• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

مراجعة تاريخية سريعة

كان الحدث الأكبر في تاريخ الإسلام هو وفاة الرسول (صلّى الله عليه وآله)، وانقطاع ذلك الإشعاع السماوي الذي كان يفيض على الدنيا كلها بالخير، فإذا الدنيا كلها مظلمة تستعد للشر. وانقطعت الأرض بموت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن السماء، إذ كان الوحي هو بريدها إلى الأرض وأداة صلتها بها.
وهل للأرض غنى عن السماء، وفي السماء رزقها ومنها خيرها وحياتها وحيويتها ونورها ودينها.
الرسول محمد (صلّى الله عليه وآله) أدرك ما سيمتحن به المؤمنون بعده من عظيم الرزية بانقطاع الوحي من بينهم، وكان بالمؤمنين رؤوفاً رحيماً، فأخبرهم بأن حبلاً واحداً سيبقى متصلاً بينهم وبين السماء. وهل حبل أولى بالتمسك من حبل السماء وقد انقطع الوحي، قال (صلّى الله عليه وآله):
(إني تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(1).
ومن حق البحث الذي بين أيدينا أن يستقرئ في هذه المناسبة موقف المجتمع من عترة النبي (صلّى الله عليه وآله)، أو موقف الجماعات التي كانت تدعي لنفسها حق التمثيل للمجتمع، لينظر فيما خلفوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في عترته، بل لينظر فيما يتصل من ذلك بموضوعنا من هذه المناسبة العابرة.
وإذا كانت العترة عشيرة الرجل، فعليّ أبرز رجالها بعد رسول الله، وإذا كانت ذريته، فالحسن كبير عترة النبي من بعده. تجيز اللغة إطلاق العترة على الصنفين، ـ العشيرة والذرية ـ معاً.
نعم إنه قدّر لهذا المجتمع، أن ينقسم انقسامته التاريخية التي وقعت فور الفاجعة العظمى بوفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، حين تأول قوم فاتبعوا تأولاتهم، وتعبّد آخرون فثبتوا على الصريح من قول نبيهم وللنبي تصريحات كثيرة في موضوع الترشيح للخلافة ليس هنا مكان استعراضها.. ولسنا الآن بصدد مناقشة المتأولين أو مساجلة المتعبدين لأن كل شيء ممّا نتفق عليه معهم جميعاً، أو مع فريق واحد منهم، أو ممّا نختلف فيه قد تم في حينه على صورته. وليس فيما يتناوله بحثاً الآن ما يستطيع أن يغير الواقع عن واقعه.
ولم يبق مخفياً أن الحجر الأساسي لهذا التدهور غير المنتظر، كان هو الذي بني هناك في المدينة المنورة، وقامت عليه سقيفة بني ساعدة بما أبرم فيها من حبل جديد هو غير الحبل الممدود ـ عمودياً ـ من السماء إلى الأرض الذي عناه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في حديثه الآنف الذكر. ولكنه حبل آخر أريد ليمتد مع التاريخ ـ أفقياً ـ وكما قال الشاعر:

وتـــوالت تحــــت السقيفة أحدا          ثٌ أثــــــارت كـــــوامناً وميولاً
نزعات تفرقــت كغـــــصون ال          ـعوسج الغض شائكاً مدخولاً(2)

ووقف صاحب الحق بالخلافة من المتأولين، موقف المشرف الذي دل بذاته، وبما حفظ الإسلام من الانهيار، على انه وحده كان الوسيط بين الناس وحبل السماء. وتلكأ عن بيعتهم بمقدار ما نبه الذهنية الإسلامية إلى الحق المغلوب على أمره، وأخذ إلى البيعة، بعد ذلك أخذاً(3) وسأله بعض أصحابه: (كيف دفعكم قومكم عن هذا المقام وأنتم أحق به؟) فقال: (إنها كانت أثرة، شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم لله والمعود إليه القيامة. ودع عنك نهبا صيح في حجراته)(4)...
لغة تنبئك عما تكظمه في دخيلتها من غيظ، وعما تحمله في ظاهرتها من تسليم. وعشا عن الوزارة مناوئوه، وعلى أبصارهم غشاوة الذهول.
