• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصـل الخامـس :شفاعـة نبينـا (ص)

الفصـل الخامـس
شفاعـة نبينـا (ص)

تفسير ( المقام المحمود ) لنبينا(ص)
قال الله تعالى: أَقِمِ الصَّلَوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إلى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا.وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. الإسراء : 79

مصادرنا تصف المقام المحمود لنبينا(ص) في المحشر
لعل أقوى نص في متنه يبين أهمية المقام المحمود الذي وعد الله رسوله(ص) بأن يكرمه به يوم القيامة ، ما رواه الصدوق عن علي (ع) ، فقد بين فيه أن ليوم القيامة مراحل ومراسم قبل الحساب ، وأن المقام المحمود لنبينا(ص) يبدأ في أوائل مراحل ذلك اليوم العظيم بتلك الخطبة ( الفريدة ) التي يفتتح بها نبينا المحشر ويلهمه الله تعالى فيها أنواع المحامد لربه تعالى نيابة عن الخلائق ، ويعطى على أثرها لواء الحمد الذي هو رئاسة المحشر ، وذلك قبل الحساب والشفاعة وحوض الكوثر. .
قال الصدوق في التوحيد في حديث طويل/255 ـ 262:
حدثنا أحمد بن الحسن القطان قال: حدثنا أحمد بن يحيى عن بكر بن عبدالله بن حبيب قال: حدثني أحمد بن يعقوب بن مطر قال: حدثنا محمد بن الحسن بن عبدالعزيز الأحدب الجند بنيسابور قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا طلحة بن يزيد عن عبيد الله بن عبيد عن أبي معمر السعداني أن رجلاً أتى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) فقال:
يا أمير المؤمنين إني قد شككت في كتاب الله المنزل .
قال له (ع) : ثكلتك أمك وكيف شككت في كتاب الله المنزل !
قال: لأني وجدت الكتاب يكذب بعضه بعضاً فكيف لا أشك فيه .
فقال علي بن أبي طالب(ع) : إن كتاب الله ليصدق بعضه بعضاً ولا يكذب بعضه بعضاً ولكنك لم ترزق عقلاً تنتفع به ، فهات ما شككت فيه من كتاب الله عز وجل .
قال له الرجل: إني وجدت الله يقول: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا ، وقال أيضاً: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ ، وقال: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا. فمرة يخبر أنه ينسى ومرة يخبر أنه لا ينسى ، فأنى ذلك يا أمير المؤمنين !
قال: هات ما شككت فيه أيضاً....
فقال علي(ع) : قُدُّوسٌ ربنا قدوس ، تبارك وتعالى علواً كبيراً ، نشهد أنه هو الدائم الذي لا يزول ، ولا نشك فيه ، وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ، وأن الكتاب حق ، والرسل حق ، وأن الثواب والعقاب حق ، فإن رزقت زيادة إيمان أو حرمته فإن ذلك بيد الله إن شاء رزقك وإن شاء حرمك ذلك، ولكن سأعلمك ما شككت فيه ولا قوة إلا بالله ، فإن أراد الله بك خيراً أعلمك بعلمه وثبتك ، وإن يكن شراً ضللت وهلكت .
أما قوله: نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ إنما يعني نسوا الله في دار الدنيا لم يعملوا بطاعته فنسيهم في الآخرة أي لم يجعل لهم في ثوابه شيئاً ، فصاروا منسيين من الخير
وكذلك تفسير قوله عز وجل: فَالْيَوْمَ نَنْسَاهُمْ كَمَا نَسُوا لِقَاءَ يَوْمِهِمْ هَذَا، يعني بالنسيان أنه لم يثبهم كما يثيب أولياءه الذين كانوا في دار الدنيا مطيعين ذاكرين حين آمنوا به وبرسله وخافوه بالغيب. وأما قوله: وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ، فإن ربنا تبارك وتعالى علواً كبيراً ليس بالذي ينسى ولا يغفل ، بل هو الحفيظ العليم ، وقد يقول العرب في باب النسيان: قد نَسِيَنَا فلان فلا يذكرنا أي أنه لا يأمر لنا بخير ولا يذكرنا به ، فهل فهمت ما ذكر الله عز وجل ؟ قال: نعم ، فرجت عني فرج الله عنك ، وحللت عني عقدة فعظم الله أجرك .
فقال(ع) : وأما قوله: يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَ الْمَلائِكَةُ صَفًّا لا يَتَكَلَّمُونَ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَ قَالَ صَوَابًا ، وقوله: وَاللهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ ، وقوله: يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا ، وقوله: إِنَّ ذَلِكَ لَحَقٌّ تَخَاصُمُ أَهْلِ النَّارِ ، وقوله: لا تَخْتَصِمُوا لَدَىَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ، وقوله: الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ، فإن ذلك في موطن غير واحد من مواطن ذلك اليوم الذي كان مقداره خمسين ألف سنة ! يجمع الله عز وجل الخلائق يومئذ في مواطن يتفرقون ويكلم بعضهم بعضاً، ويستغفر بعضهم لبعض، أولئك الذين كان منهم الطاعة في دار الدنيا. ويلعن أهل المعاصي الذين بدت منهم البغضاء وتعاونوا على الظلم والعدوان في دار الدنيا ، الرؤساء والأتباع من المستكبرين والمستضعفين يكفر بعضهم بعضاً ويلعن بعضهم بعضاً. والكفر في هذه الآية: البراءة يقول يبرأ بعضهم من بعض ، ونظيرها في سورة إبراهيم قول الشيطان: إني كفرت بما أشركتمون من قبل ، وقول إبراهيم خليل الرحمن: كفرنا بكم ، يعني تبرأنا منكم .
ثم يجتمعون في موطن آخر يبكون فيه ، فلو أن تلك الاصوات بدت لأهل الدنيا لأذهلت جميع الخلق عن معائشهم، ولتصدعت قلوبهم إلا ما شاء الله ، فلا يزالون يبكون الدم .
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون فيه فيقولون: والله ربنا ما كنا مشركين ، فيختم الله تبارك وتعالى على أفواههم ويستنطق الأيدي والأرجل والجلود فتشهد بكل معصية كانت منهم ، ثم يرفع عن ألسنتهم الختم فيقولون لجلودهم: لم شهدتم علينا ، قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ .
ثم يجتمعون في موطن آخر فيستنطقون ، فيفر بعضهم من بعض ، فذلك قوله عز وجل: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ . وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ . وَ صَاحِبَتِهِ وَ بَنِيهِ، فيستنطقون فلا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ، فيقوم الرسل صلى الله عليهم فيشهدون في هذا الموطن ، فذلك قوله: فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا .
ثم يجتمعون في موطن آخر يكون فيه مقام محمد(ص)وهو المقام المحمود فيثني على الله تبارك وتعالى بما لم يثن عليه أحد قبله ، ثم يثني على الملائكة كلهم فلا يبقى ملك إلا أثنى عليه محمد(ص)، ثم يثني على الرسل: بما لم يثن عليهم أحد قبله ، ثم يثني على كل مؤمن ومؤمنة ، يبدأ بالصديقين والشهداء ثم بالصالحين، فيحمده أهل السماوات والأرض ، فذلك قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، فطوبى لمن كان له في ذلك المقام حظ ، وويل لمن لم يكن له في ذلك المقام حظ ولا نصيب .
ثم يجتمعون في موطن آخر ويدال بعضهم من بعض ، وهذا كله قبل الحساب ، فإذا أخذ في الحساب شغل كل إنسان بما لديه. نسأل الله بركة ذلك اليوم .
قال: فرجت عني فرج الله عنك يا أمير المؤمنين ، وحللت عني عقدةً ، فعظم الله أجرك. انتهى. ورواه في بحار الأنوار:7/119
الصحيفة السجادية:1/37:
اللهم واجعله خطيب وفد المؤمنين إليك ، والمكسو حلل الأمان إذا وقف بين يديك ، والناطق إذا خرست الألسن في الثناء عليك .
اللهم وابسط لسانه في الشفاعة لامته ، وأَرِ أهل الموقف من النبيين وأتباعهم تمكن منزلته ، وأوهل أبصار أهل المعروف العلى بشعاع نور درجته ، وقفه في المقام المحمود الذي وعدته، واغفر ما أحدث المحدثون بعده في أمته، مما كان اجتهادهم فيه تحرياً لمرضاتك ومرضاته ، وما لم يكن تأليباً على دينك ونقضاً لشريعته ، واحفظ من قبل بالتسليم والرضا دعوته ، واجعلنا ممن تكثر به وارديه ، ولا يذاد عن حوضه إذا ورده ، واسقنا منه كأساً روياً لا نظمأ بعده .

