• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الصفحة 201 الي 225


[ 201 ]
(كلام في قصص داود في فصول) 1 - قصته في القرآن: لم يقع من قصته في القرآن إلا إشارات فقد ذكر سبحانه أنه كان في جيش طالوت الملك حين حارب جالوت فقتل داود فآتاه الله الملك بعد طالوت والحكمة وعلمه مما يشاء " البقرة: 251 " وجعله خليفة له يحكم بين الناس وآتاه فصل الخطاب " ص: 20 و 26 " وقد أيد الله ملكه وسخر معه الجبال والطير يسبحن معه " الانبياء: 79، ص 19 " وألان له الحديد يعمل وينسج منه الدروع " الانبياء: 80 سبأ: 11 ". 2 - جميل الثناء عليه في القرآن. عده سبحانه من الانبياء وأثنى عليه بما أثنى عليهم وخصه بقوله: " وآتينا داود زبورا " " النساء: 163 الانعام: 84 - 87 " وآتاه فضلا وعلما " سبأ: 10 النمل: 15 " وآتاه الحكمة وفصل الخطاب وجعله خليفة في الارض " ص: 20 و 26 " ووصفه بأنه أواب وأن له عنده لزلفى وحسن مآب " ص: 19 و 25 ". 3 - التدبر في آيات الكتاب المتعرضة لقصة دخول المتخاصمين على داود عليه السلام لا يعطي أزيد من كونه امتحانا منه تعالى له عليه السلام في ظرف التمثل ليربيه تربية إلهية ويعلمه رسم القضاء العدل فلا يجور في الحكم ولا يعدل عن العدل. وأما ما تضمنته غالب الروايات من قصة اوريا وامرأته فهو مما يجل عنه الانبياء ويتنزه عنه ساحتهم وقد تقدم في بيان الايات والبحث الروائي محصل الكلام في ذلك. * * * ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب - 30. إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد - 31. فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب - 32. ردوها علي فطفق
________________________________________
[ 202 ]
مسحا بالسوق والاعناق - 33. ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب - 34. قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك أنت الوهاب - 35. فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب - 36. والشياطين كل بناء وغواص - 37. وآخرين مقرنين في الاصفاد - 38. هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب - 39. وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب - 40. (بيان) القصة الثانية من قصص العباد الاوابين التي أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر ويذكرها. قوله تعالى: " ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب " أي وهبناه له ولدا والباقي ظاهر مما تقدم. قوله تعالى: " إذ عرض عليه بالعشي الصافنات الجياد " العشي مقابل الغداة وهو آخر النهار بعد الزوال، والصافنات على ما في المجمع جمع الصافنة من الخيل وهي التي تقوم على ثلاث قوائم وترفع إحدى يديها حتى تكون على طرف الحافر. قال: والجياد جمع جواد والياء ههنا منقلبة عن واو والاصل جواد وهي السراع من الخيل كأنها تجود بالركض. انتهى. قوله تعالى: " فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي حتى توارت بالحجاب " الضمير لسليمان، والمراد بالخير: الخيل - على ما قيل - فإن العرب تسمي الخيل خيرا وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الخير معقود بنواصي الخيل إلى يوم القيامة.
________________________________________
[ 203 ]
وقيل: المراد بالخير المال الكثير وقد استعمل بهذا المعنى في مواضع من كلامه تعالى كقوله: " إن ترك خيرا " البقرة: 180. وقوله: " إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي " قالوا: إن " أحببت " مضمن معنى الايثار و " عن " بمعنى على، والمراد إني آثرت حب الخيل على ذكر ربي وهو الصلاة محبا إياه أو أحببت الخيل حبا مؤثرا إياه على ذكر ربي - فاشتغلت بما عرض علي من الخيل عن الصلاة حتى غربت الشمس. وقوله: " حتى توارت بالحجاب " الضمير على ما قالوا للشمس والمراد بتواريها بالحجاب غروبها واستتارها تحت حجاب الافق، ويؤيد هذا المعنى ذكر العشي في الاية السابقة إذ لو لا ذلك لم يكن غرض ظاهر يترتب على ذكر العشي. فمحصل معنى الاية أني شغلني حب الخيل - حين عرض الخيل علي - عن الصلاة حتى فات وقتها بغروب الشمس، وإنما كان يحب الخيل في الله ليتهيأ به للجهاد في سبيل الله فكان الحضور للعرض عبادة منه فشغلته عبادة عن عبادة غير أنه يعد الصلاة أهم. وقيل: ضمير " توارت " للخيل وذلك أنه أمر بإجراء الخيل فشغله النظر في جريها حتى غابت عن نظره وتوارت بحجاب البعد، وقد تقدم أن ذكر العشي يؤيد المعنى السابق ولا دليل على ما ذكره من حديث الامر بالجري من لفظ الاية. قوله تعالى: " ردوها علي فطفق مسحا بالسوق والاعناق " قيل: الضمير في " ردوها " للشمس وهو أمر منه للملائكة برد الشمس ليصلي صلاته في وقتها، وقوله: " فطفق مسحا بالسوق والاعناق " أي شرع يمسح ساقيه وعنقه ويأمر أصحابه أن يمسحوا سوقهم وأعناقهم وكان ذلك وضوءهم ثم صلى وصلوا، وقد ورد ذلك في بعض الروايات عن أئمة أهل البيت عليهم السلام. وقيل: الضمير للخيل والمعنى قال: ردوا الخيل فلما ردت. شرع يمسح مسحا بسوقها وأعناقها ويجعلها مسبلة في سبيل الله جزاء ما اشتغل بها عن الصلاة. وقيل: الضمير للخيل والمراد بمسح أعناق الخيل وسوقها ضربها بالسيف وقطعها والمسح القطع فهو عليه السلام غضب عليها في الله لما شغلته عن ذكر الله فأمر بردها ثم ضرب بالسيف أعناقها وسوقها فقتلها جميعا.
