• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء التاسع والعشرون سورة الإنسان آیات 6 الی 25



عَيْناً يَشرَب بهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونهَا تَفْجِيراً(6) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَ يخَافُونَ يَوْماً كانَ شرُّهُ مُستَطِيراً(7) وَ يُطعِمُونَ الطعَامَ عَلى حُبِّهِ مِسكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً(8) إِنمَا نُطعِمُكمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكمْ جَزَاءً وَ لا شكُوراً(9) إِنَّا نخَاف مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطرِيراً(10)

القراءة
قرأ أهل المدينة و أبو بكر عن عاصم و الكسائي سلاسلا بالتنوين و كذلك قواريرا قواريرا و يقفون بالألف على الجميع و قرأ ابن كثير و خلف سلاسل بغير تنوين و قواريرا قوارير الأول بالتنوين و الثاني بغير تنوين و يقفان على سلاسل و قوارير الثانية بغير الألف و قرأ حمزة و يعقوب بغير تنوين في الجميع و يقفان بغير ألف عليها و قرأ أبو عمرو و ابن عامر و حفص بغير تنوين فيها أيضا إلا أنهم يقفون على سلاسل و قواريرا الأولى بالألف و على قوارير الثانية بغير ألف غير أن شجاعا يقف على سلاسل أيضا بغير ألف .

الحجة
قال أبو علي حجة من صرف سلاسلا و قواريرا في الوصل و الوقف أمران ( أحدهما ) أن أبا الحسن قال سمعنا من العرب من يصرف هذا و يصرف جميع ما لا ينصرف قال و هذه لغة أهل الشعر لأنهم اضطروا إليه في الشعر فصرفوه فجرت ألسنتهم على ذلك و احتملوا ذلك في الشعر لأنه يحتمل الزيادة كما يحتمل النقص فاحتملوا زيادة التنوين و الأمر الآخر أن هذه الجموع أشبهت الآحاد لأنهم قالوا صواحبات يوسف فلما جمعت جمع الآحاد المنصرفة جعلوه في حكمها فصرفوها قال أبو الحسن و كثير من العرب يقول مواليات يريد الموالي و أنشد للفرزدق :
فإذا الرجال رأوا يزيد رأيتهم
خضع الرقاب نواكسي الأبصار
مجمع البيان ج : 10 ص : 610
فهذا كأنه جمع نواكس و من قرأ بغير تنوين و لا ألف فإنه جعله كقوله « لهدمت صوامع و بيع و صلوات و مساجد » و إلحاق الألف في سلاسل و قوارير كالحاقة في قوله « الظنونا » و « السبيلا » و « الرسولا » يشبه ذلك بالإطلاق في القوافي من حيث كانت مثلها في أنها كلام تام .

اللغة
الدهر مرور الليل و النهار و جمعه أدهر و دهور و أصل النطفة الماء القليل و قد تقع على الكثير قال أمير المؤمنين (عليه السلام) حين ذكر الخوارج مصارعهم دون النطفة يريد النهروان و الجمع نطاف و نطف قال الشاعر :
و ما النفس إلا نطفة بقرارة
إذا لم تكدر كان صفوا غديرها و واحد الأمشاج مشيج و مشجت هذا بهذا أي خلطته و هو ممشوج و مشيج و واحد الأبرار بار نحو ناصر و أنصار و بر أيضا و الكأس الإناء إذا كان فيه شراب قال عمرو بن كلثوم :
صددت الكأس عنا أم عمرو
و كان الكأس مجراها اليمينا و أوفى بالعقد و وفى به فأوفى لغة أهل الحجاز و وفى لغة تميم و أهل نجد و النذر عقد عملي فعل بر يوجبه الإنسان على نفسه نذر ينذر قال عنترة :
الشاتمي عرضي و لم أشتمهما
و الناذرين إذا لم ألقهما دمي أي يقولان إن لقينا عنترة لنقتلنه و المستطير المنتشر قال الأعشى :
فبانت و قد أسأرت في الفؤاد
صدعا على نأيها مستطيرا و القمطرير الشديد في الشر و قد اقمطر اليوم اقمطرارا و يوم قمطرير و قماطر كأنه قد التف شره بعضه على بعض قال الشاعر :
مجمع البيان ج : 10 ص : 611

بني عمنا هل تذكرون بلاءنا
عليكم إذا ما كان يوم قماطر قيل إن هل هنا بمعنى قد قال الشاعر :
أم هل كبير بكى لم يقض عبرته
إثر الأحبة يوم البين مشكوم .

الإعراب
« لم يكن شيئا » جملة في محل الرفع لأنها صفة حين و التقدير لم يكن فيه شيئا مذكورا و أمشاج يجوز أن يكون صفة لنطفة و يجوز أن يكون بدلا و الوصف بالجمع مثل قولهم برمة أعشار و ثوب أسمال و نبتليه في موضع نصب على الحال .
« إما شاكرا و إما كفورا » حالان من الهاء في هديناه أي هديناه شاكرا أو كفورا و قوله « عينا » في انتصابه وجوه ( أحدها ) أن يكون بدلا من كافورا إذا جعلت الكافور اسم عين فيكون بدل الكل من الكل ( و الثاني ) أن يكون بدلا من قوله « من كأس » أي يسقون من عين ثم حذف الجار فوصل الفعل إليه فنصبه ( و الثالث ) أن يكون منصوبا على المدح و التقدير أعني عينا يشرب بها الباء مزيدة أي يشربها و المعنى يشرب ماؤها لأن العين لا تشرب و إنما يشرب ماؤها .

النزول
قد روى الخاص و العام أن الآيات من هذه السورة و هي قوله « إن الأبرار يشربون » إلى قوله « و كان سعيكم مشكورا » نزلت في علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و جارية لهم تسمى فضة و هو المروي عن ابن عباس و مجاهد و أبي صالح .

