• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

فصل: في حلمه وجوده وحسن خلقه واخباره بالغيب واجابة دعائه

ومن فضائله عليه السلام الحلم، والكرم والجود، والسخاء، وحسن الخلق، واخباره بالغيب، واجابة دعائه بسرعة، فجلّ من أنعم عليه بالفضل الجسيم، والرتبة العالية، والمنزلة العظيمة، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
وأمّا الحلم: فكان عليه السلام من أكثر الناس حلماً، لم يقابل مسيئاً بإساءته، ولقد عفى عن أهل البصرة بعد أن ضربوا وجهه بالسيف، وقتلوا أصحابه، وردّ عائشة إلى المدينة، وأطلق عبد الله بن الزبير بعد الظفر به على عداوته وتأليبه(1) عليه وشتمه له على رؤوس الخلائق، وصفح عن مروان بن الحكم يوم الجمل مع شدّة عداوته.
وأمّا الكرم: فقد بلغ فيه الغاية القصوى التي لم تحصل لغيره صلوات الله عليه، روى الثعلبي في تفسيره عن أبي ذر الغفاري قال، وذكر في أوّل الحديث من طريقنا انّ عبد الله بن عباس كان على شفير زمزم وهو يقول: سمعت النبي صلّى الله عليه وآله يقول وهو يكرّر الأحاديث إذ أقبل رجل معتمّ بعمامة وقد غطّى أكثر وجهه بها، وكان ابن عباس لا يقول: "قال رسول الله صلّى الله عليه وآله" إلاّ قال ذلك الرجل: "قال رسول الله صلّى الله عليه وآله".
فقال له ابن عباس: بالله عليك من أنت؟! فكشف العمامة عن وجهه وقال: أيّها الناس من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فأنا جندب بن جنادة أبو ذر الغفاري، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله بهاتين وإلاّ صُمّتا يعني اُذنيه ورأيته بهاتين يعني عينيه وإلاّ عميتا يقول: "عليّ قائد البررة، عليّ قاتل الكفرة، منصورٌ من نَصَرَه، مخذولٌ من خَذَلَه، ملعونٌ من جَحَدَ ولايته".
أما إنّي صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وآله صلاة الظهر، فسأل سائل في المسجد فلم يعطه أحد شيئاً، فرفع السائل يده إلى السماء وقال: اللّهمّ اشهد إنّي سألت في مسجد رسول الله فلم يُعطني أحد شيئاً.
وكان أمير المؤمنين عليه السلام راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى وكان يتختّم فيها فأقبل السائل حتّى أخذ الخاتم من خنصره، والنبي صلّى الله عليه وآله يشاهد، فلمّا فرغ من صلاته رفع رأسه إلى السماء وقال:"اللّهمّ إنّ موسى سألك فقال:ربّ اشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واحلل عقدة من لساني، يفقهوا قولي، واجعل لي وزيراً من أهلي، هارون أخي، اُشدد به أزري، وأشركه في أمري(2) اللّهمّ فأنزلت عليه قرآناً ناطقاً{سنشدّ عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطاناً فلا يصلون إليكما بآياتنا}(3) اللّهمّ فأنا محمد نبيّك وصفيّك، اللّهمّ فاشرح لي صدري، ويسّر لي أمري، واجعل لي وزيراً من أهلي، عليّاً أخي اُشدد به ظهري".
قال: فما استتمّ رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى نزل جبرئيل عليه السلام من عند الله تعالى وقال:يا محمد إقرأ قال: وما أقرأ؟ قال: إقرأ {إنّما وليّكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون}(4) (5).