________________________________________
[ 204 ]
وفيه أن مثل هذا الفعل مما تتنزه ساحة الانبياء عليهم السلام عن مثله فما ذنب الخيل لو شغله النظر إليها عن الصلاة حتى تؤاخذ بأشد المؤاخذة فتقتل تلك القتلة الفظيعة عن آخرها مع ما فيه من إتلاف المال المحترم. وأما استدلال بعضهم عليه برواية أبي بن كعب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: فطفق مسحا بالسوق والاعناق قطع سوقها وأعناقها بالسيف ثم أضاف إليها وقد جعلها بذلك قربانا لله وكان تقريب الخيل مشروعا في دينه فليس من التقريب ذكر في الحديث ولا في غيره. على أنه عليه السلام لم يشتغل عن العبادة بالهوى بل شغلته عبادة عن عبادة كما تقدمت الاشارة إليه. فالمعول عليه هو أول الوجوه إن ساعده لفظ الاية وإلا فالوجه الثاني. قوله تعالى: " ولقد فتنا سليمان وألقينا على كرسيه جسدا ثم أناب " الجسد هو الجسم الذي لا روح فيه. قيل: المراد بالجسد الملقى على كرسيه هو سليمان نفسه لمرض امتحنه الله به وتقدير الكلام ألقيناه على كرسيه جسدا أي كجسد لا روح فيه من شدة المرض. وفيه أن حذف الضمير من " ألقيناه " وإخراج الكلام على صورته التي في الاية الظاهرة في أن الملقى هو الجسد مخل بالمعنى المقصود لا يجوز حمل أفصح الكلام عليه. ولسائر المفسرين أقوال مختلفة في المراد من الاية تبعا للروايات المختلفة الواردة فيها والذي يمكن أن يؤخذ من بينها إجمالا أنه كان جسد صبي له أماته الله وألقى جسده على كرسيه، ولقوله: " ثم أناب قال رب اغفر لي " إشعار أو دلالة على أنه كان له عليه السلام فيه رجاء أو امنية في الله فأماته الله سبحانه وألقاه علبى كرسيه فنبهه أن يفوض الامر إلى الله ويسلم له. قوله تعالى: " قال رب اغفر لي وهب ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي إنك انت الوهاب " ظاهر السياق أن الاستغفار مرتبطة بما في الاية السابقة من إلقاء الجسد على كرسيه، والفصل لكون الكلام في محل دفع الدخل كأنه لما قيل: " ثم أناب " قيل: فماذا قال ؟ فقيل: قال رب اغفر لي " الخ.
________________________________________
[ 205 ]
وربما استشكل في قوله: " وهب لي ملكا لا ينبغي لاحد من بعدي " أن فيه ضنا وبخلا، فإن فيه اشتراط أن لا يؤتى مثل ما اوتيه من الملك لاحد من العالمين غيره. ويدفعه أن فيه سؤال ملك يختص به لا سؤال أن يمنع غيره عن مثل ما أتاه ويحرمه ففرق بين أن يسأل ملكا اختصاصيا وأن يسأل الاختصاص بملك أوتيه. قوله تعالى: " فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب " متفرع على سؤاله الملك وإخباره عن إجابة دعوته وبيان الملك الذي لا ينبغي لاحد غيره وهو تسخير الريح والجن. والرخاء بالضم اللينة و الظاهر أن المراد بكون الريح تجري بأمره رخاء مطاوعتها لامره وسهولة جريانها على ما يريده عليه السلام فلا يرد أن توصيف الريح ههنا بالرخاء يناقض توصيفه في قوله: " ولسليمان الريح عاصفة تجري بأمره " الانبياء: 81 بكونها عاصفة. وربما أجيب عنه بأن من الجائز أن يجعلها الله رخوة تارة وعاصفة اخرى حسب ما أراد سليمان عليه السلام. وقوله: " حيث أصاب " أي حيث شاء سليمان عليه السلام وقصد وهو متعلق بتجري. قوله تعالى: " والشياطين كل بناء وغواص " أي وسخرنا له الشياطين من الجن كل بناء منهم يبني له في البر وكل غواص يعمل له في البحر فيستخرج اللئالي وغيرها. قوله تعالى: " وآخرين مقرنين في الاصفاد " الاصفاد جمع صفد وهو الغل من الحديد، والمعنى وسخرنا له آخرين منهم مجموعين في الاغلال مشدودين بالسلاسل. قوله تعالى: " هذا عطاؤنا فامنن أو أمسك بغير حساب " أي هذا الذي ذكر من الملك عطاؤنا لك بغير حساب والظاهر أن المراد بكونه بغير حساب أنه لا ينفد بالعطاء والمن ولذا قيل: " فامنن أو أمسك " أي أنهما يستويان في عدم التأثير فيه. وقيل: المراد بغير حساب أنك لا تحاسب عليه يوم القيامة، وقيل: المراد أن إعطاءه تفضل لا مجازاة وقيل غير ذلك. قوله تعالى: " وإن له عندنا لزلفى وحسن مآب " تقدم معناه.
________________________________________
[ 206 ]
(بحث روائي) في المجمع في قوله تعالى: " فقال إني أحببت حب الخير عن ذكر ربي " الاية قيل: إن هذه الخيل كانت شغلته عن صلاة العصر حتى فات وقتها عن علي عليه السلام وفي رواية أصحابنا أنه فاته أول الوقت. وفيه قال ابن عباس: سألت عليا عن هذه الاية فقال: ما بلغك فيها يابن عباس ؟ قلت: سمعت كعبا يقول: اشتغل سليمان بعرض الافراس حتى فاتته الصلاة فقال: ردوها علي يعني الافراس وكانت أربعة عشر فأمر بضرب سوقها وأعناقها بالسيف فقتلها فسلبه الله ملكه أربعة عشر يوما لانه ظلم الخيل بقتلها. فقال علي: كذب كعب لكن اشتغل سليمان بعرض الافراس ذات يوم لانه أراد جهاد العدو حتى توارت الشمس بالحجاب فقال بأمر الله للملائكة الموكلين بالشمس: ردوها علي فردت فصلى العصر في وقتها وإن أنبياء الله لا يظلمون ولا يأمرون بالظلم لانهم معصومون مطهرون. اقول: وقول كعب الاحبار: فسلبه الله ملكه إشارة إلى حديث الخاتم الذي سنشير إليه. وفي الفقيه روي عن الصادق عليه السلام أنه قال: إن سليمان بن داود عرض عليه ذات يوم بالعشي الخيل فاشتغل بالنظر إليها حتى توارت الشمس بالحجاب فقال للملائكة: ردوا الشمس علي حتى أصلي صلاتي في وقتها فردوها فقام ومسح ساقيه وعنقه بمثل ذلك وكان ذلك وضوءهم للصلاة ثم قام فصلى فلما فرغ غابت الشمس وطلعت النجوم، وذلك قول الله عز وجل: " ووهبنا لداود سليمان - إلى قوله - مسحا بالسوق والاعناق ". اقول: والرواية لا بأس بها لو ساعد لفظ الاية أعني قوله: " فطفق مسحا بالسوق والاعناق " على ما فيها من المعنى، وأما مسألة رد الشمس فلا إشكال فيه بعد ثبوت إعجاز الانبياء، وقد ورد ردها لغيره عليه السلام كيوشع بن نون وعلي بن أبي طالب عليه السلام في النقل المعتبر ولا يعبؤ بما أورده الرازي في تفسيره الكبير. وأما عقره عليه السلام الخيل وضربه أعناقها بالسيف فقد روي في ذلك عدة روايات
________________________________________
[ 207 ]
من طرق أهل السنة وأورده القمي في تفسيره وكأنها تنتهي إلى كعب كما مر في رواية ابن عباس المتقدمة وكيف كان فلا يعبؤ بها كما تقدم. وقد بلغ من إغراقهم في القصة أن رووا أن الخيل كانت عشرين ألف فرس ذات أجنحة ومثله ما روي في قوله: حتى توارت بالحجاب عن كعب أنه حجاب من ياقوتة خضراء محيط بالخلائق منه اخضرت السماء. ومثل هذه الروايات أعاجيب من القصص رووها في قوله تعالى: " وألقينا على كرسيه جسدا " الاية كما روي أنه ولد له ولد فأمر بإرضاعه وحفظه في السحاب إشفاقا عليه من مردة الجن وفي بعضها خوفا عليه من ملك الموت فوقع يوما جسده على كرسيه ميتا. وما روي أنه قال يوما: لا طوفن الليلة بمائة امرأة من نسائي تلد لي كل واحدة منهن لي فارسا يجاهد في سبيل الله ولم يستثن فلم تحمل منهن إلا واحدة بشق من ولد وكان يحبه فخبأه له بعض الجن من ملك الموت فأخذه من مخبإه وقبضه على كرسي سليمان. وما روي في روايات كثيرة تنتهي عدة منها إلى ابن عباس وهو يصرح في بعضها أنه أخذه عن كعب أن ملك سليمان كان في خاتمه فتخطفه شيطان منه فزال ملكه وتسلط الشيطان على ملكه أياما ثم أعاد الله الخاتم إليه فعاد إلى ما كان عليه من الملك، وقد أوردوا في القصة أمورا ينبغي أن تنزه ساحة الانبياء عليه السلام عن ذكرها فضلا عن نسبتها إليهم. قالوا: وجلوس الشيطان على كرسي سليمان هو المراد بقوله تعالى: " وألقينا على كرسيه جسدا " الاية. فهذه (1) كلها مما لا يعبؤ بها على ما تقدمت الاشارة إليه وإنما هي مما لعبت بها أيدي الوضع. * * * واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب (1)
________________________________________
ليراجع في الحصول على عامة هذه الروايات الدر المنثور.
