تركت حكومة الإمام آثاراً بالغة الأهمية والخطورة في المجتمع الإسلامي ولعل من أهمها ما يلي:
1ـ إنها أبرزت الواقع الإسلامي بجميع طاقاته في عالم السياسة والحكم، فقد كان الإمام يهدف في حكمه إلى إزالة الفوارق الاجتماعية بين الناس، وتحقيق الفرص المتكافئة بينهم على اختلاف قومياتهم وأديانهم، ومعاملة جميع الطوائف بروح المساواة والعدالة فيما بينهم من دون أن تتمتع أي طائفة بامتياز خاص وقد أوجدت هذه السياسة للإمام رصيداً شعبياً هائلاً، فقد ظل عليّ قائماً في قلوب الجماهير الشعبية بما تركه من صنوف العدل والمساواة وقد هام بحبه الأحرار، ونظروا إليه كأعظم مصلح اجتماعي في الأرض، وقدموه على جميع أعلام تلك العصور، يقول أيمن ابن خريم الأسدي مخاطباً بني هاشم وعلى رأسهم الإمام:
أأجعلـــــكم وأقــــــــواما سواء وبينـــــكم وبينـــــــــهم الهـواء
وهم أرض لأرجلــــــكم وأنـــتم لرؤوســهم وأعينهم سماء(1)
2ـ إن مبادئ الإمام وآراءه النيرة ظلت تطارد الأمويين وتلاحقهم في قصورهم فكانوا ينظرون إليها شبحاً مخفياً يهدد سلطانهم، ممّا جعلهم يفرضون سبه على المنابر للحط من شأنه، وصرف الناس عن قيمه ومبادئه.
3ـ إن حكومة الإمام التي رفعت شعار العدالة الاجتماعية الكبرى قد جرت لأبنائه كثيراً من المشاكل والمصاعب، وألحقت بهم التنكيل والقتل من حكام عصرهم، وقد تنبأ النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) بذلك فقد روى أبو جعفر الإسكافي أن النبي (صلّى الله عليه وآله) دخل على فاطمة فوجد علياً نائماً فذهبت لتوقظه، فقال (صلّى الله عليه وآله): (دعيه فرب سهر له بعدي طويل، ورب جفوة لأهل بيتي من أجله). فبكت فاطمة فقال لها: لا تبكي فإنّه معي وفي موقف الكرامة عندي(2).
لقد أمعن الحكم الأموي والعباسي في ظلم أبناء الإمام لأنهم تبنوا حقوق المظلومين والمضطهدين تبنوا المبادئ العليا التي رفع شعارها الإمام أمير المؤمنين فناضلوا كأشد ما يكون النضال في سبيل تحقيقها على مسرح الحياة، وكان من أشد أبناء الإمام حماساً واندفاعاً في حماية مبادئ أبيه الإمام الحسين (عليه السلام) فقد انطلق إلى ساحات الجهاد عازماً على الموت آيساً من الحياة ليحمي مبادئ جدّه وأبيه ويرفع راية الإسلام عالية خفاقة وينكس أعلام الشرك والإلحاد، ويحطم قيود العبودية والذل.
4ـ وأوجد الإمام في أثناء حكمه القصير وعياً أصيلاً في مقارعة الظلم، ومناهضة الجور فقد هب في وجه الحكم الأموي أعلام أصحابه كحجر بن عدي، وعمرو بن الحمق الخزاعي، وعبد الله بن عفيف الأزدي وأمثالهم من الذين تربوا بهدي الإمام، فدوخوا أولئك الظالمين بثورات متلاحقة أطاحت بزهوهم وجبروتهم، لقد كان حكم الإمام ـ حقاً ـ مدرسة للنضال والثورة، ومدرسة لبث الوعي الديني والإدراك الاجتماعي، وبهذا ينتهي بنا الحديث عن مخلفات حكومة الإمام (عليه السلام).
______________________________
1 - الأغاني، ج1، ص21.
2 - شرح النهج ج4، ص107.
خاتمة حكومة الإمام (عليه السلام)
- الزيارات: 2578