وروي أنّ أمير المؤمنين عليه السلام دخل مكّة في بعض حوائجه فوجد أعرابياً متعلّقاً بأستار الكعبة وهو يقول:يا من لا يحويه مكان، ولا يخلو منه مكان، بلا كيفية كان، اُرزق الأعرابي أربعة آلاف درهم قال: فتقدّم إليه أمير المؤمنين عليه السلام فقال: ما تقول يا أعرابي؟ فقال الأعرابي: مَن أنت؟ قال: عليّ بن أبي طالب، قال: أنت والله حاجتي، قال عليه الصلاة والسلام: سل يا أعرابي، قال: أريد ألف درهم للصداق، وألف درهم أقضي بها ديني، وألف درهم أشتري بها داراً وألف درهم أتعيّش بها، قال عليه السلام: أنصفت يا أعرابي، إذا خرجت من مكّة فسل عن داري بمدينة الرسول صلّى الله عليه وآله فأقام الأعرابي اُسبوعاً بمكّة، وخرج في طلب أمير المؤمنين عليه السلام إلى المدينة ونادى: من يدلّني على دار أمير المؤمنين عليه السلام، فلقيه الحسين(6)عليه السلام فقال: أنا أدلّك على دار أمير المؤمنين.
فقال له الأعرابي: من أبوك؟ قال: أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب،قال: من اُمّك؟ قال: فاطمة الزهراء سيّدة نساء العالمين، قال: من جدّك؟ قال: رسول الله صلّى الله عليه وآله محمد بن عبد الله بن عبد المطّلب، قال: من جدّتك؟ قال: خديجة بنت خويلد، قال: من أخوك؟ قال: الحسن بن عليّ(7) قال: قد أخذت الدنيا بطرفيها، امش (8) إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقل له: انّ الأعرابي صاحب الضمان بمكّة على الباب.
فدخل الحسين عليه السلام وقال: يا أبت أعرابي بالباب يزعم أنّه صاحب ضمان بمكّة، قال: فخرج عليه السلام وطلب سلمان الفارسي رحمة الله عليه وقال له: يا سلمان اُعرض الحديقة التي غرسها لي رسول الله صلّى الله عليه وآله على التجار، فدخل سلمان السوق وعرض الحديقة، فباعها باثني عشر ألف درهم، وأحضر المال وأحضر الأعرابي، فأعطاه أربعة آلاف درهم وأربعون درهم للنفقة.
ووقع الخبر إلى فقراء المدينة،فاجتمعوا إليه والدراهم مصبوبة بين يديه، فجعل عليه السلام يقبض قبضة فيعطي رجلا رجلا حتّى لم يبق له درهم واحد منها، ودخل منزله فقالت فاطمة عليها السلام: يا ابن عم بعت الحديقة التي غرسها لك رسول الله صلّى الله عليه وآله والدي؟ قال: نعم بخير منها عاجلا وآجلا.
قالت له: جزاك الله في ممشاك ثمّ قالت: أنا جائعة وابناي جائعان ولا شك أنّك مثلنا، فخرج عليّ عليه السلام ليقترض شيئاً يخرجه على عياله، فجاء رسول الله صلّى الله عليه وآله وقال: يا فاطمة أين ابن عمّي؟ فقالت له: خرج يا رسول الله، فقال صلوات الله عليه وآله: هاك هذه الدراهم فإذا جاء ابن عمّي فقولي له يبتاع لكم بها طعاماً.
وخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله، فجاء عليّ عليه السلام وقال: جاء ابن عمّي فإنّي أجد رائحة طيبة؟ قالت: نعم، وناولته الدراهم وكانت سبعة دراهم سود هجرية، وذكرت له ما قال صلّى الله عليه وآله، فقال: يا حسن قم معي فأتيا السوق فإذا هما برجل واقف وهو يقول: من يقرض الوفي المليّ؟ فقال: يا بني أعطيه الدراهم، فقال: بلى والله يا أبت، فأعطاه عليه السلام الدراهم ومضى إلى باب رجل يستقرض منه شيئاً، فلقيه أعرابي ومعه ناقة، قال: اشتر منّي هذه الناقة، قال: ليس معي ثمنها، قال: فإنّي أنظرك بها، قال: بكم يا أعرابي؟ قال: بمائة درهم، قال عليه السلام:خذها يا حسن.فأخذها ومضيا عليهما السلام، فلقيه أعرابي آخر فقال: يا علي أتبيع الناقة؟ قال عليه السلام: وما تصنع بها؟ قال: أغزو عليها أوّل غزوة يغزوها ابن عمّك، قال له عليه السلام: إن قبلتها فهي لك بلا ثمن، قال: معي ثمنها، فبكم اشتريتها؟ قال: بمائة درهم، قال الأعرابي: فلك سبعون ومائة درهم، فقال عليه السلام: خذها ياحسن وسلّم الناقة إليه والمائة للأعرابي الذي باعنا الناقة، والسبعون لنا نأخذ منها شيئاً.