] و القصة طويلة [
جملتها أنهم قالوا مرض الحسن و الحسين (عليهماالسلام) فعادهما جدهما (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و وجوه العرب و قالوا يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك نذرا فنذر صوم ثلاثة أيام إن شفاهما الله سبحانه و نذرت فاطمة (عليهاالسلام) كذلك و كذلك فضة فبرءا و ليس عندهم شيء فاستقرض علي (عليه السلام) ثلاثة أصوع من شعير من يهودي و روي أنه أخذها ليغزل له صوفا و جاء به إلى فاطمة (عليهاالسلام) فطحنت صاعا منها فاختبزته و صلى علي المغرب و قربته إليهم فأتاهم مسكين يدعو لهم و سألهم فأعطوه و لم يذوقوا إلا الماء فلما كان اليوم الثاني أخذت صاعا فطحنته و خبزته و قدمته إلى علي (عليه السلام) فإذا يتيم في الباب يستطعم فأعطوه و لم يذوقوا إلا الماء فلما كان اليوم الثالث عمدت إلى الباقي فطحنته و اختبزته و قدمته إلى علي (عليه السلام) فإذا أسير بالباب يستطعم فأعطوه
مجمع البيان ج : 10 ص : 612
و لم يذوقوا إلا الماء فلما كان اليوم الرابع و قد قضوا نذورهم أتى علي (عليه السلام) و معه الحسن و الحسين (عليهماالسلام) إلى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و بهما ضعف فبكى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و نزل جبرائيل (عليه السلام) بسورة هل أتى و في رواية عطاء عن ابن عباس أن علي ابن أبي طالب (عليه السلام) آجر نفسه ليستقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى أصبح فلما أصبح و قبض الشعير طحن ثلثه فجعلوا منه شيئا ليأكلوه يقال له الحريرة فلما تم إنضاجه أتى مسكين فأخرجوا إليه الطعام ثم عمل الثلث الثاني فلما تم إنضاجه أتى يتيم فسأل فأطعموه ثم عمل الثلث الثالث فلما تم إنضاجه أتى أسير من المشركين فسأل فأطعموه و طووا يومهم ذلك ذكره الواحدي في تفسيره و ذكر علي بن إبراهيم أن أباه حدثه عن عبد الله بن ميمون عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان عند فاطمة شعير فجعلوه عصيدة فلما أنضجوها و وضعوها بين أيديهم جاء مسكين فقال المسكين رحمكم الله فقام علي فأعطاه ثلثها فلم يلبث أن جاء يتيم فقال اليتيم رحمكم الله فقام علي (عليه السلام) فأعطاه الثلث ثم جاء أسير فقال الأسير رحمكم الله فأعطاه علي (عليه السلام) الثلث الباقي و ما ذاقوها فأنزل الله سبحانه الآيات فيهم و هي جارية في كل مؤمن فعل ذلك لله عز و جل و في هذا دلالة على أن السورة مدنية و قال أبو حمزة الثمالي في تفسيره حدثني الحسن بن الحسن أبو عبد الله بن الحسن أنها مدنية نزلت في علي و فاطمة السورة كلها حدثنا السيد أبو الحمد مهدي بن نزار الحسيني القايني قال أخبرنا الحاكم أبو القسم عبيد الله بن عبد الله الحسكاني قال حدثنا أبو نصر المفسر قال حدثني عمي أبو حامد إملاء قال حدثني الفزاري أبو يوسف يعقوب بن محمد المقري قال حدثنا محمد بن يزيد السلمي قال حدثنا زيد بن موسى قال حدثنا عمرو بن هارون عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس قال أول ما أنزل بمكة ( اقرأ باسم ربك ) ثم ( ن و القلم ) ثم ( المزمل ) ثم ( المدثر ) ثم ( تبت ) ثم ( إذا الشمس كورت ) ثم ( سبح اسم ربك الأعلى ) ثم ( و الليل إذا يغشى ) ثم ( و الفجر ) ثم ( و الضحى ) ثم ( أ لم نشرح ) ثم ( و العصر ) ثم ( و العاديات ) ثم ( إنا أعطيناك الكوثر ) ثم ( ألهيكم التكاثر ) ثم ( أ رأيت ) ثم ( الكافرون ) ثم ( أ لم تر كيف ) ثم ( قل أعوذ برب الفلق ) ثم ( قل أعوذ برب الناس ) ثم ( قل هو الله أحد ) ثم ( و النجم ) ثم ( عبس ) ثم ( إنا أنزلناه ) ثم ( و الشمس ) ثم ( البروج ) ثم ( و التين ) ثم ( لإيلاف ) ثم ( القارعة ) ثم ( القيامة ) ثم ( الهمزة ) ثم ( و المرسلات ) ثم ( ق ) .

