• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

اعتزال الإمام

ولم يختلف المؤرخون في أن الإمام علي (عليه السلام) قد انطوت نفسه على حزن عميق وأسى شديد على ضياع حقه، وسلب تراثه، فقد جهد القوم على الغض من شأنه، ومعاملته كشخص عادي غير حافلين بمواهبه، ومواقفه ومكانته من النبي (صلّى الله عليه وآله) فكان في معزل عنهم، لا يشاركهم في أي أمر من أمور الملك والسلطان، ولا يشاركونه فيها، وأعرض عنهم وأعرضوا عنه، حتى ألصق خده بالتراب، كما يقول المؤرخون، يقول محمــــد بن سليمان في أجوبـــــته عن أسئلة جعفر بن مكي عــــما دار بين علي وعثــــمان قال: (إن عليّاً دحضه الأولان ـ يعــــني الشيخين ـ وأسقطاه، وكسرا ناموسه بين الناس، فصار نسياً نسياً)(1).
ويعزوا الإمام (عليه السلام) في حديــــث له مع عبد الله بن عمر إلى أبيه جـــميع ما لاقاه من النكـــبات التي منها تقدم عثـــمان عليه(2).
وعلى أي حال فإن الإمام (عليه السلام) قد اعتزل عن الناس في عهد عمر كما اعتزلهم في عهد أبي بكر، فصار جليس بيته يساور الهموم، ويسامر النجوم، ويتوسد الأرق ويفترش الأرق، ويتجرع الغصص، قد كظم غيظه فلم يتصل بأحد إلا بخلّص أصحابه الذين عرفوا واقعه، ومكانته كعمار ابن ياسر، وأبي ذر، والمقداد، وقد عكف على جمع القرآن وكتابته والإمعان في آياته.
وأجمع المؤرخون على أن عمر كان يرجع إليه في مهام المسائل التي يسأل عنها، والإمام لم يضن عليه بالجواب، إظهاراً لأحكام الله التي يجب على العلماء إذاعتها بين الناس.. وكان عمر يذيع فضل الإمام (عليه السلام) ويقول: (لولا علي لهلك عمر).
والشيء المحقق أن عمر كان في أكثر المسائل الفقهية إذا سئل عنها لم يهتد لجوابها وإنما يفزع إلى الإمام (عليه السلام) والى سائر الصحابة، وقد اشتهرت كلمته (كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال) وقال: (كل الناس أفقه من عمر حتى المخدرات في البيوت) وقد دلّ المحقق الأميني على ذلك بما لا مزيد عليه(3).
ويروي التاريخ كثيراً من الحوادث المستعصية التي واجهت الخلفاء،والتي لم تجد لها معالجاً سوى الإمام علي (عليه السلام).
إذن كان دور الإمام علي (عليه السلام) في تلك الفترة، وهو حماية الدعوة من كل أشكال الانحراف والأخطار التي أخذت تهدد وجودها وهيمنتها، فشارك الخلفاء في تحمل المسؤولية، فكان المستشار والمرشد والقاضي والمشرّع... كان الإمام علي (عليه السلام) يردد دائماً: (والله لأسالمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولو لم يكن جورٌ إلا عليّ خاصة).
واستمر أيضاً في احتضان الإسلام وتدعيم وحدة المسلمين، حتى اغتيل عمر بن الخطاب على يد أبي لؤلؤة بعد عشر سنوات من ولايته، وسارع عمر قبل وفاته إلى وضع أمر الخلافة بين ستة من الصحابة يختارون واحداً منهم، وهم علي (عليه السلام) وعثمان وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص على أن يكون عبد الرحمن هو الحكم (وكان عبد الرحمن صهراً لعثمان) واجتمع الستة، وبعد التداول: وهب طلحة حقه لعثمان، والزبير لعلي، وسعد لعبد الرحمن ثم تنازل عبد الرحمن عن حقه لمن يقبل (علي أو عثمان) البيعة على سنّة الله ورسوله ورأي الشيخين فقبل عثمان، ورفض عليٌّ قائلاً: (أبايع على سنّة الله ورسوله واجتهاد رأي..).
