• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سورة المائدة : حكاية قوم موسى (عليه السلام)

 تتناول هذه الحكايةُ كما قلنا ظاهرة الجُبن الذي طبع قومَ موسى و ما ترتّب على ذلك من حادثة التيه المعروفة.

و لنقرأ أولا نصوص الحكاية:

﴿وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ:

﴿يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ

﴿وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ

﴿يا قَوْمِ ادْخُلُوا الاَْرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ

﴿وَ لا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خاسِرِينَ

﴿قالُوا: يا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبّارِينَ وَ إِنّا لَنْ نَدْخُلَها

﴿حَتّى يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْها فَإِنّا داخِلُونَ

﴿قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا

﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ

﴿وَ عَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

﴿قالُوا: يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها

﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ

﴿قالَ: رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَ أَخِي

﴿فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ

﴿قالَ: فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ

﴿فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ

 

تلخيص الحكاية:

تقول النصوص المفسّرة: إنّ موسى (عليه السلام) عندما عَبَر البحر مع قومه بعد هلاك فرعون أمَرَهم اللّه سبحانه و تعالى بدخول الأرض المقدسة ، إلاّ أنّ الإسرائيليين جبنوا من الدخول ، متذرّعين بالخوف من وقوع نسائهم و أهاليهم غنيمةً بيد الأعداء. و قد بلغ بهم الأمر أنـّهم أرادوا أن يفتكوا بشخصين من الأشخاص الذين بعثهم موسى لاستطلاع الخبر من البداية و أمرَهم بكتمان الأمر ، بيد أنّ الخبر قد انتشر بينهم نتيجةً لعدم التزام الأغلبية بتوصية موسى.

و حيال هذا الموقف ، إغتاظ موسى (عليه السلام) و خاطب اللّه سبحانه و تعالى بأنـّه لا يملك إلاّ نفسَه و أخاه هارون ، فأجابته السماء: بأنـّهم سيبقون في التيه أربعين سنةً جزاءً لموقفهم الجبان.

و قد تمثّل هذا الموقف المتّسم بالجبن في ادعاء الإسرائيليين بأنّ في الأرض المقدسة قوماً جبارين ، و بأنـّهم لن يدخلوها مادام الجبّارون قائمين فيها ، ثمّ مطالبتهم موسى بأن يقاتل و السماء وحدهما ، و يقعدون هم عن القتال.

و يُلاحَظ أنّ الشخصين اللذين أراد الإسرائيليون الفتكَ بهما ، قد رسما ـ بناءً على توصية موسى ـ خطة الهجوم ، و هي الدخول من باب المدينة ، و إلى أنّ النصر سيكون حليفَهم إذا ما التزموا بهذه التوصية. إلاّ أنـّهم مع ذلك آثروا القعودَ على الجهاد ، ثمّ كانت النتيجة حادثة التيه أربعين عاماً.

* * *

و يهمّنا من هذا التلخيص أن نعرض للقيم الفنيّة التي تضمّنتها الاُقصوصة المذكورة من حيث بناؤها و شخوصُها ، و نمطُ السردِ و الحوارِ فيها ، فضلا عن الموقفِ و الحَدَثِ و البيئةِ التي رافَقَتهَا.

 

أ ـ المواقف:

قلنا: إنّ ظاهرة الجبن هي الموقف الرئيسي لهذه الاُقصوصة.

و قد ألقى النصُّ جملةً من الأنوار عليها ، بِغيَة إضاءة هذا الموقف ، و حَملِ المُتلقّي على القناعةِ التامّةِ بالمصير الذي آلَ الإسرائيليون إليه.

و تتمثّل هذه الإضاءةُ في أنّ النص قد ذكّر الإسرائيليين أولا بِنِعَمِ السماء عليهم ، فقال تعالى:

﴿اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ

﴿أَنْبِياءَ وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَ آتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ

إنّ التذكير بهذا العطاء الضخم ينطوي على أهمية كبيرة إذا أخذنا بنظر الاعتبار أ نّه تذكيرٌ ينسجم أولا مع تطلّعاتهم الاجتماعية البحث عن المجد ، و ثانياً: مع طبيعة المصير التيه الذي آلوا إليه ، و هو مصيرٌ مضادّ لتطلّعاتهم تماماً ، أيّ أنّ النص رسَمَ ظاهرتين متقابلتين إحداهما تضادّ الاُخرى تماماً:

الاُولى هي: التذكير بالأمجاد ، و الثانية هي: محوها تماماً.

فالأمجاد هي: النبوّة و الملوكيّة ، و تمثّلان أعلى سلطة بشرية على الأرض ، كما
هو واضح.

