بسم الله الرحمن الرحيم
ومنه أستمد وبه أستعين ، بعد حمد الله وسلام على عباده الذين اصطفى ...
يكتب سطور هذه الطروس محمد الحسين آل كاشف الغطاء في النَّجف الأشرف ، أوليات جمادي الاولى سنة الخمسين بعد الألف والثلاثمائة هجرية .
والسبب الباعث على كتابتها :
إنَّه منذ سنتين كتب إليَّ شاب عراقي من البعثة العلمية التىِ أرسلتها الحكومة العراقية للتحصيل في ( دار العلوم العليا ) بمصر كتاباً مطوّلاً ، ومما يذكر فيه ما خلاصته :
إنَه كان يختلف إلى كبار علماء القاهرة في الأزهر وغيره ، وربما جرى الحديث بينهم ـ والحديث شجون ـ على ذكر ( النَجف ) وعلمائها ، وطريقة التحصيل فيها ، والهجرة إليها ، وكانوا يكيلون لهم الكيل الوافي من الثناء والإعجاب بسموِّ مداركهم ، وعلوّ معارفهم ، ولكن يردفون ذلك بقولهم : ولكن يا للأسف أنَهم شيعة ! !
يقول ذلك الشاب : فكنتُ أستغرب ذلك وأقول لهم : وما الشِّيعة ؟ وهل هي إلاّ مذهب من مذاهب الاسلام ، وطائفة من طوائف المسلمين ؟
فيقول قائلهم في الجواب ما حاصله : كلا ليست الشِّيعة من المسلمين ! ولا التشيُّع من مذاهب الاسلام ! بل ولا يحق أنْ يكون أو يُعدَّ مذهباً أو ديناً ! وإنَّما هي طريقة ابتدعها الفرس ! وقضية سياسية لقلب الدولة الأموية إلى العبّاسية ! ولا مساس لها بالأديان الإلهية أصلاً ! !
ثم يكتب ذلك الشّاب تلو هذا : وأنا ـ يا سيِّدي ـ شاب مترعرع ، لا علم لي بمبادئ الأديان ، وتشعُّب المذاهب وفلسفة نشأها وارتقائها ، وكيف انتشرت ، ومن أين ظهرت ، وقد دخلني من اُولئك الفخام الجسام ـ الصدودين من الأعلام ـ شك من أمر تلك الطائفة ، وصرت على شفا ريبة من إسلامهم ، فضلاً عن سلامتهم .
ثم أخذ يتوسَّل إليَّ بالوسائل المحرجة أنْ أكشف له عن صميم الحقيقة ، ولباب الواقع ، كي يستريح من حرارة الشك إلى برد اليقين وروح الطمأنينة . يقول : وإذا لم تنقذني من تلك المتاهة فالمسؤولية عليك إنْ زللتُ أو ضللتُ.
فكتبتُ إليه ما اتسع له ظرف المراسلة ، واحتمله كاهل البريد ، وما يلائم عقلية ذلك الشاب ، وما رجوتُ أنْ يزيح عن فؤاده كابوس الشك والإرتياب ، ولكنِّي حملت على شواعري من الاستغراب أضعاف ما كان يحمل هو من الإرتياب ، وطفقتْ تتعارض على خواطري أسرابُ الشكوك من صحة تلك الواقعة ، وإنَه كيف يمكن أن يبلغ الجهل والعناد بعلماء بلاد هي في طليعة المدن العلمية الاسلامية ، ومطمح أنظار العرب ، بل كافة المسلمين في تمحيص الحقائق ، وتمزيق جلابيب الأكاذيب ، المنبعثة ـ على الأكثر ـ عن الأغراض والأهواء ، أو الاسترسال إلى مفتريات السَّفلة والجهالة ؟ !
مدخل الطبعة الاولى
- الزيارات: 1795