وروى في بحار الأنوار:7/335 عن تفسير فرات الكوفي:
عن الإمام جعفر الصادق(ع) عن أبيه عن آبائه ((عليهم السلام)) قال: قال النبي’: إن الله تبارك وتعالى إذا جمع الناس يوم القيامة وعدني المقام المحمود ، وهو واف لي به. إذا كان يوم القيامة نصب لي منبر له ألف درجة فأصعد حتى أعلو فوقه فيأتيني جبرئيل(ع) بلواء الحمد فيضعه في يدي ويقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فأقول لعلي: إصعد فيكون أسفل مني بدرجة ، فأضع لواء الحمد في يده ، ثم يأتي رضوان بمفاتيح الجنة فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى ، فيضعها في يدي فأضعها في حجر علي بن أبي طالب ، ثم يأتي مالك خازن النار فيقول: يا محمد هذا المقام المحمود الذي وعدك الله تعالى هذه مفاتيح النار أدخل عدوك وعدو أمتك النار ، فآخذها وأضعها في حجر علي بن أبي طالب ، فالنار والجنة يومئذ أسمع لي ولعلي من العروس لزوجها ، فهي قول الله تعالى: أَلْقِيَا فِى جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ. انتهى.
ويؤيد هذا الحديث أنك لا تجد تفسيراً مقنعاً لتثنية الخطاب في هذه الآية ، إلا هذا الحديث !
تفسير القمي:2/25:
وأما قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، فإنه حدثني أبي عن الحسن بن محبوب ، عن زرعة ، عن سماعة ، عن أبي عبدالله(ع) قال: سألته عن شفاعة النبي(ص)يوم القيامة ؟ فقال: يلجم الناس يوم القيامة العرق فيقولون: إنطلقوا بنا إلى آدم يشفع لنا عند ربنا فيأتون آدم فيقولون: يا آدم إشفع لنا عند ربك ، فيقول: إن لي ذنباً وخطيئة فعليكم بنوح ، فيأتون نوحاً فيردهم إلى من يليه ، ويردهم كل نبي إلى من يليه ، حتى ينتهوا إلى عيسى فيقول: عليكم بمحمد رسول الله ، فيعرضون أنفسهم عليه ويسألونه فيقول: إنطلقوا ، فينطلق بهم إلى باب الجنة ويستقبل باب الرحمة ويخر ساجداً فيمكث ما شاء الله ، فيقول الله: إرفع رأسك واشفع تشفع ، واسأل تعط، وذلك هو قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا. انتهى. ورواه في تفسير نور الثقلين: 3/206 .

تفسير العياشي:2/314:
عن عبيد بن زرارة قال: سئل أبو عبدالله(ع) عن المؤمن هل له شفاعة ؟ قال: نعم فقال له رجل من القوم: هل يحتاج المؤمن إلى شفاعة محمد يومئذ ؟ قال: نعم إن للمؤمنين خطايا وذنوباً ، وما من أحد إلا ويحتاج إلى شفاعة محمد يومئذ. قال وسأله رجل عن قول رسول الله’: أنا سيد ولد آدم ولا فخر ؟ قال: نعم يأخذ حلقة باب الجنة فيفتحها فيخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك إشفع تشفع ، أطلب تعط ، فيرفع رأسه ثم يخر ساجداً فيقول الله: إرفع رأسك ، إشفع تشفع واطلب تعط ، ثم يرفع رأسه فيشفع ، فيشفع ويطلب فيعطى .
روضة الواعظين/500:
وقال رسول الله’: المقام الذي أشفع فيه لامتي.
وفي/273: وقال رسول الله’: إذا قمت المقام المحمود تشفعت في أصحاب الكبائر من أمتي فيشفعني الله فيهم ، والله لا تشفعت فيمن آذى ذريتي
تفسير التبيان:6/512:
وقوله: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، معناه متى فعلت ما ندبناك إليه من التهجد يبعثك الله مقاماً محموداً ، وهي الشفاعة في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ، وقال قوم: المقام المحمود: إعطاؤه لواء الحمد. وعسى من الله واجبة .