أما المصير المضاد فهو: التيه ، حيث يمثّل التيه ضياعاً تامّاً لمعالم الشخصية ، و مسحاً كاملا لكلّ مجد حتى لو كان في أدنى مراتبه. إنّه نتيجة مضادّة تماماً لتطلّعات الشخصية التي حققتها السماء في حقبة زمنية ، ثمّ لم تمسحها فحسب ، بل رسمت مصيراً يمثّل الضياع حتّى لمجرد الوجود العادي للشخصية.

إذن ، عملية التذكير بالنبوّة و الملوكية ، ألقت إضاءتها في هذه الاُقصوصة على طبيعة الموقف الجبان الذي صدر الإسرائيليون عنه ، ثمّ ما ترتّب على ذلك من المصير التائه لهم.

ب ـ الشخصيات:

تتضمّن اُقصوصة قوم موسى أربع شخصيات هي: موسى ، هارون ، رجلان من
الأسباط ، الإسرائيليون.

و واضحٌ أنّ الإسرائيليين و موسى يُجسّدانِ البطلَ الرئيسي الذي تحومُ عليه حادثةُ الاُقصوصة ، في حين تجيء شخصية هارون بطلا هامشياً ، كما هو شأنه في غالبية قصص موسى. و قد جاءت هنا عنصراً مساعداً لموسى في صراعه مع القوم.

أما الرجلان من النقباء ، فهما بدورهما يجسّدان البطلَ الثانوي في الاُقصوصة ، إلاّ أنّ دورهما فيها قد احتلّ نشاطاً يحتلّ عصباً مهمّاً من الحكاية.

إنّ هذين البطلين ألقيا إنارة كبيرة على الشخوص الرئيسة الإسرائيليين في الحكاية ، بحيث يمكن القول إلى أنـّهما يقفان وراء التفسير الفنّي لطبيعة المصير الذي آل الإسرائيليون إليه.

و يتضح هذا بجلاء حين نُدرك أنـّهما قد اضطلعا بمهمّة رسم خطّة القتال و التبشير بنجاحها في حالة الالتزام بها.

و لنقرأ النصّ ثانيةً:

﴿قالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا

﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ

﴿وَ عَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

و تقول النصوص المفسّرة: إنّ هذين الرجلين يمثّلان إثنين من النقباء الإثني عشر الذين بعثهم موسى لاستطلاع الخبر فيما يتصل بمدينة الجبّارين. و قد كتما على الإسرائيليين ـ بناءً على توصية موسى ـ أمرَ الجبّارين ، و أفشى الآخرون ذلك.

و تقول بعض النصوص المفسّرة الاُخرى: إنّهما من مدينة الجبّارين نفسها ، بيد أنـّهم كانوا على شريعة موسى.

و أيّاً كان الأمر ، فإن هذين البطلين قد رسمهما النص أولا بسمات إيجابية عالية ، و رسمهما ثانياً من خلال إناطة مهمة خطيرة بهما في ميدان الحرب النفسية.

و تتضح السمةُ الاُولى لديهم ، بهذا الوصف:

﴿الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمَا

و تتضح السمة الثانية لديهم ، بهذا الوصف:

﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ

﴿وَ عَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

إنّ هاتين السمتين تجسّدان الأرضية التي يُفسَّر في ضوئها نمط الموقف الذي تستهدفه السماء من وراء مطالبتها بعملية القتال ، و نمط المصير الذي آل الإسرائيليون إليه نتيجةَ الموقف الجبان الذي صدروا عنه.

و يُمكننا تجلية ذلك بوضوح حين نقف على السمة الاُولى لهذين البطلين ، فنجدها متمثلةً في الخوف من اللّه سبحانه و تعالى ، و في هداية السماء لهما. و هذا ما يَستهدفة النصّ من وراء كلّ موضوعاته التي تُشدّد على بناء شخصيّة متماسكة مؤمنة باللّه إيماناً لا يشوبه أيّ تردد ، حيث يحالف التوفيق أمثلة هذه الشخصية التي تمدّها السماء بالعناية العظيمة حينما تعرف صدق أعماقها.

و فعلا ، كان تجسيدُ هذه الحقيقة تمثّلها السمةُ القائلة بأنّ اللّه قد أنعم عليهما.

و هذه السمة تنعكس ، ليس من خلال الجزاء الاُخروي الذي ينتظر أمثلة هذه الشخوص ، بل تنعكس حتى على الصعيد الدنيوي لهم من حيث نمط المصير الذي يؤولون إليه بالقياس إلى الشخوص غير المؤمنين.

فنحن إذا تابعنا التفسير المأثور في هذا الصدد ، وجدناه يرسم لهاتين الشخصيتين المؤمنتين نهاية إيجابية تتمثل في خلاصهم من عملية التيه التي وقع فيها الإسرائيليّون المتمرّدون.

