• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع

الصنع والإيجاد أولاً يجعل أجزاءً ابتدائية لها آثار وخواصّ ، ثمّ يُركّبها ويؤلّف بينها على ما فيها من جهات البينونة ، فيستفيد منها فوائد جديدة ، مضافة إلى ما للأجزاء من الفوائد المشهودة ، فالإنسان ـ مثلاً ـ له أجزاء وأبعاض وأعضاء وقوى ، لها فوائد متفرّقة مادّية وروحية ، ربّما ائتلفت فقويت وعظمت كثقل كل واحد من الأجزاء ، وثقل المجموع والتمكّن والانصراف من جهة إلى جهة وغير ذلك ، وربّما لم تأتلف وبقيت على حال التباين والتفرّق ، كالسمع والبصر والذوق والإرادة والحركة ، إلاّ أنّها جميعاً من جهة الوحدة في التركيب تحت سيطرة الواحد الحادث الذي هو الإنسان ، وعند ذلك يوجد من الفوائد ما لا يوجد عند كل واحد من أجزائه ، وهي فوائد جمّة من قبيل الفعل والانفعال والفوائد الروحية والمادية ، كالنطفة ـ مثلاً ـ إذا استكملت نشأتها ، قدرت على إفراز شيء من المادة من نفسها وتربيتها إنساناً تامّاً آخر ، يفعل نظائر ما كان يفعله أصله ومحتده من الأفعال المادّية والروحية ، فأفراد الإنسان على كثرتها إنسان وهي واحد ، وأفعالها كثيرة عدداً واحدة نوعاً ، وهي تجتمع وتأتلف بمنزلة الماء يقسم إلى آنية ، فهي مياه كثيرة ذو نوع واحد ، وهي ذات خواصّ كثيرة نوعها واحد ، وكلّما جُمعت المياه في مكان واحد قويت الخاصة وعظم الأثر .
وقد اعتبر الإسلام في تربية أفراد هذا النوع وهدايتها إلى سعادتها الحقيقية ، هذا المعنى الحقيقي فيها ولا مناصّ من اعتباره .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى ... ) (1) .
وقال أيضا : ( ... بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ... ) (2) .
وهذه الرابطة الحقيقية بين الشخص والمجتمع ـ لا محالة ـ تؤدّي إلى كينونة أُخرى في المجتمع ، حسب ما يمدُّه الأشخاص من وجودهم وقواهم ، وخواصّهم وآثارهم ، فيتكوّن في المجتمع سنخ ما للفرد من الوجود ، وخواصّ الوجود وهو ظاهر مشهود ؛ ولذلك اعتبر القرآن للأمّة وجوداً وأجلاً ،  وكتاباً وشعوراً ،وفهماً وعملاً ، وطاعة ومعصية ، فقال تعالى :   ( ... وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ )  (3) .
وقال أيضاً : ( ... كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا ... ) (4) .
وقال : ( ... زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ... ) (5) ( ... يَتْلُونَ آيَاتِ اللّهِ ... ) (6) .
وقال : ( ... وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ ) (7) .
وقال أيضاً : ( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولٌ فَإِذَا جَاء رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ ... ) (8) .
ومن هنا ؛ ما نرى أنّ القرآن يعتني بتواريخ الأُمم كاعتنائه بقصص الأشخاص ، بل أكثر حينما لم يتداول في التواريخ إلاّ ضبط أحوال المشاهير من الملوك والعظماء ، ولم يشتغل المؤرّخون بتواريخ الأُمم والمجتمعات إلاّ بعد نزول القرآن ، فاشتغل بها بعض الاشتغال آحاد منهم ، كالمسعودي وابن خلدون ، حتى ظهر التحوّل الأخير في التأريخ النقلي بتبديل الأشخاص أُمماً ، وأول مَن سنّه ـ على ما يُقال : ـ أوغست كُمت الفرنسي ، المتوفّى سنة 857 ميلادية .
وبالجملة ؛ لازم ذلك ـ على ما مرّت الإشارة إليه ـ تكون قوى وخواصّ اجتماعية قويّة تقهر القوى والخواصّ الفردية عند التعارض والتضادّ .
على أنّ الحسّ والتجربة يشهدان بذلك في القوى والخواص الفاعلة والمنفعلة معاً ، فمهمّة الجماعة وإرادتها في أمر ـ كما في موارد الغوغاءات وفي الهجمات الاجتماعية ـ لا تقوم لها إرادة معارضة ، ولا مضادّة من واحد من أشخاصها وأجزائها ، فلا مفرّ للجزء من أن يَتْبع كلَّه ويجري على ما يجري العامة ، كما في موارد الانهزام وانسلاب الأمن والزلزلة والقحط والوباء أو ما هو دونها ، كالرسومات المتعارفة والأزياء القومية ونحوهما تضطرُّ الفرد على الاتّباع ، وتسلب عنه قوّة الإدراك والفكر .
وهذا هو الملاك في اهتمام الإسلام بشأن الاجتماع ، ذلك الاهتمام الذي لا نجد ولن نجد ما يُماثله في واحد من الأديان الأُخر ، ولا في سُنن الملل المتمدّنة ( ولعلّك لا تكاد تُصدِّق ذلك ) ، فإنّ تربية الأخلاق والغرائز في الفرد ـ وهو الأصل في وجود المجتمع ـ لا تكاد تنجح مع كينونة الأخلاق والغرائز المعارضة والمضادّة القوية القاهرة في المجتمع إلاّ يسيراً ، لا قدر له عن القياس والتقدير .
فوضع أهمّ أحكامه وشرائعه ، كالحج والصلاة ، والجهاد والإنفاق ، وبالجملة التقوى الديني على أساس الاجتماع ، وحافظ على ذلك ، مضافاً إلى قوى الحكومة الإسلامية الحافظة لشعائر الدين العامة وحدودها ، ومضافاً إلى فريضة الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، العامة لجميع الأمّة بجعل غرض المجتمع الإسلامي ـ وكل مجتمع لا يستغني عن غرض مشترك ـ هي السعادة الحقيقية ، والقُرب والمنزلة عند الله ، وهذا رقيب باطني لا يخفى عليه ما في سريرة الإنسان وسرِّه ـ فضلاً عمّا في ظاهره ـ وإن خفي على طائفة الدعاة وجماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وهذا هو الذي ذكرنا أنّ الإسلام تفوّق سنّة اهتمامه بشأن الاجتماع سائر السُنن والطرائق .
____________
(1) سورة الحجرات ، الآية : 13 .
(2) سورة آل عمران ، الآية : 195 .
(3) سورة الأعراف ، الآية : 34 .
(4) سورة الجاثية ، الآية : 28 .
(5) سورة الأنعام ، الآية : 108 .
(6) سورة آل عمران ، الآية : 113 .
(7) سورة غافر ، الآية : 5 .
(8) سورة يونس ، الآية : 47 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page