• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الجزء الثلاثون سورة الكافرون آيات 1 الى 6 وسورة النصر آیات 1 الی 3 وسورة المسد آیات 1 الی 5



مجمع البيان ج : 10 ص : 839
( 109 ) سورة الكافرون مكية و آياتها ست ( 6 )
مكية و عن ابن عباس و قتادة مدنية و هي ست آيات بالإجماع .

فضلها
في حديث أبي و من قرأ يا أيها الكافرون فكأنما قرأ ربع القرآن و تباعدت عنه مردة الشياطين و بري من الشرك و يعافى من الفزع الأكبر .
و عن جبير بن مطعم قال قال لي رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أ تحب يا جبير أن تكون إذا خرجت سفرا من أمثل أصحابك هيئة و أكثرهم زادا قلت نعم بأبي أنت و أمي يا رسول الله قال فاقرأ هذه السور الخمس قل يا أيها الكافرون و إذا جاء نصر الله و الفتح و قل هو الله أحد و قل أعوذ برب الفلق و قل أعوذ برب الناس و افتتح قراءتك ببسم الله الرحمن الرحيم قال جبير و كنت غير كثير المال و كنت أخرج مع من شاء الله أن أخرج فأكون أكثرهم همة و أمثلهم زادا حتى أرجع من سفري ذلك و عن فروة بن نوفل الأشجعي عن أبيه أنه أتى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال جئت يا رسول الله لتعلمني شيئا أقوله عند منامي قال إذا أخذت مضجعك فاقرأ قل يا أيها الكافرون ثم نم على خاتمتها فإنها براءة من الشرك .
شعيب الحداد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال كان أبي يقول قل يا أيها الكافرون ربع القرآن و كان إذا فرغ منها قال أعبد الله وحده أعبد الله وحده .
و عن هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا قلت « لا أعبد ما تعبدون » فقل و لكني أعبد الله مخلصا له ديني فإذا فرغت منها فقل ديني الإسلام ثلاث مرات .
و عن الحسين بن أبي العلاء قال من قرأ قل يا أيها الكافرون و قل هو الله أحد في فريضة من الفرائض غفر الله له و لوالديه و ما ولدا و إن كان شقيا محي من ديوان الأشقياء و كتب في ديوان السعداء و أحياه الله سعيد و أماته شهيدا و بعثه شهيدا .

تفسيرها
ذكر سبحانه في تلك السورة أن أعداءه عابوه بأنه أبتر فرد ذلك عليهم و ذكر في هذه السورة أنهم سألوه المداهنة فأمره بالبراءة منهم فقال :
مجمع البيان ج : 10 ص : 840
سورة الكافرون
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ قُلْ يَأَيهَا الْكفِرُونَ(1) لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ(2) وَ لا أَنتُمْ عَبِدُونَ مَا أَعْبُدُ(3) وَ لا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتمْ(4) وَ لا أَنتُمْ عَبِدُونَ مَا أَعْبُدُ(5) لَكمْ دِينُكُمْ وَ لىَ دِينِ(6)
القراءة
قرأ نافع و ابن كثير و حفص عن عاصم « لي دين » بفتح الياء و الباقون بسكون الياء .

الحجة
إسكان الياء من و لي و فتحها جميعا حسنان سائغان .

الإعراب
« و لا أنتم عابدون ما أعبد » كان الوجه من أعبد و لكنه جاء بما ليطابق ما قبله و ما بعده و قيل إن ما هاهنا بمعنى من و العائد من الصلة إلى الموصول في الجميع محذوف و التقدير ما تعبدونه و ما أعبده و ما عبدتموه .

النزول
نزلت السورة في نفر من قريش منهم الحارث بن قيس السهمي و العاص ابن أبي وائل و الوليد بن المغيرة و الأسود بن عبد يغوث الزهري و الأسود بن المطلب بن أسد و أمية بن خلف قالوا هلم يا محمد فاتبع ديننا نتبع دينك و نشركك في أمرنا كله تعبد آلهتنا سنة و نعبد إلهك سنة فإن كان الذي جئت به خيرا مما بأيدينا كنا قد شركناك فيه و أخذنا بحظنا منه و إن كان الذي بأيدينا خيرا مما في يديك كنت قد شركتنا في أمرنا و أخذت بحظك منه فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) معاذ الله أن أشرك به غيره قالوا فاستلم بعض الهتنا نصدقك و نعبد إلهك فقال حتى أنظر ما يأتي من عند ربي فنزل قل يا أيها الكافرون السورة فعدل رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلى المسجد الحرام و فيه الملأ من قريش فقام على رءوسهم ثم قرأ عليهم حتى فرغ من السورة فأيسوا عند ذلك ف آذوه و آذوا أصحابه قال ابن عباس و فيهم نزل قوله قل أ فغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون .

المعنى
خاطب سبحانه النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال « قل » يا محمد « يا أيها الكافرون » يريد قوما معينين لأن الألف و اللام للعهد « لا أعبد ما تعبدون » أي لا أعبد آلهتكم التي تعبدونها اليوم و في هذه الحال « و لا أنتم عابدون ما أعبد » أي إلهي الذي أعبده اليوم و في هذه الحال أيضا
مجمع البيان ج : 10 ص : 841
« و لا أنا عابد ما عبدتم » فيما بعد اليوم « و لا أنتم عابدون ما أعبد » فيما بعد اليوم من الأوقات المستقبلة عن ابن عباس و مقاتل قال الزجاج : نفى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بهذه السورة عبادة آلهتهم عن نفسه في الحال و فيما يستقبل و نفي عنهم عبادة الله في الحال و فيما يستقبل و هذا في قوم أعلمه الله سبحانه أنهم لا يؤمنون كقوله سبحانه في قصة نوح (عليه السلام) إنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن و قيل أيضا في وجه التكرار إن القرآن نزل بلغة العرب و من عادتهم تكرير الكلام للتأكيد و الأفهام فيقول المجيب بلى بلى و يقول الممتنع لا لا عن الفراء قال و مثله قوله تعالى كلا سوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون و أنشد :
و كائن و كم عندي لهم من صنيعة
أيادي ثنوها علي و أوجبوا و أنشد :
كم نعمة كانت لكم
كم كم كم كم كم و كم و قال آخر :
نعق الغراب ببين ليلي غدوة
كم كم و كم بفراق ليلى ينعق و قال آخر :
هلا سألت جموع كندة يوم و لو أين أينا و قال آخر :
أردت لنفسي بعض الأمور
فأولى لنفسي أولى لها و قال و هذا أولى المواضع بالتأكيد لأن الكافرين أبدوا في ذلك و أعادوا فكرر سبحانه ليؤكد أيأسهم و حسم أطماعهم بالتكرير و قيل أيضا في ذلك أن المعنى لا أعبد الأصنام التي تعبدونها و لا أنتم عابدون الله الذي أنا عابده إذا أشركتم به و اتخذتم الأصنام و غيرها تعبدونها من دونه و إنما يعبد الله من أخلص العبادة له « و لا أنا عابد ما عبدتم » أي لا أعبد عبادتكم فيكون ما مصدرية « و لا أنتم عابدون ما أعبد » أي و ما تعبدون عبادتي على نحو ما ذكرناه فأراد في الأول المعبود و في الثاني العبادة فإن قيل أما اختلاف المعبودين فمعلوم فما معنى اختلاف العبادة ( قلنا ) إنه يعبد الله على وجه الإخلاص و هم يشركون به في عبادته فاختلفت العبادتان و لأنه كان يتقرب إلى عبادته إلى معبوده بالأفعال المشروعة الواقعة على وجه العبادة و هم لا يفعلون
مجمع البيان ج : 10 ص : 842
ذلك و إنما يتقربون إليه بأفعال يعتقدونها قربة جهلا من غير شرع « لكم دينكم و لي دين » ذكر فيه وجوه ( أحدها ) أن معناه لكم جزاء دينكم و لي جزاء ديني فحذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه ( و ثانيها ) أن المعنى لكم كفركم بالله و لي دين التوحيد و الإخلاص و هذا و إن كان ظاهره إباحة فإنه وعيد و تهديد و مبالغة في النهي و الزجر كقوله اعملوا ما شئتم ( و ثالثها ) أن الدين الجزاء و معناه لكم جزاؤكم و لي جزائي قال الشاعر :
إذا ما لقونا لقيناهم
و دناهم مثل ما يقرضونا و قد تضمنت السورة معجزة لنبينا (صلى الله عليهوآلهوسلّم) من جهة الإخبار بما يكون في الأوقات المستقبلة مما لا سبيل إلى علمه إلا بوحي من قبل الله سبحانه العالم بالغيوب فكان ما أخبر به كما أخبر و فيها دلالة على ذم المداهنة في الدين و وجوب مخالفة الكفار و المبطلين و البراءة منهم و روى داود بن الحصين عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا قرأت « قل يا أيها الكافرون » فقل أيها الكافرون و إذا قلت « لا أعبد ما تعبدون » فقل أعبد الله وحده و إذا قلت « لكم دينكم و لي دين » فقل ربي الله و ديني الإسلام .