فأخذ الحسن عليه السلام الدراهم وسلّم الناقة قال عليه السلام: فمضيت أطلب الأعرابي الذي ابتعت منه الناقة لأعطيه الثمن، فرأيت رسول الله صلّى الله عليه وآله في مكان لم أره فيه قبل ذلك على قارعة الطريق، فلمّا نظر إليّ صلّى الله عليه وآله تبسّم وقال: يا أبا الحسن أتطلب الأعرابي الذي باعك الناقة لتوفّيه ثمنها؟ فقلت:إي والله فداك أبي واُمّي فقال: يا أبا الحسن الذي باعك الناقة جبرئيل، والذي اشتراها منك ميكائيل، والناقة من نوق الجنّة، والدراهم من عند ربّ العالمين المليّ الوفيّ(9).
وروى الثعلبي وغيره من المفسّرين: انّ الحسن والحسين مرضا، فعادهما جدّهما رسول الله صلّى الله عليه وآله وعادهما عامة العرب، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت لولديك نذراً، فقال عليه السلام: إن برئ ولداي ممّا بهما صمت ثلاثة أيّام شكراً لله تعالى، وقالت فاطمة عليها السلام مثل ذلك، وقالت جاريتها فضّة: إن برئ سيّداي ممّا بهما صمت ثلاثة أيّام شكراً لله عزوجل فاُلبسا العافية وليس عند آل محمد لا قليل ولا كثير فآجر عليّ عليه السلام نفسه ليلة إلى الصبح يسقي نخلا بشيء من شعير، وأتى به لمنزله، فقامت (10) فاطمة صلوات الله عليها إلى ثلثه، فطحنته واختبزت منه خمسة أقراص لكلّ واحد منهم قرصاً.
وصلّى أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام صلاة المغرب مع رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ أتى المنزل فوضع الطعام بين يديه، فجاء مسكين فوقف بالباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فسمعه عليّ عليه السلام فقال: أطعموه حصّتي، فقالت فاطمة عليها السلام والباقون كذلك، فأعطوه(11) الطعام ومكثوا يومهم وليلتهم لم يذوقوا إلاّ الماء القراح.
فلمّا كان اليوم الثاني طحنت فاطمة عليها السلام ثلثاً آخر واختبزته، وأتى أمير المؤمنين عليه السلام من صلاة المغرب مع رسول الله صلّى الله عليه وآله ووضع الطعام بين يديه، فأتى يتيم من أيتام المهاجرين وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، يتيم من أيتام المهاجرين، استشهد والدي يوم العقبة، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فسمعه عليّ وفاطمة عليهما السلام [والباقون](12)فأعطوه الطعام ومكثوا يومين وليلتين لم يذوقوا إلاّ الماء القراح. فلمّا كان اليوم الثالث قامت فاطمة عليها السلام إلى الثلث الباقي وطحنته واختبزته، وصلّى عليّ عليه السلام مع النبي صلّى الله عليه وآله المغرب ثمّ أتى المنزل، فوضع الطعام بين يديه فجاء أسير فوقف بالباب وقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، تأسرونا ولا تطعمونا، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فإنّي أسير محمد صلّى الله عليه وآله، فسمعه عليّ عليه السلام فآثره وآثروه معه ومكثوا ثلاثة أيّام بلياليها لم يذوقوا شيئاً إلاّ الماء. فلمّا كان اليوم الرابع وقد وفوا بنذرهم أخذ أمير المؤمنين عليه السلام الحسن بيده اليمنى والحسين بيده اليسرى وأقبل نحو رسول الله صلّى الله عليه وآله وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، فلمّا بصر بهما النبي صلّى الله عليه وآله قال:يا أبا الحسن ما أشد ما يسوؤني ما أرى بكم انطلقوا بنا إلى ابنتي فاطمة.
