• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

دعوة للتطوير الحضاري

في كل عام نستقبل الايام العشرة الاولى من شهر ذي الحجة الحرام ، هذه الايام التي تتميز عن سائر ايام السنة بميزات عبادية ايمانية يتقرب بها المؤمنون الى ربهم؛ نستقبلها وقلوب المؤمنين في كل ارجاء العالم تخفق ولها الى البيت الحرام ، والمشعر الحرام..

والمسلمون الذين سبق وان ادوا فريضة الحج ، او البعض ممن يهوون الذهاب للحج الا ان الموانع المختلفة اعاقتهم؛ كل هؤلاء يشعرون في هذه الايام انهم قد فقدوا شيئاً ما يجعلهم يحسون بالفراغ المؤلم ، لان من الجدير بالانسان في هذه الايام ان يكون الى جوار بيت الله مع الطائفين والمصلين والركع السجود .

ومع ذلك فان الذي يثلج صدور هؤلاء المؤمنين، ان اخوانهم المؤمنين الآخرين الذين يفدون الى بيت الله من كل سهل وواد؛ هؤلاء هم الذي يمثلونهم، لان سائر شخصيات المؤمنين تتماثل في قلوب حجيج بيت اللـه تبارك وتعالى. فهم الوفود ، وكل منهم يمثل اسرته ، وعشيرته ، وقريته ، وبلده..

ضرورة معرفة منافع الحج :

وللحج منافع جمة يستفيد منها الحجاج وغيرهم من الذين لم تتح لهم فرصة الحج. ومن المعلوم ان المنفعة لا يمكن الاستفادة منها دون معرفتها، فاذا لم نعرفها فان الفرصة ستفوتنا ، وخصوصاً هذه الفرص الكبرى التي هي ارصدة الله تعالى لنا ، والتي لابد ان نبدلها من حالة القوة والامكان والاحتمال الى حالة الفعل والواقعية والتحقق .

وقد اشار سبحانه وتعالى الى هذه المنافع في الآية الكريمة: « لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الاَنْعَامِ » (الحج/28).

وهذه المنافع مشتركة بين الحجاج وبين المسلمين الآخرين في كافة الاقطار ممن لم يوفقوا لاداء هذه الفريضة الالهية.

ومن المعلوم ان رصيد المسلمين من شعائر الدين كبير ، الا ان استفادتهم منها قليلة. وعلى سبيل المثال فان الصلاة - هذه الشعيرة الالهية المثلى التي هي افضل اعمال امة النبي محمد صلى الله عليه وآله - تحمل في طياتها امكانيات لاتعد ولا تحصى. فهي باستطاعتها ان تحمل البشرية الى حيث السعادة في الدنيا ، والفلاح في الآخرة . فهي معراج الانسان الى الله عز وجل، وقربان كل تقي يتقرب بها الى الباري .... ومع ذلك فان انتفاعنا من هذه الصلاة ضئيل. فما هي إلاّ عادة ورثناها من آبائنا السابقين ، ونحن بدورنا نوصلها الى الاجيال اللاحقة دون ان نستفيد من حكمها وفوائدها. وهكذا الحال بالنسبة الى سائر العبادات الاسلامية.

الحج قمة الشعائر الايمانية :

والحج يقع في قمة الشعائر الايمانية التي جعلها الله سبحانه خلاصاً للانسان من كل غل وقيد وشقاء وعذاب. وللاسف فان الأمة الاسلامية لم تعرف بعد كيفية التعامل بحكمة مع هذه الشعيرة الالهية التي توفر لنا المزيد من الفوائد والمنافع ، بل اننا ربما لا نحقق من فوائد الحج سوى واحد بالالف، اما الباقي فنحن غافلون عنه بسبب قلة وعينا ، وعدم معرفتنا بمداخل الحج ومخارجه ، وآداب التعامل مع هذه الفريضة التي اوجبها الله تعالى علينا .

وفي هذا المجال قال ربنا عز وجل لنبيه ابراهيم عليه السلام عندما بنى الكعبة ، وامره بدعوة الناس الى الحج : « وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ » (الحج/27) . فما كان من ابراهيم الخليل عليه السلام إلاّ ان صعد الجبل ونادى في الناس، وحثهم على الحج. علماً ان الحياة لم تكن موجودة في ارض مكة الجرداء ، ولكن الله حمل كلام نبيـه الخليل الى كل اذن واعيـة ، وها هي ذي السنون والعصور تمر و تتوالى ، ووفود الرحمان تتقاطـر الى بيت الله بكل لهفـة واشتيـاق ، يتجـاوزون كل الصعـاب ،

ويركبون الاخطار في سبيل ان يصلوا الى بيت الله الحرام .

تكريس حالة الخضوع للخالق :

ثم يقول تعالى : « ... يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ » (الحج/27).