مجمع البيان ج : 10 ص : 843
( 110 ) سورة النصر مدنية و آياتها ثلاث ( 3 )
مدنية و هي ثلاث آيات بالإجماع .

فضلها
في حديث أبي من قرأها فكأنما شهد مع رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فتح مكة و روى كرام الخثعمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال من قرأ إذا جاء نصر الله و الفتح في نافلة أو فريضة نصره الله على جميع أعدائه و جاء يوم القيامة و معه كتاب ينطق قد أخرجه الله من جوف قبره فيه أمان من حر جهنم و من النار و من زفير جهنم يسمعه بأذنيه فلا تمر على شيء يوم القيامة إلا بشره و أخبره بكل خير حتى يدخل الجنة .

تفسيرها
ختم الله سبحانه تلك السورة بذكر الدين و افتتح هذه السورة بظهور الدين فقال : .
سورة النصر
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِذَا جَاءَ نَصرُ اللَّهِ وَ الْفَتْحُ(1) وَ رَأَيْت النَّاس يَدْخُلُونَ فى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً(2) فَسبِّحْ بحَمْدِ رَبِّك وَ استَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّابَا(3)
الإعراب
مفعول جاء محذوف و التقدير إذا جاءك نصر الله و جواب إذا محذوف و التقدير إذا جاء نصر الله حضر أجلك و قيل جوابه الفاء في قوله فسبح و أفواجا منصوب على الحال .

مجمع البيان ج : 10 ص : 844
المعنى
« إذا جاء » يا محمد « نصر الله » على من عاداك و هم قريش « و الفتح » فتح مكة و هذه بشارة من الله سبحانه لنبيه (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالنصر و الفتح قبل وقوع الأمر « و رأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا » أي جماعة بعد جماعة و زمرة بعد زمرة و المراد بالدين الإسلام و التزام أحكامه و اعتقاد صحته و توطين النفس على العمل به قال الحسن : لما فتح رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مكة قالت العرب أما إذا ظفر محمد (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بأهل الحرم و قد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان أي طاقة فكانوا يدخلون في دين الله أفواجا أي جماعات كثيرة بعد أن كانوا يدخلون فيه واحدا واحدا أو اثنين فصارت القبيلة تدخل بأسرها في الإسلام و قيل في دين الله أي في طاعة الله و طاعتك و أصل الدين الجزاء ثم يعبر به عن الطاعة التي يستحق بها الجزاء كما قال سبحانه في دين الملك أي في طاعته « فسبح بحمد ربك و استغفره » هذا أمر من الله سبحانه بأن ينزه عمالا يليق به من صفات النقص و أن يستغفره و وجه وجوب ذلك بالنصر و الفتح أن النعمة تقتضي القيام بحقها و هو شكر المنعم و تعظيمه و الائتمار بأوامره و الانتهاء عن معاصيه فكأنه قال قد حدث أمر يقتضي الشكر و الاستغفار و إن لم يكن ثم ذنب فإن الاستغفار قد يكون عند ذكر المعصية بما ينافي الإصرار و قد يكون على وجه التسبيح و الانقطاع إلى الله عز و جل « إنه كان توابا » يقبل توبة من بقي كما قبل توبة من مضى قال مقاتل لما نزلت هذه السورة قرأها (صلى الله عليهوآلهوسلّم) على أصحابه ففرحوا و استبشروا و سمعها العباس فبكى فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) : ما يبكيك يا عم فقال أظن أنه قد نعيت إليك نفسك يا رسول الله فقال : إنه لكما تقول فعاش بعدها سنتين ما رؤي فيهما ضاحكا مستبشرا قال و هذه السورة تسمى سورة التوديع و قال ابن عباس : لما نزلت إذا جاء نصر الله قال : نعيت إلي نفسي بأنها مقبوضة في هذه السنة و اختلف في أنهم من أي وجه علموا ذلك و ليس في ظاهره نعي فقيل لأن التقدير فسبح بحمد ربك فإنك حينئذ لاحق بالله و ذائق الموت كما ذاق من قبلك من الرسل و عند الكمال يرقب الزوال كما قيل
إذا تم أمر بدا نقصه
توقع زوالا إذا قيل تم و قيل لأنه سبحانه أمره بتجديد التوحيد و استدراك الفائت بالاستغفار و ذلك مما يلزم عند الانتقال من هذه الدار إلى دار الأبرار و عن عبد الله مسعود قال : لما نزلت السورة كان النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقول كثيرا سبحانك اللهم و بحمدك اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم و عن أم سلمة قالت : كان رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالآخرة لا يقوم و لا يقعد و لا يجيء و لا يذهب إلا قال سبحان الله و بحمده أستغفر الله و أتوب إليه فسألناه عن ذلك فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إني أمرت بها ثم قرأ إذا
مجمع البيان ج : 10 ص : 845
جاء نصر الله و الفتح و في رواية عائشة : أنه كان يقول سبحانك اللهم و بحمدك أستغفرك و أتوب إليك .