فانطلقوا إليها وهي في محرابها تصلّي وقد لصق بطنها بظهرها من شدّة الجوع فلمّا رآها النبي صلّى الله عليه وآله قال: وا غوثاه بالله يا أهل بيت محمد تموتون جوعاً، فهبط جبرئيل عليه السلام وقال: خذ يا محمد هنّأك الله تعالى في أهل بيتك، قال: وما آخذ يا جبرئيل؟ قال: فاقرأ:{هل أتى على الإنسان}السورة(13).
ومن كان أكرم الناس كان أفضل، فيكون هو الإمام دون غيره. وأمّا الجود والسخاء: فقد بلغ فيه ما لم يبلغه أحد، جاد بنفسه والجود بالنفس أقصى غاية الجود.
روى أبو سعيد الخدري قال: لمّا خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله إلى الغار أوحى الله عزوجل إلى جبرئيل وميكائيل: إنّي قد آخيت بينكما، وجعلت عمر أحدكما أطول من عمر الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة؟ فكلاهما اختار وأحبّ الحياة، فأوحى الله عزوجل إليهما: أفلا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمد فبات على فراشه يقيه بنفسه، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه. وكان جبرئيل عند رأسه، وميكائيل عند رجليه، وجبرئيل ينادي: من مثلك؟ بخ بخ من مثلك يا ابن أبي طالب؟! يباهي الله بك الملائكة، وأنزل الله عزوجل في حقّه:{ومن الناس من يشري نفسه ابتغاء مرضات الله والله رءوف بالعباد}(14) وإذا كان كذلك وجب أن يكون هو الإمام دون غيره.
وأمّا حسن الخلق: فقد بلغ فيه الغاية القصوى حتّى نسبه أعداؤه إلى الدعابة، وممّا يدلّ على ذلك مساواته للرسول صلّى الله عليه وآله الاّ النبوّة، وقد مدح سبحانه نبيّه صلّى الله عليه وآله بقوله:{وإنّك لعلى خلق عظيم}(15) فكذا يجب أن يكون علياً عليه السلام لمساواته له صلّى الله عليه وآله.
وأمّا اخباره بالغيب: فكثير وهي معجزة عظيمة دالّة على إمامته عليه السلام، لأنّها لم تتيسّر لأحد من اُمّة محمد صلّى الله عليه وآله غير عليّ عليه السلام منها أنّه لمّا بويع بذي قار قال: يأتيكم من قبل الكوفة ألف رجل لا ينقصون رجلا ولا يزيدون رجلا، يبايعون على الموت، آخرهم اُويس القرني، قال ابن عباس: فأحصيت المقبلين فنقصوا واحداً، فبينما أنا اُفكّر إذ أقبل اُويس القرني(16) ومنها انّ رجلا جاء إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال: يا أمير المؤمنين إنّي مررت بوادي القري فرأيت خالد بن عرفطة قد مات فاستغفر له، فقال عليه السلام: إنّه لم يمت ولا يموت حتّى يقود جيش ضلالة، صاحب لوائه حبيب بن جماز، فقام رجل من تحت المنبر فقال: يا أمير المؤمنين إنّي لك شيعة وإنّي لك محبّ، قال: ومن أنت؟ قال: أنا حبيب بن جماز.فقال عليه السلام: إيّاك أن تحملها ولتحملنّها فتدخل بها من هذا الباب، وأومئ بيده إلى باب الفيل، فلمّا مضى أمير المؤمنين عليه السلام، ومضى الحسن ابنه عليه السلام من بعده، وكان من أمر الحسين عليه السلام ما كان، بعث ابن زياد بعمر بن سعد إلى الحسين عليه السلام.
وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته وحبيب بن جماز صاحب رايته فسار بها حتّى دخل المسجد من باب الفيل(17).
ومنها اخباره عن قتل نفسه الشريفة صلوات الله عليه، وقال: والله لتخضبنّ هذه من هذه ووضع يده على رأسه ولحيته(18).