إن مصدر التشريع في الإسلام إنما هو كتاب الله وسنة نبيه، فعلى ضوئهما تعالج مشاكل الرعيّة، ويسير نظام الدولة، وليس فعل أبي بكر وعمر من مصادر التشريع الإسلامي، على أنهما اختلفا أشد الاختلاف في النظم السياسية، فقد انتهج أبو بكر في سياسته المالية منهجاً أقرب إلى المساواة من سياسة عمر، فإنه ألغى المساواة في العطاء، وأوجد نظام الطبقية، فقدم بعض المسلمين على بعض، وشرع حرمة المتعتين متعة الحج ومتعة النساء في حين أنهما كانتا مشروعتين في عهد رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وأبي بكر، وكانت له آراؤه الخاصة في كثير من المجالات التشريعية.
فعلى أي المنهجين يسير ابن أبي طالب ربيب الوحي ورائد العدالة الاجتماعية في الإسلام.
إن ابن عوف يعلم علماً جازماً لا يخامره أدنى شك أن الإمام لو تقلد زمام الحكم لطبق شريعة الله في الأرض، وساس المسلمين سياسة قوامها العدل الخالص، والحق المحض، ولم يمنح الأسر القرشية أي جهة من الامتياز وساوى بينها وبين غيرها في جميع الحقوق والواجبات، فتفوت بذلك مصالح هذه الطبقة التي جنت على الإسلام، وجرت للمسلمين أعظم الويلات والخطوب.
إن الإمام لو وافق على الالتزام بما شرط عليه ابن عوف لما أمكنه أن يطبق أي منهج من مناهج سياسته الهادفة إلى نشر العدل بين الناس، ومن المقطوع به أن الإمام حتى لو التزم بهذا الشرط ظاهراً لحالت قريش بينه وبين تطبيق أهدافه، ولم تدع له أي مجال لتحقيق العدالة الاجتماعية، ويكون خروجها عليه مشروعاً لأنه لم يف لها بوعده.
وعلى أي حال فإنّ عبد الرحمن لما يئس من تغيير اتجاه الإمام انبرى إلى عثمان فشرط عليه ذلك فسارع إلى إجابته، وأظهر استعداده الكامل لكل ما شرطه عليه وفيما أحسب أن هناك اتفاقاً سرياً بينهما أحيط بكثير من الكتمان فإنه بأي حال لا ينتخب الإمام وإن أجابه إلى ما شرط عليه. وإنما طلب منه البيعة لأجل التغطية على مخططاته فاستعمل هذه المناورة السياسية، ويرى بعض المؤرخين من الإفرنج أن عبد الرحمن استعمل طريقة المداورة والانتهازية، ولم يترك الانتخاب يجري حراً. يقول المؤرخون: إن عبد الرحمن بادر إلى عثمان فصفق بكفه على يده وقال له:
(اللّهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان..). ووقعت هذه المبادرة كصاعقة على القوى الخيرة التي جهدت على أن يسود حكم الله بين المسلمين، وانطلق الإمام صوب ابن عوف فخاطبه قائلاً:
(والله ما فعلتها إلا لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم..)(4).
وألقى الإمام الأضواء على اختيار عبد الرحمن لعثمان من أنه لم يكن من صالح الأمة وإنما كان وليد الأطماع والأهواء السياسية فقد رجا ابن عوف أن يكون خليفة من بعد عثمان، واتجه الإمام صوب القرشيين فقال لهم:
(ليس هذا أول يوم تظاهرتم فيه علينا فصبر جميل والله المستعان على ما تصنعون).
ولذع منطق الإمام ابن عوف فراح يهدده (يا علي لا تجعل على نفسك سبيلاً)(5) وغادر الإمام المظلوم المهتضم قاعة الاجتماع، وهو يقول: (سيبلغ الكتاب أجله ـ إذن عارض ـ الإمام (عليه السلام) نتائج المسرحية، ولما لم تكن الظروف ملائمة للتحرك السلبي، إذ لا يزال الخطر يحدق بالإسلام، سكت عن حقه، مكتفياً بتسجيل موقفه المبدئي بقوله: (إن لنا حقّاً إن نعطه أخذناه، وإن نُمنعه نركب أعجاز الإبل).
