• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الأمر الثالث : اعتقاد البخاري بخلق القرآن

أنه كان قائلاً بخلق اللفظ بالقرآن وهو ضلال وبدعة عند أكثر العامة ، وكان قائلاً بأن الإيمان مخلوق ، وحال القائل به أيضاً كسابقه بل أفظع ، ولذلك أخرجوه من بخارا ، وخرج من نيسابور وتركه أبو زرعة وأبو حاتم ، وشنعا عليه (1) ، ونهى محمد بن يحيى الذهلي عن الحضور عنده ، وقال : من يحضر عنده فلا يجالسنا ولا يحضر مجلسنا ، فتركه المحدّثون وانقطع عنه المختلفون اليه ، فلمّا بلغه التشنيع الذهلي عليه قال : حمله على ذلك الحسد على ما رزقني الله من العلم ، ومع ذلك روى عن الذهلي في صحيحه ولكن باخفاء وتدليس في اسمه وسيتضح ذلك كلّه.
فإن قلت : ألستم ، يقولون : أن الرجل إذا كان فاسد العقيدة لكن كان صحيح النقل مثبتاً في خبره بحيث لا يحدّث إلاّ عن ثقة يجوز الاحتجاج بخبره ويصح الاعتماد على روايته ؟
وذكرتم أن جماعة من أرباب الأصول الأربعمائة وغيرها ينتحلون المذاهب الفاسدة لكن اعتمدنا على روايتهم لأنّهم رووها في حال استقامتهم ، أو لأنّهم كانوا ثقات في النقل.
واستندتم إلى ما روى في حقّ كتب بني فضّال حيث أنه سئل العسكري عليه السلام عن كتبهم ؟ فقال ( عليه السَّلام ) : خذوا ما رووا وذروا ما رأوا.
فإذن ذهب ما توحشته في اثبات كون البخاري مبدعاً هدراً ، فإنه صحيح النقل وان كان فاسد العقيدة ، على أن ما حكى من القول السابق مما وافق فيه الإمامية ، فلم تنقمونه عليه وتحكمون بفساد اعتقاده ؟
فإذن ما أديتم في اثبات مدّعاكم إلى ركن شديد ، حيث لم يثبت به فساد في عقيدته ولا خلل في روايته.
قلت : لسنا نحن الآن بصدد اثبات اختلال أخباره وضعف أحاديثه ايطالاً للأمر على ما سيأتي بل بصدد اثبات فساده في نفسه واختلال عقيدته ولو على مقتضى مذهبهم حيث أن الغرض الزام العامة.
ولا شبهة في أن اثبات اختلاله على أصولهم وقواعدهم أدخل في هذا المرام مضافاً إلى فوائد أُخر ستعرفها في طي التفصيل.
منها : ثبوت حسد بعض كبرائهم على بعض وتضليل بعضهم بعضاً وتكفيره ، قبالاً لما أورده الناصب الشقي نصر الله الكابلي في الصواقع : حيث أنه من الوجوه العقلية على فساد مذهب الإمامية وعدم جواز الإعتماد على أخبارهم ، ان بعض قدمائهم وكبرائهم كهشام بن الحكم ضلّل بعض أجلائهم كهشام بن سالم ومؤمن الطاق على ما نسبه إلى النجاشي فلا يثبت بخبرهم حكم.
ونحن الآن نسرد عليك بعض ما ذكروه ممّا يتعلق بهذه الواقعة ، قال العلامة المحدّث ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري شرح صحيح البخاري ، ما هذا لفظه قال : حاتم بن أحمد بن محمود : سمعت مسلم بن الحجاج يقول : لما قدم محمد بن اسماعيل نيسابور ما رأيت عالماً ولا والياً فعل به أهل نيسابور ما فعلوا به فاستقبلوه من مرحلتين من البلد أو ثلاث فقال محمد بن يحيى الذهلي في مجلسه : من أراد أن يستقبل محمد بن اسماعيل غداً فليستقبله فإنّي استقبله ، فاستقبله محمد بن يحيى وعامة علماء نيسابور فدخل البلد فقال : محمد بن يحيى لا تسألوه عن شيء من الكلام ، فإن أجاب بخلاف ما نحن عليه وقع بيننا وبينه وشمتت بنا كلّ اباحتي وجهمي ومرجئي بخراسان.