ومنها اخباره بصلب ميثم التمار وطعنه بحربة عاشر عشرة على باب دار عمرو بن حريث، وأراه النخلة التي يُصلب على جذعها، وكان ميثم يأتيها ويصلّي عندها ويقول لعمرو بن حريث: إنّي مجاورك فأحسن جواري، فصلبه عبيد الله بن زياد وطعنه بحربة(19)ومنها انّه قال لأصحابه لما رفع معاوية المصاحف:إنّهم لم يريدوا القرآن فاتّقوا الله وامضوا على بصائركم، فإن لم تفعلوا تفرّقت بكم السبل وندمتم حيث لا ينفعكم الندامة وكان كما أخبر(20).
ومنها انّه أخبر بقتل ذي الثدية فلم يُر بين القتلى، فقال: والله ما كذبت وما كُذبت فاختبروا القتلى، فاختبروهم فوجدوه في النهر، وشقّ عن ثوبه فوجد سلعة على كتفه كثدي المرأة، ينجذب كتفه إذا جذبت، ويرجع إذا تركت (21) ومنها انّه اُخبر عن الخوارج بعبور النهر فقال: والله ما عبروا، ثمّ اُخبر ثانية وثالثة فقال: والله ما عبروا وما يعبرون حتّى يقتل منهم بعدد هذه الاجمة، قال جندب بن عبد الله الأزدي: والله لئن كانوا قد عبروا وإلاّ أكون أوّل من يقاتله، فلمّا وصلوا إليهم لم يجدوهم عبروا.
فقال:يا أخا الأزد أتبيّن لك الأمر فلمّا قتل الخوارج قطعوا الاجمة وتركوا على كلّ قتيل قصبة فلم تزد عليهم ولا نقصت عنهم(22).
ومنها انّه خرج ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجّهاً إلى داره قد مضى هزيع (23) من الليل ومعه كميل بن زياد وكان من خيار شيعته ومحبّيه فوصل في الطريق إلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت ويقرأ قوله تعالى:{أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنّما يتذكّر اُولوا الألباب}(24) بصوت شجيّ حزين. فاستحسن كميل ذلك في باطنه، وأعجبه حال الرجل من غير أن يقول شيئاً، فالتفت إليه صلوات الله عليه وقال: يا كميل لا يعجبك طنطنة الرجل انّه من أهل النار سأنبئك فيما بعد.
فتحيّر كميل لمكاشفته له على ما في باطنه، ولشهادته لدخول النار(25) مع كونه في هذا الأمر وتلك الحالة الحسنة ظاهراً في ذلك الوقت، فسكت كميل متعجباً متفكّراً في هذا الأمر، ومضى مدّة متطاولة إلى أن آل حال الخوارج إلى ما آل، وقاتلهم أمير المؤمنين عليه السلام، وكانوا يحفظون القرآن كما اُنزل.
فالتفت أمير المؤمنين عليه السلام إلى كميل بن زياد وهو واقف بين يديه والسيف في يده يقطر دماً ورؤوس اُولئك الكفرة الفجرة محلّقة على الأرض، فوضع رأس السيف على رأس من تلك الرؤوس وقال: يا كميل {أمّن هو قانت آناء الليل} أي هو ذلك الشخص الذي كان يقرأ في تلك الليلة فأعجبك حاله.
فقبّل كميل قدميه واستغفر الله(26) فصلّى الله على مجهول القدر.
ومنها انّه لما اشترى عليه السلام ميثم التمار من امرأة أخبره بأنّ اسمه سالم فقال عليه السلام: انّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أخبرني بأنّ أباك سماك ميثماً فارجع إليه، فقال ميثم: صدقت [يا مولاي]ثمّ أخبره بأنّ عبيد الله بن زياد يصلبه، كما تقدّم الحديث(27).
