ الأَرْض وَضعَهَا لِلأَنَامِ(10) فِيهَا فَكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذَات الأَكْمَامِ(11) وَ الحَْب ذُو الْعَصفِ وَ الرَّيحَانُ(12) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(13)
القراءة
قرأ ابن عامر و الحب ذا العصف و الريحان بالنصب فيهما جميعا و قرأ حمزة و الكسائي و خلف « و الحب ذو العصف » بالرفع و الريحان بالجر و الباقون بالرفع في الجميع و في الشواذ قراءة أبي السماك و السماء رفعها بالرفع و قرأ بلال بن أبي بردة و لا تخسروا بفتح التاء و السين و بكسر السين أيضا .

الحجة
قال أبو علي قال أبو عبيدة العصف الذي يعصف فيؤكل من الزرع و هي العصيفة قال علقمة بن عبدة :
تسقي مذانب قد مالت عصيفتها
حدودها من أتى الماء مطموم
مجمع البيان ج : 9 ص : 298
و الريحان الحب الذي يؤكل يقال سبحانك و ريحانك أي و رزقك قال النمر بن تغلب :
سلام الإله و ريحانة
و رحمته و سماء درر و قيل العصف و العصيفة ورق الزرع و عن قتادة العصف التبن و من قرأ و الحب ذا العصف حمله على و خلق الحب و خلق و الريحان و هو الرزق و يقوي ذلك قوله فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى و من رفع الريحان فالتقدير فيها فاكهة و الريحان و الحب ذو العصف و من جر فالتقدير فالحب ذو العصف و ذو الريحان أي من الحب الرزق فإن قلت فإن العصف و العصيفة رزق أيضا فكأنه قال ذو الرزق و ذو الرزق قيل هذا لا يمتنع لأن العصيفة رزق غير الرزق الذي أوقع الريحان عليه و كان الريحان أريد به الحب إذا خلص من لفائفه فأوقع عليه الرزق لعموم المنفعة به و أنه رزق للناس و غيرهم و يبعد أن يكون الريحان المشموم في هذا الموضع إنما هو قوت الناس و الأنعام كما قال فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى كلوا و ارعوا أنعامكم و قوله « و السماء رفعها » قال ابن جني الرفع هنا أظهر من قراءة الجماعة و ذلك أنه صرفه إلى الابتداء لأنه عطفه على الجملة المركبة من المبتدأ و الخبر و هي قوله « و النجم و الشجر يسجدان » فأما قراءة العامة بالنصب فإنها معطوفة على يسجدان وحدها و هي جملة من فعل و فاعل و العطف يقتضي التماثل في تركيب الجمل فيصير تقديره يسجدان و رفع السماء فلما أضمر رفع فسره بقوله « رفعها » كقولك قام زيد و عمرا ضربته أي و ضربت عمرا لتعطف جملة من فعل و فاعل على أخرى مثلها و أما قوله تخسروا بفتح التاء فإنه على حذف حرف الجر أي لا تخسروا في الميزان فلما حذف حرف الجر أفضى إليه الفعل فنصبه كقوله و اقعدوا لهم كل مرصد أي في كل مرصد أو على كل مرصد و أما تخسروا بفتح التاء و كسر السين فعلى خسرت الميزان و إنما المشهور أخسرته تقول خسر الميزان و أخسرته و يشبه أن يكون خسرته لغة في أخسرته نحو أجبرت الرجل و جبرته و أهلكته و هلكته .

اللغة
الرحمن هو الذي وسعت رحمته كل شيء فلذلك لا يوصف به إلا الله تعالى و أما راحم و رحيم فيجوز أن يوصف بهما العباد و البيان هو الأدلة الموصلة إلى العلم و قيل البيان إظهار المعنى للنفس بما يتميز به من غيره كتميز معنى رجل من معنى فرس و معنى قادر من معنى عاجز و معنى عام من معنى خاص و الحسبان مصدر حسبته أحسبه حسابا و حسبانا نحو السكران و الكفران و قيل هو جمع حساب كشهاب و شهبان و النجم من النبات ما
مجمع البيان ج : 9 ص : 299
لم يقم على ساق نحو العشب و البقل و الشجر ما قام على ساق و أصله الطلوع يقال نجم القرن و النبات إذا طلعا و به سمي نجم السماء لطلوعه و الأكمام جمع كم و هو وعاء ثمرة النخل تكمم في وعائه إذا اشتمل عليه و الآلاء النعم واحدها إلى على وزن معي و ألى على وزن قفا عن أبي عبيدة .

الإعراب
« الرحمن » آية مع أنه ليس بجملة لأنه في تقدير الله الرحمن حتى تصح الفاصلة فهو خبر مبتدإ محذوف نحو قوله سورة أنزلناها أي هذه سورة « ألا تطغوا » تقديره لأن لا تطغوا فهو في محل نصب بأنه مفعول له و لفظه نفي و معناه نهي و لذلك عطف عليه بقوله « و أقيموا الوزن » و قوله « فيها فاكهة » مبتدأ و خبر في موضع نصب على الحال .