________________________________________
[ 208 ]
وعذاب - 41. أركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب - 42. ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب - 43. وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنت إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب - 44. واذكر عبادنا إبراهيم وإسحق ويعقوب أولي الايدي والابصار - 45. إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار - 46. وإنهم عندنا لمن المصطفين الاخيار - 47. واذكر إسمعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار - 48. (بيان) القصة الثالثة مما أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصبر ويذكرها وهي قصة أيوب النبي عليه السلام وما ابتلي به من المحنة ثم أكرمه الله بالعافية والعطية. ثم الامر بذكر إبراهيم وخمسة من ذريته من الانبياء عليه السلام. قوله تعالى: " واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب " دعاء منه عليه السلام وسؤال للعافية وأن يكشف عنه ربه ما أصابه من سوء الحال، ولم يصرح بما يريده ويسأله تواضعا وتذللا غير أن نداءه تعالى بلفظ ربي يشعر بأنه يناديه لحاجة. والنصب التعب، وقوله: " إذ نادى " الخ بدل اشتمال من " عبدنا " أو " أيوب " وقوله: " أني مسني " الخ حكاية ندائه. والظاهر من الايات التالية أن مراده من النصب والعذاب ما أصابه من سوء الحال في بدنه وأهله وهو الذي ذكره عنه عليه السلام في سورة الانبياء من ندائه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين بناء على شمول الضر مصيبته في نفسه وأهله ولم يشر في هذه السورة ولا في سورة الانبياء إلى ذهاب ماله وإن وقع ذكر المال في الروايات.
________________________________________
[ 209 ]
والظاهر أن المراد من مس الشيطان له بالنصب والعذاب استناد نصبه وعذابه إلى الشيطان بنحو من السببية والتأثير وهو الذي يظهر من الروايات، ولا ينافي استناد المرض ونحوه إلى الشيطان استناده أيضا إلى بعض الاسباب العادية الطبيعية لان السببين ليسا عرضيين متدافعين بل أحدهما في طول الاخر وقد أوضحنا ذلك في تفسير قوله تعالى: " ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء " الاعراف: 96 في الجزء الثامن من الكتاب. ولا دليل يدل على امتناع وقوع هذا النوع من التأثير للشيطان في الانسان وقد قال تعالى: " إنما الخمر والميسر والانصاب والازلام رجس من عمل الشيطان " المائدة: 90 فنسبها أنفسها إليه، وقال حاكيا عن موسى عليه السلام: " هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين " القصص: 15 يشير إلى الاقتتال. ولو أغمض عن الروايات أمكن أن يحتمل أن يكون المراد بانتساب ذلك إلى الشيطان إغراؤه الناس بوسوسته أن يتجنبوا من الاقتراب منه وابتعادهم وطعنهم فيه أن لو كان نبيا لم تحط به البلية من كل جانب ولم يصر إلى ما صار إليه من العاقبة السوآى وشماتتهم واستهزاؤهم به. وقد أنكر في الكشاف ما تقدم من الوجه قائلا: لا يجوز أن يسلط الله الشيطان على أنبيائه عليه السلام ليقضي من تعذيبهم وإتعابهم وطره ولو قدر على ذلك لم يدع صالحا إلا وقد نكبه وأهلكه، وقد تكرر في القرآن أنه لا سلطان له إلا الوسوسة فحسب. انتهى. وفيه أن الذي يخص الانبياء وأهل العصمة أنهم لمكان عصمتهم في أمن من تأثير الشيطان في نفوسهم بالوسوسة، وأما تأثيره في أبدانهم وسائر ما ينسب إليهم بإيذاء أو إتعاب أو نحو ذلك من غير إضلال فلا دليل يدل على امتناعه، وقد حكى الله سبحانه عن فتى موسى وهو يوشع النبي عليه السلام: " فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره " الكهف: 63. ولا يلزم من تسلطه على نبي بالايذاء والاتعاب لمصلحة تقتضيه كظهور صبره في
________________________________________
[ 210 ]
الله سبحانه وأوبته إليه أن يقدر على ما يشاء فيمن يشاء من عباد الله تعالى إلا أن يشاء الله ذلك وهو ظاهر. قوله تعالى: " اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب " وقوع الاية عقيب ندائه ومسألته يعطي أنه إيذان باستجابة دعائه وأن قوله تعالى: " اركض برجلك " الخ حكاية لما اوحي إليه عند الكشف عن الاستجابة أو هو بإضمار القول والتقدير فاستجبنا له وقلنا: اركض " الخ " وسياق الامر مشعر بل كاشف عن أنه كان لا يقدر على القيام والمشي بقدميه وكان مصابا في سائر بدنه فأبرء الله ما في رجليه من ضر وأظهر له عينا هناك وأمره أن يغتسل منها ويشرب حتى يبرء ظاهر بدنه وباطنه ويتأيد بذلك ما سيأتي من الرواية. وفي الكلام إيجاز بالحذف والتقدير فركض برجله واغتسل وشرب فبرأه الله من مرضه. قوله تعالى: " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لاولي الالباب " ورد في الرواية أنه ابتلي فيما ابتلي بموت جميع أهله إلا امرأته وأن الله أحياهم له ووهبهم له ومثلهم معهم، وقيل: إنهم كانوا قد تفرقوا عنه أيام ابتلائه فجمعهم الله إليه بعد برئه وتناسلوا فكانوا مثلي ما كانوا عددا. وقوله: " رحمة منا وذكرى لاولي الالباب " مفعول له أي فعلنا به ما فعلنا ليكون رحمة منا وذكرى لاولي الالباب يتذكرون به. قوله تعالى: " وخذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث إنا وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب " في المجمع: الضغث مل ء الكف من الشجرة والحشيش والشماريخ ونحو ذلك انتهى، وكان عليه السلام قد حلف لئن عوفي أن يجلد امرأته مائة جلدة لامر أنكره عليها على ما سيأتي من الرواية فلما عافاه الله تعالى أمره أن يأخذ بيده ضغثا بعدد ما حلف عليه من الجلدات فيضربها به ولا يحنث. وفي سياق الاية تلويح إلى ذلك وإنما طوي ذكر المرءة وسبب الحلف تأدبا ورعاية لجانبه. وقوله: " إنا وجدناه صابرا " أي فيما ابتليناه به من المرض وذهاب الاهل والمال،
