• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

النقطة الاولى: مدى اعتبار روايات تحريف القرآن

إذا اخذنا هذا بنظر الاعتبار علمنا أنّ حجية الرّوايات حدوثاً وبقاءً تعتمد على القرآن إذ إنّ القرآن نفسه أرشد إلى السنة في تبيينه وتفسيره وهذا يعني أنّ حجية أيّ رواية تدور مدار إمضاء القرآن لها وعدمه فان أمضى صارت الرواية حجة وإلاّ فلا، وبناءً على هذا فاذا كان نصُّ الرّوايات ـ بعد الفراغ من صحة السند ـ موافقاً للقرآن فبها; وإلاّ وجب طرحه كما هو حال السيرة المتلقاة عن المعصومين عليهم السلام. وهنا عندنا طائفتان من الرّوايات:
الاولى تثبت التّحريف في القرآن والاخرى تنفيه فاذا عرضناهما على القرآن رأينا بوضوح ان القرآن ينفي الاولى ويثبت الثانية، فاسقاط روايات التّحريف أمر لابد منه.
بل ان روايات التّحريف مخالفة للسنة القطعية أيضاً اذ كيف يمكن للعترة التي هي مبيّنة للوحي ووارثة للكتاب وعدل القرآن ـ بدليل حديث الثقلين(1) ـ أن تكون على خلاف الهدف الذي نزل من أجله القرآن وتخالف تعاليمه صراحةً، ونظراً للأهمية الكبرى لهذه المسألة (أي إثبات التّحريف في القرآن) فقد لزم أن تكون الرّوايات في هذا الموضوع نصوصاً صريحة واضحة الدلالة على المراد، وإلاّ صارت مُضِلّةً ومضيّعة للإنسان ومبعدة له عن القرآن وعن السنّة الصحيحة; إذ كيف يمكن لنا الهداية إذا كان القرآن محرّفاً والسنة غير صحيحة؟ ذلك لأنّ القرآن إذا كان محرّفاً فلا يمكن اعتباره معياراً لمعرفة صحيح الأحاديث من سقيمها كي يتمّ الاعتماد على الصحيح منها.
وبهذه المقدّمة اتّضح أنّ ذلك العدد القليل من المحدّثين الذين يصرفون همهم إلى زيادة عدد الرّوايات دون التحرّي عن صحتها وسقمها، قد اعتمدوا على تلك الرّوايات ـ التي تشعر بظاهرها على التحريف ـ نتيجة غفلتهم عن النكتة آنفة الذكر، وبالتالي صارت الرّوايات عندهم حاكمة على القرآن في حال كونها مقابلة للنصوص الصريحة الواردة عن المعصومين عليهم السلام في حاكمية القرآن، ومخالفة صراحة لظاهر القرآن الذي أوكل الى السنّة الشريفة تبيين الوحي وتفسيره، ومعنى هذا الإيكال هو أنّ الرّوايات في مدار تبيين الوحي صارت حجة فقط لا غير.
نعم ان هذا النوع من المحدثين لإفراطهم في التعلّق بالروايات دون القرآن ابتعدوا ـ من حيث لا يشعرون ـ عن النسج والنهج القرآني وصدر منهم كل غريب(2). فيستحيل مثلا على كلّ من له حظّ من المعرفة بالنسج القرآني ـ مهما كان قليلا ـ أن يقول: انّه لا يوجد تناسب بين الجملتين في قوله تعالى: (... وإنْ خفتم ألاّ تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء...)(3) وانه قد سقط شيء بينهما;
وذلك لأنّه بأقل تأمل يتضح وجود ارتباط وثيق وتناسب دقيق بين الجملتين، حيث إنّ الخطاب في الآية السابقة يتعلّق بأموال اليتامى والنهي عن التجاوز على حقوقهم، فقال تعالى عزُّه: (وآتوا اليتامى أموالهم ولا تتبدلوا الخبيث بالطّيّب ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم إنّه كان حوباً كبيراً)(4) فالآية واقعة موقع الترقي بالنسبة إلى النهي الواقع في هذه الآية فالمعنى ـ والله أعلم ـ اتقوا أمر اليتامى، ولا تتبدلوا خبيث أموالكم بطيب أموالهم، ولا تأكلوا أموالهم إلى أموالكم حتى إنّكم إن خفتم أن لا تقسطوا في اليتيمات منهم ولم تطب نفوسكم للخوف من عدم القسط فلا تنكحوهن وتتزوجوا بهن، فدعوهن وانكحوا نساءً غيرهن ما طاب لكم مثنى وثلاث ورباع والشاهد عليه الآية 127 من السورة نفسها، قال تعالى: (يستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهنَّ ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن والمستضعفين من الولدان وأن تقوموا لليتامى بالقسط...).
وعلى هذا كيف تقبل رواية تقول; "سقط بين هاتين الجملتين المتقدمتين من الآية الشريفة ثلث القرآن"(5)، وهذه الرواية بالاضافة إلى كونها مرسلة فهي مخالفة للنص القرآني الصريح فتكون ساقطة عن الاعتبار من حيث الدلالة، ولو أضفنا إلى ذلك كون المخاطب بهذا الكلام هو أحد الزنادقة الذي أحتج واستدل على تحريف القرآن بهذه الآية، فكيف يصحّ من الإمام علىّ ـ عليه السلام ـ أن يجيبه بما يدلّ على سقوط ثلث القرآن بين جملتي الآية; وهذا يكون دليلا ضد القرآن لا له، ثمّ هل يعقل أساساً أنّ ثلث القرآن قد سقط بين جملتين؟!!(6) ومع هذا كله نرى بعض المحدثين قد تلقفوا الحديث وأخذوه بنظر الاعتبار!! لانهم ـ كما قلنا ـ قد ابتعدوا عن النسج والنظم القرآني، بل الروح القرآني ولم يفهموا الدين الاّ من خلال روايات مبعثرة ومتضاربة دون ان تكون لهم رؤية واضحة أو يلجأوا إلى ركن وثيق.
وهلمّ معي وانظر إلى روايات أهل السنة الموجودة في كتبهم المتعددة والتي نقلت بأسانيد مختلفة عن اُبي بن كعب أنـّه قرأ من سورة البينّة:
"لو أن ابن آدم سأل وادياً من مال فاعطيه لسأل ثانياً فاعطيه لسأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ويتوب الله على من تاب وان ذلك الدين القيم عند الله الحنيفية غير المشركة ولا اليهودية ولا النصرانية...".