فازدحم الناس على محمد بن اسماعيل حتى امتلأت الدار والسطوح فلمّا كان اليوم الثاني أو الثالث من قدومه قام رجل فسأله عن اللفظ بالقرآن ؟ فقال : لفظي بالقرآن مخلوق ؛ وقال بعضهم : لم يقل ، فوقع بينهم في ذلك اختلاف حتى قام بعضهم إلى بعض فاجتمع أهل الدار فاخرجوهم.
وقال ابن حجر أيضاً : قال الحاكم أبو عبدالله في تاريخه : قدم البخاري بنيسابور سنة خمسين ومائتين ، فأقام بها مدّة يحدّث على الدوام ، قال سمعت محمد بن حازم البزار يقول : سمعت الحسن بن محمد بن جابر يقول : سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : اذهبوا إلى هذا الرجل الصالح العالم فاسمعوا منه ، قال : فذهب الناس اليه واقبلوا على السماع منه حتى ظهر الخلل في مجلس محمد بن يحيى ، قال : فتكلّم فيه ، وقال أيضاً :
وقال أبو أحمد بن عدي ذكر لي جماعة من المشايخ أن محمد بن اسماعيل لما ورد نيسابور واجتمع الناس عنده حسده بعض شيوخ الوقت ، فقال : يا أبا عبدالله ما تقول في اللفظ بالقرآن ، مخلوق هو أو غير مخلوق ؟ فأعرض عنه البخاري ولم يجبه ثلاثاً ، فألحّ عليه ، فقال البخارى : القرآن كلام الله غير مخلوق وأفعال العباد مخلوقة والإمتحان بدعة ، فشغب الرجل وقال : قد قال : لفظي بالقرآن مخلوق (2).
وقال أيضاً الحاكم : لما وقع بين البخاري وبين محمد بن محمد بن يحيى في مسألة اللفظ انقطع الناس عن البخاري إلاّ مسلم بن الحجاج ، وأحمد بن سلمة ، فقال الذهلي : ألا من قال باللفظ فلا يحضر مجلسنا.
وقال أيضاً : قال الحاكم أبو عبدالله : سمعت محمد بن صالح بن هاني يقول : سمعت أحمد بن سلمة النيسابوري يقول : دخلت على البخاري فقلت : يا أبا عبدالله أن هذا الرجل مقبول بخراسان خصوصاً في هذه المدينة وقد لَجَّ في هذا الأمر حتى لا يقدر أحد منّا ان يكلّمه فيه فماترى ؟ قال : فقبض على لحيته ثم قال : ( وأفوض أمري إلى الله إن الله بصير بالعباد ) (3) اللهم إنّك تعلم اني لم أرد المقام بنيسابور [ اشراء ولابطراً ، ولاطلباً ] (4) للرياسة وإنّما أبت نفسي إلى الرجوع إلى الوطن لغلبة المخالفين ، وقد قصدني هذا الرجل حسداً لما أتاني الله لا غير ، ثم قال لي : يا أحمد اني خارج غداً لتختلصوا من حديثه لأجلي (5).
وقال الحاكم أيضاً عن الحافظ أبي عبدالله بن الأخرم قال : لما قام مسلم بن الحجاج وأحمد بن سلمة في مجلس محمد بن يحيى بسبب البخاري قال الذهلي : لا يساكنني هذا الرجل في البلد ، فخشي البخاري وسافر (6).
وقال أيضاً : قال أبو حامد الشرقي (7) سمعت محمد بن يحيى الذهلي يقول : القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ومن زعم لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلّم ، ومن ذهب بعد هذا إلى محمد بن اسماعيل فاتّهموه ، فإنه لا يحضر مجلسه إلاّ من كان على مذهب (8).
وقال تاج الدين عبدالوهاب السبكي في طبقات الشافعية في ترجمة البخاري : وقال أبو حامد الشرقي (9) رأيت البخاري في جنازة سعيد بن مروان والذهلي يسأله عن الأسماء والكنى والعلل ويمرّ فيه البخاري مثل السهم فما أتى على هذا شهر حتى قال الذهلي : ألا من يختلف إلى مجلسه فلا يأتنا ، فإنهم كتبوا إلينا من بغداد أنه يتكلم في اللفظ ، ونهيناه فلم ينته فلا تقربوه.
