• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 26 الي 50


[ 26 ]
وقوله: " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب " أي وما يمد ويزاد في عمر أحد فيكون معمرا ولا ينقص من عمره أي عمر أحد إلا في كتاب. فقوله: " وما يعمر من معمر " من قبيل قوله: " إني أراني أعصر خمرا " يوسف: 26 فوضع معمر موضع نائب الفاعل وهو أحد بعناية أنه بعد تعلق التعمير به يصير معمرا وإلا فتعمير المعمر لا معنى له. وقوله: " ولا ينقص من عمره " الضمير في " عمره " راجع إلى " معمر " باعتبار موصوفه المحذوف وهو أحد والمعنى ولا ينقص من عمر أحد وإلا فنقص عمر المفروض معمرا تناقض خارق للفرض. وقوله: " إلا في كتاب " وهو اللوح المحفوظ الذي لا سبيل للتغيير إليه فقد كتب فيه أن فلانا يزاد في عمره كذا لسبب كذا وفلانا ينقص من عمره كذا لسبب كذا وأما كتاب المحو والاثبات فهو مورد التغير وسياق الاية يفيد وصف العلم الثابت ولهم في قوله: " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره " وجوه أخر ضعيفة لا جدوى في التعرض لها. وقوله: " إن ذلك على الله يسير " تعليل وتقرير لما في الاية من وصف خلق الانسان وكيفية إحداثه إبقائه والمعنى أن هذا التدبير الدقيق المتين المهيمن على كليات الحوادث وجزئياتها المقرر كل شئ في مقره على الله يسير لانه الله العليم القدير المحيط بكل شئ بعلمه وقدرته فهو تعالى رب الانسان كما أنه رب كل شئ. قوله تعالى: " وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج " إلى آخر الاية قيل: العذب من الماء طيبه، والفرات الماء الذي يكسر العطش أو البارد كما في المجمع، والسائغ هو الذي يسهل انحداره في الحلق لعذوبته والاجاج الذي يحرق لملوحته أو المر. وقوله: " ومن كل تأكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها " اللحم الطري الغض الجديد، والمراد لحم السمك أو السمك والطير البحري، والحلية المستخرجة من البحر اللؤلؤ والمرجان والاصداف قال تعالى: " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " الرحمان: 22. وفي الاية تمثيل للمؤمن والكافر بالبحر العذب والمالح يتبين به عدم تساوي المؤمن
________________________________________
[ 27 ]
والكافر في الكمال الفطري وإن تشاركا في غالب الخواص الانسانية وآثارها فالمؤمن باق على فطرته الاصلية ينال بها سعادة الحياة الدائمة والكافر منحرف فيها متلبس بما لا تستطيبه الفطرة الانسانية وسيعذب بأعماله فمثلهما مثل البحرين المختلفين عذوبة وملوحة فهما مختلفان من حيث البقاء على فطرة الماء الاصلية وهي العذوبة والخروج عنها بالملوحة وإن اشتركا في بعض الاثار التي ينتفع بها، فمن كل منهما تأكلون لحما طريا وهو لحم السمك والطير المصطاد من البحر وتستخرجون حلية تلبسونها كاللؤلؤ والمرجان والاصداف. فظاهر الاية أن الحلية المستخرجة مشتركة بين البحر العذب والبحر المالح لكن جمعا من المفسرين استشكلوا ذلك بأن اللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان من البحر المالح دون العذب، وقد أجابوا عنه بأجوبة مختلفة. منها أن الاية مسوقة لبيان اشتراك البحرين في مطلق الفائدة وإن اختص ببعضها كأنه قيل: ومن كل تنتفعون وتستفيدون كما تأكلون منهما لحما طريا وتستخرجون من البحر المالح حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر. ومنها أنه شبه المؤمن والكافر بالعذب والاجاج ثم فضل الاجاج على الكافر بأن في الاجاج بعض النفع والكافر لا نفع في وجوده فالاية على طريقة قوله تعالى: " ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة " ثم قال: " وإن من الحجارة لما يتفجر منه الانهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله " البقرة: 74. ومنها أن قوله: " وتستخرجون حلية تلبسونها " من تتمة التمثيل على معنى أن البحرين وإن اشتركا في بعض المنافع تفاوتا فيما هو المقصود بالذات لان أحدهما خالطه ما خرج به عن صفاء فطرته والمؤمن والكافر وإن اتفقا أحيانا في بعض المكارم كالشجاعة والسخاوة متفاوتان فيما هو الاصل لبقاء أحدهما على صفاء الفطرة الاصلية دون الاخر. ومنها أنه لا مانع من أن يخرج اللؤلؤ من المياه العذبة وإن لم نره فالاشكال باختصاص الحلية بالماء المالح ممنوع. ومنها منع أصل الدعوى وهو كون الاية " وما يستوي البحران " الخ. تمثيلا
________________________________________
[ 28 ]
للمؤمن والكافر بل هي واقعة في سياق تعداد النعم لاثبات الربوبية كقوله قبلا: " والله الذي أرسل الرياح " وقوله بعدا: " يولج الليل في النهار " الخ. فالاية مسوقة لبيان نعمة البحر واختلافه بالعذوبة والملوحة وما فيهما من المنافع المشتركة والمختصة. ويؤيد هذا الوجه أن نظير الاية في سورة النحل واقعة في سياق الايات العادة لنعم الله سبحانه وهو قوله: " وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " النحل: 14. والحق أن أصل الاستشكال في غير محله وأن البحرين يشتركان في وجود الحلية فيهما كما هو مذكور في الكتب الباحثة عن هذه الشؤون مشروح فيها (1). قوله تعالى: " وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " ضمير " فيه " للبحر، ومواخر جمع ماخرة من المخر بمعنى الشق عدت السفينة ماخرة لشقها الماء بجؤجئتها. قيل: إنما أفرد ضمير الخطاب في قوله: " ترى " بخلاف الخطابات المتقدمة والمتأخرة لان الخطاب لكل أحد يتأتى منه الرؤية دون المنتفعين بالبحرين فقط. وقوله: " لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون " أي مخر الفلك البحر بتسخيره لتطلبوا من عطائه وهو الرزق ورجاء أن تشكروا الله سبحانه، وقد تقدم أن الترجي الذي تفيده " لعل " في كلامه تعالى قائم بالمقام دون المتكلم. وقد قيل في هذه الاية: " وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله " وفي سورة النحل: " وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله " فاختلفت الايتان في تقديم " فيه " على " مواخر " وتأخيره منه وعطف " لتبتغوا " وعدمه. ولعل النكتة في ذلك أن آية النحل مصدرة بكلمة التسخير فهي مسوقة لبيان كيفية التسخير والانسب لذلك تأخير " فيه " ليتعلق بمواخر ويشير إلى مخر البحر (1)
________________________________________
وقد ذكر وجود الحلية في الماء العذب في مادة صدف من دائرة المعارف للبستاني وذكر أيضا في آمريكانا Eneyclo Poedia وبريطانيا Encyclo Poedia وجودها فيه وسميت عدة من الانهار العذبة في أمريكا واوروبا وآسيا يستخرج منها اللؤؤ.