مجمع البيان ج : 10 ص : 613
ثم ( لا أقسم بهذا البلد ) ثم ( الطارق ) ثم ( اقتربت الساعة ) ثم ( ص ) ثم ( الأعراف ) ثم ( قل أوحي ) ثم ( يس ) ثم ( الفرقان ) ثم ( الملائكة ) ثم ( كهيعص ) ثم ( طه ) ثم ( الواقعة ) ثم ( الشعراء ) ثم ( النمل ) ثم ( القصص ) ثم ( بني إسرائيل ) ثم ( يونس ) ثم ( هود ) ثم ( يوسف ) ثم ( الحجر ) ثم ( الأنعام ) ثم ( الصافات ) ثم ( لقمان ) ثم ( القمر ) ثم ( سبأ ) ثم ( الزمر ) ثم ( حم المؤمن ) ثم ( حم السجدة ) ثم ( حمعسق ) ثم ( الزخرف ) ثم ( الدخان ) ثم ( الجاثية ) ثم ( الأحقاف ) ثم ( الذاريات ) ثم ( الغاشية ) ثم ( الكهف ) ثم ( النحل ) ثم ( نوح ) ثم ( إبراهيم ) ثم ( الأنبياء ) ثم ( المؤمنون ) ثم ( الم تنزيل ) ثم ( الطور ) ثم ( الملك ) ثم ( الحاقة ) ثم ( ذو المعارج ) ثم ( عم يتساءلون ) ثم ( النازعات ) ثم ( انفطرت ) ثم ( انشقت ) ثم ( الروم ) ثم ( العنكبوت ) ثم ( المطففين ) فهذه أنزلت بمكة و هي خمس و ثمانون سورة ثم أنزلت بالمدينة ( البقرة ) ثم ( الأنفال ) ثم ( آل عمران ) ثم ( الأحزاب ) ثم ( الممتحنة ) ثم ( النساء ) ثم ( إذا زلزلت ) ثم ( الحديد ) ثم سورة ( محمد ) ثم ( الرعد ) ثم سورة ( الرحمن ) ثم ( هل أتى ) ثم ( الطلاق ) ثم ( لم يكن ) ثم ( الحشر ) ثم ( إذا جاء نصر الله ) ثم ( النور ) ثم ( الحج ) ثم ( المنافقون ) ثم ( المجادلة ) ثم ( الحجرات ) ثم ( التحريم ) ثم ( الجمعة ) ثم ( التغابن ) ثم سورة ( الصف ) ثم سورة ( الفتح ) ثم سورة ( المائدة ) ثم سورة ( التوبة ) فهذه ثمان و عشرون سورة و قد رواه الأستاذ أحمد الزاهد بإسناده عن عثمان بن عطاء عن أبيه عن ابن عباس في كتاب الإيضاح و زاد فيه و كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما يشاء بالمدينة و بإسناده عن عكرمة و الحسن بن أبي الحسن البصري إن أول ما أنزل الله من القرآن بمكة على الترتيب ( اقرأ باسم ربك و ن و المزمل ) إلى قوله و ما نزل بالمدينة ( ويل للمطففين ) ( و البقرة و الأنفال و آل عمران و الأحزاب و المائدة و الممتحنة و النساء و إذا زلزلت و الحديد و سورة محمد ) (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ( و الرعد و الرحمن و هل أتى على الإنسان ) إلى آخره و بإسناده عن سعيد بن المسيب عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه قال سألت النبي عن ثواب القرآن فأخبرني بثواب سورة سورة على نحو ما نزلت من السماء فأول ما نزل عليه بمكة ( فاتحة الكتاب ) ثم ( اقرأ باسم ربك ) ثم ( ن ) إلى أن قال و أول ما نزل بالمدينة سورة ( البقرة ) ثم ( الأنفال ) ثم ( آل عمران ) ثم ( الأحزاب ) ثم ( الممتحنة ) ثم ( النساء ) ثم ( إذا زلزلت ) ثم ( الحديد ) ثم ( سورة محمد ) ثم
مجمع البيان ج : 10 ص : 614
( الرعد ) ثم ( سورة الرحمن ) ثم ( هل أتى ) إلى قوله فهذا ما أنزل بالمدينة ثم قال النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) جميع سور القرآن مائة و أربع عشرة سورة و جميع آيات القرآن ستة آلاف آية و مائتا آية و ست و ثلاثون آية و جميع حروف القرآن ثلاثمائة ألف حرف واحد و عشرون ألف حرف و مائتان و خمسون حرفا لا يرغب في تعلم القرآن إلا السعداء و لا يتعهد قراءته إلا أولياء الرحمن ( أقول ) قد اتسع نطاق الكلام في هذا الباب حتى كاد يخرج عن أسلوب الكتاب و ربما نسبنا به إلى الإطناب و لكن الغرض فيه أن بعض أهل العصبية قد طعن في هذه القصة بأن قال هذه السورة مكية فكيف يتعلق بها ما كان بالمدينة و استدل بذلك على أنها مخترعة جرأة على الله سبحانه و عداوة لأهل بيت رسوله فأحببت إيضاح الحق في ذلك و إيراد البرهان في معناه و كشف القناع عن عناد هذا المعاند في دعواه على أنه كما ترى يحتوي على السر المخزون و الدر المكنون من هذا العلم الذي يستضاء بنوره و يتلألأ بزهوره و هو معرفة ترتيب السور في التنزيل و حصر عددها على الجملة و التفصيل اللهم أمددنا بتأييدك و أيدنا بتوفيقك فأنت الرجاء و الأمل و على فضلك المعول و المتكل .