ولم تتغير سياسة الإمام علي (عليه السلام) في التوجيه والنصح والتقويم كما كانت في السابق، ولكن الأوضاع الآن قد ساءت إلى حدّ كان يُنذر بالثورة لأن عثمان كان ضعيف الإرادة خائر العزيمة، فلم تكن له أية شخصية قوية متماسكة يستطيع بها أن يفرض آراءه وإرادته، كما لم تكن له أية قدرة على مواجهة الأحداث والتغلب عليها، قد أخذ الأمويون بزمامه، واستولوا على جميع مقدرات حكومته، لم يستطع أن يقف موقفاً إيجابياً يتسم بالصلابة ضد رغباتهم، وأهوائهم، فكان بالنسبة إليهم ـ فيما يقول بعض المؤرخين ـ كالميت في يد الغاسل، وكان الذي يدير شؤون دولته مروان بن الحكم، فهو الذي يعطي ما يشاء ويمنع من يشاء ويتصرف في مقدرات الأمة حسب ميوله من دون أن يعنى بأحكام الإسلام، ولا رأي لعثمان، ولا اختيار له في جميع الأحداث التي تواجه حكومته، فقد وثق بمروان واعتمد عليه، وأناط به جميع شؤون الدولة، يقول ابن أبي الحديد نقلاً عن بعض مشايخه: إن الخليفة في الحقيقة والواقع إنما كان مروان وعثمان له اسم الخلافة. إن قوة الإرادة لها الأثر التام في تكوين الشخصية واستقامتها، فهي تكسب الشخص قوة ذاتية يستطيع أن يقف بحزم أمام التيارات والأعاصير التي تواجهه في هذه الحياة، ومن المستحيل أن يحقق الشخص أي هدف لأمته ووطنه من دون أن تتوفر فيه هذه النزعة، وقد منع الإسلام منعاً باتاً أن يتولى ضعيف الإرادة قيادة الأمة، وخطر عليه مزاولة الحكم لأنه يعرض البلاد للويلات والخطوب، ويغري ذوي القوة بالتمرد والخروج من الطاعة وتمنى الأمة بالأزمات والأخطار. ووصفه بعض المؤرخين بالرافة والرقة واللين والتسامح إلا أن ذلك كان مع أسرته وذويه أما مع الجبهة المعارضة لحكومته فقد كان شديد القسوة، فقد بالغ في إرهاقهم واضطهادهم، وقابلهم بمزيد من العسف والعنف، فنفى الصحابي أبا ذر الغفاري (رضي الله عنه) من يثرب إلى الربذة، وفرض عليه الإقامة الجبرية في مكان انعدمت فيه جميع وسائل الحياة، حتى مات طريداً غريباً، ونكل بالصحابي العظيم عمار بن ياسر فأمر بضربه حتى أصابه فتق، وألقته شرطته في الطريق مغمى عليه، وأوعز إلى شرطته. بضرب القارئ الكبير عبد الله بن مسعود فألهبت جسمه سياطهم وألقوه في الطريق بعد أن هشموا بعض أضلاعه، وحرم عليه عطاءه، وهكذا اشتد في القسوة مع أعلام المعارضة.
نعم كان شديد الرأفة والرقة بأرحامه من بني أمية وآل أبي معيط فمنحهم خيرات البلاد وحملهم على رقاب الناس، وأسند إليهم جميع المناصب الحساسة في الدولة.
وظاهرة أخرى من نزعات عثمان هو انه كان شديد القبلية فقد أترعت نفسه بالعواطف الجياشة تجاه قبيلته، حتى تمنى أن تكون مفاتيح الفردوس بيده ليهبها لبني أمية، وقد آثرهم بالفيء، ومنحهم الثراء العريض، ووهبهم الملايين من أموال الدولة، وجعلهم ولاة على الأقطار والأقاليم الإسلامية وكانت تتواتر لديه الأخبار بأنهم جانبوا الحق وظلموا الرعيّة، وأشاعوا الفساد في الأرض فلم يعن بذلك ولم يفتح معهم أي لون من ألوان التحقيق ورد الشكاوى الموجهة ضدهم...
وكان معروفاً عن عثمان بأنه كان يميل إلى الترف والبذخ ولم يعن ببساطة العيش والزهد في الدنيا كما كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ففتن بالبذخ والترف فاتخذ القصور، واصطفى لنفسه ما شاء من بيت المال وأحاط نفسه بالثراء العريض من دون أن يتحرج في ذلك، ووصفه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بقوله: (نافجاً حضنيه بين نثيله ومعتلفه) وكان ذلك من موجبات النقمة عليه. هذه بعض نزعات عثمان، وقد أوجبت إخفاقه وفشله في الميادين السياسية، وإذاعة التذمر والنقمة عليه.
إزاء هذا الوضع المتردي عمل الإمام علي (عليه السلام) باتجاهين:
1ـ النصح لعثمان وتحذيره من سياسة ولاته وأقاربه.
2ـ تهدئة المعارضة كي تتخلى عن العنف إلى اللين والمرونة.