________________________________________
[ 29 ]
فيصرح بالتسخير بخلاف ما ههنا ثم التسخير له غايات كثيرة منها ابتغاء الفضل والانسب لذلك عطف " لتبتغوا " على محذوف ليدل على عدم انحصار الغاية في ابتغاء الفضل بخلاف ما ههنا فإن الغرض بيان أنه الرازق المدبر ليرتدع المكذبون - وقد تقدم ذكر تكذيبهم - عن تكذيبهم ويكفي في ذلك بيان ابتغائهم الفضل غاية من غير حاجة إلى العطف. والله أعلم. وقال في روح المعاني في المقام: والذي يظهر لي في ذلك أن آية النحل سيقت لتعداد النعم كما يؤذن بذلك سوابقها ولواحقها وتعقيب الايات بقوله سبحانه: " وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها " فكان الاهم هناك تقديم ما هو نعمة وهو مخر الفلك للماء بخلاف ما هنا فإنه إنما سيق استطرادا أو تتمة للتمثيل كما علمت آنفا فقدم فيه " فيه " إيذانا بأنه ليس المقصود بالذات ذلك، وكان الاهتمام بما هناك اقتضى أن يقال في تلك الاية: " ولتبتغوا " بالواو ومخالفة ما هنا لذلك اقتضت ترك الواو في قوله: " لتبتغوا " انتهى. قوله تعالى: " يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى " الخ. إيلاج الليل في النهار قصر النهار بطول الليل وإيلاج النهار في الليل قصر الليل بطول النهار، والمراد بالجملتين الاشارة إلى اختلاف الليل والنهار في الطول والقصر المستمر في أيام السنة بتغير الايام ولذا عبر بقوله: " يولج " الدال على استمرار التغيير بخلاف جريان الشمس والقمر فإنه ثابت على حاله ولذا عبر فيه بقوله: " وسخر الشمس والقمر كل يجري لاجل مسمى " والعناية صورية مسامحية. وقوله: " ذلكم الله ربكم " بمنزلة النتيجة لما تقدم أي إذا كان أمر خلقكم وتدبيركم برا وبحرا وأرضا وسماء منتسبا إليه مدبرا بتدبيره فذلكم الله ربكم الذي يملككم ويدبر أمركم. وقوله: " له الملك " مستنتج مما قبله وتوطئة وتمهيد لما بعده من قوله: " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير ". وقوله: " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير " القطمير على ما قاله الراغب الاثر على رأس النواة وذلك مثل للشئ الطفيف، وفي المجمع: القطمير لفافة النواة وقيل: الحبة في بطن النواة انتهى والكلام على أي حال مبالغة في نفي أصل الملك
________________________________________
[ 30 ]
والمراد بالذين تدعون من دون الله آلهتهم الذين كانوا يدعونها من الاصنام وأربابها. قوله تعالى: " إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم " الخ. بيان وتقرير لما تقدم من قوله: " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير " أي تصديق كونهم لا يملكون شيئا أنكم إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم لان الاصنام جمادات لا شعور لها ولا حس وأرباب الاصنام كالملائكة والقديسين من البشر في شغل شاغل من ذلك على أنهم لا يملكون سمعا من عند أنفسهم فلا يسمعون إلا بإسماعه. وقوله: " ولو سمعوا ما استجابوا لكم " إذ لا قدرة لهم على الاستجابة قولا ولا فعلا أما الاصنام فظاهر وأما أرباب الاصنام فقدرتهم من الله سبحانه ولن يأذن الله لاحد أن يستجيب أحدا يدعوه بالربوبية قال تعالى: " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا " النساء: 172. وقوله: " ويوم القيامة يكفرون بشرككم " أي يردون عبادتكم إليكم ويتبرؤن منكم بدلا من أن يكونوا شفعاء لكم " إذ تبرء الذين اتبعوا من الذين اتبعوا " البقرة: 166. فالاية في نفي الاستجابة وكفر الشركاء يوم القيامة في معنى قوله: " ومن أضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم (؟) غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " الاحقاف 6. وقوله: " ولا ينبئك مثل خبير " أي لا يخبرك عن حقيقة الامر مخبر مثل مخبر خبير وهو خطاب خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الاعراض عن خطابهم لعدم تفقههم بالبيان الحق أو خطاب عام في صورة الخطاب الخاص خوطب به السامع أي من كان كقوله: " وترى الفلك فيه مواخر " الاية السابقة، وقوله: " وترى الشمس إذا طلعت " الاية الكهف: 17، وقوله: " وتحسبهم أيقاظا وهم رقود " الكهف: 18. (بحث روائي) في تفسير القمي في قوله تعالى: " كذلك النشور " حدثني أبي عن ابن أبي عمير
________________________________________
[ 31 ]
عن جميل بن دراج عن أبي عبد الله عليه السلام قال: إذا أراد الله أن يبعث الخلق أمطر السماء على الارض أربعين صباحا فاجتمعت الاوصال ونبتت اللحوم. أقول: وفي هذا المعنى عدة روايات أخر. وفي الدر المنثور أخرج الطيالسي وأحمد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الاسماء والصفات عن أبي رزين العقيلي قال: قلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى ؟ قال: أما مررت بأرض مجدبة ثم مررت بها مخصبة تهتز خضراء ؟ قال: بلى. قال: كذلك يحيي الله الموتى وكذلك النشور. وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن لكل قول مصداقا من عمل يصدقه أو يكذبه فإذا قال ابن آدم وصدق قوله بعمله رفع قوله بعمله إلى الله، وإذا قال وخالف عمله قوله رد قوله على عمله الخبيث وهوى به في النار. وفي التوحيد بإسناده عن زيد بن علي عن أبيه عليه السلام في حديث قال: وإن لله تبارك وتعالى بقاعا في سماواته فمن عرج به إلى بقعة منها فقد عرج به إليه. ألا تسمع الله عز وجل يقول: " تعرج الملائكة والروح إليه " ويقول في قصة عيسى بن مريم عليهما السلام " بل رفعه الله " ويقول عز وجل: " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه ". أقول: وعن الفقيه مثله. وفي نهج البلاغة: ولو لا إقرارهن (1) له بالربوبية وإذعانهن له بالطواعية (2) لما جعلهن موضعا لعرشه ولا مسكنا لملائكته ولا مصعدا للكلم الطيب والعمل الصالح من خلقه. وفي تفسير القمي في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله تعالى: " وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج " الاجاج المر. وفيه في قوله: " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير " قال: الجلدة الرقيقة التي على ظهر النوى. (1)
________________________________________
الضمير للسماوات. (2) الطاعة.