قلت : وكان البخاري على ما روى وسنحكي ما فيه ممن قال لفظي بالقرآن مخلوق ، وقال محمد بن يحيى الذهلي من زعم أن لفظي بالقرآن مخلوق فهو مبتدع لا يجالس ولا يكلّم ، ومن زعم أن القرآن مخلوق فقد كفر !
ثم اعلم أن علماء السنة فتحوا لتخليص البخاري من البدعة والضلالة أبواباً من صنوف الإحتيال ووقفوه بغرائب الهفوات وتكلموا بعجائب الخرافات ؛ منهم : علامتهم السبكي في الطبقات ، وحاصل جميع ما ذكره في دفع هذا الطعن وجوه ثلاثة :
الأول : أن الذهلي والبخاري كانا في هذه المسألة على رأي واحد وعقيدة متحدة اذ كيف يظن بالذهلي اعتقاد ان اللفظ الخارج من بين شفته المحدثين قديم ، وهو قول لا يشهد له معقول ولا منقول ، ومن زعمه فقد باء باثم عظيم.
وإنّما أراد الذهلي النهي عن الخوض في مسائل الكلام والافصاح بهذا القول خشية أن يجرّ الكلام إلى ما لا ينبغي كما أن نهي الإمام أحمد بن حنبل أيضاً عن القول بأن اللفظ بالقرآن مخلوق منزّل على ما ذكر.
وكلام البخاري عندنا محمول على ذكر ذلك عند الإحتياج فالكلام عند الإحتياج واجب والسكوت عنه عند عدم الاحتياج سنة ، وكيف يظن بالبخاري أنه يذهب إلى شيء من أقوال المعتزلة فضلاً عن الجهمية ؟
وقد صح عنه أنه قال : إنّي لاستجهل من لايكفر الجهمية ، ومع ذلك فقد حكم الذهبي برجوع كلام البخاري إلى قول الجهمية وهم شرٌ من المعتزلة.
الثاني : أن الذهلي حمله الحسد على الوقيعة في البخاري ! قال : ولا يرتاب المنصف في أن الذهلي لحقه الحسد التي لم يسلم منها إلاّ أهل العصمة وقد سأل بعضهم البخاري عما وقع بينه وبين الذهلي فقال البخاري : كم يعتري محمد بن يحيى الحسد في العلم ، والعلم رزق الله يعطيه من يشاء.
الثالث : أن البخاري ما افصح بهذا القول فإنه قد ثبت أنه لما قال له أبو عمرو الخفاف أن الناس قد خاضوا في قولك : « لفظي بالقرآن مخلوق » قال : يا أبا عمرو احفظ ما أقول لك ، من زعم من أهل نيسابور وقومس والري وهمدان وبغداد والكوفة والبصرة ومكة والمدينة أني قلت لفظي بالقران مخلوق فهو كذاب ، فإني لم أقله إلاّ أني قلت : أفعال العباد مخلوقة ، قال يعني اني ما قلت ذلك الكلام لأنه خوض في صفات الله ولاينبغي الاّ للضرورة ولكني قلت : أفعال العباد مخلوقة وهو قاعدة مغنية عن التخصيص في هذه المسألة بالذكر ، فان كل عاقل يعلم أن لفظنا من جملة أفعالنا وأفعالنا مخلوقة ، ولقد أفصح بهذا المعنى في رواية أخرى صحيحة عنه ، رواها حاتم بن أحمد الكيدري ، فقال : سمعت مسلم بن الحجاج إلى آخر ما تقدم في كلام ابن حجر (10).
أقول : وفساد هذه الوجوه مما لا يخفى على ذي مسكة.
أما الأول : قلنا : فانه تصريح ما حكى عن الذهلي أنه قال : من ذهب إلى محمد بن اسماعيل فاتهموه ، فانه لا يحضر مجلسه الاّ من كان على مذهبه ، وهل يمكن صرف هذا الكلام إلى ما هجر به السبكي ؟
مضافاً إلى ما هو صريح سائر الكلمات المتقدمة المنقولة عن الذهلي من تضليل البخاري والحكم بانه مبتدع والنهي عن الحضور عنده وغير ذلك ، وكذا ما تقدم منه سابقاً من استناده إلى ما كتبوا اليه من بغداد.