المعنى
« هل أتى » معناه قد أتى « على الإنسان » أي أ لم يأت على الإنسان « حين من الدهر » و قد كان شيئا إلا أنه « لم يكن شيئا مذكورا » لأنه كان ترابا و طينا إلى أن نفخ فيه الروح عن الزجاج و على هذا فهل هنا استفهام يراد به التقرير قال الجبائي و هو تقرير على ألطف الوجوه و تقديره أيها المنكر للصانع و قدرته أ ليس قد أتى عليك دهور لم تكن شيئا مذكورا ثم ذكرت و كل أحد يعلم من نفسه أنه لم يكن موجودا ثم وجد فإذا تفكر في ذلك علم أن له صانعا صنعه و محدثا أحدثه و المراد بالإنسان هنا آدم (عليه السلام) و هو أول من سمي به عن الحسن و قتادة و سفيان و الجبائي و قيل إن المراد به كل إنسان و الألف و اللام للجنس عن أبي مسلم و قيل أنه أتى على آدم (عليه السلام) أربعون سنة لم يكن شيئا مذكورا لا في السماء و لا في الأرض بل كان جسدا ملقى من طين قبل أن ينفخ فيه الروح و روى عطاء عن ابن عباس أنه تم خلقه بعد عشرين و مائة سنة و روى العياشي بإسناده عن عبد الله بن بكير عن زرارة قال سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن قوله « لم يكن شيئا مذكورا » قال كان شيئا و لم يكن مذكورا و بإسناده عن سعيد الحداد عن أبي جعفر (عليه السلام) قال كان مذكورا في العلم و لم يكن مذكورا في الخلق و عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي عبد الله (عليه السلام) مثله و عن حمران بن أعين قال سألت عنه فقال كان شيئا مقدورا و لم يكن مكونا و في هذا دلالة على أن المعدوم معلوم و إن لم يكن مذكورا و إن المعدوم يسمى شيئا فإذا حملت الإنسان على الجنس فالمراد أنه
مجمع البيان ج : 10 ص : 615
قبل الولادة لا يعرف و لا يذكر و لا يدري من هو و ما يراد به بل يكون معدوما ثم يوجد في صلب أبيه ثم في رحم أمه إلى وقت الولادة و قيل المراد به العلماء لأنهم كانوا لا يذكرون فصيرهم الله سبحانه بالعلم مذكورين بين الخاص و العام في حياتهم و بعد مماتهم و سمع عمر بن الخطاب رجلا يقرأ هذه الآية فقال ليت ذلك ثم يعني ليت آدم بقي على ما كان فكان لا يلد و لا يبتلي أولاده ثم قال سبحانه « إنا خلقنا الإنسان » يعني ولد آدم (عليه السلام) « من نطفة » و هي ماء الرجل و المرأة الذي يخلق منه الولد « أمشاج » أي أخلاط من ماء الرجل و ماء المرأة في الرحم فأيهما علا ماء صاحبه كان الشبه له عن ابن عباس و الحسن و عكرمة و مجاهد و قيل أمشاج أطوار طورا نطفة و طورا علقة و طورا مضغة و طورا عظاما إلى أن صار إنسانا عن قتادة و قيل أراد اختلاف ألوان النطفة فنطفة الرجل بيضاء و حمراء و نطفة المرأة خضراء و صفراء فهي مختلفة الألوان عن مجاهد و الضحاك و الكلبي و روي أيضا عن ابن عباس و قيل نطفة مشجت بدم الحيض فإذا حبلت ارتفع الحيض عن الحسن و قيل هي العروق التي تكون في النطفة عن ابن مسعود و قيل أمشاج أخلاط من الطبائع التي تكون في الإنسان من الحرارة و البرودة و اليبوسة و الرطوبة جعلها الله في النطفة ثم بناه الله البنية الحيوانية المعدلة الأخلاط ثم جعل فيه الحياة ثم شق له السمع و البصر فتبارك الله رب العالمين و ذلك قوله « فجعلناه سميعا بصيرا » و قوله « نبتليه » أي نختبره بما نكلفه من الأفعال الشاقة ليظهر إما طاعته و إما عصيانه فنجازيه بحسب ذلك قال الفراء معناه « فجعلناه سميعا بصيرا » لنبتليه أي لنتعبده و نأمره و ننهاه و المراد فأعطيناه آلة السمع و البصر ليتمكن من السمع و البصر و معرفة ما كلف « إنا هديناه السبيل » أي بينا له الطريق و نصبنا له الأدلة و أزحنا له العلة حتى يتمكن من معرفة الحق و الباطل و قيل هو طريق الخير و الشر عن قتادة و قيل السبيل هو طريق معرفة الدين الذي به يتوصل إلى ثواب الأبد و يلزم كل مكلف سلوكه و هو أدلة العقل و الشرع التي يعم جميع المكلفين « إما شاكرا و إما كفورا » قال الفراء معناه أن شكر و أن كفر على الجزاء و قال الزجاج معناه ليختار إما السعادة و إما الشقاوة و المراد إما أن يختار بحسن اختياره الشكر لله تعالى و الاعتراف بنعمه فيصيب الحظ و إما أن يكفر نعم الله و يجحد إحسانه فيكون ضالا عن الصواب فأيهما اختار جوزي عليه بحسبه و هذا كقوله « فمن شاء فليؤمن و من شاء فليكفر » و في هذه الآية دلالة على أن الله قد هدى جميع خلقه لأن اللفظ عام ثم بين سبحانه ما أعده للكافرين فقال « إنا أعتدنا للكافرين » أي هيأنا و ادخرنا لهم جزاء على كفرانهم و عصيانهم « سلاسل » يعني في جهنم كما قال في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا « و أغلالا و سعيرا » نار موقدة نعذبهم بها و نعاقبهم فيها ثم ذكر ما أعده
مجمع البيان ج : 10 ص : 616
للشاكرين المطيعين فقال « إن الأبرار » و هو جمع البر المطيع لله المحسن في أفعاله و قال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر و لا يرضون الشر و قيل هم الذين يقضون الحقوق اللازمة و النافلة و قد أجمع أهل البيت (عليهم السلام) و موافقوهم و كثير من مخالفيهم إن المراد بذلك علي و فاطمة و الحسن و الحسين (عليهماالسلام) و الآية مع ما بعدها متعينة فيهم و أيضا فقد انعقد الإجماع على أنهم كانوا أبرارا و في غيرهم خلاف « يشربون من كأس » إناء فيه شراب « كان مزاجها » أي ما يمازجها « كافورا » و هو اسم عين ماء في الجنة عن عطاء و الكلبي و اختاره الفراء قال و يدل عليه قوله « عينا » و هي كالمفسرة للكافور و قيل يعني الكافور الذي له رائحة طيبة و المعنى يمازجه ريح الكافور و ليس ككافور الدنيا عن مجاهد و مقاتل قال قتادة يمزج بالكافور و يختم بالمسك و قيل معناه طيب بالكافور و المسك و الزنجبيل عن ابن كيسان « عينا يشرب بها عباد الله » أي أولياؤه عن ابن عباس أي هذا الشراب من عين يشرب بها أولياء الله و خصهم بأنهم عباد الله تشريفا و تبجيلا قال الفراء شربها و شرب بها سواء في المعنى كما يقولون تكلمت بكلام حسن و كلاما حسنا قال عنترة :
شربت بماء الدحرضين فأصبحت
عسرا علي طلابها ابنة مخرم و أنشد الفراء :
شربن بماء البحر ثم ترفعت
متى لجج خضر لهن نئيج أي صوت .
« يفجرونها تفجيرا » أي يقودون تلك العين حيث شاءوا من منازلهم و قصورهم عن مجاهد و التفجير تشقيق الأرض بجري الماء قال و أنهار الجنة تجري بغير أخدود فإذا أراد المؤمن أن يجري نهرا خط خطا فينبع الماء من ذلك الموضع و يجري بغير تعب ثم وصف سبحانه هؤلاء الأبرار فقال « يوفون بالنذر » أي كانوا في الدنيا بهذه الصفة و الإيفاء بالنذر هو أن يفعل ما نذر عليه فإذا نذر طاعة تممها و وفى بها عن مجاهد و عكرمة و قيل يتمون ما فرض الله عليهم من الواجبات عن قتادة « و يخافون يوما كان شره مستطيرا »
مجمع البيان ج : 10 ص : 617
أي فاشيا منتشرا ذاهبا في الجهات بلغ أقصى المبالغ و سمي العذاب شرا لأنه لا خير فيه للمعاقبين و إن كان في نفسه حسنا لكونه مستحقا و قيل المراد بالشر هنا أهوال يوم القيامة و شدائده « و يطعمون الطعام على حبه » أي على حب الطعام و المعنى يطعمون الطعام أشد ما تكون حاجتهم إليه وصفهم الله سبحانه بالأثرة على أنفسهم و في الحديث عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال ما من مسلم أطعم مسلما على جوع إلا أطعمه الله من ثمار الجنة و ما من مسلم كسا أخاه على عري إلا كساه الله من خضر الجنة و من سقى مسلما على ظمإ سقاه الله من الرحيق قال ابن عباس يطعمون الطعام على شهوتهم له و محبتهم إياه و قيل الهاء كناية عن الله تعالى أي يطعمون الطعام على حب الله « مسكينا » و هو الفقير الذي لا شيء له « و يتيما » و هو الذي لا والد له من الأطفال « و أسيرا » و هو المأخوذ من أهل دار الحرب عن قتادة و قيل هو المحبوس من أهل القبلة عن مجاهد و سعيد بن جبير و قيل الأسير المرأة « إنما نطعمكم لوجه الله » أي لطلب رضا الله خالصا لله مخلصا من الرياء و طلب الجزاء و هو قوله « لا نريد منكم جزاء و لا شكورا » و هو مصدر مثل القعود و الجلوس و قيل إنهم لم يتكلموا بذلك و لكن علم الله سبحانه ما في قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك الراغب عن سعيد بن جبير و مجاهد و المراد لا نطلب بهذا الطعام مكافاة عاجلة و لا نريد أن تشكرونا عليه عند الخلق بل فعلناه لله « إنا نخاف من ربنا يوما » أي عذاب يوم « عبوسا » أي مكفهرا تعبس فيه الوجوه و وصف اليوم بالعبوس توسعا لما فيه من الشدة و هذا كما يقال يوم صائم و ليل قائم قال ابن عباس يعبس فيه الكافر حتى يسيل من بين عينيه عرق مثل القطران « قمطريرا » أي صعبا شديدا عن أبي عبيدة و المبرد و قال الحسن سبحان الله ما أشد اسمه و هو من اسمه أشد و قيل القمطرير الذي يقلص الوجوه و يقبض الجباه و ما بين الأعين من شدته عن قتادة .