________________________________________
[ 32 ]
يا أيها الناس انتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد - 15. إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد - 16. وما ذلك على الله بعزيز - 17. ولا تزر وازرة وزر أخرى وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيئ ولو كان ذا قربى إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلوة ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه وإلى الله المصير - 18. وما يستوي الاعمى والبصير - 19. ولا الظلمات ولا النور - 20. ولا الظل ولا الحرور - 21. وما يستوي الاحياء ولا الاموات إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور - 22. إن أنت إلا نذير - 23. إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير - 24. وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات والزبر وبالكتاب المنير - 25. ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير - 26. (بيان) لما بين لهم أن الخلق والتدبير إليه تعالى فهو ربهم له الملك دون الذين يدعون من دونه فهم لا يملكون شيئا حتى يقوموا بتدبيره، أخذ يبين ذلك ببيان آخر مشوب
________________________________________
[ 33 ]
بالوعيد والتهديد وهو أنه تعالى غني عنهم وهم فقراء إليه فله أن يذهبهم ويأت بخلق جديد إن شاء جزاء بما كسبوا. ثم وجه الخطاب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما حاصله أن هذه المؤاخذة والاهلاك لا يشمل إلا هؤلاء المكذبين دون المؤمنين الذين يؤثر فيهم إنذار النبي عليه السلام فبينهما فرق ظاهر وهو صلى الله عليه وآله وسلم نذير كالنذر الماضين وحاله كحال من قبله من المنذرين وإن يكذبوه فقد كذبت الانبياء الماضين مكذبوا أممهم فأخذهم الله أخذا شديدا وسيأخذ المكذبين من هذه الامة. قوله تعالى: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغنى الحميد " لا ريب أن في الاية نوع تمهيد بالنسبة إلى الايتين التاليتين يتبين بها مضمونهما وهي مع ذلك مستقلة في مفادها. بيان ذلك: أن السياق يشعر بأن أعمال هؤلاء المكذبين كانت تكشف عن أنهم كانوا يتوهمون أن لهم أن يستغنوا عن الله سبحانه بعبادة آلهتهم وأن لله إليهم حاجة ولذلك يدعوهم إلى نفسه بالدعوة الالهية التي يقوم بها رسله فهناك غنى وفقر ولهم نصيب من الغنى ولله نصيب من الفقر تعالى عن ذلك. فرد الله سبحانه زعمهم ذلك بقوله: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني " فقصر الفقر فيهم وقصر الغنى فيه سبحانه فكل الفقر فيهم وكل الغنى فيه سبحانه، وإذ كان الغنى والفقر وهما الوجدان والفقدان متقابلين لا يرتفعان عن موضوعهما كان لازم القصر السابق قصر آخر وهو قصرهم في الفقر وقصره تعالى في الغنى فليس لهم إلا الفقر وليس له تعالى إلا الغنى. فالله سبحانه غني بالذات له أن يذهبهم ويستغنى عنهم وهم فقراء بالذات ليس لهم أن يستغنوا عنه بغيره. والملاك في غناه تعالى عنهم وفقرهم أنه تعالى خالقهم ومدبر أمرهم وإليه الاشارة بأخذ لفظ الجلالة في بيان فقرهم وبيان غناه، والاشارة إلى الخلق والتدبير في قوله: " إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد " وكذا توصيفه تعالى بالحميد وهو المحمود في فعله
________________________________________
[ 34 ]
الذي هو خلقه وتدبيره. فيعود معنى الكلام إلى نحو من قولنا: يا أيها الناس أنتم بما أنكم مخلوقون مدبرون لله الفقراء إلى الله فيكم كل الفقر والحاجة والله بما أنه الخالق المدبر، الغني لا غنى سواه. وعلى هذا لا ضير في قصر الفقر في الناس سواء أريد به المكذبون خاصة أو عامة الناس مع كون غيرهم من المخلوقات فقراء إلى الله كمثلهم وذلك أن عموم علة الحكم يعمم الحكم فكأنه قيل: أنتم معاشر الخليقة الفقراء إلى خالقكم المدبر لامركم وهو الغني الحميد. وقد أجيب عن إشكال قصر الفقر في الناس مع عمومه لغيرهم بوجوه من الجواب: منها أن في قصر الفقر في الناس مبالغة في فقرهم كأنهم لكثرة افتقارهم وشدة احتياجهم هم الفقراء فحسب وأن افتقار سائر الخلائق بالنسبة إلى فقرهم بمنزلة العدم ولذلك قال تعالى: " خلق الانسان ضعيفا " ولا يرد الجن لانهم لا يحتاجون في المطعم والملبس وغيرهما كما يحتاج الانسان. ومنها أن المراد الناس وغيرهم وهو على طريقة تغليب الحاضر على الغائب وأولي العلم على غيرهم. ومنها أن الوجه حمل اللام في الناس على العهد وفي الفقراء على الجنس لان المخاطبين في الاية هم الذين خوطبوا في قوله: " ذلكم الله ربكم له الملك " الاية أي ذلكم المعبود هو الذي وصف بصفات الجلال لا الذين تدعون من دونه وأنتم أشد الخلائق احتياجا إليه. ومنها أن القصر إضافي بالنسبة إليه تعالى لا حقيقي. وغير خفي عليك أن مفاد الاية وسياقها لا يلائم شيئا من هذه الاجوبة نعم يمكن توجيه الجواب الاخير بما يرجع إلى ما قدمناه من الوجه. و تذييل الاية بصفة الحميد للاشارة إلى أنه غني محمود الافعال إن أعطى وإن منع لانه إذا أعطى لم يعطه لبدل لغناه عن الجزاء والشكر وكل بدل مفروض وإن منع لم يتوجه إليه لائمة إذ لا حق لاحد عليه ولا يملك منه شئ. قوله تعالى: " إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز " أي
________________________________________
[ 35 ]