] حديث فتح مكة [
لما صالح رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قريشا عام الحديبية كان في أشراطهم أنه من أحب أن يدخل في عهد رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أدخل فيه فدخلت خزاعة في عقد رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و دخلت بنو بكر في عقد قريش و كان بين القبيلتين شر قديم ثم وقعت فيما بعد بين بني بكر و خزاعة مقاتلة و رفدت قريش بني بكر بالسلاح و قاتل معهم من قريش من قاتل بالليل مستخفيا و كان ممن أعان بني بكر على خزاعة بنفسه عكرمة بن أبي جهل و سهيل بن عمرو فركب عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) المدينة و كان ذلك مما هاج فتح مكة فوقف عليه و هو في المسجد بين ظهراني القوم فقال :
لا هم إني ناشد محمدا
حلف أبينا و أبيه الأتلدا
إن قريشا أخلفوك الموعدا
و نقضوا ميثاقك المؤكدا
و قتلونا ركعا و سجدا فقال رسول الله : حسبك يا عمرو ثم قام فدخل دار ميمونة و قال : اسكبي لي ماء فجعل يغتسل و هو يقول لا نصرت أن لم أنصر بني كعب و هم رهط عمرو بن سالم ثم خرج بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من خزاعة حتى قدموا على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فأخبروه بما أصيب منهم و مظاهرة قريش بني بكر عليهم ثم انصرفوا راجعين إلى مكة و قد كان (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال للناس كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشدد العقد و يزيد في المدة و سيلقى بديل بن ورقاء فلقوا أبا سفيان بعسفان و قد بعثته قريش إلى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ليشدد العقد فلما لقي أبو سفيان بديلا قال : من أين أقبلت يا بديل قال : سرت في هذا الساحل و في بطن هذا الوادي قال : ما أتيت محمدا قال : لا فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان : لئن كان جاء من المدينة لقد علف بها النوى فعمد إلى مبرك ناقته و أخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى فقال أحلف بالله تعالى لقد جاء بديل محمدا ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقال : يا محمد احقن دم قومك و أجر بين قريش و زدنا في المدة فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) : أ غدرتم يا أبا سفيان قال : لا قال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) : فنحن على ما كنا عليه فخرج فلقي أبا بكر فقال : أجر بين قريش قال : ويحك واحد يجير على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ثم لقي
مجمع البيان ج : 10 ص : 846
عمر بن الخطاب فقال له مثل ذلك ثم خرج فدخل على أم حبيبة فذهب ليجلس على الفراش فأهوت إلى الفراش فطوته فقال : يا بنية أ رغب بهذا الفراش عني فقالت نعم هذا فراش رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ما كنت لتجلس عليه و أنت رجس مشرك ثم خرج فدخل على فاطمة (عليهاالسلام) فقال : يا بنت سيد العرب تجيرين بين قريش و تزيدين في المدة فتكونين أكرم سيدة في الناس فقالت : جواري جوار رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال : أ تأمرين ابنيك أن يجيرا بين الناس قالت : و الله ما بلغ ابناي أن يجيرا بين الناس و ما يجير على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أحد فقال : يا أبا الحسن إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني فقال علي (عليه السلام) : إنك شيخ قريش فقم على باب المسجد و أجر بين قريش ثم الحق بإرضك قال و ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال : لا و الله ما أظن ذلك و لكن لا أجد لك غير ذلك فقام أبو سفيان في المسجد فقال يا أيها الناس إني قد أجرت بين قريش ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا ما وراك فأخبرهم بالقصة فقالوا : و الله إن زاد علي بن أبي طالب على أن لعب بك فما يغني عنا ما قلت قال : لا و الله ما وجدت غير ذلك قال : فأمر رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالجهاز لحرب مكة و أمر الناس بالتهيئة و قال : اللهم خذ العيون و الأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها و كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش فأتى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) الخبر من السماء فبعث عليا (عليه السلام) و الزبير حتى أخذ كتابه من المرأة و قد مضت هذه القصة في سورة الممتحنة ثم استخلف رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) أبا ذر الغفاري و خرج عامدا إلى مكة لعشر مضين من شهر رمضان سنة ثمان في عشرة آلاف من المسلمين و نحو من أربعمائة فارس و لم يتخلف من المهاجرين و الأنصار عنه أحد و قد كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب و عبد الله بن أمية بن المغيرة قد لقيا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بنيق العقاب فيما بين مكة و المدينة فالتمسا الدخول عليه فلم يأذن لهما فكلمته أم سلمة فيهما فقالت : يا رسول الله ابن عمك و ابن عمتك و صهرك قال : لا حاجة لي فيهما أما ابن عمي فهتك عرضي و أما ابن عمتي و صهري فهو الذي قال لي بمكة ما قال فلما خرج الخبر إليهما بذلك و مع أبي سفيان بني له فقال : و الله ليأذنن لي أو لآخذن بيد بني هذا ثم لنذهبن في الأرض حتى نموت عطشا و جوعا فلما بلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) رق لهما فأذن لهما فدخلا عليه فأسلما فلما نزل رسول الله مر الظهران و قد غمت الأخبار عن قريش فلا يأتيهم عن رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) خبر خرج في تلك الليلة أبو سفيان بن حرب و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء يتجسسون الأخبار و قد قال العباس ليلتئذ يا سوء صباح قريش و الله لئن بغتها رسول الله في بلادها فدخل مكة عنوة أنه لهلاك
مجمع البيان ج : 10 ص : 847
قريش إلى آخر الدهر فخرج على بغلة رسول الله و قال أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فنخبرهم بمكان رسول الله فيأتونه فيستأمنونه قال العباس : فو الله إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء و سمعت أبا سفيان يقول : و الله ما رأيت كالليلة قط نيرانا فقال بديل : هذه نيران خزاعة فقال أبو سفيان : خزاعة الأم من ذلك قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة يعني أبا سفيان فقال أبو الفضل فقلت نعم قال لبيك فداك أبي و أمي ما وراك فقلت هذا رسول الله وراءك قد جاء بما لا قبل لكم به بعشرة آلاف من المسلمين قال فما تأمرني فقلت تركب عجز هذه البغلة فاستأمن لك رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فو الله لئن ظفر بك ليضربن عنقك فردفني فخرجت أركض به بغلة رسول الله فكلما مررت بنار من نيران المسلمين قالوا هذا عم رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فقال يعني عمر يا أبا سفيان الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد و لا عقد ثم اشتد نحو رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و ركضت البغلة حتى اقتحمت باب القبة و سبقت عمر بما يسبق به الدابة البطيئة الرجل البطيء فدخل عمر فقال يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد و لا عقد فدعني أضرب عنقه فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم إني جلست إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أخذت برأسه و قلت و الله لا يناجيه اليوم أحد دوني فلما أكثر فيه عمر قلت مهلا يا عمر فو الله ما يصنع هذا الرجل إلا أنه رجل من آل بني عبد مناف و لو كان من عدي بن كعب ما قلت هذا قال مهلا يا عباس فو الله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) اذهب فقد أمناه حتى تغدو به علي في الغداة قال : فلما أصبح غدوت به على رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فلما رآه قال ويحك يا أبا سفيان أ لم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله فقال بأبي أنت و أمي ما أوصلك و أكرمك و أرحمك و أحلمك و الله لقد ظننت أن لو كان معه إله لأغنى يوم بدر و يوم أحد فقال ويحك يا أبا سفيان أ لم يأن لك أن تعلم أني رسول الله فقال بأبي أنت و أمي أما هذه فإن في النفس منها شيئا قال العباس فقلت له ويحك اشهد بشهادة الحق قبل أن يضرب عنقك فتشهد فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) للعباس انصرف يا عباس فاحبسه عند مضيق الوادي حتى تمر عليه جنود الله قال : فحبسته عند خطم الجبل بمضيق الوادي و مر عليه القبائل قبيلة قبيلة و هو يقول من هؤلاء و أقول أسلم و جهينة و فلان حتى مر رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في الكتيبة الخضراء من المهاجرين و الأنصار في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق فقال من هؤلاء يا أبا الفضل قلت هذا رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) في المهاجرين و الأنصار فقال يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيما فقلت ويحك إنها النبوة فقال نعم إذا و جاء حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أسلما