مجمع البيان ج : 10 ص : 618
فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شرَّ ذَلِك الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضرَةً وَ سرُوراً(11) وَ جَزَاهُم بِمَا صبرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً(12) مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلى الأَرَائكِ لا يَرَوْنَ فِيهَا شمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً(13) وَ دَانِيَةً عَلَيهِمْ ظِلَلُهَا وَ ذُلِّلَت قُطوفُهَا تَذْلِيلاً(14) وَ يُطاف عَلَيهِم بِئَانِيَة مِّن فِضة وَ أَكْوَاب كانَت قَوَارِيرَا(15) قَوَارِيرَا مِن فِضة قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً(16) وَ يُسقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً(17) عَيْناً فِيهَا تُسمَّى سلْسبِيلاً(18) * وَ يَطوف عَلَيهِمْ وِلْدَنٌ مخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتهُمْ حَسِبْتهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً(19) وَ إِذَا رَأَيْت ثمَّ رَأَيْت نَعِيماً وَ مُلْكاً كَبِيراً(20) عَلِيهُمْ ثِيَاب سندُس خُضرٌ وَ إِستَبرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِن فِضة وَ سقَاهُمْ رَبهُمْ شرَاباً طهُوراً(21) إِنَّ هَذَا كانَ لَكمْ جَزَاءً وَ كانَ سعْيُكم مَّشكُوراً(22)
القراءة
قرأ الشعبي و عبيد بن عمير قدروها بضم القاف و القراءة المشهورة « قدروها » بفتح القاف و قرأ أهل المدينة و حمزة عاليهم ساكنة الياء و الباقون « عاليهم » بفتح الياء و قرأ أهل البصرة و أبو جعفر و ابن عامر خضر بالرفع و استبرق بالجر و قرأ ابن كثير و أبو بكر خضر بالجر و استبرق بالرفع و قرأ نافع و حسن بالرفع فيهما و قرأ حمزة و الكسائي و خلف بالجر فيهما .