وقال أبو الصلاح الحلبي في الكافي/491:
ولرسول الله’محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، صلوات الله عليه وآله في ذلك اليوم المقام الأشرف والمحل الأعظم ، له اللواء المعقود لواء الحمد، والحوض المورود ، والمقام المحمود، والشفاعة المقبولة والمنزلة العلية ، والدرجة المنيعة على جميع النبيين وأتباعهم. وكل شئ خص به من التفضيل ورشح له من التأهيل فأخوه وصنوه ووارث علمه ووصيه في أمته وخليفته على رعيته أميرالمؤمنين وسيد المسلمين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب(ع) شريك فيه ، وهو صاحب الاعراف ، وقسيم الجنة والنار ، بنصه الصريح وقوله الفصيح .
وأعلام الأزمنة وتراجمة الملة بعدهما صلوات الله عليهم أعوانٌ عليه ومساهمون فيه ، حسب ما أخبر به وأشار بذكره .
ولشيعتهم من ذلك الحظ الأوفر والقسط الأكبر ، لتحققهم بالإسلام ممن عداهم وتخصصهم بالإيمان دون من سواهم .
ونختم ما اخترناه من مصادرنا بحديث طريف ورد عن أهل البيت ((عليهم السلام)) في مواعظ الله تعالى لنبيه عيسى(ع) وشاهدنا منه الفقرة الأخيرة المتعلقة ببشارته بنبينا’وشفاعته ، لكن نورده كاملاً لكثرة فوائده.
فقد روى الكليني في الكافي:8/131:
عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن علي بن أسباط ، عنهم ((عليهم السلام)) فيما وعظ الله عز وجل به عيسى(ع) :
يا عيسى ، أنا ربك ورب آبائك إسمي واحد ، وأنا الاحد المتفرد بخلق كل شي، وكل شئ من صنعي ، وكل إليَّ راجع .
يا عيسى ، أنت المسيح بأمري ، وأنت تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني ، وأنت تحيي الموتى بكلامي ، فكن إليَّ راغباً ومني راهباً ، ولن تجد مني ملجأً إلا إليَّ .
يا عيسى ، أوصيك وصية المتحنن عليك بالرحمة حتى حقت لك مني الولاية بتحرِّيك مني المسرة ، فبوركت كبيراً وبوركت صغيراً حيث ما كنت، إشهد أنك عبدي ابن أمتي ، أنزلني من نفسك كهمك واجعل ذكري لمعادك ، وتقرب إلي بالنوافل ، وتوكل عليَّ أكفك ، ولا توكل على غيري فآخذ لك .
يا عيسى ، إصبر على البلاء وارض بالقضاء ، وكن كمسرتي فيك ، فإن مسرتي أن أطاع فلا أعصى .
يا عيسى ، أحي ذكري بلسانك ، وليكن ودي في قلبك .
يا عيسى ، تيقظ في ساعات الغفلة ، واحكم لي لطيف الحكمة .
يا عيسى ، كن راغباً راهباً ، وأمت قلبك بالخشية .
يا عيسى ، راع الليل لتحري مسرتي ، واظمأ نهارك ليوم حاجتك عندي .
يا عيسى ، نافس في الخير جهدك ، تعرف بالخير حيثما توجهت .
يا عيسى ، أحكم في عبادي بنصحي ، وقم فيهم بعدلي ، فقد أنزلت عليك شفاء لما في الصدور من مرض الشيطان .
يا عيسى ، لا تكن جليساً لكل مفتون .
يا عيسى ، حقاً أقول: ما آمنت بي خليقة إلا خشعت لي ، ولا خشعت لي إلا رجوت ثوابي ، فاشهد أنها آمنة من عقابي ما لم تبدل أو تغير سنتي .
يا عيسى ابن البكر البتول ، إبك على نفسك بكاء من ودع الاهل وقلى الدنيا وتركها لاهلها ، وصارت رغبته فيما عند إلهه .
يا عيسى ، كن مع ذلك لين الكلام وتفشئ السلام ، يقظان إذا نامت عيون الابرار ، حذراً للمعاد والزلازل الشداد ، وأهوال يوم القيامة ، حيث لا ينفع أهل ولا ولد ولا مال .
يا عيسى ، أكحل عينك بميل الحزن إذا ضحك البطالون .
يا عيسى ، كن خاشعاً صابراً ، فطوبى لك إن نالك ما وعد الصابرون .
يا عيسى ، رح من الدنيا يوماً فيوماً ، وذق لما قد ذهب طعمه ، فحقاً أقول: ما أنت إلا بساعتك ويومك ، فرح من الدنيا ببلغة، وليكفك الخشن الجشب، فقد رأيت إلى ما تصير ، ومكتوب ما أخذت وكيف أتلفت .
يا عيسى ، إنك مسؤول فارحم الضعيف كرحمتي إياك ، ولا تقهر اليتيم .
يا عيسى ، إبك على نفسك في الخلوات ، وانقل قدميك إلى مواقيت الصلوات واسمعني لذاذة نطقك بذكري ، فإن صنيعي إليك حسن .
يا عيسى ، كم من أمة قد أهلكتها بسالف ذنوب قد عصمتك منها .
يا عيسى ، إرفق بالضعيف ، وارفع طرفك الكليل إلى السماء وادعني ، فإني منك قريب ، ولا تدعني إلا متضرعاً إليَّ ، وهمك هماً واحداً ، فإنك متى تدعني كذلك أجبك.
يا عيسى ، إني لم أرض بالدنيا ثواباً لمن كان قبلك ، ولا عقاباً لمن انتقمت منه .
يا عيسى ، إنك تفنى وأنا أبقى ، ومني رزقك ، وعندي ميقات أجلك ، وإليَّ إيابك ، وعليَّ حسابك ، فسلني ولا تسأل غيري فيحسن منك الدعاء ومني الإجابة .
يا عيسى ، ما أكثر البشر وأقل عدد من صبر ، الأشجار كثيرة وطيبها قليل ، فلا يغرنك حسن شجرة حتى تذوق ثمرها .
يا عيسى ، لا يغرنك المتمرد عليَّ بالعصيان ، يأكل رزقي ويعبد غيري ، ثم يدعوني عند الكرب فأجيبه ، ثم يرجع إلى ما كان عليه ، فعليَّ يتمرد ؟ أم بسخطي يتعرض ! فبي حلفت لاخذنه أخذةً ليس له منها منجاً ولا دوني ملجأ ، أين يهرب من سمائي وأرضي ؟ !
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل: لا تدعوني والسحت تحت أحضانكم ، والأصنام في بيوتكم ، فإني آليت أن أجيب من دعاني ، وأن أجعل إجابتي إياهم لعناً عليهم حتى يتفرقوا .
يا عيسى ، كم أطيل النظر ، وأحسن الطلب والقوم في غفلة لا يرجعون ، تخرج الكلمة من أفواههم لا تعيها قلوبهم ، يتعرضون لمقتي ويتحببون بقربي إلى المؤمنين يا عيسى ، لتكن في السر والعلانية واحداً ، وكذلك فليكن قلبك وبصرك ، واطو قلبك ولسانك عن المحارم ، وكف بصرك عما لا خير فيه ، فكم من ناظر نظرة قد زرعت في قلبه شهوة ، ووردت به موارد حياض الهلكة .
يا عيسى ، كن رحيماً مترحماً ، وكن كما تشاء أن يكون العباد لك ، وأكثر ذكر الموت ومفارقة الأهلين، ولا تَلْهُ فإن اللهو يفسد صاحبه ، ولا تغفل فإن الغافل مني بعيد ، واذكرني بالصالحات حتى أذكرك .
يا عيسى ، تب إليَّ بعد الذنب، وذكر بي الأوابين، وآمن بي وتقرب بي إلى المؤمنين ، ومرهم يدعوني معك ، وإياك ودعوة المظلوم ، فإني آليت على نفسي أن أفتح لها باباً من السماء بالقبول ، وأن أجيبه ولو بعد حين .
يا عيسى ، إعلم أن صاحب السوء يُعدي ، وقرين السوء يردي ، واعلم من تقارن واختر لنفسك إخواناً من المؤمنين .
يا عيسى ، تب إلي، فإني لا يتعاظمني ذنب أن أغفره ، وأنا أرحم الراحمين. إعمل لنفسك في مهلة من أجلك قبل أن لا يعمل لها غيرك ، واعبدني ليوم كألف سنة مما تعدون ، فيه أجزي بالحسنة أضعافها ، وإن السيئة توبق صاحبها ، فامهد لنفسك في مهلة ، ونافس في العمل الصالح ، فكم من مجلس قد نهض أهله وهم مجارون من النار .
يا عيسى ، إزهد في الفاني المنقطع ، وطأ رسوم منازل من كان قبلك ، فادعهم وناجهم ، هل تحس منهم من أحد ، وخذ موعظتك منهم ، واعلم أنك ستلحقهم في اللاحقين .
يا عيسى ، قل لمن تمرد علي بالعصيان وعمل بالأدهان: ليتوقع عقوبتي وينتظر إهلاكي إياه ، سيصطلم مع الهالكين .
طوبى لك يا ابن مريم ثم طوبى لك إن أخذت بأدب إلهك الذي يتحنن عليك ترحماً ، وبدأ النعم منه تكرماً ، وكان لك في الشدائد. لا تعصه يا عيسى فإنه لا يحلك عصيانه. قد عهدت إليك ما عهدت إلى من كان قبلك وأنا على ذلك من الشاهدين .
يا عيسى ، ما أكرمت خليقة بمثل ديني ، ولا أنعمت عليها بمثل رحمتي .
يا عيسى ، إغسل بالماء منك ما ظهر وداو بالحسنات منك ما بطن ، فإنك إليَّ راجع .
يا عيسى ، أعطيتك ما أنعمت به عليك فيضاً من غير تكدير ، وطلبت منك قرضاً لنفسك فبخلت به عليها ، لتكون من الهالكين .
يا عيسى ، تزين بالدين وحب المساكين ، وامش على الأرض هوناً ، وصل على البقاع ، فكلها طاهر .
يا عيسى ، شمر فكل ما هو آت قريب ، واقرأ كتابي وأنت طاهر ، وأسمعني منك صوتاً حزيناً .
يا عيسى ، لا خير في لذاذة لا تدوم ، وعيش من صاحبه يزول .
يا ابن مريم ، لو رأت عينك ما أعددت لاوليائي الصالحين ذاب قلبك وزهقت نفسك شوقاً إليه ، فليس كدار الآخرة دار ، تجاور فيها الطيبون ، ويدخل عليهم فيها الملائكة المقربون ، وهم مما يأتي يوم القيامة من أهوالهما آمنون ، دارٌ لا يتغير فيها النعيم ، ولا يزول عن أهلها .
يا ابن مريم ، نافس فيها مع المتنافسين ، فإنها أمنية المتمنين ، حسنة المنظر ، طوبى لك يا ابن مريم إن كنت لها من العاملين ، مع آبائك آدم وإبراهيم في جنات ونعيم ، لا تبغي لها بدلاً ولا تحويلاً ، كذلك أفعل بالمتقين .
يا عيسى ، أهرب إلي مع من يهرب من نار ذات لهب ، ونار ذات أغلال وأنكال ، لا يدخلها روح ، ولا يخرج منها غم أبداً ، قطع كقطع الليل المظلم ، من ينج منها يفز، ولن ينجو منها من كان من الهالكين ، هي دار الجبارين والعتاة الظالمين ، وكل فظ غليظ ، وكل مختار فخور .
يا عيسى ، بئست الدار لمن ركن إليها ، وبئس القرار دار الظالمين ، إني أحذرك نفسك فكن بي خبيراً .
يا عيسى ، كن حيث ما كنت مراقباً لي ، واشهد على أني خلقتك وأنت عبدي .
يا عيسى  لا يصلح لسانان في فم واحد ، ولا قلبان في صدر واحد ، وكذلك الأذهان .
يا عيسى ، لا تستيقظن عاصياً ، ولا تستنبهن لاهياً ، وافطم نفسك عن الشهوات الموبقات ، وكل شهوة تباعدك مني فاهجرها ، واعلم أنك مني بمكان الرسول الأمين ، فكن مني على حذو العم. إن دنياك مؤديتك إليَّ وإني آخذك بعلمي ، فكن ذليل النفس عند ذكري ، خاشع القلب حين تذكرني ، يقظاناً عند نوم الغافلين .
يا عيسى ، هذه نصيحتي إياك وموعظتي لك ، فخذها مني ، وإني رب العالمين .
يا عيسى ، إذا صبر عبدي في جنبي كان ثواب عمله علىَّ ، وكنت عنده حين يدعوني ، وكفى بي منتقماً ممن عصاني ، أين يهرب مني الظالمون ؟
يا عيسى ، أطب الكلام ، وكن حيثما كنت عالماً متعلماً .
يا عيسى ، أفض بالحسنات إليَّ ، حتى يكون لك ذكرها عندي ، وتمسك بوصيتي فإن فيها شفاء للقلوب .
يا عيسى ، لا تأمن إذا مكرت مكري ، ولا تنس عند خلوات الدنيا ذكري .
يا عيسى، حاسب نفسك بالرجوع إلي ، حتى تتنجز ثواب ما عمله العاملون ، أولئك يؤتون أجرهم وأنا خير المؤتين .
يا عيسى ، كنت خلقاً بكلامي ، ولدتك مريم بأمري المرسل إليها روحي جبرئيل، الامين من ملائكتي ، حتى قمت على الأرض حياً تمشئ كل ذلك في سابق علمي .
يا عيسى ، زكريا بمنزلة أبيك وكفيل أمك ، إذ يدخل عليها المحراب فيجد عندها رزقاً ، ونظيرك يحيى من خلقي ، وهبته لامه بعد الكبر من غير قوة بها ، أردت بذلك أن يظهر لها سلطاني وتظهر قدرتي. أحبكم إلي أطوعكم لي ، وأشدكم خوفاً مني .
يا عيسى ، تيقظ ولا تيأس من روحي ، وسبحني مع من يسبحني ، وبطيب الكلام فقدّسني .
يا عيسى، كيف يكفر العباد بي ونواصيهم في قبضتي ، وتقلبهم في أرضي ، يجهلون نعمتي ويتولون عدوي ، وكذلك يهلك الكافرون .
يا عيسى ، إن الدنيا سجن منتن الريح ، وحسن فيها ما قد ترى مما قد تذابح عليه الجبارون ، وإياك والدنيا فكل نعيمها يزول ، وما نعيمها إلا قليل .
يا عيسى ، إبغني عند وسادك تجدني ، وادعني وأنت لي محب ، فإني أسمع السامعين ، أستجيب للداعين إذا دعوني .
يا عيسى ، خفني وخوف بي عبادي ، لعل المذنبين أن يمسكوا عما هم عاملون به ، فلا يهلكوا إلا وهم يعلمون .
يا عيسى ، إرهبني رهبتك من السبع والموت الذي أنت لاقيه ، فكل هذا أنا خلقته ، فإياي فارهبون .
يا عيسى ، إن الملك لي وبيدي ، وأنا الملك فإن تطعني أدخلتك جنتي في جوار الصالحين .
يا عيسى ، إني إذا غضبت عليك لم ينفعك رضى من رضي عنك ، وإن رضيت عنك لم يضرك غضب المغضبين .
يا عيسى ، أذكرني في نفسك أذكرك في نفسي ، واذكرني في ملاك أذكرك في ملا خير من ملا الآدميين .
يا عيسى ، أدعني دعاء الغريق الحزين ، الذي ليس له مغيث .
يا عيسى ، لا تحلف بي كاذباً فيهتز عرشئ غضباً. الدنيا قصيرة العمر طويلة الامل وعندي دار خير مما تجمعون .
يا عيسى ، كيف أنتم صانعون إذا أخرجت لكم كتاباً ينطق بالحق وأنتم تشهدون بسرائر قد كتمتموها وأعمال كنتم بها عاملين .
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل: غسلتم وجوهكم ودنستم قلوبكم ، أبي تغترون أم علي تجترئون ؟ ! تطيبون بالطيب لأهل الدنيا وأجوافكم عندي بمنزلة الجيف المنتنة ، كأنكم أقوام ميتون !
يا عيسى ، قل لهم: قلموا أظفاركم من كسب الحرام ، وأصموا أسماعكم عن ذكر الخنا ، وأقبلوا على بقلوبكم ، فإني لست أريد صوركم .
يا عيسى ، إفرح بالحسنة فإنها لي رضى ، وابك على السيئة فإنها شين ، وما لا تحب أن يصنع بك فلا تصنعه بغيرك ، وإن لطم خدك الأيمن فأعطه الايسر ، وتقرب إليَّ بالمودة جهدك ، وأعرض عن الجاهلين .
يا عيسى ، ذُلَّ لأهل الحسنة وشاركهم فيها ، وكن عليهم شهيداً. وقل لظلمة بني إسرائيل: يا أخدان السوء والجلساء عليه ، إن لم تنتهوا أمسخكم قردة وخنازير .
يا عيسى ، قل لظلمة بني إسرائيل: الحكمة تبكي فرقاً مني ، وأنتم بالضحك تهجرون ، أتتكم براءتي ، أم لديكم أمان من عذابي، أم تعرضون لعقوبتي ؟ ! فبي حلفت لاتركنكم مثلاً للغابرين .
ثم أوصيك يابن مريم البكر البتول ، بسيد المرسلين وحبيبي ، فهو أحمد صاحب الجمل الأحمر ، والوجه الأقمر ، المشرق بالنور ، الطاهر القلب ، الشديد البأس ، الحيي المتكرم ، فإنه رحمة للعالمين ، وسيد ولد آدم يوم يلقاني ، أكرم السابقين عليَّ وأقرب المرسلين مني ، العربي الامين ، الديان بديني ، الصابر في ذاتي ، المجاهد المشركين بيده عن ديني ، أن تخبر به بني إسرائيل ، وتأمرهم أن يصدقوا به وأن يؤمنوا به وأن يتبعوه ، وأن ينصروه .
قال عيسى: إلهي من هو حتى أرضيه ، فلك الرضا ؟ قال: هو محمد رسول الله إلى الناس كافة ، أقربهم مني منزلة ، وأحضرهم شفاعة ، طوبى له من نبي ، وطوبى لامته إن هم لقوني على سبيله ، يحمده أهل الأرض ويستغفر له أهل السماء ، أمين ميمون ، طيب مطيب ، خير الباقين عندي ، يكون في آخر الزمان ، إذا خرج أرخت السماء عزاليها ، وأخرجت الأرض زهرتها ، حتى يروا البركة ، وأبارك لهم فيما وضع يده عليه ، كثير الازواج ، قليل الأولاد ، يسكن بكة ، موضع أساس إبراهيم .
يا عيسى ، دينه الحنيفية ، وقبلته يمانية ، وهو من حزبي وأنا معه ، فطوبى له ثم طوبى له ، له الكوثر والمقام الأكبر في جنات عدن ، يعيش أكرم من عاش ويقبض شهيداً ، له حوض أكبر من بكة إلى مطلع الشمس ، من رحيق مختوم ، فيه آنية مثل نجوم السماء ، وأكواب مثل مدر الأرض ، عذب فيه من كل شراب ، وطعم كل ثمار في الجنة ، من شرب منه شربة لم يظمأ أبداً ، وذلك من قسمي له وتفضيلي إياه. على فترة بينك وبينه ، يوافق سره علانيته ، وقوله فعله ، لايأمر الناس إلا بما يبدأهم به ، دينه الجهاد في عسر ويسر ، تنقاد له البلاد ويخضع له صاحب الروم. على دين إبراهيم ، يسمي عند الطعام ، ويفشئ السلام ، ويصلي والناس نيام ، له كل يوم خمس صلوات متواليات ، ينادي إلى الصلاة كنداء الجيش بالشعار ، ويفتتح بالتكبير ويختتم بالتسليم ، ويصف قدميه في الصلاة كما تصف الملائكة أقدامها ، ويخشع لي قلبه ورأسه ، النور في صدره والحق على لسانه ، وهو على الحق حيثما كان أصله. يتيمٌ ضال برهة من زمانه عما يراد به ، تنام عيناه ولاينام قلبه ، له الشفاعة ، وعلى أمته تقوم الساعة ، ويدي فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه أوفيت له بالجنة ، فمر ظلمة بني إسرائيل ألا يدرسوا كتبه ، ولا يحرفوا سنته ، وأن يقرؤوه السلام ، فإن له في المقام شأناً من الشأن. انتهى .
وقد يكون حدث في هذا النص تغيير ما من الرواة ، ولكن فيه أفكاراً وأموراً مهمة يحسن مقارنتها وأمثالها مما ورد في مصادرنا عن عيسى(ع)  بالنصوص التي تشابهها من الانجيل والتوراة ، لمعرفة التفاوت والتغيير فيها .