واجتمع الإمام (عليه السلام) بعثمان مرات عديدة، وفي كل مرة كان ينصحه: ليكفّ أيدي الولاة المنحرفين، ويقيم العدل ويحقق المساواة، وبالتالي يحذره من العواقب الوخيمة المنتظرة... ولكن كل ذلك لم يجد أذناً صاغية، فبقيت الأمور على حالها. عندها، وفي المرة الأخيرة، ودع الإمام (عليه السلام) عثمان قائلاً: (ما يريد عثمان أن ينصحه أحد.. اتخذ بطانة غش، ليس منهم أحد إلا وقد تسيب بطائفة من الأرض يأكل خراجها ويستذل أهلها).
ولما لم تجد النصائح والأصوات المعارضة.. تفجرة الثورة. وأحاط الثائرون ببيت عثمان، وعلم عثمان أن لا ملجأ له إلا الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فاستغاث به، وطلب منه أن يدعو القوم إلى كتاب الله وسنة نبيه، فأجابه إلى ذلك بعد أن أخذ منه المواثيق على الوفاء بعهده، ومضى الإمام إلى الثوار وهو يحمل الضمان لجميع مطالبهم..
ولكن عثمان نقض ما قطعه على نفسه، ولم يف للمسلمين بما عاهدهم عليه ويقول المؤرخون إن السبب في ذلك أن مروان الذي كان مستشاراً له ووزيراً، قد دخل عليه فلامه على ما صنع قائلاً:
(تكلم واعلم الناس أن أهل مصر(6) قد رجعوا، وإن ما بلغهم عن إمامهم كان باطلاً، فإن خطبتك تسير في البلاد، قبل أن يتحلب الناس عليك من أمصارهم فيأتيك من لا يستطيع دفعه..) وامتنع عثمان عن إجابته لأنه دعاه لأن يناقض نفسه، وأن يقول غير الحق ولكنه ما زال به يحذره مغبة ما صنع، ويخوفه عاقبة الأمور، ولم تكن لعثمان إرادة صلبة، ولا عزم ثابت، فكان ألعوبة بيد مروان فاستجاب له، واعتلى المنبر فخاطب الناس قائلاً:
(أما بعد: إن هؤلاء القوم من أهل مصر كان بلغهم عن إمامهم أمر فلما تيقنوا انه باطل ما بلغهم رجعوا إلى بلادهم..) وانبرى المسلمون إلى الإنكار عليه، وناداه عمرو بن العاص: (اتق الله يا عثمان، فإنك قد ركبت نهابير(7) وركبناها معك فتب إلى الله نتب معك).
فصاح به عثمان: (وإنك هنا يا ابن النابغة؟ قملت والله جبتك منذ تركتك من العمل؟) وارتفعت أصوات الإنكار من جميع جنبات الحفل وهي ذات لهجة واحدة. (اتق الله يا عثمان) (اتق الله يا عثمان). وانهارت أعصابه، وتحطمت قواه فحار في الجواب، ولم يجد بُداً من أن يعلن التوبة مرة أخرى عما اقترفه، ونزل عن المنبر، وهو خائر القوى، ومضى إلى منزله(8).
ولما تبين للثوار أنه لم يقلع عن سياسته، وإنه جاد في سيرته لا يغير منها ولا يبدل أحاطوا به، وطالبوه بالاستقالة من منصبه فلم يستجب لهم ورأى أن يستنجد بمعاوية(9) ليبعث له قوة عسكرية تحميه من الثوار، وقد كتب إليه هذه الرسالة:
(أما بعد: فإن أهل المدينة قد كفروا، وخلعوا الطاعة، ونكثوا البيعة فابعث إليّ من قبلك مقاتلة أهل الشام على صعب وذلول)(10)، وحمل الكتاب مسور بن مخرمة، لما قرأه معاوية قال له مسور: (يا معاوية: إن عثمان مقتول فانظر فيما كتب به إليك..). وصارحه معاوية بالواقع وبما انطوت عليه نيته قائلاً: (يا مسور: إني مصرح أن عثمان بدأ بما يحب الله ورسوله ويرضاه ثم غيّر فغير الله عليه، أفيتهيأ لي أن أرد ما غير الله عز وجل)(11) ولم يستجب معاوية له، وكان فيما يقول المؤرخون: يترقب مصرعه ليتخذ من دمه وسيلة للظفر بالملك والسلطان، وقد تنكر لألطافه واياديه عليه وعلى أسرته، يقول الدكتور محمد طاهر درويش:
(وإذا كان هناك وزر في قتل عثمان فوزره على معاوية، ودمه في عنقه، ومسؤوليته عن ذلك لا تدفع، فهو أولى الناس به، وأعظم الرجال شأناً في دولته، وقد دعاه فيمن دعا، يستشيره في هذا الأمر وهو داهية الدهاة فما نهض إليه برأيه، ولا دافع عنه بجنده، وكأنه قد استطال ـ كما استطال غيره ـ حياته فترك الأيام ترسم بيدها مصيره، وتحدد نهايته فإذا جاز لأحد أن يظن بعليّ أو بطلحة والزبير وغيرهم تقصيراً في حق عثمان فمعاوية هو المقصر، وإذا جاز أن يُلام أحد غير عثمان فيما جرى فمعاوية هو الملوم..)(12).