الحجة
من قرأ « قدروها » بالفتح فالمعنى قدروها في أنفسهم فجاءت كما قدروها و من قرأ بالضم أراد أن ذلك قدر لهم أي قدره الله لهم كذلك قال أبو علي الضمير في « قدروها » للخزان أو الملائكة أي قدروها على ربهم لا ينقص من ذلك و لا يزيد عليه و من قرأ قدروها فهو على هذا المعنى يريد كان اللفظ قدروا عليها فحذف الجار كما حذف من قوله :
كأنه واضح الأقراب في لقح
أسمى بهن و عزته الأناصيل فلما حذف الحرف وصل الفعل فكذلك قوله قدروها إلا أن المعنى قدرت عليهم أي على ربهم فقلب كما قال :
لا تحسبن دراهما سرقتها
تمحو مخازيك التي بعمان و على هذا يتأول قوله « ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة » و مثل هذا ما حكاه أبو زيد إذا طلعت الجوزاء أوفى السود في الجرباء قال و من نصب « عاليهم » فإن النصب يحتمل أمرين
مجمع البيان ج : 10 ص : 619
( أحدهما ) أن يكون حالا ( و الآخر ) أن يكون ظرفا فأما الحال فيحتمل أن يكون العامل فيها أحد شيئين ( أحدهما ) لقاهم ( و الآخر ) جزاهم و مثله في كونه حالا « متكئين فيها على الأرائك » فإن قلت لم لا يكون متكئين صفة جنة و فيها ذكر لها قيل لا يجوز ذلك أ لا ترى أنه لو كان كذلك للزمك أن تبرز الضمير الذي في اسم الفاعل من حيث كان صفة للجنة و ليس الفعل لها فإذا لم يجز ذلك كان حالا و كذلك قوله « و دانية عليهم ظلالها » إلا أنه يجوز في قوله « و دانية عليهم ظلالها » أمران ( أحدهما ) الحال ( و الآخر ) أن ينتصب على أنه مفعول به و يكون المعنى و جزاهم جنة و حريرا أي لبس حرير و دخول جنة و دانية عليهم ظلالها فيكون على هذا التقدير كقوله و لمن خاف مقام ربه جنتان فإن لم تحمله على هذا و قلت إنه يعرض فيه إقامة الصفة مقام الموصوف و إن ذلك ليس بالمطرح في كلامهم و إذا حملته على الحال يكون مثل ما عطفته عليه من قوله « متكئين » « و دانية عليهم » و كذلك يكون « عاليهم ثياب سندس » معطوفا على ما انتصب على الحال في السورة فيكون ثياب سندس مرتفعة باسم الفاعل و الضمير عائد إلى ذي الحال من قوله « عاليهم » و في الشواذ عاليتهم قراءة الأعمش و يكون بمنزلة قوله خاشعا أبصارهم و خاشعة أبصارهم و من جعله ظرفا فإنه لما كان عالي بمعنى فوق أجري مجراه في هذا و من قرأ عاليهم بسكون الياء جعله مبتدأ و ثياب سندس خبره و يكون عاليهم المبتدأ في موضع الجماعة كما أن الخبر جماعة و قد جاء اسم الفاعل في موضع جماعة قال :
ألا إن جيراني العشية رائح
دعتهم دواع من هوى و منادح و في التنزيل مستكبرين به سامرا تهجرون فقطع دابر القوم الذين ظلموا فكأنه أفرد من حيث جعل بمعنى المصدر من نحو قوله
و لا خارجا من في زور كلام و قد قالوا الجامل و الباقر يراد بهما الكثرة و أخذ عليه البصير النحوي الملقب بجامع العلوم هذا الكلام و نسبه فيه إلى سوء التأمل و قال عاليهم بسكون الياء صفة الولدان أي يطوف عليهم ولدان عاليهم ثياب سندس فيرتفع ثياب سندس باسم الفاعل الجاري صفة على الموصوف و أقول و بالله التوفيق إني لأرى أن نظر هذا الفاضل قد اختل كما أن بصره قد اعتل فرمى أبا علي بدائه و أنسل أ لم ينظر في خاتمة هذه الآية إلى قوله سبحانه « و سقاهم ربهم شرابا طهورا » ثم قوله عقيب ذلك « إن هذا كان لكم جزاء » فيعرف أن الضمير في عاليهم هو بعينه في و سقاهم و هو ضمير المخاطبين في لكم و هذا الضمير لا يمكن أن يعود إلا إلى الأبرار
مجمع البيان ج : 10 ص : 620
المثابين المجازين دون الولدان المخلدين الذين هم من جملة ثوابهم و جزائهم اللهم لك الحمد على تأييدك و تسديدك رجعنا إلى كلام أبي علي قال و يجوز على قياس قول أبي الحسن في قائم أخواك و إعمال اسم الفاعل عمل الفعل و إن لم يعتمد على شيء أن يكون ثياب سندس مرتفعة بعاليهم و أفردت عاليا لأنه فعل متقدم قال أبو علي و الأوجه قراءة من قال خضر بالرفع و استبرق بالجر لأن خضرا صفة مجموعة لموصوف مجموع و هو ثياب و أما استبرق فجر من حيث كان جنسا أضيفت إليه الثياب كما أضيفت إلى سندس كما يقال ثياب خز و كتان و يدل على ذلك قوله « و يلبسون ثيابا خضرا من سندس » و استبرق و من قرأ « خضر و استبرق » فإنه أجرى الخضر و هو جمع على السندس لما كان المعنى أن الثياب من هذا الجنس و أجاز أبو الحسن وصف هذه الأجناس بالجمع فقال تقول أهلك الناس الدينار الصفر و الدرهم البيض على استقباح له و من رفع استبرق فإنما أراد عطف الاستبراق على الثياب كأنه ثياب سندس و ثياب استبرق فحذف المضاف الذي هو ثياب و أقام استبرق مقامه كما إنك إذا قلت عليه خز بمعنى عليه ثوب خز و ليس المعنى أن عليه الدابة التي هي الخز و على هذا قوله :
كان خزا تحته و قزا
و فرشا محشوة أوزا .