________________________________________
[ 211 ]
والجملة تعليل لقوله: " واذكر " أو لقوله: " عبدنا " أي لتسميته عبدا وإضافته إليه تعالى، والاول أولى. وقوله: " نعم العبد إنه أواب " مدح له عليه السلام. قوله تعالى: " واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب اولي الايدي والابصار " مدحهم بتوصيفهم بأن لهم الايدي والابصار ويد الانسان وبصره إنما يمدحان إذا كانا يد إنسان وبصر إنسان واستعملا فيما خلقا له وخدما الانسان في إنسانيته فتكتسب اليد صالح العمل ويجري منها الخير على الخلق ويميز البصر طرق العافية والسلامة من موارد الهلكة ويصيب الحق ولا يلتبس عليه الباطل. فيكون كونهم اولي الايدي والابصار كناية عن قوتهم في الطاعة وإيصال الخير وتبصرهم في إصابة الحق في الاعتقاد والعمل وقد جمع المعنيين في قوله تعالى: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " الانبياء: 73 فجعلهم أئمة والامر والوحي لابصارهم وفعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة لايديهم (1) وإليه يؤل ما في الرواية من تفسير ذلك باولي القوة في العبادة والبصر فيها. قوله تعالى: " إنا أخلصناهم بخالصة ذكرى الدار " الخالصة وصف قائم مقام موصوفه، والباء للسببية والتقدير بسبب خصلة خالصة، وذكرى الدار بيان للخصلة والدار هي الدار الاخرة. والاية أعني قوله: " إنا أخلصناهم " الخ لتعليل ما في الاية السابقة من قوله: " أولي الايدي والابصار " أو لقوله: " عبادنا " أو لقوله: " واذكر " وأوجه الوجوه أولها، وذلك لان استغراق الانسان في ذكرى الدار الاخرة وجوار رب العالمين وركوز همه فيها يلازم كمال معرفته في جنب الله تعالى وإصابة نظره في حق الاعتقاد والتبصر في سلوك سبيل العبودية والتخلص عن الجمود على ظاهر الحياة الدنيا وزينتها كما هو شأن أبنائها قال تعالى: " فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا (1)
________________________________________
رواها القمي في تفسيره عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام.
________________________________________
[ 212 ]
ذلك مبلغهم من العلم " النجم: 30. ومعنى الاية وإنما كانوا اولي الايدي والابصار لانا أخلصناهم بخصلة خالصة غير مشوبة عظيمة الشأن هي ذكرى الدار الاخرة. وقيل: المراد بالدار هي الدنيا والمراد بالاية بقاء ذكرهم الجميل في الالسن ما دامت الدنيا كما قال تعالى: " ووهبنا له إسحاق ويعقوب - إلى أن قال - وجعلنا لهم لسان ذكر عليا " مريم: 50 والوجه السابق أوجه. قوله تعالى: " وإنهم عندنا لمن المصطفين الاخيار " تقدم أن الاصطفاء يلازم الاسلام التام لله سبحانه، وفي الاية إشارة إلى قوله تعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين " آل عمران: 33. والاخيار جمع خير مقابل الشر على ما قيل، وقيل: جمع خير بالتشديد أو التخفيف كأموات جمع ميت بالتشديد أو بالتخفيف. قوله تعالى: " واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار " معناه ظاهر. (كلام في قصة أيوب عليه السلام في فصول) 1 - قصته في القرآن: لم يذكر من قصته في القرآن إلا ابتلاؤه بالضر في نفسه وأولاده ثم تفريجه تعالى بمعافاته وإيتائه أهله ومثلهم معهم رحمة منه وذكرى للعابدين " الانبياء: 83 - 84. ص: 41 - 44 ". 2 - جميل ثنانه: ذكره تعالى في زمرة الانبياء من ذرية إبراهم عليهم السلام في سورة الانعام وأثنى عليهم بكل ثناء جميل " الانعام: 84 - 90 " وذكره في سورة ص فعده صابرا ونعم العبد وأوابا " ص: 44 ". 3 - قصته في الروايات: في تفسير القمي حدثني أبي عن ابن فضال عن عبد الله ابن بحر عن أبن مسكان عن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سألته عن بلية أيوب التي ابتلي بها في الدنيا لاي علة كانت ؟ قال: لنعمة أنعم الله عز وجل عليه بها في الدنيا وأدى شكرها وكان في ذلك الزمان لا يحجب إبليس دون العرش فلما صعد ورآى
________________________________________
[ 213 ]
شكر نعمة أيوب حسده إبليس. فقال: يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكر نعمة أبدا فسلطني على دنياه حتى تعلم أنه لم يؤد إليه شكر نعمة أبدا فقيل له: قد سلطتك على ما له وولده. قال: فانحدر إبليس فلم يبق له مالا ولا ولدا إلا أعطبه فازداد أيوب لله شكرا وحمدا، وقال: فسلطني على زرعه يا رب. قال: قد فعلت فجاء مع شياطينه فنفخ فيه فاحترق فازداد أيوب لله شكرا وحمدا فقال: يا رب سلطني على غنمه فأهلكها فازداد أيوب لله شكرا وحمدا. فقال: يا رب سلطني على بدنه فسلطه على بدنه ما خلا عقله وعينيه فنفخ فيه إبليس فصار قرحة واحدة من قرنه إلى قدمه فبقي في ذلك دهرا طويلا يحمد الله ويشكره حتى وقع في بدنه الدود فكانت تخرج من بدنه فيردها فيقول لها: ارجعي إلى موضعك الذي خلقك الله منه، ونتن حتى أخرجه أهل القرية من القرية وألقوه في المزبلة خارج القرية. وكانت امرأته رحمة بنت أفراييم بن يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام وعليها يتصدق من الناس وتأتيه بما تجده. قال: فلما طال عليه البلاء ورآى إبليس صبره أتى أصحابا لايوب كانوا رهبانا في الجبال وقال لهم: مروا بنا إلى هذا العبد المبتلى فنسأله عن بليته فركبوا بغالا شهبا وجاؤوا فلما دنوا منه نفرت بغالهم من نتن ريحه فنظر بعضهم إلى بعض ثم مشوا إليه وكان فيهم شاب حدث السن فقعدوا إليه فقالوا: يا أيوب لو أخبرتنا بذنبك لعل الله يهلكنا إذا سألناه، وما نرى ابتلاءك بهذا البلاء الذي لم يبتل به أحد إلا من أمر كنت تستره. فقال أيوب: وعزة ربي إنه ليعلم أني ما أكلت طعاما إلا ويتيم أو ضعيف يأكل معي، وما عرض لي أمر ان كلاهما طاعة الله إلا أخذت بأشدهما على بدني. فقال الشاب: سوءة لكم عيرتم نبي الله حتى أظهر من عبادة ربه ما كان يسترها. فقال أيوب: يا رب لو جلست مجلس الحكم منك لادليت بحجتي فبعث الله إليه
