• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

القسم الاول : الخطاب الشعري لليلة عاشوراء

عندما نمتلك وعياً نقدياً مبسّطاً ونقرأ من خلاله المشهد الشعري المجاور لحركة بثّ المنظومة المعرفية الحسينية على إختلاف وسائطها ، لا نرى هناك إلا الشعر محرّكاً للوجدان والضمير الموالي ، ولا نجد سواه وَقوداً ملتهباً متأججاً بانفعالاته المتولدة من صوره وتراكيب ألفاظه وجمله.
فلو تأملنا مجلساً حسينياً بلا شعر ، فهل يستطيع خطيب أن يقرّب سامعيه من الابعاد المأساوية بِقِطَع نثرية ؟ وكيف سيتمكّن من تصوير المصاب بإغفال الجذوة الجيّاشة بالعواطف والاحاسيس والمشاعر التي يحملها الشعراء في حبات قلوبهم ؟ لابد من تأشير ذلك لئلا يُهمّش دور الشعر في الحمّى التبخيسية التي تتعرض لها كلّ الانشطة الانسانية الحقة والتي تملا الفراغات الحساسة في حيات البشر ، بعد غَلَبة الافكار المُسلّطة التي تحمل طابع السطو على المجالات والحقول المؤثّرة والفاعلة في الانسان الفرد والمجتمعات.
ولعلّي أجد أكثر من مبرّر أحتمي تحت ظلاله في محاولتي قراءة نصوص المجموعّة إنطلاقاً من النصوص نحو ليلة عاشوراء وليس العكس ، أي من ليلة عاشوراء نحو النصوص.
فليلة عاشوراء لاتحتاج الادب إلا كحلّة لها ، وصورة تتجلّى بها ، ووتر يرنّم انشودة العطاء والفداء والتضحية.
ربّ سائل يطرح هذه الاثارة (ما علاقة النقد الادبي بليلة عاشوراء ؟) ونحن
( 197 )
بدورنا نجيب
أنها علاقة أي نشاط إنساني حيوي بمبادئه وثوابته ومرتكزاته العقائدية والدينية من خلال الواقع والتاريخ الذي يعيشه ، فمادام هناك أدب يُكتب عن المأساة الحسينية (شعراً كان أو غيره من الاجناس الادبية والفنية) فلابد من وجود نقد يختبر ويفحص ويؤشّر ويقوّم ويثمّن ويوجّه ويفتتح طرق التلقي السليم ويُشذّب أساليب القراءة الصحيحة.
فالنقد يُفعّل عملية الالتفاف حول الادب (مؤلفين وقراء) وكذلك هو يرفع من درجات الاهتمام بالنشاط الادبي كنشاط إنساني ضروري يكتسب مشروعيته من حاجة الناس اليه لايجاد حالة التوازن في الجانب الشعوري الوجداني لبني البشر.
وبعد.. فالشاعر الولائي بحاجة الى الاحتضان والرعاية والاحتفاء ، لانه المعادِل العاطفي الوجداني للعالِم والمفكّر والفيلسوف ، وهو حنجرة الاماني المستترة ، وصوت الضمير النابع من أعماق الذات المتفاعلة مع النداء الالهي المتجلي ، دائماً وأبداً على صفحات الولاء الحق لحملة النور الرباني المتوهّج ، بسيد الاكوان والمخلوقات الرسول الاكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وآلِ بيته المعصومين (عليهم السلام) .
ليلة عاشوراء ما هي إلا محطة من محطات المسيرة العظيمة ، وهي موقف يمتد وأفق إنتظار لما سيحدث ، فلا غرو أن تُثير عند الشعراء كوامن الابداع وينابيع العطاء ليقفوا أمام جلالها وعظمتها وقفة حيرة ووجل.
مالذي يفعله كائن سينتهي في يوم ما من أيام الزمن مع واقعة تشمخ على قوانين الزمن الصارمة ؟.
إن لليلة عاشوراء من الخصائص ما يجعلها تحقق إمتدادات متنائية النهايات ،
( 198 )
ومساحات مترامية الابعاد ، وحجوماً غائرة الاعماق في الوجود الانساني عبر أزمانه المتعددة.