اللغة
الوقاية الحفظ و المنع من الأذى وقاه يقيه وقاية و وقاه توقية قال رؤبة
أن الموقي مثل ما وقيت و منه اتقاه و توقاه و أصل الشر الظهور فهو ظهور الضرر و منه شررت الثوب إذا ظهرته للشمس أو الريح قال
و حتى أشرت بالأكف المصاحف أي أظهرت و منه شرر النار لظهوره بتطايره و النضرة حسن الألوان و نبت ناضر و نضير و نضر و السرور اعتقاد وصول المنافع إليه في المستقبل و قال قوم هو لذة في القلب فحسب متعلقة بما فيه النفع و كل سرور فلا بد له من متعلق كالسرور بالمال و الولد و السرور بالإكرام و الإجلال و السرور بالحمد و الشكر و السرور بالثواب و الأرائك الحجال فيها الأسرة واحدتها أريكة قال الزجاج الأريكة كل ما يتكأ عليه من مسورة أو غيرها و الزمهرير أشد ما يكون من البرد و الزنجبيل ضرب من القرفة طيب الطعم يحذو اللسان و يربى بالعسل و يستدفع به المضار و إذا مزج به الشراب فاق في الإلذاذ و العرب تستطيب الزنجبيل جدا قال الشاعر


بعدی:
مجمع البيان ج : 10 ص : 621

كان القرنفل و الزنجبيل
باتا بفيها واريا مشورا و السلسبيل الشراب السهل اللذيذ يقال شراب سلسل و سلسال و سلسبيل و الولدان الغلمان جمع وليد و السندس الديباج الرقيق الفاخر الحسن و الإستبرق الديباج الغليظ الذي له بريق .

الإعراب
« و إذا رأيت ثم » قال الزجاج العامل في ثم معنى رأيت و المعنى و إذا رأيت ببصرك ثم قال الفراء المعنى و إذا رأيت ما ثم و غلطه الزجاج في ذلك و قال إن ما تكون موصولة بقوله ثم على هذا التفسير و لا يجوز إسقاط الموصول و ترك الصلة و لكن رأيت يتعدى في المعنى إلى ثم و أقول يجوز أن يكون مفعول رأيت محذوفا و يكون ثم ظرفا و التقدير و إذا رأيت ما ذكرناه ثم .