وأخبر رشيد الهجري بقطع يديه ورجليه وصلبه ففعل به ذلك زياد بن النضر(28) وأخبر عليه السلام مزروع بن عبد الله بأنّه يصلب بين شرفتين من شرف المسجد فصلب هناك(29) وأخبر بأنّ الحجاج يقتل كميل بن زياد(30) وأخبر قنبراً بذبحه فذبحه الحجاج(31) وقال للبراء بن عازب: انّ ولدي الحسين يقتل وأنت حيّ لا تنصره، فقتل وهو حيّ ولم ينصره، وكان يظهر الندم على ذلك(32) وأخبر بقتل الحسين عليه السلام ومصرعه وقبره لمّا توجّه إلى صفين، وكان كما قال(33) وأخبر عليه السلام بأنّه يعرض على أصحابه سبّه، فأباحه لهم دون البراءة منه فوقع ما أخبر به(34) وأخبر بقطع يد جويرية بن مسهر ورجله وصلبه على جذع، ففعل به ذلك في أيام معاوية وزياد بن أبيه(35) وأخبر بعمارة بغداد(36) وملك بني العباس وذكر أحوالهم وأخذ المغول الملك منهم(37).
وإخباره بالغيب كثير يطول بذكره الكتاب وهذا مما يدلّ على علوّ شأنه، وارتفاع محلّه، واتّصال نفسه الشريفة الطاهرة بعالم الغيب.
وأمّا إجابة دعائه: فكثير، منها انّه دعا فردّت عليه الشمس مرّتين احداهما في زمن النبي صلّى الله عليه وآله.
روت اُمّ سلمة، وجابر بن عبد الله الأنصاري، وأبي سعيد الخدري، وجماعة من الصحابة بأنّ النبي صلّى الله عليه وآله كان ذات يوم في منزله وعليّ عليه السلام بين يديه إذ جاءه جبرئيل عليه السلام يناجيه عن الله تعالى، فلمّا تغشّاه الوحي توسّد فخذ أمير المؤمنين عليه السلام، فلم يرفع رأسه حتّى غابت الشمس، ولم يتمكّن أمير المؤمنين عليه السلام من صلاة العصر، فاضطرّ عليه السلام لأجل ذلك أن صلّى العصر جالساً، يومئ لركوعه وسجوده إيماءً فلمّا أفاق رسول الله صلّى الله عليه وآله من تغشّيه(38) قال لأمير المؤمنين عليه السلام: فاتتك صلاة العصر؟ فقال: لم أستطع أن اُصلّيها قائماً لمكانك يا رسول الله، والحالة التي كنت عليها في استماع الوحي فقال له صلّى الله عليه وآله: اُدع الله ليرد عليك الشمس حتّى تصلّيها قائماً في وقتها فإنّ الله تعالى يجيبك لطاعتك لله ولرسوله، وسأل أمير المؤمنين عليه السلام الله تعالى في ردّ الشمس، فردّت عليه حتّى صارت في موضعها من السماء وقت العصر، فصلّى أمير المؤمنين عليه السلام ثمّ غربت(39).
وأمّا الثانية بعد النبي صلّى الله عليه وآله لمّا رجع من صفين وأراد عبور الفرات ببابل واشتغل جمع من أصحابه بتعبير دوابهم ورحالهم، وصلّى عليه السلام بنفسه في طائفة معه العصر، فلم يفرغ الناس من عبورهم الماء حتّى غربت الشمس، ففاتت الصلاة كثيراً منهم، وفات الجمهور فضل الجماعة معه.
فتكلّموا في ذلك، فلمّا سمع كلامهم فيه سأل الله تعالى بردّ الشمس عليه ليجتمع كافة أصحابه على صلاة العصر في وقتها، فأجابه الله سبحانه إلى ردّها عليه، فهال الناس ذلك وأكثروا التسبيح والتهليل والاستغفار(40)(41)ومنها لما زاد ماء الكوفة وخاف أهلها الغرق وفزعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام، فركب بغلة رسول الله صلّى الله عليه وآله وخرج والناس معه حتّى أتى شاطئ الفرات فنزل عليه السلام وأسبغ الوضوء وصلّى منفرداً بنفسه والناس يرونه، ثمّ دعا الله سبحانه بدعوات سمعها أكثرهم ثمّ تقدّم إلى الفرات متوكئاً على قضيب بيده وضرب صفحة الماء وقال: انقص باذن الله تعالى ومشيئته، فغاض الماء حتّى بدت الحيتان في قعر الفرات فنطق كثير منها بالسلام عليه بامرة المؤمنين، ولم ينطق منها أصناف من السموك، وهي الجري والمارماهي والزمار فتعجّب الناس من ذلك وسألوه عن علّة ما نطق منها وصموت ما صمت فقال عليه السلام: أنطق الله ما طهر من السموك، وأصمت عنّي ما حرّمه ونجّسه وبعّده(42).
