• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

سورة المائدة : قصة المائدة

 هذه الاُقصوصة بدورها لا تتكرّر في النصوص القرآنية الكريمة ، و تحمل دلالات خاصة تتصل بإخضاع السماء البشر لتجارب اختباريه ، سواء أكانت هذه ابتدائية أو اقتراحية ، و سواء أكانت ذات أهداف مرتبطة بالحدث أو الموقف المستهدف في القصة أو غير مرتبطة بذلك ، كتجربة الشرب من النهر في قصة الملأ من بني إسرائيل.

المهم أنّ اُقصوصة المائدة، أو حواري عيسى تظل من التجارب الاقتراحية ، أي التي يقترحها البشر لا السماء ، و ما يترتّب على ذلك من النتائج المهمة في تحديد المصائر.

المهم ، أنّ هذه الاُقصوصة هي الاُقصوصة الثالثة في سورة «المائدة» و نعني بها
حكاية الحواريين مع عيسى و مطالبتهم بإنزال المائدة من السماء.

و لنقرأ نصوص الحكاية أولا:

﴿وَ إِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَ بِرَسُولِي

﴿قالُوا: آمَنّا وَ اشْهَدْ بِأَنـَّنا مُسْلِمُونَ

﴿إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ

﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ

﴿قالَ اتَّقُوا اللّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ

﴿قالُوا: نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا

﴿وَ نَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَ نَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشّاهِدِينَ

﴿قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ

﴿تَكُونُ لَنا عِيداً لاَِوَّلِنا وَ آخِرِنا وَ آيَةً مِنْكَ وَ ارْزُقْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّازِقِينَ

﴿قالَ اللّهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ

﴿فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ

 

تلخيص القصة:

تقول النصوص المفسّرة: إنّ الحواريين و هم وزراء عيسى (عليه السلام) أرادوا أن
يزدادوا يقيناً بنبوّة عيسى و تطمئن قلوبُهم بذلك ، فسألوا نزول مائدة من السماء بدعاء خاص من عيسى ، حتى تكون هذه الواقعة بُرهاناً تجريبياً على صدق نبوّته.

و تقول بعض النصوص: إنّ عيسى (عليه السلام) أمر قومه بصيام ثلاثين يوماً ، و قال لهم:
«ادعوا اللّه ما شئتم فإنّ دعاءكم يُجاب حينئذ». و عندها دعوا اللّه نزول مائدة من السماء.

و قد أجاب عيسى الحواريين ، بقوله: «اتقواللّه إن كنتم مؤمنين» ، إلاّ أنـّهم أقنعوه بأنّ القضية متصلةٌ بتثبيت اليقين في نفوسهم.

و فعلا دعا اللّهَ عيسى نزول المائدة من السماء ، حتى تكون يوم عيد يعظّمه المؤمنون بعامّة ، و برهاناً على صحة النبوّة ، و رزقاً لهم بعامّة.

و قد استجابت السماءُ لدعاء عيسى ، فأنزلت المائدة فعلا ، إلاّ أنـّها اشترطت على ذلك أن يكون نزول المائدة شيئاً حاسماً في عملية اليقين و الاطمئنان ، و إلاّ فإنّ مَن شكّك بعد ذلك ، سيواجه عقاباً لا يُعذّب بمثله أحدٌ من العالمين.

و تُضيف النصوص المفسّرة: إنّ المائدة نزلت بصنوف الطعام الشهي الذي لم يُر مثله قط.

و يبدو أنّ عنصر التشكيك قد دبّ في بعض النفوس ، كما أنّ الترفّع و الكبر قد خالط بعض النفوس أيضاً ، إذ تقول النصوص المفسّرة: إنّ البعض طلب من عيسى أن يبدأ هوَ بالتناول منها أولا بعد أن أفزعهم طلبٌ آخر ، هو سؤالهم باحياء سمك المائدة ، و تحقيق ذلك فعلا ، ثمّ عودتها مشويةً من جديد.

كما أنّ النصوص المفسّرة قد ذكرت أنّ الأغنياء و الفقراء من الجمهور قد أقبل على التناول منها ، ممّا اضطر عيسى إلى أن يجعلها نوبةً بينهم ، ثمّ أوحى اللّه بعد ذلك إلى عيسى أن يخصّصها للفقراء فحسب ، و حيال هذا عَظم على الأغنياء أن يُحرموا منها ممّا دفعهم إلى التشكيك بالأمر ، و تشكيك الآخرين بها أيضاً.

و تقول النصوص: إنّ الأغنياء أساساً قد ترفّعوا عن ذلك و طلبوا ألاّ يشاركهم الفقراء في ذلك.

و نظراً لأنّ السماء قد اشترطت على عيسى أن يكون نزول المائدة مقروناً بعدم التشكيك و الترفّع ، فحينئذ حققت السماء الشرط و عاقبتهم عقاباً صارماً بأن مسختهم خنازير.

* * *

من التلخيص المتقدّم لحكاية المائدة ، يمكننا أن نستخلص جملة من الحقائق في هذا الصدد ، أهمها قضية اليقين و التشكيك. فالاُقصوصة تعالج هذه الوجهة من النظر في اُسلوب حكائي ممتع ، يتخذ من الفنّ وسيلة حيّة لتقرير الحقيقة المتقدّمة.

إنّ ما يستخلصه القارئ في هذا الصدد هو أنّ النفس الإنسانية من الممكن أن يخامرها حيناً بعض الشك ، أو أنـّها على الأقل بحاجة إلى زيادة في التطمين.
و حينما يواجهها برهان تجريبي حتمي يقع تحت مشاهدتها بوضوح ، حينئذ فإنّ اليقين ينبغي أن يتحقق بأعلى درجاته.