فغفلوا عنه غير منكرين سبقه وجهاده وقرابته وصهره وأخوته وعلمه وعبادته، وتصريحات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في شأنه، التي كانوا يستوعبونها يومئذٍ أكثر ممّا نستوعبها نحن.
ولكنهم نقموا عليه كثرة فضائله هذه، ونقموا عليه شدته في إحقاق الحق، ونقموا عليه سيفه الذي خلق منهم أعداء موتورين، منذ كان يصنع الإسلام بهذا السيف في سوح الجهاد المقدس.
ونقموا عليه سنّة لأنه في العقد الرابع. ولا عجب إذا رأى ذوو الحنكة المسنون، أن لا يكون الخليفة بعد رسول الله مباشرة، إلا وهو في العقد السابع مثلاً.
وخفي عليهم إن الإمامة في الإسلام دين كالنبوة نفسها، ويجوز فيها ما يجوز في النبوة ولا يجوز عليها ما لا يجوز على النبوة في عظمتها.
فما شأن الاجتهاد بالسن في مقابل النص على التعيين. وما شأن الملاحظات السياسية في مقابل كلمات الله تعالى وتصريحات نبيه (صلّى الله عليه وآله). وكانت سن عليّ (عليه السلام) يوم وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سن عيسى بن مريم يوم رفعه الله عز وجل، أفيجوز لعيسى أن ينتهي بقصارى نبوته في الأرض إلى هذه السن، ولا يجوز لعليّ أن يبتدئ خلافته في ثلاث وثلاثين، وهي السن التي اختارها الله لسكان جنانه يوم القيامة! ولو لم تكن خير سنّي الإنسان لما اختارها الله للمصطفين من عباده في الجنان.
الأمة عاشت بعيدة كل البعد عن إرشادات وتوجيهات رسول الله (صلّى الله عليه وآله) واشتغلت بالصراعات السياسية وحروب المناصب حتى أخذت الخلافة تنقلب من واحد إلى آخر فتفاقمت الأزمات وتدهورت الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.. وغيرها، وظهرت علامات التذمر والتمرد في أوساط المسلمين وكل ذلك نتيجة حتمية للروح القبلية التي سادت وتحكمت بمنطق المتنافسين تحت سقيفة بني ساعدة والاتجاه الذي سار فيه هؤلاء إلى حصر السلطة بكل واحد منهم وعدم مشاركة الآخرين في الحكم، والتأكيد على المبررات الوراثية، واستعداد كثير من الأنصار لتقبل فكرة أميرين أحدهما من الأنصار والآخر من المهاجرين، حتى كان يرى كل جناح أنه أحق من غيره بالأمر، وعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وغيره من الصحابة بعيدون عنهم لانشغالهم بجثمان النبي (صلّى الله عليه وآله) الذي كان لم يدفن بعد(5) حين اندفع عمر بأبي بكر إلى السقيفة ليبتوا في أمر الخلافة وحين بلغ الإمام علي (عليه السلام) بالنبأ رفض البيعة(6).
واعتبرها اعتداءً صارخاً عليه، فهو يعلم أن محله من الخلافة محل القطب من الرحى ينحدر عنه السيل، ولا يرقى إليه الطير ـ على حد تعبيره ـ وما كان يظن إن القوم يزعجون هذا الأمر ويخرجونه عن أهل بيت نبيهم، فقد بادر إليه عمه العباس قائلاً له:
(يابن أخي أمدد يدك أبايعك، فيقول الناس: عم رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بايع ابن عم رسول الله فلا يختلف عليك اثنان).
فقال له الإمام: (ومن يطلب هذا الأمر غيرنا؟)(7).
وعلق الدكتور طه حسين على ذلك بقوله: (نظر العباس في الأمر فرأى ابن أخيه، أحق منه بوراثة السلطان لأنه ربيب النبي، وصاحب السابقة في الإسلام وصاحب البلاء الحسن الممتاز في المشاهد كلها، ولأن النبي كان يدعوه أخاه حتى قالت له أم أيمن: ذات يوم مداعبة تدعوه أخاك وتزوجه ابنتك؟! ولأن النبي (صلّى الله عليه وآله) قال له: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، وقال للمسلمين يوماً آخر: من كنت مولاه فعليّ مولاه. من أجل ذلك أقبل العباس بعد وفاة النبي على ابن أخيه، وقال له: أبسط يدك أبايعك)(8).