إن يرد إذهابكم يذهبكم أيها الناس لانه غني عنكم لا يستضر بذهابكم ويأت بخلق جديد يحمدونه و يثنون عليه لا لحاجة منه إليهم بل لانه حميد ومقتضاه أن يجود فيحمد وليس ذلك على الله بصعب لقدرته المطلقة لانه الله عز اسمه. فقد بان أن مضمون الاية متفرعة على مضمون الاية السابقة فقوله: " إن يشأ يذهبكم " متفرع على كونه تعالى غنيا، وقوله: " ويأت بخلق جديد " متفرع على كونه تعالى حميدا، وقد فرع مضمون الجملتين في موضع آخر على غناه ورحمته قال تعالى: " وربك الغني ذو الرحمة إن يشأ يذهبكم ويستخلف من بعدكم ما يشاء " الانعام: 133. قوله تعالى: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " الخ. قال الراغب: الوزر - بفتحتين - الملجأ الذي يلتجأ إليه من الجبل، قال تعالى: " كلا لا وزر " والوزر - بالكسر فالسكون - الثقل تشبيها بوزر الجبل، ويعبر به عن الاثم كما يعبر عنه بالثقل قال تعالى: " ليحملوا أوزارهم كاملة " الاية كقوله: " ليحملوا أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم ". انتهى فالمعنى لا تحمل نفس حاملة للاثم إثم نفس أخرى ولازم ذلك أن لا تؤاخذ نفس إلا بما حملت من إثم نفسها واكتسبته من الوزر. والاية كأنها دفع دخل يشعر به آخرها كأنه لما قال: إن يشأ يذهبكم ويأت بآخرين، فهددهم بالاهلاك و الافناء، قيل: هؤلاء المكذبون أخذوا بوزرهم فما حال المؤمنين ؟ أيؤخذون بوزر غيرهم ؟ فاجيب أن لا تزور وازرة وزر أخرى ولا تحمل نفس حمل غيرها الذي أثقلها وإن كانت ذات قربى. فهؤلاء المكذبون هم المعنيون بالتهديد ولا تنفع فيهم دعوتك وإنذارك لانهم مطبوع على قلوبهم، وإنما ينفع إنذارك الذين يخشون ربهم بالغيب ويقيمون الصلاه والفريقان لا يستويان لان مثلهم مثل الاعمى والبصير، والظلمات والنور، والظل والحرور، والاحياء والاموات. فقوله: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " أي لا تحمل نفس حاملة للوزر والاثم إثم نفس أخرى حاملة. وقوله: " وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شئ ولو كان ذا قربى " أي
________________________________________
[ 36 ]
وإن تدع نفس مثقلة أثقلها حملها من الاثم غيرها إلى ما حملته من الاثم ليحمله عنها لا يستجاب لها ولا يحمل من حملها شئ ولو كان المدعو ذا قربى للداعي كالاب والام والاخ والاخت. وقوله: " إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة " أي هؤلاء المكذبون لا ينتفعون بالانذار ولا تتحقق معهم حقيقة الانذار لانهم مطبوع على قلوبهم إنما تنذر وينفع إنذارك الذين يخشون ربهم بالغيب ويقيمون الصلاة التي هي أفضل العبادات وأهمها وبالجملة يؤمنون بالله ويعبدونه أي الذين يخشون ربهم بالغيب ويقيمون الصلاة إثر إنذارك لا أنهم يخشون ربهم ويصلون ثم ينذرون بعد ذلك حتى يلزم تحصيل الحاصل فالاية كقوله: " إني أراني أعصر خمرا " يوسف: 36. وقوله: " ومن تزكى فإنما يتزكى لنفسه " بدل الخشية وإقامة الصلاة من التزكي للاشارة إلى أن المطلوب بالدعوة والانذار هو التزكي وتزكية النفس تلبسها بالخشية من الله على الغيب وإقامة الصلاة. وفيه تقرير وتأكيد لما تقدم من كونه تعالى غنيا حميدا فهو تعالى لا ينتفع بما يدعو إليه من التزكي بل الذي تزكى فإنما يتزكى لنفع نفسه. وقد ختم الاية بقوله: " وإلى الله المصير " للدلالة على أن تزكية من تزكى لا يذهب سدى، فإن كلا من الفريقين صائرون إلى ربهم لا محالة وهو يحاسبهم ويجازيهم فيجازي هؤلاء المتزكين أحسن الجزاء. قوله تعالى: " وما يستوي الاعمى والبصير " الظاهر أنه عطف على قوله: " وإلى الله المصير " تعليل في صورة التمثيل لعدم مساواة هؤلاء المتزكين لاولئك المكذبين، وقيل: عطف على قوله السابق: " وما يستوي البحران ". قوله تعالى: " ولا الظلمات ولا النور " تكرار حروف النفي مرة بعد مرة في الاية وما يليها لتأكيد النفي. قوله تعالى: " ولا الظل ولا الحرور " الحرور شدة حر الشمس على ما قيل وقيل: هو السموم وقيل: السموم يهب نهارا والحرور يهب ليلا ونهارا.
________________________________________
[ 37 ]
قوله تعالى: " وما يستوي الاحياء ولا الاموات " إلى آخر الاية عطف على قوله: " وما يستوي الاعمى والبصير " وإنما كرر قوله: " ما يستوي " ولم يعطف " الاحياء ولا الاموات " على قوله: " الاعمى والبصير " كرابعته لطول الفصل فاعيد " ما يستوي " لئلا يغيب المعنى عن ذهن السامع فهو كقوله: " كيف يكون للمشركين عهد عند الله ورسوله - إلى أن قال - كيف وإن يظهروا عليكم " الخ. التوبة: 8. والجمل المتوالية المترتبة أعني قوله: " وما يستوي الاعمى والبصير - إلى قوله - وما يستوي الاحياء ولا الاموات " تمثيلات للمؤمن والكافر وتبعات أعمالهما. و قوله: " إن الله يسمع من يشاء " وهو المؤمن كان ميتا فأحياه الله فأسمعه لما في نفسه من الاستعداد لذلك قال تعالى: " أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا " الانعام: 122، وأما النبي عليه السلام فإنما هو وسيلة والهدى هدى الله. وقوله: " وما أنت بمسمع من في القبور " أي الاموات والمراد بهم الكفار المطبوع على قلوبهم. قوله تعالى: " إن أنت إلا نذير " قصر إضافي أي ليس لك إلا إنذارهم وأما هداية من اهتدى منهم وإضلال من ضل ولم يهتد جزاء له بسيئ عمله فإنما ذلك لله سبحانه. ولم يذكر البشير مع النذير مع كونه صلى الله عليه وآله وسلم متلبسا بالوصفين معا لان المقام مقام الانذار فالمناسب هو التعرض لوصف الانذار مع أنه مذكور في الاية التالية. قوله تعالى: " إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " المفاد على ما يقتضيه السياق إنا أرسلناك بالتبشير والانذار وليس ببدع مستغرب فما من أمة من الامم إلا وقد خلا ومضى فيها نذير فذلك من سنن الله الجارية في خلقه. وظاهر السياق أن المراد بالنذير الرسول المبعوث من عند الله وفسر بعضهم النذير بمطلق من يقوم بالعظة والانذار من نبي أو عالم غير نبي وهو خلاف ظاهر الاية. نعم ليس من الواجب أن يكون نذير كل أمة من أفرادها فقد قال تعالى: " خلا فيها " ولم يقل: " خلا منها ". قوله تعالى: " وإن يكذبوك فقد كذب الذين من قبلهم جاءتهم رسلهم بالبينات