المعنى
ثم أخبر سبحانه بما أعد للأبرار الموصوفين في الآيات الأولى من الجزاء فقال « فوقيهم الله شر ذلك اليوم » أي كفاهم الله و منع منهم أهوال يوم القيامة و شدائده « و لقيهم نضرة و سرورا » أي استقبلهم بذلك « و جزيهم » أي و كافأهم « بما صبروا » أي بصبرهم على طاعته و اجتناب معاصيه و تحمل محن الدنيا و شدائدها « جنة » يسكنونها « و حريرا » من لباس الجنة يلبسونه و يفرشونه « متكئين » أي جالسين جلوس الملوك « فيها » أي في الجنة « على الأرائك » أي الأسرة في الحجال عن ابن عباس و مجاهد و قتادة و قيل كلما يتكأ عليه فهو أريكة عن الزجاج و قيل الأرائك الفرش فوق الأسرة عن أبي مسلم « لا يرون فيها » أي في تلك الجنة « شمسا » يتأذون بحرها « و لا زمهريرا » يتأذون ببرده « و دانية عليهم ظلالها » يعني أن أفياء أشجار تلك الجنة قريبة منهم و قيل إن ظلال الجنة لا تنسخها الشمس كما تنسخ ظلال الدنيا « و ذللت قطوفها تذليلا » أي و سخرت و سهل أخذ ثمارها تسخيرا إن قام ارتفعت بقدره و إن قعد نزلت عليه حتى ينالها و إن اضطجع تدلت حتى تنالها يده عن مجاهد و قيل معناه لا يرد أيديهم عنها بعد و لا شوك « و يطاف عليهم » أي على هؤلاء الأبرار الموصوفين قبل « بانية من فضة و أكواب » جمع كوب و هو إناء للشرب من غير عروة و قيل الأكواب الأقداح عن مجاهد « كانت » تلك الأكواب « قواريرا » أي زجاجات « من فضة » قال الصادق (عليه السلام) ينفذ البصر في فضة الجنة كما ينفذ في الزجاج و المعنى أن أصلها من فضة فاجتمع لها بياض الفضة و صفاء
مجمع البيان ج : 10 ص : 622
القوارير فيرى من خارجها ما في داخلها قال أبو علي إن سئل فقيل كيف تكون القوارير من فضة و إنما القوارير من الرمل دونها فالقول في ذلك أن الشيء إذا قاربه شيء و اشتدت ملابسته له قيل أنه من كذا و إن لم يكن منه في الحقيقة كقول البعيث :
ألا أصبحت خنساء خارمة الوصل
و ضنت علينا و الضنين من البخل
و صدت فأعدانا بهجر صدودها
و هن من الأخلاف قبلك و المطل و قال :
ألا في سبيل الله تغيير لمتي
و وجهك مما في القوارير أصفر فعلى هذا يجوز قوارير من فضة أي هي في صفاء الفضة و نقائها و يجوز تقدير حذف المضاف أي من صفاء الفضة و قوارير الثانية بدل من الأولى و ليست بتكرار و قيل أن قوارير كل أرض من تربتها و أرض الجنة فضة فلذلك كانت قواريرها مثل الفضة عن ابن عباس « قدروها تقديرا » أي قدروا الكأس على قدر ربهم لا يزيد و لا ينقص من الري و الضمير في قدروها للسقاة و الخدم الذين يسقون فإنهم يقدرونها ثم يسقون و قيل قدروها على قدر ملء الكف أي كانت الأكواب على قدر ما اشتهوا لم تعظم و لم يثقل الكف عن حملها عن الربيع و القرظي و قيل قدروها في أنفسهم قبل مجيئها على صفة فجاءت على ما قدروا و الضمير في قدروا للشاربين « و يسقون فيها » أي في الجنة « كأسا كان مزاجها زنجبيلا » قال مقاتل لا يشبه زنجبيل الدنيا و قال ابن عباس كل ما ذكره الله في القرآن مما في الجنة و سماه ليس له مثل في الدنيا و لكن سماه الله بالاسم الذي يعرف و الزنجبيل مما كانت العرب تستطيبه فلذلك ذكره في القرآن و وعدهم أنهم يسقون في الجنة الكأس الممزوجة بزنجبيل الجنة « عينا فيها تسمى سلسبيلا » أي تمزج الخمر بالزنجبيل و الزنجبيل من عين تسمى تلك العين سلسبيلا قال ابن الأعرابي لم أسمع السلسبيل إلا في القرآن و قال الزجاج هو صفة لما كان في غاية السلاسة يعني أنها سلسلة تتسلسل في الحلق و قيل سمي سلسبيلا لأنها تسيل عليهم في الطرق و في منازلهم تنبع من أصل العرش من جنة عدن إلى أهل الجنان عن أبي العالية و مقاتل و قيل سميت بذلك لأنها ينقاد ماؤها لهم يصرفونها حيث شاءوا عن قتادة « و يطوف عليهم ولدان مخلدون » مر تفسيره « إذا رأيتهم » يعني إذا رأيت أولئك الولدان « حسبتهم لؤلؤا منثورا » من الصفاء و حسن المنظر و الكثرة فذكر لونهم و كثرتهم و قيل إنما
مجمع البيان ج : 10 ص : 623
شبههم بالمنثور لانتثارهم في الخدمة فلو كانوا صفا لشبهوا بالمنظوم « و إذا رأيت ثم » أي إذا رميت ببصرك ثم يعني الجنة و قيل أن تقديره و إذا رأيت الأشياء ثم « رأيت نعيما » خطيرا « و ملكا كبيرا » لا يزول و لا يفنى عن الصادق (عليه السلام) و قيل كبيرا أي واسعا يعني أن نعيم الجنة لا يوصف كثرة و إنما يوصف بعضها و قيل الملك الكبير استئذان الملائكة عليهم و تحيتهم بالسلام و قيل هو أنهم لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه و قيل هو أن أدناهم منزلة ينظر في ملكه من مسيرة ألف عام يرى أقصاه كما يرى أدناه و قيل هو الملك الدائم الأبدي في نفاذ الأمر و حصول الأماني « عاليهم ثياب سندس » من جعله ظرفا فهو بمنزلة قولك فوقهم ثياب سندس و من جعله حالا فهو بمنزلة قولك يعلوهم ثياب سندس و هو ما رق من الثياب فيلبسونها و روي عن الصادق (عليه السلام) أنه قال في معناه تعلوهم الثياب فيلبسونها « خضر و استبرق » و هو ما غلظ منها و لا يراد به الغلظ في السلك إنما يراد به الثخانة في النسج قال ابن عباس أ ما رأيت الرجل عليه ثياب و الذي يعلوها أفضلها « و حلوا أساور من فضة » الفضة الشفافة و هي التي يرى ما وراءها كما يرى من البلورة و هو أفضل من الدر و الياقوت و هما أفضل من الذهب و الفضة فتلك الفضة أفضل من الذهب و الفضة في الدنيا و هما أثمان الأشياء و قيل أنهم يحلون بالذهب تارة و بالفضة أخرى ليجمعوا محاسن الحلية كما قال الله تعالى يحلون فيها من أساور من ذهب و الفضة و إن كانت دنية الثمن في الدنيا فهي في غاية الحسن خاصة إذا كانت بالصفة التي ذكرناها و الغرض في الآخرة ما يكثر الاستلذاذ و السرور به لا ما يكثر ثمنه لأنه ليست هناك أثمان « و سقاهم ربهم شرابا طهورا » أي طاهرا من الأقذار و الأقذاء لم تدنسها الأيدي و لم تدسها الأرجل كخمر الدنيا و قيل طهورا لا يصير بولا نجسا و لكن يصير رشحا في أبدانهم كريح المسك و إن الرجل من أهل الجنة يقسم له شهوة مائة رجل من أهل الدنيا و أكلهم و نهمتهم فإذا أكل ما شاء سقي شرابا طهورا فيطهر بطنه و يصير ما أكل رشحا يخرج من جلده أطيب ريحا من المسك الأذفر و يضمر بطنه و تعود شهوته عن إبراهيم التميمي و أبي قلابة و قيل يطهرهم عن كل شيء سوى الله إذ لا طاهر من تدنس بشيء من الأكوان إلا الله رووه عن جعفر بن محمد (عليهماالسلام) « إن هذا » يعني ما وصف من النعيم و أنواع الملاذ « كان لكم جزاء » أي مكافاة على أعمالكم الحسنة و طاعتكم المبرورة « و كان سعيكم » في مرضاة الله و قيامكم بما أمركم الله به « مشكورا » أي مقبولا مرضيا جوزيتم عليه فكأنه شكر لكم فعلكم .

مجمع البيان ج : 10 ص : 624
إِنَّا نحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْك الْقُرْءَانَ تَنزِيلاً(23) فَاصبرْ لِحُكمِ رَبِّك وَ لا تُطِعْ مِنهُمْ ءَاثِماً أَوْ كَفُوراً(24) وَ اذْكُرِ اسمَ رَبِّك بُكْرَةً وَ أَصِيلاً(25)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page