المعنى
« الرحمن » افتتح سبحانه هذه السورة بهذا الاسم ليعلم العباد أن جميع ما وصفه يعد من أفعاله الحسنى إنما صدرت من الرحمة التي تشمل جميع خلقه و كأنه جواب لقولهم و ما الرحمن في قوله و إذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا و ما الرحمن و قد روي أنه لما نزل قوله قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن قالوا ما نعرف الرحمن إلا صاحب اليمامة فقيل لهم « الرحمن علم القرآن » أي علم محمدا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) القرآن و علمه محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أمته عن الكلبي و قيل هو جواب لأهل مكة حين قالوا إنما يعلمه بشر فبين سبحانه أن الذي علمه القرآن هو الرحمن و التعليم هو تبيين ما به يصير من لم يعلم عالما و الإعلام إيجاد ما به يصير عالما ذكر سبحانه النعمة فيما علم من الحكمة بالقرآن الذي احتاج إليه الناس في دينهم ليؤدوا ما يجب عليهم و يستوجبوا الثواب بطاعة ربهم قال الزجاج معنى علم القرآن يسره لأن يذكر « خلق الإنسان » أي أخرجه من العدم إلى الوجود و المراد بالإنسان هنا آدم (عليه السلام) عن ابن عباس و قتادة « علمه البيان » أي أسماء كل شيء و اللغات كلها قال الصادق (عليه السلام) البيان الاسم الأعظم الذي به علم كل شيء و قيل الإنسان اسم الجنس و قيل معناه الناس جميعا .
« علمه البيان » أي النطق و الكتابة و الخط و الفهم و الأفهام حتى يعرف ما يقول و ما يقال له عن الحسن و أبي العالية و ابن زيد و السدي و هذا هو الأظهر الأعم و قيل البيان هو الكلام الذي يبين به عن مراده و به يتميز من سائر الحيوانات عن الجبائي و قيل « خلق الإنسان » يعني محمدا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) « علمه البيان » يعني ما كان و ما يكون عن ابن كيسان « الشمس و القمر بحسبان » أي يجريان بحسبان و منازل لا يعدوانها و هما يدلان على عدد الشهور و السنين و الأوقات عن ابن عباس و قتادة فأضمر يجريان و حذفه لدلالة الكلام عليه و تحقيق معناه أنهما يجريان على وتيرة واحدة
مجمع البيان ج : 9 ص : 300
و حساب متفق على الدوام لا يقع فيه تفاوت فالشمس تقطع بروج الفلك في ثلاثمائة و خمسة و ستين يوما و شيء و القمر في ثمانية و عشرين يوما فيجريان أبدا على هذا الوجه و إنما خصهما بالذكر لما فيهما من المنافع الكثيرة للناس من النور و الضياء و معرفة الليل و النهار و نضج الثمار إلى غير ذلك فذكرهما لبيان النعمة بهما على الخلق « و النجم و الشجر يسجدان » يعني بالنجم نبت الأرض الذي ليس له ساق و بالشجر ما كان له ساق يبقى في الشتاء عن ابن عباس و سعيد بن جبير و سفيان الثوري و قيل أراد بالنجم نجم السماء و هو موحد و المراد به جميع النجوم و الشجر يسجدان لله بكرة و عشيا كما قال في موضع آخر و الشجر و الدواب عن مجاهد و قتادة و قال أهل التحقيق إن المعنى في سجودهما هو ما فيهما من الآية الدالة على حدوثهما و على أن لهما صانعا أنشأهما و ما فيهما من الصنعة و القدرة التي توجب السجود و قيل سجودهما سجود ظلالهما كقوله يتفيؤا ظلاله عن اليمين و الشمائل سجدا لله و هم داخرون عن الضحاك و سعيد بن جبير و المعنى فيه أن كل جسم له ظل فهو يقتضي الخضوع بما فيه من دليل الحدوث و إثبات المحدث المدبر و قيل معنى سجودهما أنه سبحانه يصرفهما على ما يريده من غير امتناع فجعل ذلك خضوعا و معنى السجود الخضوع كما في قوله ( ترى الأكم فيها سجدا للحوافر ) عن الجبائي « و السماء رفعها » أي و رفع السماء رفعها فوق الأرض دل سبحانه بذلك على كمال قدرته « و وضع الميزان » يعني آلة الوزن للتوصل إلى الإنصاف و الانتصاف عن الحسن و قتادة قال قتادة هو الميزان المعهود ذو اللسانين و قيل المراد بالميزان العدل و المعنى أنه أمرنا بالعدل عن الزجاج و يدل عليه قوله « ألا تطغوا في الميزان » أي لا تتجاوزوا فيه العدل و الحق إلى البخس و الباطل تقديره فعلت ذلك لئلا تطغوا و يحتمل أيضا أن يكون لا تطغوا نهيا منفردا و تكون أن مفسرة بمعنى أي و قيل إن المراد بالميزان القرآن الذي هو أصل الدين فكأنه تعالى بين أدلة العقل و أدلة السمع و إنما أعاد سبحانه ذكر الميزان من غير إضمار ليكون الثاني قائما بنفسه في النهي عنه إذا قيل لهم لا تطغوا في الميزان « و أقيموا الوزن بالقسط » أي أقيموا لسان الميزان بالعدل إذا أردتم الأخذ و الإعطاء « و لا تخسروا الميزان » أي لا تنقصوه بالبخس و الجور بل سووه بالإنصاف و العدل قال سفيان بن عيينة الإقامة باليد و القسط بالقلب « و الأرض وضعها للأنام » لما ذكر السماء ذكر الأرض في مقابلتها أي و بسط الأرض و وطأها للناس و قيل الأنام كل شيء فيه روح عن ابن عباس و قيل الأنام الجن و الإنس عن الحسن و قيل جميع الخلق من كل ذي روح عن مجاهد و عبر عن الأرض بالوضع لما عبر عن السماء بالرفع و في ذلك بيان النعمة على الخلق و بيان وحدانية الله تعالى كما في رفع السماء « فيها فاكهة » أي في الأرض ما يتفكه به من ألوان
مجمع البيان ج : 9 ص : 301
الثمار المأخوذة من الأشجار « و النخل ذات الأكمام » أي الأوعية و الغلف و ثمر النخل يكون في غلف ما لم ينشق و قيل الأكمام ليف النخل الذي تكم فيه عن الحسن و قيل معناه ذات الطلع لأنه الذي يتغطى بالأكمام عن ابن زيد « و الحب » يريد جميع الحبوب مما يحرث في الأرض من الحنطة و الشعير و غيرهما « ذو العصف » أي ذو الورق فإذا يبس و ديس صار تبنا عن مجاهد و الجبائي و قيل العصف التبن لأن الريح تعصفه أي تطيره عن ابن عباس و قتادة و الضحاك و قيل هو بقل الزرع و هو أول ما ينبت منه عن السدي و الفراء « و الريحان » يعني الرزق في قول الأكثرين و قال الحسن و ابن زيد هو ريحانكم الذي يشم و قال الضحاك الريحان الحب المأكول و العصف الورق الذي لا يؤكل فهو رزق الدواب و الريحان رزق الناس فذكر سبحانه قوت الناس و الأنعام ثم خاطب الإنس و الجن بقوله « فبأي آلاء ربكما تكذبان » أي فبأي نعم ربكما من هذه الأشياء المذكورة تكذبان لأنها كلها منعم عليكم بها و المعنى أنه لا يمكن جحد شيء من هذه النعم فأما الوجه لتكرار هذه الآية في هذه السورة فإنما هو التقرير بالنعم المعدودة و التأكيد في التذكير بها فكلما ذكر سبحانه نعمة أنعم بها قرر عليها و وبخ على التكذيب بها كما يقول الرجل لغيره أ ما أحسنت إليك حين أطلقت لك مالا أ ما أحسنت إليك حين ملكتك عقارا أ ما أحسنت إليك حين بنيت لك دارا فيحسن فيه التكرار لاختلاف ما يقرره به و مثله كثير في كلام العرب و أشعارهم قال مهلهل بن ربيعة يرثي أخاه كليبا :
على أن ليس عدلا من كليب
إذا طرد اليتيم عن الجزور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا ما ضيم جيران المجير
على أن ليس عدلا من كليب
إذا رجف العضاة من الدبور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا خرجت مخبأة الخدور
على أن ليس عدلا من كليب
إذا ما أعلنت نجوى الصدور و قالت ليلى الأخيلية ترثي توبة بن الحمير :
لنعم الفتى يا توب كنت و لم تكن
لتسبق يوما كنت فيه تجاول
و نعم الفتى يا توب كنت إذا التقت
صدور العوالي و استشال الأسافل
و نعم الفتى يا توب كنت لخائف
أتاك لكي تحمي و نعم المجامل