________________________________________
[ 38 ]
وبالزبر وبالكتاب المنير " البينات هي الايات المعجزة التي تشهد على حقية الرسل، والزبر جمع زبور ولعل المراد بها بقرينة مقابلتها للكتاب الصحائف والكتب التي فيها ذكر الله تعالى من غير أن تتضمن الاحكام والشرائع، والكتاب المنير الكتاب المنزل من السماء المتضمن للشرائع ككتاب نوح وإبراهيم وتوراة موسى وإنجيل عيسى عليهم السلام، ومعنى الاية ظاهر. قوله تعالى: " ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير " الاخذ كناية عن التعذيب، والنكير الانكار، والباقي ظاهر. (كلام في معنى عموم الانذار) قد تقدم في أبحاث النبوة في الجزء الثاني وفي قصص نوح عليه السلام في الجزء العاشر من الكتاب ما يدل من طريق العقل على عموم النبوة ويؤيده الكتاب. فلا تخلو أمة من الامم الانسانية عن ظهور ما للدعوة الحقة النبوية فيها وأما كون نبي كل أمة من نفس تلك الامة فلا دليل عليه، وقد عرفت أن قوله تعالى: " وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " الاية مفاده ذلك. وأما فعلية الانذار - بحيث يبلغ كل فرد فرد من الامة مضافا إلى أصل الاقتضاء - واطراد الدعوة في كل واحد واحد فحكومة العلل والاسباب المتزاحمة في هذه النشأة المادية لا توافقه كما لا توافق سائر المقتضيات العامة التي قدرها الصنع كما أن في بنية كل مولود إنساني أن يعمر عمرا طبيعيا والحوادث تحول بين أكثر الافراد وبين ذلك، وكل مولود إنساني مجهز بجهاز التناسل للاستيلاد والايلاد وكثير من الافراد يموت قبل بلوغه فلا يبلغ ذلك إلى غير ذلك من النظائر. فالنبوة والانذار عام لكل أمة ولا يستلزم استلزاما ضروريا أن تبلغ الدعوة كل شخص من أشخاصها بل من الجائز أن تبلغ بلا واسطة أو معها بعض الامة وتتخلف عن بعض لحيلولة علل وأسباب مزاحمة بينه وبين البلوغ فمن توجهت منهم إليه الدعوة وبلغته تمت عليه الحجة ومن توجهت إليه ولم تبلغه لم تتم عليه الحجة وكان من المستضعفين
________________________________________
[ 39 ]
وكان أمره إلى الله قال تعالى: " إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا " النساء: 98. (بحث روائي) في الدر المنثور في قوله تعالى: " ولا تزر وازرة وزر أخرى " أخرج أحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه عن عمرو بن الاحوص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حجة الوداع: ألا لا يجني جان إلا على نفسه لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " إن الله يسمع من يشاء وما أنت بمسمع من في القبور " قال: هؤلاء الكفار لا يسمعون منك كما لا يسمع أهل القبور. وفي الدر المنثور أخرج أبو سهل السري بن سهل الجند يسابوري الخامس من حديثه من طريق عبد القدوس عن أبي صالح عن ابن عباس في قوله: " إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور " قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقف على القتلى يوم بدر ويقول: هل وجدتم ما وعد ربكم حقا يا فلان بن فلان ألم تكفر بربك ؟ ألم تكذب نبيك ؟ ألم تقطع رحمك ؟ فقالوا: يا رسول الله أيسمعون ما تقول ؟ قال: ما أنتم بأسمع منهم لما أقول فأنزل الله: " إنك لا تسمع الموتى وما أنت بمسمع من في القبور " ومثل ضربه الله للكفار أنهم لا يسمعون لقوله. أقول: وفي الرواية ما لا يخفى من لوائح الوضع فساحة النبي عليه السلام أجل من أن يقول ما ليس له به علم من ربه حتى ينزل الله عليه آية تكذبه فيما يدعيه ويخبر به. على أن ما نقله من الاية لا يطابق المصحف فصدره مأخوذ من سورة النمل الاية 80 وذيله مأخوذ من سورة فاطر الاية 22. على أن سياق الاية مكي في سياق آيات سابقة ولاحقة مكية. وفي الاحتجاج في احتجاج الصادق عليه السلام: قال السائل: فأخبرني عن المجوس أفبعث إليهم نبيا ؟ فإني أجد لهم كتبا محكمة ومواعظ بليغة وأمثالا شافية، ويقرون
________________________________________
[ 40 ]
بالثواب والعقاب، ولهم شرائع يعملون بها. قال: ما من أمة إلا خلا فيها نذير، وقد بعث إليهم نبي بكتاب من عند الله فأنكروه وجحدوا كتابه. * * * ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود - 27. ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذالك إنما يخشى الله من عباده العلمؤ إن الله عزيز غفور - 28. إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلوة وانفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور - 29. ليوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله إنه غفور شكور - 30. والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير - 31. ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير - 32. جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤا ولباسهم فيها حرير - 33. وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور - 34. الذي أحلنا دار
________________________________________
[ 41 ]
المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب - 35. والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور - 36. وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير - 37. إن الله عالم غيب السموات والارض إنه عليم بذات الصدور - 38. (بيان) رجوع إلى ذكر آيات أخر من آيات التوحيد وفيها انتقال إلى حديث الكتاب وأنه حق نازل من عند الله تعالى وقد انجر الكلام في الفصل السابق من الايات إلى ذكر النبوة والكتاب حيث قال: " إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا " وقال: " جاؤا بالبينات وبالزبر وبالكتاب المنير " فكان من الحري أن يتعرض لصفة الكتاب وما تستتبعه من الاثار. قوله تعالى: " ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها " الخ. حجة أخرى على التوحيد وهو أن الله سبحانه ينزل الماء من السماء بالامطار وهو أقوى العوامل المعينة لخروج الثمرات، ولو كان خروجها عن مقتضى طباع هذا العامل وهو واحد لكان جميعها ذا لون واحد فاختلاف الالوان يدل على وقوع التدبير الالهي. والقول بأن اختلافها منوط باختلاف العوامل المؤثرة فيها ومنها اختلاف العناصر الموجودة فيها نوعا وقدرا وخصوصية التأليف. مدفوع بأن الكلام منقول حينئذ إلى اختلاف نفس العناصر وهي منتهية إلى
________________________________________
[ 42 ]
المادة المشتركة التي لا اختلاف فيها فاختلاف العناصر المكونة منها يدل على عامل آخر وراء المادة يدبر أمرها ويسوقها إلى غايات مختلفة. والظاهر أن المراد باختلاف ألوان الثمرات اختلاف نفس ألوانها ويلزمه اختلافات أخر من حيث الطعم والرائحة والخواص، وقيل المراد باختلاف الالوان اختلاف الانواع فكثيرا ما يطلق اللون في الفواكه والاطعمة على النوع كما يقال: قدم فلان ألوانا من الطعام والفاكهة فهو من الكناية، وقوله بعد: " ومن الجبال جدد بيض وحمر " لا يخلو من تأييد للوجه الاول. وفي قوله: " فأخرجنا به " الخ. التفات من الغيبة إلى التكلم. قيل: إن ذلك لكمال الاعتناء بالفعل لما فيه من الصنع البديع المنبئ عن كمال القدرة والحكمة. ونظير الوجه يجري في قوله السابق: " إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا " وأما ما في الاية السابقة من قوله: " ثم أخذت الذين كفروا فكيف كان نكير " فلعل الوجه فيه أن أمرهم إلى الله لا يتخلل بينه وبينهم أحد حتى يشفع لهم أو ينصرهم فينجوا من العذاب. و قوله: " ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود " الجدد بالضم فالفتح جمع جدة بضم الجيم وهي الطريقة والجادة، والبيض والحمر جمع أبيض وأحمر، والظاهر أن قوله: " مختلف ألوانها " صفة لجدد و " ألوانها " فاعل " مختلف " ولو كانت الجملة مبتدء وخبرا لقيل: مختلفة ألوانها كما قيل، والغرابيب جمع غربيب وهو الاسود الشديد السواد ومنه الغراب و " سود " بدل أو عطف بيان لغرابيب. والمعنى: ألم تر أن من الجبال طرائق بيض وحمر وسود مختلف ألوانها، والمراد إما الطرق المسلوكة في الجبال ولها ألوان مختلفة، وإما نفس الجبال التي هي خطوط مختلفة ممدودة على وجه الارض بيض وحمر وسود مختلف ألوانها. قوله تعالى: " ومن الناس والدواب والانعام مختلف ألوانه كذلك " أي ومن الناس والدواب التي تدب في الارض والانعام كالابل والغنم والبقر بعض مختلف ألوانه بالبياض والحمرة و السواد كاختلاف الثمرات والجبال في ألوانها.
________________________________________
[ 43 ]
وقيل: قوله: " كذلك " خبر لمبتدء محذوف، والتقدير الامر كذلك فهو تقرير إجمالي للتفصيل المتقدم من اختلاف الثمرات والجبال والناس والدواب والانعام. وقيل: " كذلك " متعلق بقوله: " يخشى " في قوله: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " والاشارة إلى ما تقدم من الاعتبار بالثمرات والجبال وغيرهما والمعنى إنما يخشى الله كذلك الاعتبار بالايات من عباده العلماء، وهو بعيد لفظا ومعنى. قوله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " استئناف يوضح أن الاعتبار بهذه الايات إنما يؤثر أثره ويورث الايمان بالله حقيقة والخشية منه بتمام معنى الكلمة في العلماء دون الجهال، وقد مر أن الانذار إنما ينجح فيهم حيث قال: " إنما تنذر الذين يخشون ربهم بالغيب وأقاموا الصلاة " فهذه الاية كالموضحة لمعنى تلك تبين أن الخشية حق الخشية إنما توجد في العلماء. والمراد بالعلماء العلماء بالله وهم الذين يعرفون الله سبحانه بأسمائه وصفاته وأفعاله معرفة تامة تطمئن بها قلوبهم وتزيل وصمة الشك والقلق عن نفوسهم وتظهر آثارها في أعمالهم فيصدق فعلهم قولهم، والمراد بالخشية حينئذ حق الخشية ويتبعها خشوع في باطنهم وخضوع في ظاهرهم. هذا ما يستدعيه السياق في معنى الاية. وقوله: " إن الله عزيز غفور " يفيد معنى التعليل فلعزته تعالى وكونه قاهرا غير مقهور وغالبا غير مغلوب من كل جهة يخشاه العارفون، ولكونه غفورا كثير المغفرة للاثام والخطيئات يؤمنون به ويتقربون إليه ويشتاقون إلى لقائه. قوله تعالى: " إن الذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصلاة وأنفقوا مما رزقناهم سرا وعلانية يرجون تجارة لن تبور " تلاوة الكتاب قراءة القرآن وقد أثنى عليها الله سبحانه، و إقامة الصلاة إدامة إتيانها وحفظها من أن تترك، والانفاق من الرزق سرا وعلانية بذل المال سرا تحذرا من الرياء وزوال الاخلاص في الانفاق المسنون، وبذل المال علانية ليشيع بين الناس كما في الانفاق الواجب. وقوله: " يرجون تجارة لن تبور " أي لن تهلك بالخسران، وذكر بعضهم أن قوله: " يرجون " الخ. خبر إن في صدر الاية وعند بعضهم الخبر مقدر يتعلق به قوله: " ليوفيهم " الخ " أي فعلوا ما فعلوا ليوفيهم أجورهم " الخ.