ومنها انّه قال على منبر الكوفة:أيّها الناس من حضر قول رسول الله صلّى الله عليه وآله:"من كنت مولاه فعليّ مولاه" فليقم وليشهد،فقام جماعة وأنس بن مالك جالس لم يقم، فقال له: يا أنس ما منعك أن تشهد ولقد سمعت ما سمعوا؟ فقال: يا أمير المؤمنين كبرت ونسيت، فقال عليه السلام: اللّهمّ إن كان كاذباً فارمه ببياض لا تواريها العمامة، فصار أبرص(43) ومنها انّه دعا على بسر بن أرطاة فقال: اللّهمّ انّ بسراً باع آخرته بدنياه فاسلبه عقله، ولا تبق له من دينه ما يستوجب به رحمتك، فاختلط عقله(44).
ومنها انّه اتُّهم المغيرة(45) انّه يرفع أخباره إلى معاوية، فأنكر ذلك فقال له: إن كنت كاذباً فأعمى الله بصرك، فما دارت عليه جمعة حتّى عمي(46).
وهذا أيضاً كثير فلنقتصر منه على اليسير، ولا شك انّ اجابة الدعاء بسرعة من الفضائل التي لا تتيسّر لكلّ أحد، فصلّى الله على مجهول القدر، ومن بولايته والبراءة من أعدائه يُقبل العمل، ويحصل الأجر روى الخوارزمي في مناقبه عن النبي صلّى الله عليه وآله قال: يا عليّ لو أنّ عابداً عبد الله عزوجل مثل ما قام نوح في قومه، وكان له مثل جبل اُحد ذهباً فأنفقه في سبيل الله تعالى، وحجّ ألف عام على قدميه، ثمّ قُتل بين الصفا والمروة مظلوماً، ولم يوالك يا عليّ لم يشمّ رائحة الجنّة ولم يدخلها(47).
وتصديق هذا قوله تعالى:{وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً}(48) وقوله تعالى:{قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا * الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً}(49) وقوله تعالى:{وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية تُسقى من عين آنية}(50) فصلّى الله على من بولايته يحصل الايمان، وبمحبّته والبراءة من أعدائه يقبل العمل بالأركان.

*********
1- في "ج": تألّبه.
2-طه : 32/25
3- القصص: 35.
4- المائدة: 55.
5- راجع الطرائف: 47 ح39; والعمدة: 119 ح158; وكشف الغمة 1: 317 عن تفسير الثعلبي.
6- في "ج": الحسن عليه السلام.
7- في "ج": الحسين بن علي بن أبي طالب.
8- في "ب": امض.
9- أمالي الصدوق: 377 ح10 مجلس 71; عنه البحار 41: 44 ح1 باختلاف قليل.
10- في "ج": فقسّمت.
11- في "ج": فأطعموه.
12- أثبتناه من "ج".
13- راجع الطرائف: 107 ح160 عن تفسير الثعلبي، وفي شواهد التنزيل 2: 394 ح1042; والمناقب للخوارزمي: 267 ح250; عنه كشف الغمة 1: 307; وتفسير فرات: 519 ح676; عنه البحار 35: 249 ح7; وكفاية الطالب: 345; والكشّاف 4: 670; ومصادر اُخر.
14- اُنظر كفاية الطالب: 239; والعمدة: 239 ح367; والطرائف: 37 ح27 عن الثعلبي; وأيضاً كشف الغمة 1: 316; ونور الأبصار: 175; والبحار 19: 38 ح6; والآية في سورة البقرة: 207.
15- القلم: 4.