تُرسل الواقعة رسالتها ـ الى هدا الكائن الحساس في زمنه المحصور المهشّم ـ عبر سياق يحفظ للرسالة هويتها وصفاتها ، وهذا السياق هو ـ عملية نقل الوقائع التاريخية المهمة ـ وسيكون هناك نظام إتصال مادّي يؤمّن وصول الواقعة بطزاجتها ونضارتها وحيويتها من المرسل (ليلة عاشوراء) الى المستلم (وهو الشاعر هنا) وستنبري شيفرة محددة خاصة ـ يعرف الشاعر المستلم مفاتيحها ـ لاعادة حدوث الواقعة في ذهن المستلم.
بعد هذا ماالذي سيحدث ؟
هل يصح أن نعدّ المفردات التاريخية لليلة عاشوراء كمواد أولية خام للعملية التحويلية الشعرية التي ستتناولها أم لا ؟
إن مفردات ليلة عاشوراء ـ أحداثاً وشخصيات وحوارات وخِطباً ـ لحظات زمنية خاصة تجاوزة خصوصيتها المشخصة ، وتخطة إثباتها في السجلّ التاريخي لتستمرّ في نفض أغبرة النسيان عنها بنبض حيوي متصاعد لتتواصل ، مع كل اللحظات والازمان الخاصة التي ستعقبها وتليها ، بنداء حيّ متدفق فتخاطب عقولاً وقلوباً لم تعش معها تلك اللحظة التاريخية ولم تعاصرها ولم تتزامن معها.
فهي مواد أوليّة لعملية الكتابة تشعّ إمكانات وقدرة وطاقة هائلة لايمكن أن يحيط بكلياتها متأمل ، ولايستطيع أن يستوعب جزئياتها متفكر ، فنرى الشعراء حيارى بين من يقارب الوثيقة التاريخية بنظمه موثّقاً ، وبين من يستبطن مفرداتها ويدور حولها متصوّراً.
( 199 )
سنقف عند أحد المداخل المتفاعلة مع الليلة ، وهذا المدخل هو الخطاب الذاتي الخاص بالشاعر عندما ينادي ليلة عاشوراء لنرى سمات وصفات وأبعاداً سنحددها تباعاً من مجمل خطابات شعراء المجموعة كالاتي :
أ ـ البعد المأساوي المجرّد :
لابدّ لظاهرة الالم والتوجّع أن تطفو على السطح في الغليان الانساني المنفعل بالقضية الحسينية على وجه العموم ، لكني أقصد هنا حصر الخطاب الشعري لليلة عاشوراء بالصورة العامة للالم والمأساة بدون تفاصيل فنرى الشيخ النصيراوي يخاطبها :
ياليلة الحزن خطّي للنهى علما * فقد كتبناك في أعماقنا ألما
ب ـ البعد المأساوي المتجسّد :
وهو بعد يوضح أثر الليلة على حزن الشاعر ، حيث يتجسد هذا الحزن بصورة دمع يسيل دماً عند الشيخ المنصوري في خطابه لها :
بك ياليلة الوداع الرهيب * سال دمعي دماً لرزء الغريب
أو أن يتجسد جمراً وحرقة في الاكباد عند السيد القزويني :
ليلة العاشر قد خلّفت حتى الحشر في الاكباد جمراً
ج ـ البعد الحركي :
وهو بعد يخاطب فيه الشاعر الليلة كحق مضيّع ، فيسقطها تاريخياً على
( 200 )
الحاضر والمستقبل ليتم التحرك نحو ثارات الامام الحسين (عليه السلام) كما عند السيد مدين الموسوي :
لا تتركي حجراً على حجرِ * ياليلــة الارزاء والكــدر
صبّي على الدنيا وما حملت * من نار غيضك حارق الشرر
ياليلة وقــف الزمـان بها * وجِـلاً يُـدوّن أروع الصور
ونهج الشاعر ناجي الحرز المنهج نفسه لكن بتفصيل بالمطالبة للثارات ليقول :
أليلة يوم عاشــوراء عـودي * بكلّ الصحــوّ والهمم العظام