وأما الثاني : ففيه أولاً : أنه ينافي ظاهر ما حكى عن الذهلي من ترويجه للبخاري وأمر الناس باستقباله عند قدومه ، ثم أمرهم بالسماع منه ووصفه بالرجل الصالح ، ونهيه الناس عن السؤال منه في الكلام ، لئلا يقع بينه وبين معاشرته معه باحسن ما يكون ، حتى ظهر من البخاري ما ظهر.
وكتبوا إلى الذهلي من بغداد ما كتبوا ; ولو كان الذهلي حسوداً لما وقع منه بعض هذا الامور ! بل كان يأمر بالسؤال عنه في الكلام حتى لا يقبل أحد اليه مع أنه نهى عن ذلك ، وقال : لا تسألوا عنه في الكلام كما تقدم ، مضافاً إلى ما ذكروا في حق الذهلي من المحامد العظيمة والمناقب الفخيمة ، وأنه من أجلة شيوخ البخاري وأبي داود والترمذي وابن ماجة والنسائي أصحاب الصحاح كما في تراجم الحفاظ.
وقال الصفدي في الوافي بالوفيات : محمد بن يحيى بن عبدالله بن خالد بن فارس الإمام الذهلي مولاهم النيسابوري الحافظ ، سمع من خلق كثير روى عنه الجماعة خلا مسلم.
قال : ارتحلت ثلاث رحلات وانفقت مائة وخمسين ألفاً.
قال النسائي : ثقة مأمون ، قال أبو عمرو الخفاف : رأيت محمد بن يحيى في المنام فقلت ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي ، قلت : ما فعل بحديثك ؟ قال : كتب بماء الذهب ورفع في عليين.
وقال الذهبي في الكاشف : محمد بن يحيى بن عبدالله بن خالدبن فارس الذهلي أبو عبدالله النيسابوري الحافظ ، عن ابن مهدي وعبد الرزاق وأحمد واسحاق وعنه ( خ ) أي البخاري ، والأربعة ، وابن خزيمة ، وأبو عوانه ، وأبو علي الميداني.
ولايكاد البخاري يفصح باسمه لما وقع بينهما ! قال ابن أبي داود : حدّثنا محمد بن يحيى وكان أمير المؤمنين في الحديث.
وقال أبو حاتم : هو امام أهل زمانه توفي 258 هـ وله ستّ وثمانون.
وفي حاشية الكاشف روى عنه ( خ ) البخاري في صحيحه ، فتارة يقول : حدّثنا محمد فلا ينسبه ، وتارة يقول : حدّثنا محمد بن عبدالله فينسبه إلى جده ، وتارة يقول : حدّثنا محمد بن خالد فينسبه الى جدّ أبيه ولم يقل في موضع منها حدّثنا محمد بن يحيى ، ثم قال : قال ابن أبي حاتم : ثقة صدوق امام (11).
وقال النسائي : ثقة مأمون إلى غير ذلك مما ذكروه في حقه من جلائل الأوصاف.
وثانياً : ان هذه المعاندة ، والمباغضة ، واللّداد ، والحسد ، سيما على العلم والحديث الذي هو من رزق الله تعالى يعطيه من يشاء على ما نصّ عليه البخاري ، مما يوجب الفسق والفجور ، والضلال سيما بملاحظة منشأه ، وهو حب الرياسة ، والشهرة ، والتفرد بالأمر الذي نسبوه إلى الذّهلي.
ومع ذلك كيف روى عنه البخاري في صحيحه واحتجّ بحديثه مع شهادته عليه بما سمعت !؟ وقد بلغ من احتياطه ! أنه والعياذ بالله ، لم يحتج بخبر الأمام الصادق صلوات الله عليه ، كما سمعت لما بلغه عن يحيى بن سعيد.
ثم انه دلّس في كتابه بأن لم يفصح باسم الذهلي (12) مع أنه معتمداً ، ثقة ، في الحديث عند البخاري ، فلا وجه لاخفاء اسمه إلاّ الحسد والبغض ، كما ذكر الذهبي أن منشاءه ما كان بينهما ، وان لم يكن ثقة فاخفاء اسمه تدليس وخيانة صريحة ، حتى يظن أنه غير الذهلي وأنه رجل موثوق به مسكون إلى قوله (13).