و في نطاق هذا القدر من المطالبة ، فإنّ السماء تقرّ مشروعيتهُ ما دام يقتاد فعلا إلى تحقيق اليقين بالسماء و قدراتها. بيد أنّ الشخصية عندما يواجهها مثل البرهان التجريبي ، ثمّ تشكّك به أيضاً ، فحينئذ يدلّنا مثل هذا السلوك على أنـّها إمّا أن تكون شخصية معاندة أو مريضة.

و في ضوء هذه الحقيقة ، أقرّت السماء بمشروعية الطلب ، و أنزلت المائدة فعلا.
و تحقق الاطمئنان لدى البعض.

إلاّ أنّ البعض الآخر شكّك في العملية ، كما لحظنا ذلك في تلخيص القصة.
و حينئذ دلّنا هذا التشكيك على أنّ أصحابه مرضى معاندون و متكبرون ... إلى آخره.

إذن هذه الاُقصوصة تعالج قضية التردّد الموضوعي و مشروعيته في نطاق الزيادة في الاطمئنان و اليقين.

و خارجاً عن ذلك ، فإنّ التردّد أو الشك إنّما يكشف عن أعماق مريضة لا تعدو
أن تكون نمطاً من العناد أو السخرية أو خلل عام في الجهاز الوظيفي لدى الشخصية.

* * *

و حين نتّجه إلى البناء الفنّي لهذه الحكاية ، نلحظ أنّها تتضمّن حَدَثاً أو واقعة واحدة هي نزول المائدة ، مع ملاحظة أنّ الحدث يشكّل نمطاً من المعجز كما هو واضح.

و قد اختزل النصُ كلّ تفصيلات الحدث ، و أوكل ذلك إلى النصوص المفسّرة ، مكتفياً من ذلك بفقرتين: إحداهما من خلال حوار عيسى مع السماء:

﴿أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ

و الاُخرى من خلال حوار السماء مع عيسى (عليه السلام):

﴿إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ

حيث يستخلص القارئ من هذين الحوارين أنّ المائدة قد نزلت فعلا ، و أنّ ثمة مشكّكين بها بعد النزول ، و أنّ العذاب واقع بهم لا محالة.

هذا النوع من الاستخلاص ، لا تعقيب لنا عليه ما دمنا أوضحنا في كلّ أحاديثنا عن القصص القرآني ، أنّ عملية الكشف و تَرْكها للمتلقّي إنّما تُثري من عملية التذوّق الجمالي للنص.

المهم ، أن نخلص من ذلك إلى أنّ الحدث قد بلور لنا وجهة النظر المتقدّمة و إلى أنّ حوار عيسى (عليه السلام) مع السماء ـ عبر المطالبة بإنزال المائدة ـ قد ألقى الأضواء الكافية لاستخلاص الموقف ، حيث طالب عيسى بأن يُستثمر النزول في كونه آيةً أو برهاناً مؤكداً لقضية الإيمان أولا:

﴿تَكُونُ لَنا عِيداً لأَوَّلِنا وَ آخِرِنا

و أن يكون عيداً لتجديد التذكّر بعطاء اللّه و قدراته ، ممّا يبلور قضية الإيمان المذكورة.

و أن يكون ثالثاً رزقاً طيّباً ينعم به الجمهور ، ممّا يبلور أيضاً قضية التذكير بنعم السماء و قدراتها.

إنّ هذا الحوار المتضمن للعيد ، و الآية ، و الرزق ، إنّما صيغ بهذا النمط حتى يمكن بلورة قضية الإيمان و اليقين مقروناً بعطاء اللّه.

و مع تضمّنه لهذه المستويات من تقرير الحقيقة المذكورة ، فحينئذ لا تبقى أيّة مشروعية لعملية التشكيك.

و على العكس من ذلك ، فإنّ أيّ تشكيك في هذا الصدد ، إنّما يفصح عن مرض الشخصية و استحقاقها لذلك العقاب الذي ألمحت به السماء.

إذاً ، جاءت صياغة الواقعة أو الحدث من خلال الحوار الذي أبرز نقاط الموقف الرئيسة و اختزل التفصيلات ، جاءت مفصحةً عن الأهمية الفنّية لعملية الحوار التي تمحّضت للكشف عن الحكاية. فقد لوحظ أنّ الآيات الأربع التي تناولت اُقصوصة المائدة ، إنّما بُنيت جميعها على عنصر الحوار دون أن يتخلّلها أيّ سرد في هذا المجال. و لنستمع من جديد إلى الآيات التي تمحّضت للحوار بأكملها:

1 ـ ﴿إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ: يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ

﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً ...

2 ـ ﴿قالُوا : نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَ تَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا ...

3 ـ ﴿قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ: اللّهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ ...

4 ـ ﴿قالَ اللّهُ: إِنِّي مُنَزِّلُها ...

فهذه الآيات الأربع كلّها حوار نهض لوحده في الإبانة عن محتويات الحكاية بما تضمّنته من حدث و موقف.

و واضحٌ أنّ لغة الفنّ القصصي قد تعتمد السرد لوحده ، أو الحوار وحده ، أو كليهما حسب ما يقتضيه السياق. بيد أنّ ذلك كلّه مرتهنٌ بطبيعة الاقتدار على إبراز وجهة النظر بدقائقها من خلال الاقتصاد اللغوي الذي يميّز الاُقصوصة ، فضلا عن التركيز.

لكننا حيال الحوار القرآني المذكور نتحسّس جمالية عالية تتآزر مع الاقتصاد و التركيز بنحو يتناسق مع الإعجاز الخالد لكتابنا العظيم.



أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page