أكثر من ذلك ، تقول النصوصُ المفسّرة: إنّ فتح أريحا بعد ذلك ، قد تمّ على يد أحد هذين الشخصين و هو يوشع ، حيث كان في مقدّمة الجيش.

و تقول نصوص اُخرى: إنّ السماء بعثته نبيّاً بعد وفاة موسى.

بل تذهب بعض النصوص إلى اقتران عملية القتال بمعجز يتمثل في دعائه بردّ الشمس خلال عملية الفتح ، و تحقيق ذلك فعلا.

إنّ أمثلة هذه المستويات من المصير الذي آل إليه المؤمنون ، يفصح من حيث البعد الفنّي عن التقابل أو التضاد بين نمطين من المصير الذي آلت الشخوصُ إليه:

المصير السلبي للشخوص المتمرّدة ، متمثلة في الإسرائيليين الذين تمرّدوا على أوامر السماء ، حيث كان مصيرهم هو التيه في الصحاري أربعين عاماً.

ثمّ يقابله المصير الإيجابي لهذين الشخصين المؤمنين ، حيث تمّ إنقاذهما من التيه ، بل تمّت الفتوح و النبوّة و المعجز على يدي أحدهما بعد ذلك.

إذن يمكننا استخلاص حقيقة ذات خطورة بالغة المدى من وراء هذا التقابل الفنّي بين نمطين من الشخوص ، متمثلةً في أنّ السماء تمدّ برعايتها العظيمة كلّ الأشخاص الذين يلتزمون بأوامرها سواء أكانت هذه الرعاية تتصل بالعطاء الدنيوي ـ كما تمّ لهذين الشخصين ـ أم تتصل بالعطاء الاُخروي.

و على العكس من ذلك فإنّ التمرّد على أوامر السماء يُنهي الشخصية أساساً حتّى في ميدان الإنجاز الدنيوي ، كما حدث للإسرائيليين الذين فقدوا ، ليس أمجادهم التي طالما يردّدون ذكرها و يتطلّعون إليها بلهفة عارمة ، بل فقدوا حتّى أبسط مستويات التحرك العادي في حياتهم ، حيث لفّهم التيهُ المرعبُ في الصحاري أربعين عاماً يهيمون على وجوههم.

إنّ أهمّ دور يضطلع به البطلان في اُقصوصة موسى عبر صراعه مع الإسرائيليين ، يتمثّل في رسمهما خطة الهجوم على المدينة و تخليصها من القوم الجبّارين.

و هذه الخطة لا تقف عند مجرد الدخول من باب المدينة حتى يتم الفتح ، بل تنطوي أهميتها على مدى الإيمان بالسماء و التوكّل عليها في انتزاع النصر.

لقد شدّد البطلان النقيبان على قضية التوكّل على اللّه ، حينما خاطبا الجماهير بقولهما:

﴿ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبابَ فَإِذا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالِبُونَ

﴿وَ عَلَى اللّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

و واضحٌ أنّ الالتزام بهذه التوصية يُلقي إنارته الكاملة على الموقف ، بحيث يصحّ القول بأنّ نهاية القصة يتمّ حسمها بقدر الالتزام و عدمه بالتوصية.

و فعلا ، كانت النهاية ، نهاية قاتمة هي التيه الذي وقع الإسرائيليون فيه حينما رفضوا الدخول إلى المدينة.

و هذه الحقيقة تذكّرنا بما سبق أن قلناه ، بأنّ الدور الثانوي للبطلين النقيبين ألقيا
إنارة تامّة على الموقف في القصة.

* * *

و نحن إذا تركنا هذين البطلين و اتجهنا إلى الأبطال الآخرين في القصة ، واجهنا حينئذ شخصية هارون. و هي بدورها شخصية ثانوية موظّفة لإنارة الموقف ، إلاّ أنـّها في هذه القصة لم يرسم النصّ القرآني لها دوراً محدّداً كما هو شأنها في الأقاصيص الاُخرى لموسى (عليه السلام) ، بل اكتفى النصُّ هنا برسمها مجرد مُعين لموسى في صراعه مع القوم ، حيث خاطب موسى السماء بأنـّه لا يملك إلاّ نفسه و أخاه في هذه المواجهة.

و ينبغي في ضوء هذا أن نستنتج أنّ النص لم يذكر اسم هارون عبثاً ، بل إنّ رسم شخصيته ولو عابراً إنّما ينطوي على حقيقة فنّية و موضوعية تُلقي بأضوائها أيضاً على أحداث القصة و مواقفها. و هذه الإضاءة تتمثّل في أنّ القتال سوف لن يتمّ أبداً مادام موسى لم يجمع أنصاراً يجابه بهم مدينة الجبّارين.

و بكلمة اُخرى: إنّ مجرّد وجود هارون إلى جانب موسى لم يكن كافياً للدخول إلى المعركة ، بل لابدّ من وجود جمهور من المقاتلين لتحقيق الهدف العسكري.