مجمع البيان ج : 9 ص : 302

و نعم الفتى يا توب جارا و صاحبا
و نعم الفتى يا توب حين تناضل
لعمري لأنت المرء أبكي لفقده
و لو لام فيه ناقص الرأي جاهل
لعمري لأنت المرء أبكي لفقده
إذا كثرت بالملجمين التلاتل
أبى لك ذم الناس يا توب كلما
ذكرت أمور محكمات كوامل
أبى لك ذم الناس يا توب كلما
ذكرت سماح حين تأوي الأرامل
فلا يبعدنك الله يا توب إنما
كذاك المنايا عاجلات و آجل
فلا يبعدنك الله يا توب إنما
لقيت حمام الموت و الموت عاجل فخرجت في هذه الأبيات من تكرار إلى تكرار لاختلاف المعاني التي عددتها و قال الحارث بن عباد :
قربا مربط النعامة مني
لقحت حرب وائل عن حيال و كرر هذه اللفظة قربا مربط النعامة مني في أبيات كثيرة و في أمثال هذا كثرة و هذا هو الجواب بعينه عن التكرار لقوله ويل يومئذ للمكذبين في المرسلات .

مجمع البيان ج : 9 ص : 303
خَلَقَ الانسنَ مِن صلْصل كالْفَخَّارِ(14) وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِج مِّن نَّار(15) فَبِأَى ءَالاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ(16)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page