أعيدي فتحك القــدسيّ زهـواً * حسينيـاً علـى الــداء العقام
وصبي النور فـي شرق وغرب * ولـيس على عــراق أو شآم
لقد عمّ الظـلام وعـاد حيــاً * أبـو سفيان ينفــخ في الظلام
أو أن يتوجه الشاعر لكشف حركية الليلة وما تولّده في الحركة العامة للانسان والكون والحياة كما عند الشيخ مهدي المصلي :
ليلة أسهرت عيــون الليـالـي * لتــرينا عـزائــم الابطال
وتــرينا الـشموس تفترس الليل * لتمحو عصر الليــالي الطوال
وتــرينا التـاريخ أشرق فيــه * عِقــد نـور مُـرصّع باللالي
وترينا الانسان يسمـو على النجم * منــاراً ورجلـه فـي الرمال
وترينا الليل الذي يلـد الفجــر * فيهـوي ظلامــه للــزوال
أو هي حركيّة قيم ومُثُل وتجاوز على ثبات التاريخ في نداء أخلاقي سلوكي كما عند يقين البصري :
( 201 )
ياليلةً يا مخاضَ الدهرِ ياحِقبــاً * قدسيةً يانضالاً مــورقاً ذهبا
ياليلة مـن عـذابـات مطـرّزة * بالكبرياء شطبت المحل والجدبا
ياليلة عمرهـا التاريخ أجمعــه * والمـجدُ أشرفُه بالعزّ ما إكتسبا
أو هي حركية سموّ ورفعة على الزمن بأيامه ولياليه كما عند السيد محمد شعاع فاخر :
اليل سجى في كربلاء أم الحشر ؟ * تسامت به الايام وافتخر الدهر
د ـ البعد الزمني المتقابل :
وهو بعد يقابل فيه الشاعر الليلة مع النهار كمفاهيم زمنية ليُخرِج الليلة من زمنيتها ولحظويتها كما عند الشاعر عبدالكريم آل زرع :
أليلة عاشوراء ياحلكاً شبّا * حنينكِ أدرى من نهارك ماخبّا
أما تقابل صفات الليل والنهار ، فبين السواد والبياض يعرض سعيد العسيلي ذلك :
هي ليلة كانت برغم سوادها * بيضاء تبعث في الهدى تغريدا
هـ ـ البعد التشكيلي :
وهو بعد الاستبطان وإعادة الصياغة والانشاء التصويري للمفردات ، فالليلة تبدو فاجعة في إنعكاسها عند الشيخ علي الفرج ليصفها هكذا :
أنت ياليلة إنخساف المرايا * في وجوه السنين والاحقاب
ويطالب الشاعر جواد جميل الليلة أن تُطفيء شموعه بدم الطفوف في تشكيل صوري بين سيولة الدماء واشتعال الشموع في تقابل (الماء ـ النار) من
( 202 )
العناصر الاربعة في جدلها عندما يخاطب الليلة قائلا :
آهِ ياليلة الاسى والدموعِ * أطفئي في دم الطفوف شموعي
وستنوسع مع أحد أبيات الشاعر جاسم الصحيّح فيما بعد والذي يحقق هذا البعد أيضاً حين يقول :
ياليلة كست الزمان بغابة * من روحها قمرية الادغالِ
إما الشاعر فرات الأسدي فقد خاطب الليلة عبر إخراجها عن دلالتها الزمنية إلى دلالة تشكيلية ملونة بلون النزيف حقق فيها ظاهرة لغوية قرآنية في التلاوة تسمى تعانق الوقف ، فبإمكاننا أن نقرأ بيته التيالي :
فناولي دمه ياليلة عبرت * إلى النزيف جريح الخطو منسكبا
إما أن تكون شبه الجملة ( إلى النزيف ) عائدة إلى ( ياليلة عبرت ) أو عائدة إلى ( فناولي دمه ) لتندمج بذلك حالتا التشكيل الرؤيوية واللفظية كما هو معهود عنده.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page