إذن ، جاء الرسمُ لشخصية هارون نقطةَ إضاءة ترهص بالنتيجة التي سيؤول إليه مصير المواجهة ، ألا و هو عدم الدخول في المعركة.

و قد عزّز ذلك كلّه مطالبة موسى السماء بأن تفرق بينهما و بين القوم الفاسقين:

﴿قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاّ نَفْسِي وَ أَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ

إنّ هذه المطالبة بالفصل بينه و بين الإسرائيليين ، تدلّنا أيضاً على النتيجة التي يمكن التنبّؤ بها من حيث مصير المعركة ، بنحو ينسجم مع الإشارة إلى أنّ موسى لا يملك أنصاراً سوى أخيه في المواجهة.

* * *

أخيراً نواجه الأبطال الرئيسين في هذه الاُقصوصة ، و هم: موسى و الإسرائيليّون.

فما هو دور موسى أوّلا؟

إنّ دوره يتمثّل في موقفين هما: تذكيره قومَه بنعم اللّه عليهم على نحو ما فصّلنا الحديث عنه. ثمّ دعاؤه بهلاك قومه.

أمّا دور الإسرائيليين فإنّه يجسّد عَصبَ الاُقصوصة. لقد قدّموا جملةً من التبريرات التي تفصح بأجمعها عن الجبن الذي يسم شخصياتهم.

لقد ادّعوا أنّهم لا يستطيعون الدخول في المعركة ، لأنّ أقوامَها جبّارون.

و تقول النصوص المفسّرة: إنّ أقوام الأرض المقدّسة كانوا يتميّزون بضخامة الأجسام و عظم الشأن إلى الدرجة التي نثروا من خلالها الاثني عشر نقيباً بين يدي مليكهم حتى يحسّسوهم بمدى قوّتهم.

بيد أنّ مجرد كونهم قوماً جبّارين ، لا يشكّل مسوّغاً للتخوّف منهم ، و بخاصة أنّ الرجلين المؤمنين رسما للإسرائيليين خطة الهجوم من باب المدينة ، و أكّدا نجاح المعركة في حالة الالتزام بهذه الخطة. و فضلا عن ذلك فإنّهما ربطا قضية النصر بالسماء ، و طالبا بالتوكّل على اللّه في هذا الصدد.

و من الواضح ، أنّ التردد في دخول المعركة مع هذا التأكيد على نصرة السماء ، إنّما يفصح عن أنّ الإسرائيليين أساساً لم يملكوا يقيناً حاسماً بالسماء بقدر ما يتميّزون بالجبن ، و هو الطابع الذي يسمُ شخصياتهم و يفسّر كلّ معالم سلوكهم.

و يمكننا ملاحظة ذلك في طبيعة الجواب الذي قدّموه بعد الاستماع إلى الرجلين ، حيث خاطبوا موسى بقولهم:

﴿يا مُوسى إِنّا لَنْ نَدْخُلَها أَبَداً ما دامُوا فِيها

﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ

إنّ هذه الإجابة تكشف عن أنّ الإسرائيليين كانوا مصرّين منذ البداية على عدم الدخول إلى المعركة ، حتى بعد تطمينهم بأنّ النصر سيكون حليفهم في حالة توكّلهم على اللّه و الالتزام بالخطة التي رُسِمت لهم. الأمر الذي يكشف أولا عن عدم يقينهم بالسماء ، و عن الطابع الجبان لشخصياتهم ثانياً.

ج ـ الأحداث:

قلنا: إنّ اُقصوصة موسى تنطوي على حدث واحد هو التيه.

و نحن بعد أن لحظنا موقف الشخصية الإسرائيلية من دخول المعركة إلى الدرجة تجرأوا فيها على السماء ، و على موسى من خلال قولهم:

﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَ رَبُّكَ فَقاتِلا إِنّا هاهُنا قاعِدُونَ

حينئذ نتوقّع نوع المصير الذي سيواجههم ، بحيث ينسجم مع طبيعة موقفهم المتجرئ الجبان.

و هنا تمّت كلمةُ السماء الحاسمة و رسمت المصير الأسود لهم ، قائلةً:

﴿فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الاَْرْضِ

﴿فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ

و هكذا بدأت حادثة التيه فظلوا أربعين عاماً يهيمون على وجوههم يرتحلون من مكان لآخر ، ما أن تستوي بهم الأرض حتى تدور بهم من جديد إلى نفس المكان الذي انطلقوا منه. وهو أثر ينبغي أن نستلهم منه القراءة الجادّة لتجارب مجتمعاتنا المعاصرة. ما دامت القصص كما عبّر القرآن الكريم عن ذلك: عبرة لاُولي الألباب.

 



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page