وعلى أي حال فإن معاوية لما أبطأ عن إجابته، بعث عثمان رسالة إلى يزيد بن كرز والي أهل الشام يستحثهم على القدوم إليه لإنقاذه من الثوار ولما انتهى إليهم كتابه نفروا إلى إجابته تحت قيادة يزيد القسري إلا أن معاوية أمره بالإقامة بذي (خشب) وأن لا يتجاوزه فأقام الجيش هناك حتى قتل عثمان.
وكتب عثمان رسائل أخرى إلى أهل الأمصار والى من حضر الموسم في مكة يطلب منهم القيام بنجدته إلا أنهم لم يستجيبوا له لعلمهم بالأحداث التي ارتكبها.
وأحاط به الثوار فمنعوا عنه الماء والطعام، وحاصروه، وهو مصر على سياسته لم يقلع عنها، وقد أترعت النفوس بالحقد والكراهية له، وقد جنى هو على نفسه لإطاعته لمروان، وانصياعه لرغبات بني أمية، وألقي عثمان جثة هامدة على الأرض، لم يسمح الثوار بمواراته، وقال الصفدي: إنهم ألقوه على المزبلة ثلاث أيام(13)، مبالغة في تحقيره وتوهينه وتكلم بعض خواصه مع الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) ليتوسط في شأنه مع الثوار في دفنه، فكلمهم الإمام فأذنوا في دفنه(14). ودفنوه في حش كوكب(15) ولم يرضى الأنصار دفنه في مقابر المسلمين(16) وعلى أي حال فقد كانت الثورة على عثمان ثورة اجتماعية لا تقل شأناً عن أنبل الثورات الإصلاحية التي عرفها التاريخ فقد كانت تهدف إلى الحد من سلطة الحاكمين، ومنعهم من الاستبداد بشؤون الناس، وإعادة الحياة الإسلامية إلى مجراها الطبيعي.
______________________________
1 - نهج البلاغة، ج9، ص28، طبع دار إحياء الكتب العربية.
2 - نهج البلاغة، ج9، ص54.
3 - الغدير الأميني، ج6، ص83، ص333.
4 - منشم ـ بكسر الشين ـ اسم امرأة بمكة كانت عطارة، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها، فإذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم، فكان يقال؛ (أشأم من عطر منشم) جاء ذلك في صحاح الجوهري، 5/2041، وقد استجاب الله دعاء الإمام فكانت بين عثمان وعبد الرحمن أشد المنافرة والخصومة، وقد أوصى ابن عوف أن لا يصلي عليه عثمان بعد موته.
5 - الإمام الحسين بن علي (عليهما السلام) باقر شريف القرشي، ج1، ص330.
6 - انظر ـ التعليقة ـ رقم2، حول مذكرة المصريين لعثمان، في قسم التعليقات.
7 - النهابير: المهالك.
8 - تاريخ الطبري، ج5، ص110، الأنساب ج5، ص74.
9 - انظر ـ التعليقة ـ رقم 3، حول معاوية بن أبي سفيان، في قسم ـ التلعيقات ـ.
10 - الكامل لابن الأثير، ج5، ص67، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص152.
11 - الفتوح، ج2، ص218.
12 - الخطابة في صدر الإسلام، ج2، ص23.
13 - تمام المتون، ص79.
14 - حياة الإمام الحسن (عليه السلام) باقر شريف القرشي، ج1، ص281.
15 - حش كوكب: اسم بستان لليهود كانوا يدفنون موتاهم فيه.
16 - العقيدة والشريعة في الإسلام، ص45.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page