وثالثاً : بعد تسليم أن ما وقع من الذهلي وقع حسداً وبغضاً للبخاري ، وكذا ما وقع من البخاري نقول : يثبت بذلك سقوط أخبارهما جميعاً عن درجة الإعتبار بناءً على ما ذكره الكابلي في الصواقع حيث قال في بيان الأدلة العقلية على بطلان مذهب الإمامية.
ورابعاً : أن قدماءهم وقدوتهم ورواة الأخبار من الأئمة من الثقات الذين أخذوا عنهم الأصول والفروع يكذب بعضهم بعضاً كهشام بن الحكم وهشام بن سالم الجواليقي وصاحب الطاق فان كلاً منهم ادعى الرواية عن علي بن الحسين وابنه محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق وأخذ المذهب عنهم وضلّل بعضهم بعضاً.
وقد صنّف هشام بن الحكم كتاباً في الرد على الجواليقي وصاحب الطاق كما ذكره النجاشي ، فلا يثبت بخبرهم حكم انتهى.
مع أنه من المعلوم أن مجرد ردّ أحد لا يوجب قدحاً ولا جرحاً في من ردّ عليه ولا في الرادّ.
فكيف بالتضليل والحكم الإبتداع والتكذيب ؟
فنقول : ان قدماء العامة وقدوتهم ومن أخذوا عنهم الأحاديث والأصول والفروع يضلّل بعضهم بعضاً ويحكم بأنه مبتدع يحرم مجالسته والتكلم معه والحضور عنده كما صدر من الذهلي بالنسبة البخاري كما عرفت ومن أبي زرعة وأبي حاتم الرازيين أيضاً بالنسبة إليه كما ستعرف فلا يثبت بخبرهم حكم.
وأما الثالث : ففيه ما لايخفى بعد ما حكي من البخاري من الإهتمام في اثبات خلق اللفظ بالقرآن والإستدلال عليه بالشكل الأول من الأشكال المنطقية ، لاسيما وقد اعترف السبكي بأنه أفصح بذلك ، يعني بكلتا المقدمتين في رواية صحيحة عنه.
وحكى هو أيضاً كغيره عن البخاري أنه استدل على المقدمة الاولى أعني قوله : أفعال العباد مخلوقة ، وبما رواه عن حذيفة قال : قال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ان الله يصنع كلّ صانع وصنعته.
والمقدمة الأخرى أعني قوله : ألفاظنا من جملة أفعالنا بديهية باعتراف السبكي.
والذي نقلنا عنه من قوله : بخلق القران والايمان ، فهو أيضاً ثابت عنه بلا مرية ، وذهب كثير من سلف العامة إلى كفر من قال بهذا القول ، وممن نصّ على كفره زين الدين عبدالرحيم صاحب الفصول العمادية ، سبط صاحب الهداية ، والشيخ أبو بكر بن حامد ، والشيخ أبو حفص الزاهد ، والشيخ أبوبكر الاسماعيلي ، ولنقل عبارة صاحب الفصول العمادية وهي هذه : من قال بخلق القرآن فهو كافر ، وكذا من قال بخلق الإيمان فهو كافر ، وروى عن بعض السلف أنه روى عن أبي حنيفة رحمه الله أن الإيمان غير مخلوق ، وسئل الشيخ الامام أبوبكر محمد بن الفضل رحمه الله عن الصلاة خلف من يقول بخلق الايمان ؟ قال : لا تصلّوا خلفه.
وذكر أبو سهل بن عبدالله وهو أبو سهل الكبير عن كثير من السلف رحمهم الله ان من قال : القرآن مخلوق فهو كافر ، ومن قال : الإيمان مخلوق فهو كافر ، وحكي أنه وقعت هذه المسألة بفرغانة فأتي بمحضر منها إلى ائمة بخارى ، فكتب فيه الشيخ الامام أبوبكر بن حامد والشيخ الامام أبو حفص الزاهد والشيخ الامام أبو بكر الاسماعيلي رحمهم الله أن الايمان غير مخلوق ، ومن قال بخلقه فهو كافر.
وقد خرج كثير من الناس من بخارى منهم محمد بن اسماعيل صاحب الجامع بسبب قولهم الايمان مخلوق ، انتهى.
وهذا الرجل يعني صاحب الفصول من أعيان العامة وترجمته موجودة في كتاب « كتائب الاعلام الأخيار » من مذهب النعمان المختار (14).
