• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

نظرة في اجتهاد معاوية

هاهنا حق علينا أن نميط الستر عن اجتهاد معاوية ، ونناقش القائلين به في أعماله ، أفهل كانت على شيئ من النواميس الأربعة: الكتاب . السنة . الإجماع . القياس ؟ أو هل علم معاوية علم الكتاب ؟ وعند من درسه ؟ ومتى زاوله ؟ وقد كان عهده به منذ عامين (1) قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهل كان يميز بين محكماته ومتشابهاته ؟ أو يفرق بين مجمله ومبينه ؟ أو يمكنه الحكم في عمومه وخصوصه ؟ أو أحاط خبرا بمطلقه ومقيده ؟ أو عرف شيئا من ناسخه ومنسوخه ، إلى غير هذه من أضراب الآي الكريمة ، ومزايا المصحف الشريف الداخل علمها في استنباط الأحكام منه ؟ ! .
إن ظروف معاوية على عهد استسلامه لا يسع شيئا من ذلك ، على حين إنها تستدعي فراغا كثيرا لا يتصرم بالسنين الطوال فكيف بهذه الأويقات اليسيرة التي تلهيه في أكثرها الهواجس والأفكار المتضاربة من نواميس دينه القديم " الوثنية " وقد أتى عليها ما انتحله من الدين الجديد " الاسلام " فأذهب عنه هاتيك ، ولم يجئ بعد هذا على وجهه بحيث يرتكز في مخيلته ، ويتبوأ في دماغه .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هو وأبوه وأخوه من مسلمة سنة الفتح كما في الاستيعاب ، وكان ذلك في أخريات السنة الثامن الهجرة ، ووفاة النبي صلى الله عليه وآله في أوليات سنة 11 .
/ صفحة 350 /
وكان قد سبقه جماعة إلى الاسلام وكتابه ، وهم بين حكم النبي ومحكماته وإفاضاته وتعاليمه ، وهم لا يبارحون منتديات النبوة وهتافها بالتنزيل والتأويل الصحيح الثابت ، قضوا على ذلك أعواما متعاقبة ومددا كثيرة فلم يتسن لهم الحصول على أكثر تلكم المبادي وانكفؤا عنها صفر الأكف ، خاوين الوطاب ، انظر إلى ذلك الذي حفظ سورة البقرة في اثنى عشرة سنة ، حتى إذا تمكن من الحفظ بعد ذلك الأجل المذكور نحر جزورا شكرا على ما أتيح له من تلك النعمة بعد جهود جبارة ، والله يعلم ما عاناه طيلة تلكم المدة من عناء ومشقة ، وهذا الرجل ثان الأمة عند القوم في العلم والفضيلة ، وكان من علمه بالكتاب إنه لم يع تنصيصه على موت النبي صلى الله عليه وآله فلما سمع قوله تعالى: إنك ميت وإنهم ميتون .
ألقى السيف من يده ، وسكنت فورته ، وأيقن بوفاته صلى الله عليه وآله كمن لم يقرأ الآية الكريمة إلى حينه ، وإن تقس موارد علمه بالكتاب ونصوصه قضيت منها العجب ، وأعيتك الفكرة في مبلغ فهمه ، وماذا الذي كان يلهيه عن الخبرة بأصول الاسلام وكتابه ؟ ولئن راجعت فيما يؤل إلى هذا الموقف (الجزء السادس) من هذا الكتاب رأيت العجب العجاب .
وليس من البعيد عنه أول رجل في الاسلام عند القوم الذي بلغ من القصور والجهل بالمبادي والخواتيم والأشكال والنتايج حدا لا يقصر عنه غمار الناس والعاديين منهم الذين أشرقت عليهم أنوار النبوة منذ بذوغها ، ولعلك تجد في الجزء السابع من هذا الكتاب ما يلمسك باليد يسيرا من هذه الحقايق .
وأنت إذن في غنى عن استحفاء أخبار كثير من أولئك الأولين الذين لا تعزب عنك أنبائهم في الفقه والحديث والكتاب والسنة ، فكيف بمثل معاوية الملتحق بالمسلمين في أخريات أيامهم ؟ وكانت تربيته في بيت حافل بالوثنية ، متهالك في الظلم والعدوان ، متفان في عادات الجاهلية ، ترف عليه رايات العهارة وأعلام البغاء ، وإذا قرع سمع أحدهم دعاء إلى وحي أو هتاف بتنزيل جعل إصبعه في أذنه ، وراعته من ذلك خاطرة جديدة لم يكن يتهجس بها منذ آباءه الأولين .
نعم: المعروفون بعلم الكتاب على عهد الصحابة أناس معلومون ، وكانوا مراجع الأمة في مشكلات القرآن ومغازيه وتنزيله وتأويله كعبد الله بن مسعود ، وعبد الله بن - العباس ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت .
/ صفحة 351 /
وأما مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فهو عدل القرآن والعالم بأسراره وغوامضه ، كما أن عنده العلم الصحيح بكل مشكلة ، والحكم البات عند كل قضية ، والجواب الناجع عند كل عويصة ، وقد صح عند الأمة جمعاء قوله الصادق المصدق صلوات الله عليه: : سلوني قبل أن لا تسألوني ، لا تسألوني عن آية في كتاب الله ولا سنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله إلا أنبأتكم بذلك . راجع الجزء السادس ص 193 ط 2 .
السنة .
وماذا تحسب أن يكون نصيب معاوية من علم الحديث الذي هو سنة رسول الله صلى الله عليه وآله من قوله وفعله وتقريره ؟ لقد عرفنا موقفه منها قوله هو فيما أخرجه أحمد في مسنده 4: 99 من طريق عبد الله بن عامر قال: سمعت معاوية يحدث وهو يقول: إياكم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا حديثا كان على عهد عمر .
لماذا هذا التحذير عن الأحاديث بعد أيام عمر ؟ ألان الافتعال والوضع كثرا بعده ؟ أم لأن الصحابة العدول الموثوق بهم على عهد عمر وما قبله منذ تصرم العهد النبوي سلبت عنهم الثقة بعد خلافة عمر ؟ فكأنهم ارتدوا - العياذ بالله - بعده كذابين وضاعين ، ولازمه الطعن في أكثر الأحاديث وعدم الاعتداد بمدارك الأحكام ، لأن شيئا كثيرا منها انتشر بعد ذلك الأجل ، وما كانت الدواعي والحاجة تستدعيان روايتها قبل ذلك ، على أن الجهل بتاريخ إخراجها ، هل هو في أيام عمر أو بعدها ؟ يوجب سقوطها عن الاعتبار لعدم الثقة برواتها وروايتها ؟ ولم تكن الرواة تسجل تاريخ ما يروونه حتى يعلم أن أيا منها محاط بسياج الثقة ، وأيا منها منبوذ وراء سورها .
وما خصوصية عهد عمر في قبول الرواية ورفضها ؟ ألان الحقايق تمحضت فيه ؟ ومن ذا الذي محضها ، أم لأن التمحيص أفرد فيه الصحيح من السقيم ؟ ومن ذا الذي فعل ذلك ؟ أم أن يد الأمانة قبضت على السنة عندئذ ، وعضتها بالنواجذ حرصا عليها ، فلم يبق إلا لبابها المحض ؟ فمتى وقعت تلكم البدع والتافهات ؟ ومتى بدلت السنن ؟ ومتى غيرت الأحكام ؟ راجع الجزء السادس وهلم جرا .
ولعل قول معاوية هذا في سنة الرسول صلى الله عليه وآله كاف في قلة اعتداده بها ، أو أنه كان ينظر إليها نظر مستخف بها ، وكان يستهين بقائلها مرة ، ويضرط لها إذا سمعها مرة
/ صفحة 352 /
أخرى ، وينال من رواتها بقوارص طورا ، وينهى راويها عن الرواية بلسان بذي بكل شدة وحدة ، إلى أشياء من مظاهر الهزء والسخرية (1) فما ظنك بمن هذا شأنه مع - السنة الشريفة ؟ فهل تذعن له إنه يعبأ بها ويحتج بها في موارد الحاجة ، ويأخذها مدركا عند عمله ؟ أو ينبذها وراء ظهره ؟ كما فعل ذلك في موارده ومصادره كلها .
وإن حداثة عهد معاوية بالاسلام وأخذه بالروايات بعد كل ما قدمناه ، وما كان يلهيه عن الاصاغة إليها طيلة أيامه من كتابة وإمارة وملوكية ، وإن حياته في دور الاسلام كلها كانت مستوعبة بظروب السياسة وإدارة شئون الملك والنزاع والمخاصمة دونه ، فمتى كان يتفرغ لأخذ الروايات وتعلم السنن ؟ ثم من ذا الذي أخذ عنه السنة ؟ والصحابة جلهم في منتأى عن مبائته " الشام " ولم يكن معه إلا طليقا أعرابيا ، أو يمانيا مستدرجا ، وهو يسيئ ظنه بجملة الصحابة المدنيين حملة الأحكام ونقلة الأحاديث النبوية ويقول بملأ فمه: إنما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم ، فلما فارقوه كان الحكام على الناس أهل الشام (2) وعلى أثر ظنه السيئ وقوله الآثم كان يمنع هو وأمراءه عن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله كما يظهر مما أخرجه الحاكم في المستدرك 4: 486 من قول عبد الله بن عمرو بن العاص لما قاله نوف: أنت أحق بالحديث مني أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله: إن هؤلاء قد منعونا عن الحديث يعني الأمراء .
وجاء في حديث: إن معاوية أرسل إلى عبد الله بن عمر فقال: لئن بلغني إنك تحدث لأضربن عنقك (3) .
وعلى ذلك الظن أهدر دماء بقية السلف الصالح ، وبعث بسر بن أرطاة إلى المدينة الطيبة فشن الغارة على أهلها ، فقتل نفوسا بريئة ، وأراق دماء زكية ، واقتص أثره من بعده جروه يزيد في واقعة الحرة ، ومن يشابه أبه فما ظلم .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page