________________________________________
[ 214 ]
غمامة فقال: يا أيوب أدل بحجتك فقد أقعدتك مقعد الحكم وها أنا ذا قريب ولم أزل. فقال: يا رب إنك لتعلم أنه لم يعرض لي أمران قط كلاهما لك طاعة إلا أخذت بأشدهما على نفسي. ألم أحمدك ؟ ألم أشكرك ؟ ألم أسبحك ؟ قال: فنودي من الغمامة بعشرة آلاف لسان: يا أيوب من صيرك تعبد الله والناس عنه غافلون ؟ وتحمده وتسبحه وتكبره والناس عنه غافلون ؟ أتمن على الله بما لله فيه المنة عليك ؟ قال: فأخذ التراب ووضعه في فيه ثم قال: لك العتبى يا رب أنت فعلت ذلك بي. فأنزل الله عليه ملكا فركض برجله فخرج الماء فغسله بذلك الماء فعاد أحسن ما كان وأطرأ، وأنبت الله عليه روضة خضراء، ورد عليه أهله وماله وولده وزرعه وقعد معه الملك يحدثه ويؤنسه. فأقبلت امرأته معها الكسرة (1) فلما انتهت إلى الموضع إذا الموضع متغير وإذا رجلان جالسان فبكت وصاحت وقالت: يا أيوب ما دهاك ؟ فناداها أيوب فأقبلت فلما رأته وقد رد الله عليه بدنه ونعمه سجدت لله شكرا. فرآى ذؤابتها مقطوعة وذلك أنها سألت قوما أن يعطوها ما تحمله إلى أيوب من الطعام وكانت حسنة الذوائب فقالوا لها: تبيعينا ذؤابتك هذه حتى نعطيك ؟ فقطعتها ودفعتها إليهم وأخذت منهم طعاما لايوب، فلما رآها مقطوعة الشعر غضب وحلف عليها أن يضربها مائة فأخبرته أنه كان سببه كيت وكيت. فاغتم أيوب من ذلك فأوحى الله عز وجل إليه " خذ بيدك ضغثا فاضرب به ولا تحنث " فأخذ عذقا مشتملا على مائة شمراخ فضربها ضربة واحدة فخرج من يمينه. أقول: وروي عن ابن عباس ما يقرب منه، وعن وهب أن امرأته كانت بنت ميشا بن يوسف، والرواية - كما ترى - تذكر ابتلاءه بما تتنفر عنه الطباع وهناك من الروايات ما يؤيد ذلك لكن بعض الاخبار المروية عن أئمة أهل البيت عليهم السلام ينفي ذلك وينكره أشد الانكار كما يأتي. وعن الخصال: القطان عن السكري عن الجوهري عن ابن عمارة عن أبيه عن (1)
________________________________________
الكسرة القطعة من الخبز.
________________________________________
[ 215 ]
جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام قال: إن أيوب عليه السلام ابتلي سبع سنين من غير ذنب وإن الانبياء لا يذنبون لانهم معصومون مطهرون لا يذنبون ولا يزيغون ولا يرتكبون ذنبا صغيرا ولا كبيرا. وقال: إن أيوب من جميع ما ابتلي به لم تنتن له رائحة، ولا قبحت له صورة ولا خرجت منه مدة من دم ولا قيح، ولا استقذره أحد رآه، ولا استوحش منه أحد شاهده، ولا تدود شئ من جسده وهكذا يصنع الله عز وجل بجميع من يبتليه من أنبيائه وأوليائه المكرمين عليه. وإنما اجتنبه الناس لفقره وضعفه في ظاهر أمره لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد والفرج، وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: أعظم الناس بلاء الانبياء ثم الامثل فالامثل. وإنما ابتلاه الله بالبلاء العظيم الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه، وليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله على ضربين: استحقاق واختصاص، ولئلا يحتقروا ضعيفا لضعفه ولا فقيرا لفقره ولا مريضا لمرضه، وليعلموا أنه يسقم من يشاء، ويشفي من يشاء متى شاء كيف شاء بأي سبب شاء، ويجعل ذلك عبرة لمن شاء، وشقاوة لمن شاء، وسعادة لمن شاء، وهو عز وجل في جميع ذلك عدل في قضائه وحكيم في أفعاله لا يفعل بعباده إلا الاصلح لهم ولا قوة لهم إلا به. وفي تفسير القمي في قوله تعالى: " ووهبنا له أهله ومثلهم معهم " الاية قال: فرد الله عليه أهله الذين ماتوا قبل البلاء، ورد عليه أهله الذين ماتوا بعد ما أصابهم البلاء كلهم أحياهم الله له فعاشوا معه. وسئل أيوب بعد ما عافاه الله: أي شئ كان أشد عليك مما مر ؟ فقال: شماتة الاعداء. وفي المجمع في قوله تعالى: " أني مسني الشيطان " الاية قيل: إنه اشتد مرضه حتى تجنبه الناس فوسوس الشيطان إلى الناس أن يستقذروه ويخرجوه من بينهم ولا يتركوا امرأته التي تخدمه أن تدخل عليهم فكان أيوب يتأذى بذلك ويتألم به ولم يشك
________________________________________
[ 216 ]
الالم الذي كان من أمر الله سبحانه. قال قتادة: دام ذلك سبع سنين وروي ذلك عن أبي عبد الله عليه السلام. (خبر اليسع وذي الكفل " ع ") ذكر سبحانه اسمهما في كلامه وعدهما من الانبياء وأثنى عليهما وعدهما من الاخيار " ص: 48 " وعد ذا الكفل من الصابرين " الانبياء: 85 " ولهما ذكر في الاخبار. ففي البحار عن الاحتجاج والتوحيد والعيون في خبر طويل رواه الحسن بن محمد النوفلي عن الرضا عليه السلام فيما احتج به على جاثليق النصارى أن قال عليه السلام أن اليسع قد صنع مثل ما صنع عيسى عليه السلام مشى على الماء وأحيى الموتى وأبرء الاكمه والابرص فلم يتخذه امته ربا، الخبر. وعن قصص الانبياء: الصدوق عن الدقاق عن الاسدي عن سهل عن عبد العظيم الحسني قال: كتبت إلى أبي جعفر الثاني أسأله عن ذي الكفل ما اسمه ؟ وهل كان من المرسلين ؟ فكتب عليه السلام بعث الله جل ذكره مائة ألف نبي وأربعة وعشرين ألف نبي. مرسلون منهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا، وإن ذا الكفل منهم، وكان بعد سليمان بن داود، وكان يقضي بين الناس كما كان يقضي داود، ولم يغضب إلا لله عز وجل وكان اسمه عويديا وهو الذي ذكره الله جلت عظمته في كتابه حيث قال: " واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل وكل من الاخيار ". اقول: وهناك روايات متفرقة اخر في قصصهما عليهما السلام تركنا إيرادها لضعفها وعدم الاعتماد عليها. * * * هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب - 49. جنات عدن مفتحة