________________________________________
[ 44 ]
قوله تعالى: " ليوفيهم أجورهم و يزيدهم من فضله إنه غفور شكور " متعلق بقوله: " يتلون " وما عطف عليه في الاية السابقة أي أنهم عملوا ما عملوا لان يوفيهم ويؤتيهم إيتاء تاما كاملا أجورهم وثوابات أعمالهم. وقوله: " ويزيدهم من فضله " يمكن أن يراد بهذه الزيادة تضعيف الثواب أضعافا كما في قوله: " من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها " الانعام: 160 وقوله: " مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء " البقرة: 261، ويمكن أن يراد بها زيادة ليست من سنخ ثواب الاعمال كما في قوله: " لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد " ق: 35. وقوله: " إنه غفور شكور " تعليل لمضمون الاية وزيادة فهو تعالى لكونه غفورا يغفر زلاتهم ولكونه شكورا يثيبهم ويزيد من فضله. قوله تعالى: " والذي أوحينا إليك من الكتاب هو الحق " ضمير الفصل واللام في قوله: " هو الحق " للتأكيد لا للقصر أي هو حق لا يشوبه باطل. قوله تعالى: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " إلى آخر الاية. يقال: أورثه مالا كذا أي تركه فيهم يقومون بأمره بعده وقد كان هو القائم بأمره المتصرف فيه، وكذا إيراث العلم والجاه ونحوهما تركه عند الغير يقوم بأمره بعد ما كان عند غيره ينتفع به فايراث القوم الكتاب تركه عندهم يتناولونه خلفا عن سلف وينتفعون به. وتصح هذه النسبة وإن كان القائم به بعض القوم دون كلهم، قال تعالى: " ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لاولي الالباب " المؤمن: 54، وقال " إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم (؟) بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والاحبار بما استحفظوا من كتاب الله " المائدة: 44، وقال: " وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب " الشورى: 14. فبنو إسرائيل أورثوا الكتاب وإن كان المؤدون حقه القائمون بأمره بعضهم لا جميعهم. والمراد بالكتاب في الاية على ما يعطيه السياق هو القرآن الكريم كيف ؟ وقوله في الاية السابقة: " والذي أوحينا إليك من الكتاب " نص فيه، فاللام في الكتاب
________________________________________
[ 45 ]
للعهد دون الجنس فلا يعبأ بقول من يقول: إن اللام للجنس والمراد بالكتاب مطلق الكتاب السماوي المنزل على الانبياء. والاصطفاء أخذ صفوة الشئ ويقرب من معنى الاختيار والفرق أن الاختيار أخذ الشئ من بين الاشياء بما أنه خيرها والاصطفاء أخذه من بينها بما أنه صفوتها وخالصها. وقوله: " من عبادنا " يحتمل أن يكون " من " للتبيين أو للابتداء أو للتبعيض الاقرب إلى الذهن أن يكون بيانية وقد قال تعالى: " وسلام على عباده الذين اصطفى " النمل: 59. واختلفوا في هؤلاء المصطفين من عباده من هم ؟ فقيل: هم الانبياء، وقيل: هم بنو إسرائيل الداخلون في قوله: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين " آل عمران: 33، وقيل: هم أمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد أورثوا القرآن من نبيهم إليه يرجعون وبه ينتفعون علماؤهم بلا واسطة وغيرهم بواسطتهم، وقيل: هم العلماء من الامة المحمدية. وقيل: - وهو المأثور عن الصادقين عليهما السلام في روايات كثيرة مستفيضة - أن المراد بهم ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أولاد فاطمة عليها السلام وهم الداخلون في آل إبراهيم في قوله: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم " آل عمران: 33، وقد نص النبي صلى الله عليه وآله على علمهم بالقرآن وإصابة نظرهم فيه وملازمتهم إياه بقوله في الحديث المتواتر المتفق عليه: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ". وعلى هذا فالمعنى بعد ما أوحينا إليك القرآن - ثم للتراخي الرتبي - أورثنا ذريتك إياه وهم الذين اصطفينا من عبادنا إذا اصطفينا آل إبراهيم وإضافة العباد إلى نون العظمة للتشريف. وقوله: " فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات " يحتمل أن يكون ضمير " منهم " راجعا إلى " الذين اصطفينا " فيكون الطوائف الثلاث الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات شركاء في الوراثة وإن كان الوارث الحقيقي العالم بالكتاب والحافظ له هو السابق بالخيرات.
________________________________________
[ 46 ]
ويحتمل أن يكون راجعا إلى عبادنا - من غير إفادة الاضافة للتشريف - فيكون قوله: " فمنهم " مفيدا للتعليل والمعنى إنما أورثنا الكتاب بعض عبادنا وهم المصطفون لا جميع العباد لان من عبادنا من هو ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق ولا يصلح الكل للوراثة. ويمكن تأييد أول الاحتمالين بأن لا مانع من نسبة الوراثة إلى الكل مع قيام البعض بها حقيقة كما نجد نظيره في قوله تعالى: " وأورثنا بني إسرائيل الكتاب " المؤمن: 54 وما في الاية من المقابلة بين الظالم لنفسه والمقتصد والسابق بالخيرات يعطي أن المراد بالظالم لنفسه من عليه شئ من السيئات وهو مسلم من أهل القرآن لكونه مصطفى ووارثا، والمراد بالمقتصد المتوسط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق والمراد بالسابق بالخيرات بإذن الله من سبق الظالم والمقتصد إلى درجات القرب فهو أمام غيره بإذن الله بسبب فعل الخيرات قال تعالى: " والسابقون السابقون أولئك المقربون " الواقعة: 11. وقوله تعالى: " ذلك هو الفضل الكبير " أي ما تقدم من الايراث هو الفضل الكبير من الله لا دخل للكسب فيه. هذا ما يعطيه السياق وتفيده الاخبار من معنى الاية وفيها للقوم اختلاف عجيب فقد اختلف في " ثم " فقيل: هي للتراخي بحسب الاخبار، وقيل: للتراخي الرتبي، وقيل: للتراخي الزماني. ثم العطف على " أوحينا " أو على " الذي أوحينا ". واختلف في " أورثنا " فقيل: هو على ظاهره، وقيل: معناه حكمنا بإيراثه وقدرناه، واختلف في الكتاب فقيل: المراد به القرآن، وقيل: جنس الكتب السماوية، واختلف في " الذين اصطفينا " فقيل: المراد بهم الانبياء، وقيل: بنو إسرائيل، وقيل: أمة محمد، وقيل: العلماء منهم، وقيل: ذرية النبي من ولد فاطمة عليها السلام. واختلف في " من عبادنا " فقيل: من للتبعيض أو للابتداء أو للتبيين ويختلف المراد من العباد بحسب اختلاف معنى " من " وكذا إضافة " عبادنا " للتشريف على بعض الوجوه ولغيره على بعضها.
________________________________________
[ 47 ]
واختلف في " فمنهم " فقيل: مرجع الضمير " الذين " وقيل: " عبادنا " واختلف في الظالم لنفسه والمقتصد والسابق فقيل: الظالم من كان ظاهره خيرا من باطنه و المقتصد من استوى ظاهره وباطنه والسابق من كان باطنه خيرا من ظاهره، وقيل: السابق هم السابقون الماضون في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أصحابه والمقتصد من تبع أثرهم ولحق بهم من الصحابة والظالم لنفسه غيرهم، وقيل: الظالم من غلبت عليه السيئة والمقتصد المتوسط حالا والسابق هو المقرب إلى الله السابق في الدرجات. وهناك أقوال متفرقة أخر تركنا إيرادها ولو ضربت الاحتمالات بعضها في بعض جاوز الالف. قوله تعالى: " جنات عدن يدخلونها يحلون فيها من أساور من ذهب ولؤلؤ ولباسهم فيها حرير " التحلية هي التزيين والاساور جمع أسورة وهي جمع سوار بكسر السين قال الراغب: سوار المرأة معرب وأصله دستواره. انتهى. وقوله: " جنات عدن " الخ. ظاهره أنه بيان للفضل الكبير قال في المجمع: هذا تفسير للفضل كأنه قيل: ما ذلك الفضل ؟ فقال: هي جنات أي جزاء جنات أو دخول جنات ويجوز أن يكون بدلا من الفضل كأنه قال: ذلك دخول جنات. انتهى. والباقي ظاهر. قوله تعالى: " وقالوا الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور " قيل: المراد بالحزن الذي يحمدون الله على إذهابه بإدخالهم الجنة الحزن الذي كان يتوجه إليهم في الحياة الدنيا وما يحف بها من الشدائد والنوائب. وقيل: المراد به الحزن الذي كان قد أحاط بهم بعد الارتحال من الدنيا، وقيل الدخول في جنة الاخرة إشفاقا مما اكتسبوه من السيئات. وعلى هذا فالقول قول الظالم لنفسه منهم أو قوله وقول المقتصد وأما السابق بالخيرات منهم فلا سيئة في صحيفة أعماله حتى يعذب بها. وهذا الوجه أنسب لقولهم في آخر حمدهم: " إن ربنا لغفور شكور ". قوله تعالى: " الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب " المقامة الاقامة، ودار المقامة المنزل الذي لا خروج منه ولا تحول.