وفي رواية عن "أبي واقد الليثي" قال: أنزل الله تعالى:
"انا انزلنا المال لاقام الصلاة وايتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحبَّ أن يكون له ثان ولو كان له واديان لأحب أن يكون لهما ثالثٌ ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب ثم يتوب الله على من تاب".
ونقلت روايات أُخرى بصور مختلفة(7).

ولنقرأ معاً الردّ الجميل الذي ذكره العلامة البلاغي المفسّر:
"هب أنّ المعرفة والصدق لا يطالبان المحدثين "ولا نقول القصاص"
ولا يسألانهم عن هذا الاضطراب الفاحش فيما يزعمون أنه من القرآن ولا يسألانهم عن التمييز بين بلاغة القرآن وعلوّ شأنه فيها وبين انحطاط هذه الفقرات، ولكن أليس للمعرفة أن تسألهم عن الغلط في قولهم "غير المشركة" فهل يوصف الدين بأنّه مشركة وفي قولهم "الحنيفية المسلمة" وهل يوصف الدين أو الحنيفية بأنه مسلمة وقولهم "ان ذات الدين" وفي قولهم "انا انزلنا المال لاقام الصلاة" ما معنى انزال المال وما معنى كونه لاقام الصلاة!؟ و..."(8).
والحق أن سبب كلّ تلك المشكلات هو فكرة حاكمية الرّوايات على القرآن وعدم فهم طريقة القرآن في عرض تعاليم السماء من جهة، وميل القلوب الى أصحاب وأرباب كتب الحديث بدل تعلقها واُنسها بالكتاب السماوي من جهة أخرى، وكلّ ذلك إنّما يحكي عن وجود فاصلة كبيرة بينهم وبين قدسية القرآن الكريم.