________________________________________
[ 217 ]
لهم الابواب - 50. متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب - 51. وعندهم قاصرات الطرف أتراب - 52. هذا ما توعدون ليوم الحساب - 53. إن هذا لرزقنا ماله من نفاد - 54. هذا وإن للطاغين لشر مآب - 55. جهنم يصلونها فبئس المهاد - 56. هذا فليذوقوه حميم وغساق - 57. وآخر من شكله أزواج - 58. هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار - 59. قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار - 60. قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار - 61. وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار - 62. أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الابصار - 63. إن ذلك لحق تخاصم أهل النار - 64. (بيان) فصل آخر من الكلام يبين فيه مآل أمر المتقين والطاغين تبشيرا وإنذارا. قوله تعالى: " هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب " الاشارة بهذا إلى ما ذكر من قصص الاوابين من الانبياء الكرام عليهما السلام، والمراد بالذكر الشرف والثناء الجميل أي هذا الذي ذكر شرف وذكر جميل وثناء حسن لهم يذكرون به في الدنيا أبدا ولهم حسن مآب من ثواب الاخرة. كذا قالوا.
________________________________________
[ 218 ]
وعلى هذا فالمراد بالمتقين هم المذكورون من الانبياء بالخصوص أو عموم أهل التقوى وهم داخلون فيهم ويكون ذكر مآب الطاغين بعد من باب الاستطراد. والظاهر أن الاشارة بهذا إلى القرآن والمراد بالذكر ما يشتمل عليه من الذكر وفي الكلام عود إلى ما بدئ به في السورة من قوله " والقرآن ذي الذكر " فهو فصل من الكلام يذكر فيه الله سبحانه ما في الدار الاخرة من ثواب المتقين وعقاب الطاغين. وقوله: " وإن للمتقين لحسن مآب " المآب المرجع والتنكير للتفخيم، والمعنى ظاهر. قوله تعالى: " جنات عدن مفتحة لهم الابواب " أي جنات استقرار وخلود وكون الابواب مفتحة لهم كناية عن أنهم غير ممنوعين عن شئ من النعم الموجودة فيها فهي مهيأة لهم مخلوقة لاجلهم، وقيل: المراد أن أبوابها مفتحة لهم لا تحتاج إلى الوقوف وراءها ودقها، وقيل: المراد أنها تفتح بغير مفتاح وتغلق بغير مغلاق. والاية وما بعدها بيان لحسن مآبهم. قوله تعالى: " متكئين فيها يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب " أي حالكونهم جالسين فيها بنحو الاتكاء والاستناد جلسة الاعزة والاشراف. وقوله: " يدعون فيها بفاكهة " الخ أي يتحكمون فيها بدعوة الفاكهة وهي كثيرة والشراب فإذا دعيت فاكهة أو دعي شراب أجابهم المدعو فأتاهم من غير حاجة إلى من يحمله ويناوله. قوله تعالى: " وعندهم قاصرات الطرف أتراب " الضمير للمتقين وقاصرات الطرف صفة قائمة مقام الموصوف والتقدير وعندهم أزواج قاصرات الطرف والمراد قصور طرفهن على أزواجهن يرضين بهم ولا يرون غيرهم أو هو كناية عن كونهن ذوات غنج ودلال. والاتراب الاقران أي إنهن أمثال لا يختلفن سنا أو جمالا أو إنهن أمثال لازواجهن فكلما زادوا نورا وبهاء زدن حسنا وجمالا. قوله تعالى: " هذا ما توعدون ليوم الحساب " الاشارة إلى ما ذكر من الجنة ونعيمها، والخطاب للمتقين ففي الكلام التفات من الغيبة إلى الخطاب والنكتة فيه
________________________________________
[ 219 ]
إظهار القرب منهم والاشراف عليهم ليكمل نعمهم الصورية بهذه النعمة المعنوية. قوله تعالى: " إن هذا لرزقنا ما له من نفاد " النفاد الفناء والانقطاع، والاية من تمام الخطاب الذي في الاية السابقة على ما يعطيه السياق. قوله تعالى: " هذا وإن للطاغين لشر مآب " الاشارة بهذا إلى ما ذكر من مقام المتقين أي هذا ما للمتقين من المآب، ويمكن أن يكون هذا اسم فعل أي خذ هذا. والباقي ظاهر. قوله تعالى: " جهنم يصلونها فبئس المهاد " الصلي دخول النار ومقاساة حرارتها أو اتباعها والمهاد - على ما في المجمع - الفراش الموطأ يقال: مهدت له تمهيدا مثل وطأت له توطئة، والاية وما بعدها تفسير لمآب الطاغين. قوله تعالى: " هذا فليذوقوه حميم وغساق " الحميم الحار الشديد الحرارة والغساق - على ما في المجمع - قيح شديد النتن، وفسر بتفاسير أخر، وقوله: " حميم وغساق " بيان لهذا، وقوله: " فليذوقوه " دال على إكراههم وحملهم على ذوقه وتقديم المخبر عنه وجعله اسم إشارة يؤكد ذلك، والمعنى هذا حميم وغساق عليهم أن يذوقوه ليس إلا. قوله تعالى: " وآخر من شكله أزواج " شكل الشئ ما يشابهه وجنسه والازواج الانواع والاقسام أي وهذا آخر من جنس الحميم والغساق أنواع مختلفة ليذوقوها. قوله تعالى: " هذا فوج مقتحم معكم - إلى قوله - في النار " الايات الثلاث - على ما يعطيه السياق - حكاية ما يجري بين التابعين والمتبوعين من الطاغين في النار من التخاصم والمجاراة. فقوله: " هذا فوج مقتحم معكم " خطاب يخاطب به المتبوعون يشار به إلى التابعين الذين يدخلون النار مع المتبوعين فوجا، و الاقتحام الدخول في الشئ بشدة وصعوبة. وقوله: " لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار " جواب المتبوعين لمن يخاطبهم بقوله: " هذا فوج " ومرحبا تحية للوارد معناه عرض رحب الدار وسعتها له فقولهم: " لا مرحبا بهم " معناه نفي الرحب والسعة عنهم. وقولهم: " إنهم صالوا النار " أي داخلوها ومقاسوا حرارتها أو متبعوها تعليل لتحيتهم بنفي التحية.