16- الارشاد: 166; عنه البحار 42: 147 ح7.
17- الارشاد: 173; ومناقب ابن شهر آشوب 2: 270 في اخباره بالبلايا والمنايا; عنه البحار 41: 313 ح39; وكشف اليقين: 79; وشرح نهج البلاغة 2: 287.
18- الارشاد: 168; عنه البحار 42: 192 ح6.
19- الارشاد: 170; عنه البحار 42: 124 ح7; شرح النهج لابن أبي الحديد 1: 210.
20- الارشاد: 167; عنه البحار 33: 311 ح561.
21- البحار 41: 339 ح59; عن شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 2: 275.
22- الارشاد: 167; عنه البحار 41: 284 ح3.
23- في "ج": ربع.
24- الزمر: 9.
25- في "ج" شهادته للرجل بالنار.
26- عنه البحار 33: 399 ح620.
27- الارشاد: 170; والبحار 41: 343; عن شرح نهج البلاغة 1: 210.
28- الارشاد: 171; نهج الحق: 242; وشرح نهج البلاغة 1: 211.
29- الارشاد: 172; عنه البحار 41: 285 ح5; مناقب ابن شهر آشوب 2: 272.
30- الارشاد: 172.
31- الارشاد: 173; نهج الحق: 242.
32- الارشاد: 174; ومناقب ابن شهر آشوب 2: 270; عنه البحار 41: 315 ح40.
33- الارشاد: 175; عنه البحار 41: 286 ح6.
34- الارشاد: 169.
35- البحار 41: 301 ح31 عن الخرائج; وفي نهج الحق: 242.
36- البحار 41: 125 عن مناقب ابن شهر آشوب; ونهج الحق: 243.
37- شرح نهج البلاغة 2: 125 و241; نهج الحق: 243.
38- في "ج": غشيته.
39- كشف الغمة 1: 285; كشف اليقين: 111; ارشاد المفيد: 182; ونحوه مناقب الخوارزمي: 306 ح301; ومناقب ابن شهر آشوب 2: 316; عنه البحار 41: 174 ح10; كفاية الطالب: 385.
40- كشف الغمة 1: 286; وكشف اليقين: 113; وارشاد المفيد: 182; ومناقب ابن شهر آشوب 2: 318; عنه البحار 41: 174 ح10.
41- قال العلامة رحمه الله في كتاب "كشف اليقين": كان بعض الزهّاد يعظ الناس، فوعظ في بعض الأيام وأخذ يمدح علياً عليه السلام، فقاربت الشمس الغروب وأظلم الاُفق، فقال مخاطباً للشمس:
لا تغربي يا شمس حتّى ينقضي               مدحي لصنو المصطفى ولنجله
واثني عنانك إذ عزمت ثناءه                        أنسيت يومك إذ رددت لأجله
إن كان للمولى وقوفك فليكن                    هذا الوقوف لخيله ولرجله
فوقفت الشمس وأضاء الاُفق حتّى انقضى المدح، وكان ذلك بمحضر جماعة كثيرة تبلغ حدّ التواتر  واشتهرت هذه القصة عند الخواص والعوام.
42- ارشاد المفيد: 183; وكشف اليقين: 113; ومناقب ابن شهر آشوب 2: 330; عنه البحار 41: 268 ح22.
43- الارشاد للمفيد: 185; مناقب ابن شهر آشوب 2: 279; عنهما البحار 41: 204 ح19.
44- مناقب ابن شهر آشوب 2: 280; عنه البحار 41: 204 ح19.
45- كذا في "ج"، وفي "الف" و "ب" كلمة مبهمة، لعلّها "اتّهم العين"، وفي بعض المصادر: رجل يقال له: الغيزار.
46- مناقب ابن شهر آشوب 2: 279; ارشاد المفيد: 184; وفي البحار 41: 198 ح11; كشف اليقين: 111; نهج الحق: 246.
47- المناقب للخوارزمي: 67 ح40; عنه كشف الغمة 1: 100; والبحار 27: 194 ح53.
48- الفرقان: 23.
49-  الکهف:104/103
50- الغاشية 2-5.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page