تفسير إخواننا السنيين القريب من تفسيرنا
مسند أحمد:2/441:
عن أبي هريرة عن النبي(ص)في قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال: هو المقام الذي أشفع لامتي فيه .
الدر المنثور:4/197:
أخرج سعيد بن منصور والبخاري وابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثاء ، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي(ص)، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .
وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي هريرة (رض) عن النبي(ص)في قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، وسئل عنه قال: هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي .
وأخرج ابن جرير والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة (رض) أن رسول الله(ص)قال: المقام المحمود الشفاعة .
وأخرج ابن جرير والطبراني وابن مردويه من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال مقام الشفاعة .
وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص (رض) قال: سئل رسول الله(ص)عن المقام المحمود فقال: هو الشفاعة .
الدر المنثور:4/198:
وأخرج ابن أبي شيبة عن سلمان (رض) قال: يقال له: سل تعطه ، يعني النبي(ص)، واشفع تشفع ، وادع تجب ، فيرفع رأسه فيقول: أمتي مرتين أو ثلاثاً فقال سلمان (رض): يشفع في كل من في قلبه مثقال حبة حنطة من إيمان ، أو مثقال شعيرة من إيمان ، أو مثقال حبة خردل من إيمان. قال سلمان (رض): فذلكم المقام المحمود .
الدر المنثور:5/98:
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: سألت رسول الله(ص)فقلت: بأبي أنت وأمي أين كنت وآدم في الجنة؟ فتبسم حتى بدت نواجذه ثم قال: إني كنت في صلبه ، وهبط إلى الأرض وأنا في صلبه ، وركبت السفينة في صلب أبي نوح ، وقذفت في النار في صلب أبي ابراهيم ، لم يلتق أبواي قط على سفاح ، لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الارحام الطاهرة ، مصفى مهذباً لا تتشعب شعبتان إلا كنت في خيرهما ، قد أخذ الله بالنبوة ميثاقي وبالإسلام هداني وبين في التوراة والإنجيل ذكري ، وبين كل شئ من صفتي في شرق الأرض وغربها ، وعلمني كتابه ، ورقي بي في سمائه ، وشق لي من أسمائه فذو العرش محمود وأنا محمد ، ووعدني أن يحبوني بالحوض وأعطاني الكوثر ، وأنا أول شافع وأول مشفع ، ثم أخرجني في خير قرون أمتي ، وأمتي الحمادون يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. انتهى.
ورواه في كنز العمال:12/427 وأضاف فيه: قال ابن عباس: فقال حسان بن ثابت في النبي (ص):
من قبلها طبت في الظلال وفي        مستودع حيث يخصف الورقُ
ثم   سكنت   البلاد    لا   بشرٌ        أنت   ولا    نطفة    ولا   علـق
مطهر   تركب   السفين    وقـد        ألجم   أهل   الضلالة   الغـرق
تنقل   من   صلب   إلى   رحم        إذا    مضى    عالم   بدا   طبق