بعدی
مجمع البيان ج : 10 ص : 848
و بايعاه فلما بايعاه بعثهما رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام و قال من دخل دار أبي سفيان و هي بأعلى مكة فهو آمن و من دخل دار حكيم و هي بأسفل مكة فهو آمن و من أغلق بابه و كف يده فهو آمن و لما خرج أبو سفيان و حكيم من عند رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) عامدين إلى مكة بعث في إثرهما الزبير بن العوام و أمره على خيل المهاجرين و أمره أن يغرز رايته بأعلى مكة بالحجون و قال له لا تبرح حتى آتيك ثم دخل رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مكة و ضربت هناك خيمته و بعث سعد بن عبادة في كتيبة الأنصار في مقدمته و بعث خالد بن الوليد فيمن كان أسلم من قضائه و بني سليم و أمره أن يدخل أسفل مكة و يغرز رايته دون البيوت و أمرهم رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) جميعا أن يكفوا أيديهم و لا يقاتلوا إلا من قاتلهم و أمرهم بقتل أربعة نفر عبد الله بن سعد بن أبي سرح و الحويرث بن نفيل و ابن خطل و مقبس بن ضبابة و أمرهم بقتل قينتين كانتا تغنيان بهجاء رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قال اقتلوهم و إن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة فقتل علي (عليه السلام) الحويرث بن نفيل و إحدى القينتين و أفلتت الأخرى و قتل مقبس بن ضبابة في السوق و أدرك ابن خطل و هو متعلق بأستار الكعبة فاستبق إليه سعيد بن حريث و عمار بن ياسر فسبق سعيد عمارا فقتله قال و سعى أبو سفيان إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أخذ غرزه أي ركابه فقبله ثم قال بأبي أنت و أمي أ ما تسمع ما يقول سعد إنه يقول
اليوم يوم الملحمة
اليوم تسبى الحرمة فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) لعلي (عليه السلام) أدركه فخذ الراية منه و كن أنت الذي يدخل بها و أدخلها إدخالا رفيقا فأخذها علي (عليه السلام) و أدخلها كما أمر و لما دخل رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) مكة دخل صناديد قريش الكعبة و هم يظنون أن السيف لا يرفع عنهم و أتى رسول الله و وقف قائما على باب الكعبة فقال : لا إله إلا الله وحده وحده أنجز وعده و نصر عبده و هزم الأحزاب وحده ألا أن كل مال أو مأثرة و دم تدعى فهو تحت قدمي هاتين إلا سدانة الكعبة و سقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما ألا أن مكة محرمة بتحريم الله لم تحل لأحد كان قبلي و لم تحل لي إلا ساعة من نهار و هي محرمة إلى أن تقوم الساعة لا يختلى خلاها و لا يقطع شجرها و لا يفر صيدها و لا تحل لقطتها إلا لمنشد ثم قال ألا لبئس جيران النبي كنتم لقد كذبتم و طردتم و أخرجتم و آذيتم ثم ما رضيتم حتى جئتموني في بلادي تقاتلونني فاذهبوا فأنتم الطلقاء فخرج القوم فكأنما أنشروا من القبور و دخلوا في الإسلام و كان الله سبحانه أمكنه من رقابهم عنوة فكانوا له فيئا فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء و جاء ابن الزبعري إلى رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و أسلم و قال :
يا رسول الإله إن لساني
راتق ما فتقت إذ أنا بور