لقد تخلف الإمام (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر ساخطاً، وأعلن شجاه وأساه على ضياع حقه، واستبداد القوم بالأمر من دون أن يعنوا به وفي نهجه شذرات من بليغ كلامه عرض فيها لذلك.
في سقيفة بني ساعدة تجسدت الروح القبلية التي فتحت على المسلمين باباً من أبواب الفتنة كما يصرح بذلك عمر بقوله: (إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه، فأيما رجل بايع رجلاً من غير مشورة من المسلمين فإنها تغره يجب أن يقتلا)(9).
ومضى زمن يجادل الإمام علي (عليه السلام) القوم ويعيد إلى ذاكرتهم ما غاب عنهم من أفعال الرسول وأقواله ومواقفه، وسرد لهم نصوص تلك الخطب والتوصيات التي تؤيّد دعواه، فالكثير تجسمت لهم الأخطار وأحسوا بالمسؤولية حيث جرفهم التيار الجديد الذي غيّر وبدّل.
والمنافقون استغلوا تلك الفترة فكانت ردة جماعة من مسلمي العرب في الجزيرة، ومسيلمة الكذاب أعلن النبوة واستغل الموقف الراهن، كما أن صدى النزاع على الخلافة تجاوز العاصمة الإسلامية فبدأ العصيان والتمرد على مبادئ الإسلام. لذا خشي الإمام علي (عليه السلام) إن استمر على محاججة القوم أن تذهب جهود النبي سدى.. فسكت عن حقه السليب ورجع إلى ما كان عليه ينشر تعاليم الإسلام متفانياً في سبيل توطيد دعائم الدين.
ورأى أن الحكمة تقضي بمبايعة الخليفة حفاظاً على الإسلام حماية لوحدة المسلمين، وفي هذا يقول: (فأمسكت يدي حتى رأيت راجعة الناس قد رجعت عن الإسلام، يدعون إلى محق دين محمد (صلّى الله عليه وآله) فخشيت إن لم أنصر الإسلام وأهله، أن أرى فيه ثلماً أو هدماً تكون المُصيبة به على أعظم من فوت ولايتكم، التي إنما هي متاع أيام قلائل، فنهضت في تلك الأحداث حتى زاح الباطل وزهق، واطمأن الدين وتنهنه).
فمصلحة الإسلام في نظره تفوق على كل شيء وقبل كل شيء. وما مطالبته بحقه في الخلافة إلا لكي يعمل بقوة على بعث الدين في النفوس.
والخلافة كما هو معلوم لا تساوي عنده شيئاً إذا لم تكن سبيلاً وطريقاً إلى هذه الغاية وهو الذي خاطب ابن عباس عندما كان يخصف نعله بيده بقوله: والله إن إمرتكم لأهون عندي من هذا النعل. إلا أن أحق حقاً وبطل باطلاً..(10).
______________________________
1 - أخرجه الترمذي وهو الحديث 874 من أحاديث كنز العمال، ص44، ج1، وعلى نسق هذا الحديث أحاديث كثيرة أخرى روتها الصحاح والمسانيد.
2 - بولس سلامة.
3 - قال معاوية فيما كتبه إليه مع أبي إمامة الباهلي: (وتلكأت في بيعته، (يعني أبي بكر)، حتى حملت إليه قهراً تساق بخزائم الاقتسار كما يساق الفحل المخشوش!
4 - نهج البلاغة، شرح محمد عبده، ج1، ص299.
5 - سيرة الرسول لابن هشام، ج2، 118.
6 - انظر النزاع والتخاصم فيما بين أمية وبني هاشم للمقريزي تحقيق نوس، ص48.
7 - الإمامة والسياسة 1، 4.
8 - علي وبنوه، ص19.
9 - الملك والنحل للشهرستاني.
10 - دراسات في عقائد الشيعة الإمامية محمد علي الحسني، ص110.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page