تفسير الطبري:15/97:
وقوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، عن ابن عباس قال: المقام المحمود مقام الشفاعة. .
ومثله في طبقات المحدثين بأصبهان:1/201 عن جابر وأبي سعيد مرفوعاً وفي مختصر تاريخ دمشق لابن منظور:1 جزء 2/165 عن ابن عباس .
الشفا للقاضي عياض:1/188:
فصل في تفضيله(ص)بالشفاعة والمقام المحمود ، قال الله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا... عن آدم بن علي قال سمعت ابن عمر يقول: إن الناس يصيرون يوم القيامة جثى ، كل أمة تتبع نبيها يقولون يا فلان إشفع لنا يا فلان إشفع لنا ، حتى تنتهي الشفاعة إلى النبي(ص)، فذلك يوم يبعثه الله المقام المحمود .
تفسير الرازي:11 جزء 21/31:
قال الواحدي: أجمع المفسرون على أنه ( المقام المحمود ) مقام الشفاعة . . . إن احتياج الإنسان إلى دفع الآلام العظيمة عن النفس فوق احتياجه إلى تحصيل المنافع الزائدة التي لا حاجة به إلى تحصيلها. وإذا ثبت هذا وجب أن يكون المراد من قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا، هو الشفاعة في إسقاط العقاب. انتهى. وراجع التفسير الوسيط للنيسابوري:3/122.
وقال في: 16 جزء 32/127: قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ، الكوثر هو المقام المحمود الذي هو الشفاعة . . . شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي .

تفسيرهم الذي فيه تجسيم
صحيح البخاري:8/183:
فأستأذن على ربي في داره ! فيؤذن لي عليه ، فإذا رأيته وقعت ساجداً ، فيدعني ما شاء الله أن يدعني فيقول: إرفع يا محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعط. قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته أيضاً يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، ثم أعود فاستأذن على ربي في داره ! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً ، فيدعني ماشاء الله أن يدعني ثم يقول: إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، قال ثم أشفع ، فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وسمعته يقول فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ثم أعود الثالثة فأستأذن إلى ربي في داره ! فيؤذن لي عليه فإذا رأيته وقعت ساجداً فيدعني ماشاء الله أن يدعني ، ثم يقول إرفع محمد وقل يسمع واشفع تشفع وسل تعطه ، قال فأرفع رأسي فأثني على ربي بثناء وتحميد يعلمنيه ، قال ثم أشفع فيحد لي حداً فأخرج فأدخلهم الجنة. قال قتادة: وقد سمعته يقول: فأخرج فأخرجهم من النار وأدخلهم الجنة ، حتى ما يبقى في النار إلا من حبسه القرآن ، أي وجب عليه الخلود .قال: ثم تلا الآية: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال وهذا المقام المحمود الذي وعده نبيكم(ص). ونحوه في صحيح مسلم:1/123 ومسند أحمد: 3/244 وشبيهه في مسند أحمد:1/398 وسنن الترمذي:4/370 ومستدرك الحاكم:4/496 والدر المنثور:3/87 عن الطبري .
وفي الدر المنثور:6/257 في قصة الدجال:
عن ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث والنشور عن ابن مسعود أنه ذكر عنده الدجال فقال . . . إلى آخر الرواية. وستأتي بتمامها في بحث الخلود في الجنة والنار وفي بعض نصوصها تجسيم صريح وفي بعضها رائحة التجسيم .
وكذلك ما رواه البخاري في تسعة مواضع من صحيحه:2 جزء 4/105 وج 3 جزء 5/146 وص 225 وص 228 وج 7/203 وج 8/172 وص 183 وص 200 وص 203 من حديث الشدة التي تكون على الناس في المحشر حتى يلجؤون ( كذا ) إلى آدم وغيره من الأنبياء فيحولونهم على نبينا’فيشفع إلى الله تعالى فيشفعه. وروى ذلك في كنز العمال:2/26 وغيره .
سنن الدارمي:2/325:
عن ابن مسعود عن النبي(ص)قال قيل له: ما المقام المحمود ؟ قال: ذاك يوم ينزل الله تعالى على كرسيه يئط كما يئط الرحل الجديد من تضايقه به ، وهو كسعة ما بين السماء والأرض ، ويجاء بكم حفاة عراة غرلاً ، فيكون أول من يكسى إبراهيم ، يقول الله تعالى إكسوا خليلي فيؤتى بريطتين بيضاوين من رياط الجنة ، ثم أكسى على أثره ، ثم أقوم عن يمين الله مقاماً يغبطني الأولون والآخرون. انتهى.
ورواه الحاكم في:2/364 والبغوي في مصابيحه:3/552 والهندي في كنز العمال:14/412 والسيوطي في الدر المنثور:3/84 وروى نحوه في الدر المنثور:1/34 وص 328 وص 324 قال: وأخرج ابن المنذر وأبوالشيخ عن ابن مسعود قال قال رجل: يا رسول الله ما المقام المحمود ؟ قال . . .
وأخرج ابن جرير عن الضحاك قال كان الحسن يقول: الكرسي هو العرش..فقال رسول الله(ص) . . . وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فهي تئط من عظمته وجلاله كما يئط الرحل الجديد ! انتهى. ورواه في كنز العمال: 14/636 .
وفي فردوس الأخبار:3/85:
عن ابن عمر: عسى الله أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، يجلسني معه على السرير.
وفي:4/298 عن أنس بن مالك: من كرامتي على ربي عز وجل قعودي على العرش .
مجمع الزوائد:7/51:
وعن ابن عباس أنه قال في قول الله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، يجلسه بينه وبين جبريل ويشفع لأمته ، فذلك المقام المحمود. ورواه السيوطي في الدر المنثور:4/198 .
وروى البيهقي في دلائل النبوة:5/481:
يأتي رسول الله (ص) يوم القيامة إلى الله وهو جالس على كرسيه .
وقال الشوكاني في فتح القدير:3/316:
إن المقام المحمود هو أن الله سبحانه يجلس محمداً معه على كرسيه حكاه ابن جرير . . . وقد ورد في ذلك حديث .
وفي تاريخ بغداد:3/22 عن ليث بن مجاهد في قوله: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا قال: يقعده معه على العرش. .
وفي تاريخ بغداد:8/52:
عن عبدالله بن خليفة قال قال رسول الله (ص): الكرسي الذي يجلس عليه الرب عز وجل وما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع ، وإن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد !
قال أبوبكر المروذي قال لي أبو علي الحسين بن شبيب قال لي أبوبكر بن سلم العابد حين قدمنا إلى بغداد: أخرج ذلك الحديث الذي كتبناه عن أبي حمزة ، فكتبه أبوبكر بن سلم بخطه وسمعناه جميعاً ، وقال أبوبكر بن سلم: إن الموضع الذي يفضل لمحمد(ص)ليجلسه عليه ! قال أبوبكر الصيدلاني: من رد هذا فإنما أراد الطعن على أبي بكر المروزي ، وعلى أبي بكر بن سلم العابد !!

القعود على العرش فكرة يهودية مسيحية
قال جولد تسيهر في مذاهب التفسير الإسلامي/122:
سجلت فتنة ببغداد أثارها نزاع على مسألة من التفسير ذلك هو تفسير الآية 79 من سورة الاسراء: وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، ما المراد من المقام المحمود ؟ ذهب الحنابلة ... إلى أن الذي يفهم من ذلك هو أن الله يقعد النبي معه على العرش... ربما كان هذا متأثراً بما جاء في انجيل مرقص 16 ـ 19 ، وآخرون ذهبوا إلى أن المقام المحمود... هو مرتبة الشفاعة التي يرفع إليها النبي. انتهى .
وقد أوردنا في المجلد الثاني من العقائد الإسلامية أن أفكار التجسيم والصفات المادية لله تعالى وعرشه قد أخذها بعض المسلمين من اليهود وأدخلوها في الثقافة الإسلامية ، وأضاف اليها هؤلاء المقلدة إجلاس نبيهم إلى جنب الله تعالى ! بينما روى اليهود إجلاس موسى وداود إلى جنبه ! وروى المسيحيون جلوس عيسى على السرير إلى جنب أبيه !! وقد تقدم ذلك في الشفاعة عند اليهود والنصارى .
ونلاحظ أن ابن سلام اليهودي الذي أسلم يقول عن نبينا(ص)إنه لا يجلس إلى جنب الله تعالى بل ( يلقى ) له كرسيٌّ في جنب المجلس مثلاً فيجلس عليه !
قال البيهقي في دلائل النبوة:5/486: عن عبد الله بن سلام: وينجو النبي (ص) والصالحون معه ، وتتلقاهم الملائكة يرونهم منازلهم . . حتى ينتهي إلى الله عز وجل فيلقى له كرسي. انتهى .
وسوف تعرف في بحث الشفيع الأول أن مصادر السنيين تأثرت بالاسرائيليات وصححت رواياتها وجعلت شفاعة أنبياء بني إسرائيل قبل نبينا(ص)وجعلته الشفيع الرابع .
قال السيوطي في الدر المنثور:4/198: وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود (رض) قال: يأذن الله تعالى في الشفاعة فيقوم روح القدس جبريل(ع) ثم يقوم إبراهيم خليل الله عليه الصلاة والسلام ثم يقوم عيسى وموسى ((عليهم السلام)) ثم يقوم نبيكم(ص)رابعاً ليشفع . . . ورواه الحاكم في المستدرك: 4/496 بسند صحيح على شرط الشيخين !!
أما الفتنة التي ذكرها تسيهر فقد ذكرها ابن الأثير في تاريخه:5/121 فقال: ( في سنة 317 هـ) وقعت فتنة عظيمة ببغداد بين أصحاب أبي بكر المروزي الحنبلي وبين غيرهم من العامة ، ودخل كثير من الجند فيها ، وسبب ذلك أصحاب المروزي قالوا في تفسير قوله تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، هو أن الله سبحانه يقعد النبي (ص) معه على العرش ! وقالت طائفة إنما هو الشفاعة ، فوقعت الفتنة فقتل بينهم قتلى كثيرة. انتهى .
وذكرها الذهبي في تاريخ الإسلام: 23/384 وأنها بسبب تفسير آية المقام المحمود ، حيث قالت الحنابلة إنها تعني أن الله يقعده على عرشه كما قال مجاهد .
وقال غيرهم: بل هي الشفاعة العظمى .