وأما ما حكينا عنه من كونه متروكاً عند الرازيين فلأنّ الذهبي وهو الامام الحافظ المتقن المقدم في علم الرجال والحديث ذكر البخاري في كتاب الضعفاء والمتروكين ، وقال ما سلم من الكلام لأجل مسألة اللفظ ، تركه لأجلها الرازيان (15).
ويظهر من الذهبي أيضاً في الميزان أن الرازيين تركا البخاري كما أن مسلماً ترك علي بن المديني شيخ البخاري ، قال ما لفظه : علي بن عبدالله بن جعفر أبوالحسن الحافظ أحد الاعلام الأثبات وحافظ العصر ، ذكره العُقيلي في كتاب الضعفاء ، فبئس ما صنع ، فقال : جنح إلى ابن أبي داود والجهمية وحديثه مستقيم ان شاء اللّه.
قال لي عبد الله بن أحمد : كان أبي حدّثنا عنه ، ثم امسك عن اسمه ، وكان يقول : حدّثنا رجل ، ثم ترك حديثه بعد ذلك.
قلت : بل حديثه عنه في مسنده ، وقد تركه ابراهيم الحربي ، وذلك لميله إلى أحمد بن أبي داود ؛ فقد كان محسناً اليه ، وكذا امتنع مسلم من الرواية عنه في صحيحه لهذا المعنى ، كما امتنع أبو زرعة وأبو حاتم من الرواية عن تلميذه محمد (16) لأجل مسألة اللفظ ، وقال عبد الرحمن بن أبي حاتم : كان أبو زرعة ترك الرواية عن علي من أجل ما كان منه في المحنة انتهى (17). وجلالة الرازيين مما لا يخفى على ناظر كتب القوم ، م ، ت ، س ، ق ، فلنذكر شطراً منها :
أما أبو زرعة : (18) فهو شيخ النسائي ، ومسلم ، والترمذي ، وابن ماجة ، قال الذهبي في الكاشف : عبيدالله بن عبدالكريم أبو زرعة الرازي الحافظ أحد الأعلام ، روى عن أبي نعيم والفضل ، وقبيصة ، وطبقتهم في الآفاق ، وعنه م ، ت ، س ، ق ، وأبوزرعة ، ومحمد بن الحسين القطان ، وأمم (19).
قال ابن راهويه : كل حديث لا يعرفه أبو زرعة فليس له أصل (20) ، مناقبه تطول.
وفي حاشية الكاشف : أنه أحد الأئمة المشهورين والأعلام المذكورين ، الجوّالين ، المكثرين ، والحافظين ، والمتقنين.
روى عنه أبو زرعة الدمشقي الرازي وعبدالله بن أحمد بن حنبل ، وعمرو بن علي الفلاس ، وهو من شيوخه وابن أخيه أبوالقاسم عبد الله بن محمد بن عبد الكريم الرازي ، وأبو حاتم محمد بن ادريس الرازي ، وهو من اقرانه.
قال النسائي : ثقة ، وقال أبو حاتم : امام (21).
وقال أبومصعب : رأيت مالكاً وغيره ، فما رأت عيناي مثله ، وقال فضلك الصائغ : دخلت على الربيع بمصر فقال لي من اين أنت ؟ قلت : من الري من بعض شاكردي أبي زرعة ، فقال : تركت أبا زرعة وجئتني ، ان أبا زرعة آية وليس له ثان (22).
وقال عبدالواحد بن غياث ما رأى أبا زرعة مثل نفسه أحداً (23).
وقال أبو زرعة : أنا أحفظ عشرة آلاف حديث في القراءات ، وقال أيضاً : كتبت عن ابراهيم بن موسى الرازي مائة ألف حديث ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة مائة ألف حديث (24).
وقال محمد بن جعفر بن حمكويه : سئل أبو زرعة الرازي ، عن رجل حلف بالطلاق ان أبا زرعة يحفظ مائتي ألف حديث هل حنث ؟ قال : لا. وقال :
أحفظ مائة ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد ، وفي المذاكرة : ثلاث مائة ألف حديث (25).