________________________________________
[ 220 ]
وقوله: " قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار " نقل كلام التابعين وهم القائلون يردون إلى متبوعيهم نفي التحية ويذمون القرار في النار. قوله تعالى: " قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار " لم يذكر تعالى جواب المتبوعين لقولهم: " أنتم قدمتموه لنا " الخ وقد ذكره في سورة الصافات فيما حكى من تساؤلهم بقوله: " قالوا بل لم تكونوا مؤمنين وما كان لنا عليكم من سلطان بل كنتم قوما طاغين " الخ الاية 30 فقولهم: ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار " كلامهم بعد الانقطاع عن المخاصمة. وجملة " من قدم " الخ شرط وجزاء، والضعف المثل و " عذابا ضعفا " أي ذا ضعف ومثل أي ضعفين من العذاب. قوله تعالى: " وقالوا ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الاشرار " القائلون - على ما يعطيه السياق - مطلق أهل النار، ومرادهم بالرجال الذين كانوا يعدونهم من الاشرار المؤمنون وهم في الجنة فيطلبهم أهل النار فلا يجدونهم فيها. قوله تعالى: " أتخذنا هم سخريا أم زاغت عنهم الابصار " أي أتخذناهم سخريا في الدنيا فأخطأنا وقد كانوا ناجين أم عدلت أبصارنا فلا نراهم وهم معنا في النار. قوله تعالى: " إن ذلك لحق تخاصم أهل النار " إشارة إلى ما حكي من تخاصمهم وبيان أن تخاصم أهل النار ثابت واقع لا ريب فيه وهو ظهور ما استقر في نفوسهم في الدنيا من ملكة التنازع والتشاجر. * * * قل إنما أنا منذر وما من إله إلا ألله الواحد القهار - 65. رب السموات والارض وما بينهما العزيز الغفار - 66. قل هو نبؤا عظيم - 67. أنتم عنه معرضون - 68. ما كان لي من علم بالملا الاعلى إذ يختصمون - 69. إن يوحى إلي إلا أنما أنا
________________________________________
[ 221 ]
نذير مبين - 70. إذ قال ربك للملئكة إني خالق بشرا من طين - 71. فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين - 72. فسجد الملئكة كلهم أجمعون - 73. إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين - 74. قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين - 75. قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين - 76. قال فاخرج منها فإنك رجيم - 77. وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين - 78. قال رب فانظرني إلى يوم يبعثون - 79. قال فإنك من المنظرين - 80. إلى يوم الوقت المعلوم - 81. قال فبعزتك لاغوينهم أجمعين - 82. إلا عبادك منهم المخلصين - 83. قال فالحق والحق أقول - 84. لاملان جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين - 85. قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين - 86. إن هو إلا ذكر للعالمين - 87. ولتعلمن نبأه بعد حين - 88. (بيان) الفصل الاخير من فصول السورة المشتمل على أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ نذارته ودعوته إلى التوحيد. وأن الاعراض عن الحق واتباع الشيطان ينتهي بالانسان إلى
________________________________________
[ 222 ]
عذاب النار المقضي في حقه وحق أتباعه وعند ذلك تختتم السورة. قوله تعالى: " قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار - إلى قوله - العزيز الغفار " في الايتين أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ أنه منذر وأن الله تعالى واحد في الالوهية فقوله: " إنما أنا منذر " يفيد قصره في كونه منذرا ونفي سائر الاغراض التي ربما تتلبس به الدعوة بين الناس من طلب مال أو جاه كما يشير إليه ما في آخر الايات من قوله: " قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ". وقوله: " وما من إله إلا الله " إلى آخر الايتين إبلاغ لتوحيده تعالى بحجة يدل عليها ما اورد من صفاته المدلول عليها بأسمائه. فقوله: " وما من إله إلا الله " نفي لكل إله - والاله هو المعبود بالحق - غيره تعالى وأما ثبوت ألوهيته تعالى فهو مسلم بانتفاء الوهية غيره إذ لا نزاع بين الاسلام والشرك في أصل ثبوت الاله وإنما النزاع في أن الاله وهو المعبود بالحق هو الله تعالى أو غيره. على أن ما ذكر في الايتين من الصفات متضمن لاثبات الوهيته كما أنها حجة على انتفاء الوهية غيره تعالى. وقوله: " الواحد القهار " يدل على توحده تعالى في وجوده وقهره كل شئ وذلك أنه تعالى واحد لا يماثله شئ في وجوده ولا تناهي كماله الذي هو عين وجوده الواجب فهو الغني بذاته وعلى الاطلاق وغيره من شئ فقير يحتاج إليه من كل جهة ليس له من الوجود وآثار الوجود إلا ما أنعم وأفاض فهو سبحانه القاهر لكل شئ على ما يريد وكل شئ مطيع له فيما أراد خاضع له فيما شاء. وهذا الخضوع الذاتي هو حقيقة العبادة فلو جاز أن يعبد شئ في الوجود عملا بأن يؤتى بعمل يمثل به العبودية والخضوع فهي عبادته سبحانه إذ كل شئ مفروض دونه فهو مقهور خاضع له لا يملك لنفسه ولا لغيره شئ ولا يستقل من الوجود وآثار الوجود بشئ فهو سبحانه الاله المعبود بالحق لا غير. وقوله: " رب السماوات والارض وما بينهما " يفيد حجة اخرى على توحده تعالى في الالوهية وذلك أن نظام التدبير الجاري في العالم برمته نظام واحد متصل غير متبعض ولا متجز وهو آية وحدة المدبر، وقد تقدم كرارا أن الخلق والتدبير لا ينفكان
________________________________________
[ 223 ]
فالتدبير خلق بوجه كما أن الخلق تدبير بوجه، والخالق الموجد للسماوات والارض وما بينهما هو الله سبحانه - حتى عند الخصم - فهو تعالى ربها المدبر لها جميعا فهو وحده الاله الذي يجب أن يقصد بالعبادة لان العبادة تمثيل عبودية العابد ومملو كيته تجاه مولوية المعبود ومالكيته وتصرفه في المعبود بإفاضة النعمة ودفع النقمة فهو سبحانه الاله في السماوات والارض وما بينهما لا إله غيره. فافهم ذلك. ويمكن أن يكون قوله: " رب السماوات والارض وما بينهما " بيانا لقوله " القهار " أو " الواحد القهار ". وقوله: " العزيز الغفار " يفيد حجة اخرى على توحده تعالى في الالوهية وذلك أنه تعالى عزيز لا يغلبه شئ بإكراهه على ما لم يرد أو بمنعه عما أراد فهو العزيز على الاطلاق وغيره من شئ ذليل عنده قانت له والعبادة إظهار للمذلة ولا يستقيم إلا قبال العزة ولا عزة لغيره تعالى إلا به. وأيضا غاية العبادة وهي تمثيل العبودية التقرب إلى المعبود ورفع وصمة البعد عن العبد العابد وهو مغفرة الذنب والله سبحانه هو المستقل بالرحمة التي لا تنفد خزائنها وهو الذي يورد عباده العابدين له في الاخرة دار كرامته فهو الغفار الذي يجب أن يعبد طمعا في مغفرته. ويمكن أن يكون قوله: " العزيز الغفار " تلويحا إلى وجه الدعوة إلى التوحيد أو وجوب الايمان به المفهوم بحسب المقام من قوله: " وما من إله إلا الله الواحد القهار " والمعنى أدعوكم إلى توحيده فآمنوا به لانه العزيز الذي لا يشوبه ذلة الغفار للذنوب وهكذا يجب أن يكون الاله. قوله تعالى: " قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون " مرجع الضمير ما ذكره من حديث الوحدانية في قوله: " وما من إله إلا الله " الخ. وقيل: الضمير للقرآن فهو النبأ العظيم الذي أعرضوا عنه، وهو أوفق لسياق الايات السابقة المرتبطة بأمر القرآن، وأوفق أيضا لقوله الاتي: " ما كان لي من علم بالملا الاعلى إذ يختصمون " أي حتى أخبرني به القرآن، وقيل: المراد به يوم القيامة وهو أبعد الوجوه.