________________________________________
[ 48 ]
والنصب بفتحتين التعب والمشقة، واللغوب بضم اللام: العي والتعب في طلب المعاش وغيره. والمعنى: الذي جعلنا حالين في دار الخلود من فضله من غير استحقاق منا عليه لا يمسنا في هذه الدار وهي الجنة مشقة وتعب ولا يمسنا فيها عي ولا كلال في طلب ما نريد أي إن لنا فيها ما نشاء. وفي قوله: " من فضله " مناسبة خاصة مع قوله السابق: " ذلك هو الفضل الكبير ". قوله تعالى: " والذين كفروا لهم نار جهنم " إلى آخر الاية اللام في " لهم " للاختصاص ويفيد كون النار جزاء لهم لا ينفك عنهم، وقوله: " لا يقضى عليهم فيموتوا " أي لا يحكم عليهم بالموت حتى يموتوا فهم أحياء على ما هم فيه من شدة العذاب ولا يخفف عنهم من عذاب النار كذلك نجزي كل كفور شديد الكفران أو كثيره. قوله تعالى: " وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا " إلى آخر الاية في المجمع: الاصطراخ الصياح والنداء بالاستغاثة افتعال من الصراخ انتهى. وقوله: " ربنا أخرجنا " الخ. بيان لاصطراخهم، وقوله: " أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر " الخ. جواب اصطراخهم وقوله: " فذوقوا " وقوله: " فما للظالمين من نصير " كل منهما متفرع على ما قبله. والمعنى، وهؤلاء الذين في النار من الكفار يصطرخون ويصيحون بالاستغاثة فيها قائلين: ربنا أخرجنا من النار نعمل صالحا غير سيئ غير الذي كنا نعمل فيقال لهم ردا عليهم: - كلا - أو لم نعمركم عمرا يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فأنذركم هذا العذاب فلم تتذكروا ولم تؤمنوا ؟ فذوقوا العذاب فما للظالمين من نصير ينصرهم ليتخلصوا من العذاب. قوله تعالى: " إن الله عالم غيب السماوات والارض إنه عليم بذات الصدور " فيعاملكم بما في باطنكم من الاعتقاد وآثار الاعمال ويحاسبكم عليه سواء وافق ظاهركم باطنكم أو خالف قال تعالى: " إن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله " البقرة: 284، وقال: " يوم تبلى السرائر " الطارق: 9.
________________________________________
[ 49 ]
(بحث روائي) في المجمع في قوله تعالى: " إنما يخشى الله من عباده العلماء " الاية روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: يعني بالعلماء من صدق قوله فعله، ومن لم يصدق فعله قوله فليس بعالم. وفي الحديث أعلمكم بالله أخوفكم لله. أقول: وفي روضة الكافي بإسناده عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام ما في معناه. وفي الدر المنثور أخرج أبن أبي شيبة والترمذي والحاكم عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: العلم علمان: علم في القلب فذاك العلم النافع، وعلم على اللسان فذاك حجة الله على خلقه. وفي المجمع روى ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في قوله: " ويزيدهم من فضله ": هو الشفاعة لمن وجبت له النار ممن صنع إليه معروفا في الدنيا. وفي الكافي بإسناده عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " الاية قال: فقال: ولد فاطمة عليها السلام، والسابق بالخيرات الامام والمقتصد العارف بالامام والظالم لنفسه الذي لا يعرف الامام. وعن كتاب سعد السعود لابن طاوس في حديث لابي إسحاق السبيعي عن الباقر عليه السلام في الاية قال: هي لنا خاصة يا أبا إسحاق أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل، وأما الظالم لنفسه ففيه ما في الناس وهو مغفور له. اقول: المراد بالشهيد بقرينة الروايات الاخر الامام. وفي معاني الاخبار مسندا عن الصادق عليه السلام في الاية قال: الظالم يحوم حوم نفسه والمقتصد يحوم حوم قلبه والسابق بالخيرات يحوم حوم ربه.
________________________________________
[ 50 ]
أقول: الحوم والحومان الدوران، ودوران الظالم لنفسه حوم نفسه اتباعه أهواءها وسعيه في تحصيل ما يرضيها، ودوران المقتصد حوم قلبه اشتغاله بما يزكى قلبه ويطهره بالزهد والتعبد، ودوران السابق بالخيرات حوم ربه إخلاصه له تعالى فيذكره وينسى غيره فلا يرجو إلا إياه ولا يقصد إلا إياه. واعلم ان الروايات من طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام في كون الاية خاصة بولد فاطمة عليها السلام كثيرة جدا. وفي الدر المنثور أخرج الفاريابي وأحمد وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وابن مردويه والبيهقي عن أبي الدرداء سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: قال الله تعالى: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله " فأما الذين سبقوا فاولئك يدخلون الجنة بغير حساب، وأما الذين اقتصدوا فاولئك الذين يحاسبون حسابا يسيرا، وأما الذين ظلموا أنفسهم فاولئك يحبسون في طول المحشر ثم هم الذين يلقاهم الله برحمة فهم الذين يقولون: الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب. أقول: ورواه في المجمع عن أبي الدرداء عنه صلى الله عليه وآله وسلم وفي معناه أحاديث أخر، وهناك ما يخالفها ولا يعبأ به كما فيه عن ابن مردويه عن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله: " ومنهم ظالم لنفسه " قال: الكافر. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب " قال: النصب العناء واللغوب الكسل والضجر. وفي نهج البلاغة، وقال: العمر الذي أعذر الله فيه إلى ابن آدم ستون سنة. أقول: ورواه عنه عليه السلام في المجمع ورواه في الدر المنثور عن ابن جرير عنه عليه السلام. وفي الدر المنثور أخرج الحكيم الترمذي في نوادر الاصول والبيهقي في سننه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان يوم القيامة قيل: أين أبناء الستين وهو المعمر


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page