وما أروع ماسطّره بنان الشيخ كاشف الغطاء إذ يقول:
"يا للعجب من قوم يزعمون سلامة الأحاديث وبقاءها محفوظة وهي دائرة على الألسن ومنقولة في الكتب في مدّة ألف ومئتي سنة، وأنـّها لو حدث فيها نقص لظهر واستبان وشاع!! لكنهم يحكمون بنقص القرآن وخفي ذلك في جميع الأزمان!!"(9).
نعم، فالمحققون لم يصرفوا همّهم وجهدهم إلى جمع الرّوايات فقط بل اعتنوا بأمر القرآن والسنّة بخصوص التدبّر في الآيات والدرّاية في الرّوايات(10). وبناءً عليه

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال:
"قال أبو جعفر عليه السلام: يابُنّي! اعرف منازل الشيعة على قدر روايتهم ومعرفتهم، فانّ المعرفة هي الدرّاية للرواية وبالدرايات للروايات يعلو المؤمن الى أقصى درجات الايمان...". بحار الأنوار: ج 1، ص 106.
وروى الخطيب باسناده عن علي بن موسى الرضا عليهما السلام عن أبيه عن جدّه عن آبائه عليهم السلام أنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال:
"كونوا دراة ولا تكونوا رُواة، حديث تعرفون فقهه خير من ألف حديث تروونه"
مجموعة رسائل في علوم الحديث للنسائي والخطيب البغدادي: ص 125.
فالاكثرية الساحقة منهم يرون أنّ تلك الرّوايات لا تتفق وروح القرآن وتعاليمه فلم يميلوا إلى القول بالتحريف قط وذلك انهم انصتوا لما أوصانا أئمتنا المعصومون عليهم السلام في رواياتهم بعرضها على القرآن.
____________
1 ـ سيبحث عن حديث الثقلين بالإجمال في المقام الثاني.
2 ـ يوجد هذا النوع من تعلق الخاطر بين العامّة والخاصّة، فقد كتب القاضي عياض في البحث عن اسطورة القاء الشيطان في الوحي والذي روي في بعض تفاسير أهل السنة كتفسير الطبري وغيره: "ان هذا حديث لم يخرجه احد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل وانما اولع به وبمثله المفسرون والمؤرخون المولعون بكل غريب المتلقفون من الصحف كل صحيح وسقيم" (الشفاء بتعريف حقوق المصطفى: ج 2، ص 750).
3 ـ سورة النساء (4): الآية 3.
4 ـ سورة النساء (4): الآية 2.
5 ـ الاحتجاج: ج 1، ص 377 ـ 378. لا يخفى انه لم يخرج احد هذه الرواية اِلاّ صاحب كتاب الاحتجاج مرسلة.
6 ـ قد أجاد وأتقن الشريف الرضي (ت / 406 هـ.) في دفع شبهة عدم التناسب بين جملتين في الآية الكريمة. انظر: حقائق التأويل في متشابه التنزيل: ص 291 ـ 296.
7 ـ ستأتي هذه الرّوايات وروايات أُخر مع ذكر مصادرها في فصل: دراسة أحاديث التحريف في كتب أهل السنة.
8 ـ آلاء الرحمن في تفسير القرآن: ج 1، ص 20.
9 ـ عن كتاب "الحقّ المبين": ص 11، عن صيانة القرآن عن التّحريف: ص 66.
10 ـ في نهج البلاغة: "اعقلوا الخبر إذا سمعتموه عقل رعاية لا عقل رواية، فإن رواة العلم كثير ورعاته قليل". باب الحكم، الرقم 98.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page