انتقاد بعض علماء السنة التفسير بالقعود على العرش
قال السقاف في صحيح شرح العقيدة الطحاوية: 1/570:
قال الإمام الطحاوي(رض) : والشفاعة التي ادخرها لهم حق كما روي في الأخبار ونرجو للمحسنين من المؤمنين أن يعفو عنهم ويدخلهم الجنة برحمته ، ولا نأمن عليهم ، ولا نشهد لهم بالجنة ، ونستغفر لمسيئهم ، ونخاف عليهم ولا نقنّطهم .
الشرح: لقد ثبتت الشفاعة منطوقاً ومفهوماً في القرآن الكريم وخاصة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم)ومن تلك الآيات قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . الضحى : 3 وقال تعالى: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا . الإسراء : 79 وتفسير المقام المحمود بالشفاعة ثابت في الصحيحين وغيرهما ( 338 ) .
وقال الله تعالى: يَوْمَئِذٍ لا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِىَ لَهُ قَوْلا .طه : 109. وقال تعالى: مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ. يونس : 3 .
وفي شفاعة الملائكة قوله تعالى: بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ . . لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ . يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ . الأنبياء : 78 .
وقال في هامشه: ( 338 ) أنظر البخاري 3 ـ 338 و 8 ـ 399 و 13 ـ 422 ومسلم 1 ـ 179. ومن الغريب العجيب أن يعرض المجسمة والمشبهة عن هذا الوارد الثابت في الصحيحين ، ويفسروا المقام المحمود بجلوس سيدنا محمد على العرش بجنب الله ! تعالى الله عن إفكهم وكذبهم علواً كبيراً ، وهم يعتمدون على ذلك على ما يروى عن مجاهد بسند ضعيف من أنه قال ما ذكرناه من التفسير المنكر المستشنع ، وتكفل الخلال في كتابه السنة 1 ـ 209 بنصرة التفسير المخطئ المستبشع ، وقد نطق بما هو مستنشع عند جميع العقلاء !

وقال السقاف في شرح العقيدة الطحاوية/170:
وهذا الخلال يقول في سنته/232 ناقلاً: لا أعلم أحداً من أهل العلم ممن تقدم ولا في عصرنا هذا إلا وهو منكر لما أحدث الترمذي ( 99 ) من رد حديث محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد في قوله: عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً ، قال يقعده على العرش ( 100 ) فهو عندنا جهمي يهجر ونحذر عنه .
وقال السقاف في هامشه: ( 99 ) مع أن التأويل والتفويض لم يحدثه ولم يخترعه الترمذي ;. ومن الغريب العجيب أيضاً أن محقق سنة الخلال عطية الزهراني حاول أن ينفي أن كون الترمذي المراد هنا هو الإمام المعروف صاحب السنن فقال/224 في الهامش تعليق رقم 4 هو جهم بن صفوان ثم تراجع عن ذلك/232 فقال في الهامش التعليق رقم 8 ( كنت أظنه جهم ، ولكن اتضح من الروايات أنه يقصد رجلاً آخر لم أتوصل إلى معرفته ) فيا للعجب !!
( 100 ) وهذا القعود الذي يتحدثون عنه هو قعود سيدنا محمد (ص) بجنب الله تعالى على العرش ! تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ! والدليل عليه قول الخلال هناك/244: حدثنا أبو معمر ثنا أبو الهذيل عن محمد بن فضيل عن ليث عن مجاهد قال: عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا ، قال: يجلسه معه على العرش قال عبد الله: سمعت هذا الحديث من جماعة وما رأيت أحداً من المحدثين ينكره ، وكان عندنا في وقت ما سمعناه من المشائخ أن هذا الحديث إنما تنكره الجهمية .
أقول: ومن العجيب الغريب أن الآلباني ينكر هذا ، ويقول بعدم صحته وأنه لم يثبت كما سيأتي ، وكذلك محقق الكتاب وهو متمسلف معاصر ينكر ذلك أيضاً ويحكم على هذا الأثر بالضعف حيث يقول في هامش تلك الصحيفة تعليق رقم 19: إسناده ضعيف ! فهل هؤلاء جهمية ! وما هذا الخلاف الواقع بين هؤلاء في أصول اعتقادهم !
ومن الغريب العجيب أيضاً أنهم اعتبروا أن نفي قعود سيدنا محمد (ص) بجنب الله نافياً ودافعاً لفضيلة من فضائل النبي (ص) والدليل على ما قلناه قول الخلال هناك/237: ( وقال أبو علي إسماعيل بن إبراهيم الهاشمي (وهو مجهول بنظر المحقق ): إن هذا المعروف بالترمذي عندنا مبتدع جهمي ، ومن رد حديث مجاهد فقد دفع فضل رسول الله(ص)، ومن رد فضيلة الرسول(ص)فهو عندنا كافر مرتد عن الإسلام !!) وقال/234 ناقلاً ( وأنا أشهد على هذا الترمذي أنه جهمي خبيث ) ! انتهى .

تفسير قوله تعالى ( ولسوف يعطيك ربك فترضى )
قال الله تعالى: وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . الضحى : 1 ـ 5 .
والعطاء في الآية مطلق شامل لانواع ما يعطيه الله تعالى لرسوله’ومن الطبيعي أن يكون عطاء عظيماً متناسباً مع كرم الله تعالى على حبيبه أشرف الخلق وسيد المرسلين’ . . ولم تنص الآية على أنه الشفاعة ولكن بعض الأحاديث نصت على ذلك ، وبعضها نص على أنها الشفاعة في أهل بيته وبني هاشم وعبد المطلب ، وبعضها نص على أنه العطاء في الجنة ، وبعضها أطلق..وبعضها قال إنها الشفاعة في أهل بيته وأمته..وجعلها بعضهم الشفاعة في جميع أمته’بحيث لا يدخل أحد منها النار أبداً ! ولكن ذلك لا يصح لأنه مخالف لما ثبت عنه’من دخول بعض أمته النار ومخالف لقانون الجزاء الإلهي ، كما ستعرف .

تفسير الآية بالعطاء الالهي الاعم من الشفاعة
تفسير القمي:2/427:
حدثنا جعفر بن أحمد قال: حدثنا عبد الله بن موسى بن الحسن بن علي بن أبي حمزة ، عن أبيه ، عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله(ع) في قوله: وللآخرة خير لك من الأولى ، قال: يعني الكرة هي الآخرة للنبي’. قلت قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، قال: يعطيك من الجنة فترضى. ورواه في مختصر بصائر الدرجات/47 وفي بحار الأنوار:53/59 وفي تفسير نور الثقلين:5/594 .