وقال أبو بكر محمد بن عمر الرازي الحافظ : لم يكن في هذه الأمة أحفظ من أبي زرعة ، كان يحفظ مائة وأربعين ألفاً في القراءات والتفسير وحفظ كتب الامام أبي حنيفة في أربعين يوماً ، وكان يسريها مثل الماء.
وذكره ابن حجر العسقلاني في التقريب وقال : أنه امام حافظ ، ثقة مشهور من الحادية عشر (26).
ذكره اليافعي في مرآة الجنان في وقائع سنة أربع وستين ومائتين وأثنى عليه ، وذكره ابن جزلة الحكيم في مختصر تاريخ بغداد وفيه أنه قال : أحفظ مائتي ألف حديث كما يحفظ الانسان قل هو الله أحد (27).
وأما أبو حاتم الرازي : (28) فمناقبه مذكورة في تهذيب الكمال ، والكاشف ، وتذكرة الحفاظ ، وتذهيب التهذيب ، وتهذيب التهذيب ، وتقريب العسقلاني ، وأنساب السمعاني ، وتراجم الحفاظ والتبيان لابن ناصر الدين ، وطبقات الفقهاء الشافعية للسبكي ، وغيرها (29).
ولنقصر على شطر يسير منها :
قال السمعاني في الأنساب في نسبة الحنظلي ما لفظه : وبالري درب مشهور يقال له درب حنظلة منها أبو حاتم محمد بن ادريس بن المنذر بن داود بن مهران الرازي الحنظلي امام عصره والمرجوع اليه في مشكلات الحديث ، وهو من هذا الدرب ، وكان من مشاهير العلماء المذكورين الموصوفين بالفضل والحفظ والرحلة ، وسمع محمد بن عبدالله الأنصاري وأبا زيد النحوي وعبيد الله بن موسى ، وهوذة بن خليفة ، وأبامسهر الدمشقي ، وعثمان بن الهيثم المؤذن وسعيد بن أبي مريم المصري ، وأبا اليمان الحمصي في أمثالهم.
وكان أول كتبه الحديث في سنة تسع ومائتين ، روى عنه الأعلام الأئمة مثل يونس بن عبدالاعلى والربيع بن سليمان المصريان وهما أكبر منه سنّاً وأقدم سماعاً ، وأبو زرعة الرازي والدمشقي ومحمد بن عوف الحمصي وهؤلاء من أقرانه ، وعلم لايحصون ، وذكر أبوحاتم وقال : أول سنة خرجت في طلب الحديث أقمت سنين أحصيت ماشياً على قدمي زيادة على ألف فرسخ لم أزل أحصي حتى مما زاد على ألف فرسخ تركته.
وقال أبوحاتم : قلت على باب أبي الوليد الطيالسي ، من أغرب عليّ حديثاً غريباً مسنداً صحيحاً لم أسمع به فله عليّ درهم يتصدّق به ، وقد حضر على باب أبي الوليد خلق من الخلق أبو زرعة فمن دونه ، وانما كان مرادي أن يلقي عليَّ ما لم أسمع به فيقولون : هو عند فلان ، فاذهب واسمع وكان مرادي أن استخرج منهم ما ليس عندي فما تهيّأ لأحد منهم أن يغرب عليّ حديثاً (30).
____________________
1. وقد تركه أبوحاتم وأبو زرعة الرازيين عند قدومه بالري.
2. مقدمة فتح الباري : 491.
3. المؤمن : 48.
4. ما بين المعقوفتين بياض في الأصل.
5. سير أعلام النبلاء 12 : 495.
6. المصدر السابق 12 : 460 عن مقدمة فتح الباري : 492.
7. وفي « السير » الأعمشي 12 : 455.
8. مقدمة الفتح : 491 ـ 492.
9. في « السير » الأعمشي.
10. طبقات الشافعية 2 : 228.
11. سير أعلام النبلاء 10 : 379 ، رجال صحيح البخاري 2 : 1122 ، تاريخ الإسلام سنوات 251 ـ 260 ص 342.
12. إكمال مبهمات البخاري لابن حجر : 76 ، طبقات المدلسين له أيضاً : 24 رقم 23 ، تبيين أسماء المدلّسين لابن العجمي : 77 رقم 64.
13. وقد فصّلنا البحث في ذلك في كتابنا : « الامام البخارى وصحيحه الجامع ».