مجمع البيان ج : 10 ص : 849

إذ أباري الشيطان في سنن الغي
و من مال ميلة مثبور
أمن اللحم و العظام لربي
ثم نفسي الشهيد أنت النذير و عن ابن مسعود قال : دخل النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يوم الفتح و حول البيت ثلاثمائة و ستون صنما فجعل يطعنها بعود في يده و يقول جاء الحق و ما يبديء الباطل و ما يعيد جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا و عن ابن عباس قال : لما قدم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إلى مكة أبى أن يدخل البيت و فيه الآلهة فأمر بها فأخرجت صورة إبراهيم و إسماعيل (عليهماالسلام) و في أيديهما الأزلام فقال (صلى الله عليهوآلهوسلّم) : قاتلهم الله أما و الله لقد علموا أنهما لم يستقسما بها قط .
مجمع البيان ج : 10 ص : 850
( 111 ) سورة المسد مكية و آياتها خمس ( 5 )
و تسمى أيضا سورة أبي لهب و تسمى سورة المسد مكية .

عدد آيها
خمس آيات بالإجماع .

فضلها
في حديث أبي من قرأها رجوت أن لا يجمع الله بينه و بين أبي لهب في دار واحدة عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال إذا قرأتم تبت فادعوا على أبي لهب فإنه كان من المكذبين بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و بما جاء به من عند الله .