________________________________________
[ 224 ]
قوله تعالى: " ما كان لي من علم بالملا الاعلى إذ يختصمون " الملا الاعلى جماعة الملائكة وكأن المراد باختصامهم ما أشار تعالى إليه بقوله: إذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الارض خليفة " إلى آخر الايات. وكأن المعنى إني ما كنت أعلم اختصام الملا الاعلى حتى أوحى الله إلي ذلك في كتابه فإنما أنا منذر أتبع الوحي. قوله تعالى: " إن يوحى إلي إلا انما أنا نذير مبين " تأكيد لقوله: " إنما أنا منذر " وبمنزلة التعليل لقوله: " ما كان لي من علم بالملا الاعلى " والمعنى لم أكن أعلم ذلك لان علمي ليس من قبل نفسي وإنما هو بالوحي وليس يوحى إلي إلا ما يتعلق بالانذار. قوله تعالى: " إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين " الذي يعطيه السياق أن الاية وما بعدها ليست تتمة لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: " إنما أنا منذر " الخ والشاهد عليه قوله: " ربك " فهو من كلامه تعالى يشير إلى زمان اختصام الملا الاعلى والظرف متعلق بما تعلق به قوله: " إذ يختصمون " أو متعلق بمحذوف والتقدير " اذكر إذ قال ربك للملائكة " الخ فإن قوله تعالى للملائكة: " إني جاعل في الارض خليفة " وقوله لهم: " إني خالق بشرا من طين " متقارنان وقعا في ظرف واحد. وعلى هذا يؤل معنى قوله: " إذ قال ربك " الخ إلى نحو من قولنا: اذكر وقتئذ قال ربك كذا وكذا فهو وقت اختصامهم. وجعل بعضهم قوله: " إذ قال ربك " الخ مفسرا لقوله: " إذ يختصمون " ثم أخذ الاختصام بعد تفسيره بالتقاول مجموع قوله تعالى للملائكة " إني جاعل في الارض خليفة " وقولهم: " أتجعل " الخ، وقوله لادم وقول آدم لهم، وقوله تعالى لهم: إني خالق بشرا " وقول إبليس وقوله تعالى له. وقال على تقدير كون الاختصام بمعنى المخاصمة ودلالة قومه: " إذ يختصمون " على كون المخاصمة بين الملائكة أنفسهم لا بينهم وبين الله سبحانه إن إخباره تعالى لهم بقوله: " إني جاعل في الارض خليفة " " إني خالق بشرا " كان بتوسط ملك من الملائكة وكذا قوله لادم ولابليس فيكون قولهم لربهم: " أتجعل فيها من يفسد فيها " الخ وغيره قولا منهم للملك المتوسط ويقع الاختصام فيما بينهم أنفسهم.
________________________________________
[ 225 ]
وأنت خبير بأن شيئا مما ذكره لا يستفاد من سياق الايات. وقوله: " إني خالق بشرا من طين " البشر الانسان، قال الراغب: البشر ظاهر الجلد والادمة باطنه. كذا قال عامة الادباء، قال: وعبر عن الانسان بالبشر اعتبارا بظهور جلده من الشعر بخلاف الحيوانات التي عليها الصوف أو الوبر، واستوى في لفظ البشر الواحد والجمع وثني فقال تعالى: " أنؤمن لبشرين " وخص في القرآن كل موضع اعتبر من الانسان جثته وظاهره بلفظ البشر. انتهى. وقد عد في الاية مبدء خلق الانسان الطين، وفي سورة الروم التراب وفي سورة الحجر صلصال من حماء مسنون، وفي سورة الرحمان صلصال كالفخار ولا ضير فإنها أحوال مختلفة لمادته الاصلية التي منها خلق وقد أشير في كل موضع إلى واحدة منها. قوله تعالى: " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين " تسوية الانسان تعديل أعضائه بتركيب بعضها على بعض وتتميمها صورة إنسان تام، ونفخ الروح فيه جعله ذا نفس حية إنسانية وإضافة الروح إليه تعالى تشريفية وقوله: " فقعوا " أمر من الوقوع وهو متفرع على التسوية والنفخ. قوله تعالى: " فسجد الملائكة كلهم أجمعون " ظاهر الدلالة على سجود الملائكة له من غير استثناء. قوله تعالى: " إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين " أي استكبر إبليس فلم يسجد له وكان قبل ذلك من الكافرين كما حكى سبحانه عنه في سورة الحجر قوله: " لم أكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمإ مسنون " الحجر: 33. قوله تعالى: " قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي استكبرت أم كنت من العالين " نسبة خلقه إلى اليد للتشريف بالاختصاص كما قال: " ونفخت فيه من روحي " وتثنية اليد كناية عن الاهتمام التام بخلقه وصنعه فان الانسان إنما يستعمل اليدين فيما يهتم به من العمل فقوله: " خلقت بيدي " كقوله: " مما عملت أيدينا " يس: 71 وقيل: المراد باليد القدرة والتثنية لمجرد التأكيد كقوله: " فارجع البصر كرتين "


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page