14. من مصنّفات الكفوي محمود بن سليمان الحنفي الرومي المتوفى 990 هـ وذلك في تراجم رجال الحنفية.
15. الجرح والتعديل 7 : 191 رقم 1086 ، المغني في الضعفاء 2 : 268 رقم 5312.
16. محمد بن اسماعيل البخاري.
17. ميزان الاعتدال 3 : 138.
18. الجرح والتعديل 1 : 328 ـ 349 و 5 : 324 ـ 326 ، تاريخ بغداد 10 : 326 ، طبقات الحنابلة 1 : 199 ، المنتظم 5 : 47 ، تذكرة الحفاظ 2 : 557 ، سير أعلام النبلاء13 : 65 رقم 48 ، العبر 2 : 28 ، البداية والنهاية 11 : 37 ، تهذيب التهذيب 7 : 30 ، طبقات الحفاظ : 249 ، شذرات الذهب 2 : 148.
19. الكاشف 2 : 201 رقم 3619.
20. تاريخ بغداد 10 : 332 ، سير أعلام النبلاء 13 : 71 ، العبر 1 : 379 سنة 264.
21. تهذيب التهذيب 7 : 28 رقم 63.
22. وفي سير أعلام النبلاء : ابن عدي : سمعت محمد بن ابراهيم المقرئ ، سمعت فَضْلَكَ الصَّائغ يقول : دخلت المدينة فصرت إلى باب أبي مصعب ، فخرج إليّ شيخ مخضوب ، وكنت ناعساً ، فحرّكني وقال : يا مردريك ! من أين أنت ؟ أي شيء تنام ؟ قلت : أصلحك الله من الري ، من بعض شاكردي أبي زرعة ، فقال : تركت أبا زرعة وجئتني ؟ لقيت مالكاً وغيره ، فما رأت عيناي مثل أبي زرعة. 13 : 73 ـ 74.
23. مقدمة الجرح والتعديل 341 ، و : 5 : 325 ، سير أعلام النبلاء 13 : 74.
24. المصدر السابق 13 : 68.
25. المصدر السابق 13 : 68.
26. تقريب التهذيب 2 : 410 رقم 4316.
27. تاريخ بغداد 10 : 326 ـ 337 ، أنظر ترجمته : تاريخ الطبري 5 : 476 ، الجرح والتعديل 5 : 324 رقم 1543 ، الثقات لابن حبان 8 : 407 ، رجال صحيح مسلم لابن منجويه 2 : 14 رقم 1029 ، طبقات الحنابلة1 : 199 رقم 271 ، صفة الصفوة 4 : 88 رقم 673 ، المنتظم 5 : 47 رقم 109 ، تذكرة الحفاظ 2 : 557 ، تاريخ الاسلام ، سنوات 271 ـ 280 ص : 124 رقم 100 ، البداية والنهاية 11 ، 37 ، مرآة الجنان 2 : 176 ، طبقات الحفاظ : 249 ، شذرات الذهب 2 : 148 ، المغني في معرفة رجال الصحيحين : 164 رقم 1406.
28. الجرح والتعديل 1 : 349 و 7 : 204 ، تاريخ بغداد 2 : 73 ، تذكرة الحفاظ 2 : 567 ، سير أعلام النبلاء 13 : 247 رقم 129 ، الوافي بالوفيات 2 : 183 ، طبقات السبكي 2 : 207 ، البداية والنهاية 11 : 59 ، تهذيب التهذيب 9 : 31 ، طبقات الحفاظ : 255 ، شذرات الذهب 2 : 171.
29. الجرح والتعديل 7 : 204 رقم 1133 ، الثقات لابن حبّان 9 : 139 ، تاريخ بغداد 2 : 73 رقم 455 ، طبقات الحنابلة 1 : 284 ، تذكرة الحفاظ 2 : 267 ، سير أعلام النبلاء 13 : 247 رقم 129 ، طبقات الشافعية 1 : 299 ، تهذيب التهذيب 9 : 28 رقم 40 ، تقريب التهذيب 2 : 210 رقم 5718 ، العبر 1 : 398 سنة277 ، طبقات الحفاظ : 255 ، شذرات الذهب 2 : 171 ، الأعلام 6 : 250 ، معجم المؤلفين 9 : 35.
30. الجرح والتعديل 1 : 355 ، سير أعلام النبلاء 13 : 255.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page