تفسيرها
ذكر سبحانه في تلك السورة وعده بالنصر و الفتح ثم بين في هذه السورة ما كفاه الله من أمر أبي لهب فقال : .
سورة المسد
بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ تَبَّت يَدَا أَبى لَهَب وَ تَب(1) مَا أَغْنى عَنْهُ مَالُهُ وَ مَا كسب(2) سيَصلى نَاراً ذَات لهََب(3) وَ امْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطبِ(4) فى جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسدِ(5)
القراءة
قرأ ابن كثير أبي لهب ساكنة الهاء و الباقون بفتحها و اتفقوا في « ذات لهب » أنها مفتوحة الهاء لو فاق الفواصل و قرأ عاصم « حمالة الحطب » بالنصب و الباقون بالرفع و روي
مجمع البيان ج : 10 ص : 851
عن البرجمي سيصلى بضم الياء و هي قراءة أشهب العقيلي و أبي رجاء و في الشواذ قراءة ابن مسعود و مريئته حمالة للحطب في جيدها حبل من مسد .

الحجة
قال أبو علي يشبه أن يكون لهب و لهب لغتين كالشمع و الشمع و النهر و النهر و اتفاقهم في الثانية على الفتح يدل على أنه أوجه من الإسكان و كذلك قوله و لا يغني من اللهب و أما حمالة الحطب فمن رفع جعله وصفا لقوله « و امرأته » و يدل على أن الفعل قد وقع كقولك مررت برجل ضارب عمرا أمس فهذا لا يكون إلا معرفة و لا يقدر فيه إلا الانفصال كما يقدر في هذا النحو إذا لم يكن الفعل واقعا و أما ارتفاع امرأته فيحتمل وجهين ( أحدهما ) العطف على فاعل سيصلى التقدير سيصلى نارا هو و امرأته إلا أن الأحسن أن لا يؤكد لما جرى من الفصل بينهما و يكون « حمالة الحطب » على هذا وصفا لها و يجوز في قوله « في جيدها » أن يكون في موضع حال و فيها ذكر منها و يتعلق بمحذوف و يجوز فيه وجه آخر و هو أن يرتفع امرأته بالابتداء و حمالة وصف لها و في جيدها خبر المبتدأ و أما النصب في « حمالة الحطب » فعلى الذم لها كأنها كانت اشتهرت بذلك فجرت الصفة عليها للذم لا للتخصيص و التخليص من موصوف غيرها و قوله « حبل » معناه غليظ .
رجل حبل الوجه و حبل الرأس .

اللغة
التب و التباب الخسران المؤدي إلى الهلاك و المسد الحبل من الليف و جمعه أمساد قال :
و مسد أمر من أيانق
ليس بأنياب و لا حقائق .

النزول
سعيد بن جبير عن ابن عباس قال صعد رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) ذات يوم الصفا فقال يا صباحاه فأقبلت إليه قريش فقالوا له ما لك فقال أ رأيتم لو أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أ ما كنتم تصدقوني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد فقال أبو لهب تبا لك لهذا دعوتنا جميعا فأنزل الله هذه السورة أورده البخاري في الصحيح .