فمن جملة آداب الحج استحباب المشئ ، وقد فضّل الله تعالى الحج مشياً على الركوب ، الامر الذي يدل على ان المشئ طريق التذلل والخضوع لله .

وفي هذا المجال يروى ان الامام السجاد عليه السلام كان يمشي الى الحج على قدميه الحافيتين متخطياً اشواك الصحاري ورمالها الحارقة، وصخور المرتفعات ووعورة الطريق.. وكان عليه السلام يضيف الى ذلك عملاً آخر باختياره القوافل التي تأتي من البلاد البعيدة والتي لا تعرفه، لكي يقوم بخدمتها . فيختار -مثلاً- قوافل أهل الكوفة ، وفي ذات مرة التقت قافلة اهل العراق مع قافلة اهل المدينة في الطريق، فتحلق أهل المدينة على الامام يستفيدون من علمه ومعارفه ، ويتبركون به ، ويسألونه الدعاء.. فتعجب أهل الكوفة وقالوا : من الرجل ؟ فقال أهل المدينة : انه الامام علي بن الحسين بن علي ابن ابي طالب . فقالوا : لقد كنا نتعامل معه كأحدنا ، بل كنا نأمره باعتباره غريبـاً مجهولاً وهو يطيع ذلك . ولما حدث ذلك أمر الامام اصحابه بنقل متاعه الى قافلة اخرى، فجاء أهـل الكوفة يسألونه البقاء معهم، فقال عليه السلام لهم : سأرحل

عنكم لانكم عرفتموني ، واني اكره ان اكون مع قافلة تعرفني .

ان هذه الرواية تدل بوضوح على ان الحج ينبغي ان يوجد حالة التذلل الى الله جل وعلا عند الانسان ليوصلها بسائر حياته . فالامام الصادق عليه السلام يقول في هذا الصدد : ما من بقعة أحب الى الله تعالى من المسعى لانه يذل فيها كل جبار ([31]).

وفلسفة الحج هذه تتجاوز الى سائر الاحكام الشرعية، لان حالة الخضوع والتذلل للخالق عز وجل إنما هي مطلوبة .

ومن حكم الحج والعلل التي بسببها فرضه الله سبحانه على المسلمين ذوبـان المجتمع الاسلامي في ذاته ليخلق واقعاً جديداً ؛ فمسلموا آسيا يلتقون مع مسلمي اوروبا ، والسود يلتقون مع البيض .. وهم جميعاً يتبادلـون الآراء حول اوضاعهم ، ويجددون عهدهـم مع الله تبـارك اسمـه للقيـام باوامره ، وترك نواهيه . والحجاج ينتفعون من كل هذه اللقـاءات فـي سبيل الهدف الأعلـى ، وهو الامتثال لله سبحانه ، وتنفيذ جميـع أوامـره .

مجالات منافع الحج :

ان هذا النموذج البشري الذي ينحدر على الديار المقدسة ، من شأنه ان ينفع المسلمين في عدة مجالات هي :

1- الاحساس بالشخصية والكيان .

فعلى الرغم من ان الانسان قد اوتي عقلاً وفكراً ، إلاّ أن الكثير من الناس نجد ان عقولهم وقلوبهم في عيونهم. فاذا تم تحشدهم لتأدية عمل ما، فانهم لايحسون بانفسهم ولكن تصور وجود امة مسلمة سوف يتحول في الحج الى واقع عيني ماثل امامهم .

2- ايجاد تموج فكري .

والتموج البشري في الحج سوف يحدث في الامة تموجاً فكرياً ، وهذا ما تؤكد عليه الاحاديث الشريفة التي تقول: اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله و اعلم الناس من جمع علوم الناس الى علمه و من شاور الرجال شاركها في عقولها ([32]).. فكيف اذا داور الحجاج نقاشاتهم وبحوثهم في هذا المؤتمر العظيم حول قضايا الامة ، وخصوصاً ان اكثر القيادات الاسلامية تهوي الى الحج بغية ارشاد الناس ، وتوجيههم لما فيه حسن العاقبة ؟ وبالاضافة الى ذلك فان هذا الملتقى البشري سوف يسهم في ايجاد رابطة فكرية قوية تقدم للامة حلولاً ناجعة و مثمرة لكل مشاكلهم التي يعانون منها .

3- بناء الكيان الروحي .

فالتموج الانساني المحتشد في الحج يفرز روحاً هائلــة يهديهـا الى كل

حاج استطاع الاستفادة من احكام الحج. فالانسان المسلم حينما يجد سائر المسلمين منهمكين في العبادة، فانه يندفع ذاتياً الى التبتل. فعلى سبيل المثال عندما تقام الصلاة جماعة فانما تكون أشد أثراً ، وابلغ وانفذ في النفس من جميع النواحي .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page