المعنى
« تبت يدا أبي لهب و تب » أي خسرت يداه و خسر هو عن مقاتل و إنما قال خسرت يداه لأن أكثر العمل يكون باليد و المراد خسر عمله و خسرت نفسه بالوقوع في النار و قيل أن اليد هنا صلة كقولهم يد الدهر و يد السنة قال :
و أيدي الرزايا بالذخائر مولع و قيل معناه صفرت يداه من كل خير قال الفراء : الأول دعاء و الثاني خبر فكأنه قال أهلكه الله
مجمع البيان ج : 10 ص : 852
و قد هلك و في حرف عبد الله و أبي و قد تب و قيل أن الأول أيضا خبر و معناه أنه لم تكتسب يداه خيرا قط و خسر مع ذلك هو نفسه أي تب على كل حال و أبو لهب هو ابن عبد المطلب عم النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و كان شديد المعاداة و المناصبة له قال طارق المحاربي : بينا أنا بسوق ذي المجاز إذا أنا بشاب يقول أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا و إذا برجل خلفه يرميه قد أدمى ساقيه و عرقوبيه و يقول يا أيها الناس أنه كذاب فلا تصدقوه فقلت من هذا فقالوا هو محمد يزعم أنه نبي و هذا عمه أبو لهب يزعم أنه كذاب و إنما ذكر سبحانه كنيته دون اسمه لأنها كانت أغلب عليه و قيل لأن اسمه عبد العزى فكره الله سبحانه أن ينسبه إلى العزى و أنه ليس بعبد لها و إنما هو عبد الله و قيل بل اسمه كنيته و إنما سمي بذلك لحسنه و إشراق وجهه و كانت وجنتاه كأنهما تلتهبان عن مقاتل « ما أغنى عنه ماله و ما كسب » أي ما نفعه و لا دفع عنه عذاب الله ماله و ما كسبه و يكون ما في قوله « و ما كسب » موصولة و الضمير العائد من الصلة محذوف و قيل معناه أي شيء أغنى عنه ماله و ما كسب يعني ولده لأن ولد الرجل من كسبه و ذلك أنه قال لما أنذره النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) بالنار إن كان ما تقول حقا فإني أفتدي بمالي و ولدي ثم أنذره سبحانه بالنار فقال « سيصلى نارا ذات لهب » أي سيدخل نارا ذات قوة و اشتعال تلتهب عليه و هي نار جهنم و في هذا دلالة على صدق النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و صحة نبوته لأنه أخبر أن أبا لهب يموت على كفره و كان كما قال « و امرأته » و هي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان « حمالة الحطب » كانت تحمل الشوك و العضاة فتطرحه في طريق رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إذا خرج إلى الصلاة ليعقره عن ابن عباس و في رواية الضحاك قال الربيع بن أنس كانت تبث و تنشر الشوك على طريق الرسول فيطأه كما يطأ أحدكم الحرير و قيل أنها كانت تمشي بالنميمة بين الناس فتلقي بينهم العداوة و توقد نارها بالتهييج كما توقد النار الحطب فسمى النميمة حطبا عن ابن عباس في رواية أخرى و قتادة و مجاهد و عكرمة و السدي قالت العرب فلان يحطب على فلان إذا كان يغري به قال
و لم يمش بين الحي بالحطب الرطب أي لم يمش بالنميمة و قيل حمالة الحطب معناه حمالة الخطايا عن سعيد بن جبير و أبي مسلم و نظيره قوله و هم يحملون أوزارهم على ظهورهم « في جيدها حبل من مسد » أي في عنقها حبل من ليف و إنما وصفها بهذه الصفة تخسيسا لها و تحقيرا و قيل حبل يكون له خشونة الليف و حرارة النار و ثقل الحديد يجعل في عنقها زيادة في عذابها و قيل في عنقها سلسلة من حديد طولها سبعون ذراعا تدخل من فيها و تخرج من دبرها و تدار على عنقها في النار عن ابن عباس و عروة بن الزبير و سميت السلسلة مسدا بمعنى أنها ممسودة أي مفتولة و قيل أنها كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت لأنفقنها في عداوة محمد فيكون عذابا يوم القيامة في عنقها عن سعيد بن المسيب و يروى عن أسماء
مجمع البيان ج : 10 ص : 853
بنت أبي بكر قالت لما نزلت هذه السورة أقبلت العوراء أم جميل بنت حرب و لها ولولة و في يدها فهر و هي تقول
مذمما أبينا
و دينه قلينا
و أمره عصينا و النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) جالس في المسجد و معه أبو بكر فلما رآها أبو بكر قال يا رسول الله قد أقبلت و أنا أخاف أن تراك قال رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) إنها لن تراني و قرأ قرآنا فاعتصم به كما قال و إذا قرأت القرآن جعلنا بينك و بين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا فوقفت على أبي بكر و لم تر رسول الله (صلى الله عليهوآلهوسلّم) فقالت يا أبا بكر أخبرت أن صاحبك هجاني فقال لا و رب البيت ما هجاك فولت و هي تقول قريش تعلم إني بنت سيدها و روي أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال صرف الله سبحانه عني أنهم يذمون مذمما و أنا محمد و متى قيل كيف يجوز أن لا ترى النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و قد رأت غيره فالجواب يجوز أن يكون الله قد عكس شعاع عينيها أو صلب الهواء فلم ينفذ فيه الشعاع أو فرق الشعاع فلم يتصل بالنبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) و روي أن النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال ما زال ملك يسترني عنها و إذا قيل هل كان يلزم أبا لهب الإيمان بعد هذه السورة و هل كان يقدر على الإيمان و لو آمن لكان فيه تكذيب خبر الله سبحانه بأنه سيصلى نارا ذات لهب فالجواب أن الإيمان يلزمه لأن تكليف الإيمان ثابت عليه و إنما توعده الله بشرط أن لا يؤمن أ لا ترى إلى قوله سبحانه في قصة فرعون « الآن و قد عصيت قبل » و في هذا دلالة على أنه لو تاب قبل وقت اليأس لكان يقبل منه و لهذا خص رد التوبة عليه بذلك الوقت و أيضا فلو قدرنا أن أبا لهب سأل النبي (صلى الله عليهوآلهوسلّم) قال لو آمنت هل أدخل النار لكان (صلى الله عليهوآلهوسلّم) يقول له لا و ذلك لعدم الشرط .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page