تفسير التبيان:10/369:
قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، وعد من الله له أن يعطيه من النعيم والثواب وفنون النعم ما يرضي النبي’به ويؤثره .

تأويل الآيات:2/810:
قوله تعالى: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى. تأويله ما رواه محمد بن العباس(رض) عن أبي داود ، عن بكار ، عن عبد الرحمان ، عن إسماعيل بن عبدالله، عن علي بن عبد الله بن العباس قال: عرض على رسول الله’ما هو مفتوح على أمته من بعده كفراً كفراً فسرَّ بذلك فأنزل الله عز وجل: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، قال: فأعطاه الله عز وجل ألف قصر في الجنة ترابه المسك ، وفي كل قصر ما ينبغي له من الأزواج والخدم. وقوله: كفراً كفراً أي قرية ، والقرية تسمى كفراً . انتهى.

ورواه في الدر المنثور:6/361:
عن ابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن جرير والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي وابن مردويه وأبو نعيم كلاهما في الدلائل عن ابن عباس قال . . . الخ .
وقال: أخرج الطبراني في الأوسط والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله (ص): عرض عليَّ ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني ، فأنزل الله: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى .

بحار الأنوار:16/136:
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، أي من الحوض والشفاعة وسائر ما أعد له من الكرامة ، أو في الدنيا أيضاً من إعلاء الدين وقمع الكافرين .

سيرة ابن هشام:1/278:
قال ابن إسحاق: ثم فتر الوحي عن رسول الله(ص)فترةً من ذلك حتى شق ذلك عليه فأحزنه ، فجاءه جبريل بسورة الضحى يقسم له ربه وهو الذي أكرمه بما أكرمه به: ما ودَّعه وماقلاه ، فقال تعالى: وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى، مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ، يقول: ما صرمك فتركك ، وما أبغضك منذ أحبك. وللآخرة خير لك من الأولى ، أي لَمَا عندي من مرجعك إليَّ خيرٌ لك مما عجلت لك من الكرامة في الدنيا. ولسوف يعطيك ربك فترضى ، من الفلج في الدنيا والثواب في الآخرة .
تفسيرها بالشفاعة لامته أو بالشفاعة مطلقاً

تفسير فرات الكوفي/570:
فرات قال: حدثني محمد بن القاسم بن عبيد معنعناً: عن حرب بن شريح البصري قال: قلت لمحمد بن علي (ص)  أي آية في كتاب الله أرجى ؟ قال: مايقول فيها قومك قال قلت يقولون: يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله ، قال: لكنا أهل البيت لا نقول ذلك. قال قلت: فأيش تقولون فيها ؟ قال نقول: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، الشفاعة والله ، الشفاعة والله الشفاعة. ورواه في بحار الأنوار:8/57 .

وقال في هامش تفسير فرات:
وأخرج الحسكاني في شواهد التنزيل عن الحسين بن محمد الثقفي عن الحسين بن محمد بن حبيش المقري ، عن محمد بن عمران بن أسد الموصلي ، عن محمد بن أحمد المرادي ، عن حرب بن شريح البزاز ، عن محمد بن علي الباقر ، عن ابن الحنفية ، عن علي بن أبي طالب قال قال رسول الله’: أشفع لامتي حتى ينادي ربي: رضيت يا محمد ؟ فأقول: رب رضيت. ثم قال الباقر: إنكم معشر أهل العراق تقولون إن أرجى آية في القرآن: يا عبادي الذين أسرفوا . . قلت: إنا لنقول ذلك. قال: ولكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية في كتاب الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، وهي الشفاعة .

وفي الدر المنثور:6/361:
وأخرج ابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في الحلية من طريق حرب بن شريح (رض) قال قلت: لابي جعفر محمد بن علي بن الحسين: أرأيت هذه الشفاعة التي يتحدث بها أهل العراق أحق هي ؟ قال: إي والله ، حدثني عمي محمد بن الحنفية ، عن علي أن رسول . . (بما يشبه رواية الحسكاني). انتهى .
وقال أيضاً:
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن (رض) أنه سئل عن قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ؟ قال: هي الشفاعة. انتهى. وروى الأول منهما في كنز العمال:14/636 عن مسند علي ، ورواه الواحدي النيسابوري في تفسيره:4/510 والكاندهلوي في حياة الصحابة:3/46 والشوكاني في فتح القدير:5/568 .

مناقب آل أبي طالب:1/190 ، قال حسان:

لئن   كلم   الله   موسى على شريف   من   الطور  يوم الندا

فــإن    النبــي    أبا    قاسـم   حبي    بالرسالة   فوق   السمـا


وقد   صار   بالقرب  من ربه على   قاب   قوســـين   لما   دنا


وإن   فجَّر  الماء موسى لهم     عيوناً من الصخر ضرب العصا


فمن كفِّ أحمد قد فجرت  عيونٌ  من   الماء   يوم   الظما


وإن  كان  هارون  من بعده   حبي   بالـوزارة   يـوم   المـلا


فـإن    الـوزارة   قـد   نالهـا    علي   بلا   شك   يـوم   الفـدا


وقال كعب بن مالك الأنصاري:
فإن يك موسى كلم الله جهرةً    على   جبل   الطور المنيف المعظم
فقد   كلم   الله   النبي محمداً    على الموضع الاعلى الرفيع المسوم

داو  د (ع) كان له سلسلة الحكومة ليميز الحق من الباطل ، ولمحمد القرآن: ما فرطنا في الكتاب من شئ، وليست السلسلة كالكتاب ، والسلسلة قد فنيت والقرآن بقي إلى آخر الدهر. وكان له النغمة ، ولمحمد الحلاوة: وإذا سمعوا ماأنزل إلى الرسول . . . قال حسان:
وإن   كان   داود  قد أوبت        جبال    لديه    وطير    الهوا
ففي كف أحمد قد سبحت        بتقديس ربي صغار الحصى

. . . وسليمان كان يصفدهم لعصيانهم ، ونبينا أتوه طائعين راغبين. وسأل سليمان ملك دنيا: رب هب لي ملكاً . . . وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد فردها ، فشتان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام المحمود: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .
وقال لسليمان: أمنن أو امسك بغير حساب ، وقال لنبينا: ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا. قال حسان بن ثابت:


وإن كانت الجن قد ساسها        سليمان والريح تجري رخا

فشهـر    غـدوٌّ    به    رابيـاً         وشهر   رواحٌ   به   إن يشا


فإن   النبـي   سـرى   ليلـةًمن  المسجدين  إلى المرتقى


وقال كعب بن مالك:
وإن تك نمل البر بالوهم كلمت     سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمي
فهذا   نبي   الله   أحمدُ   سبحت     صغار   الحصى   في   كفه   بالترنم

ورواه في بحار الأنوار:16/415 .

مناقب آل ابي طالب:3/103:
وكان رسول الله’ يهتم لعشرة أشياء فآمنه الله منها وبشره بها:
لفراقه وطنه فأنزل الله: إِنَّ الَّذِى فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إلى مَعَادٍ .
ولتبديل القرآن بعده كما فعل بسائر الكتب ، فنزل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ .
ولامته من العذاب ، فنزل: وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ .
ولظهور الدين ، فنزل: لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ .
وللمؤمنين بعده ، فنزل: يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِى الآخرة .
ولخصمائهم ، فنزل: يَوْمَ لا يُخْزِى اللهُ النَّبِىَّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا .
وللشفاعة ، فنزل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .
وللفتنة بعده على وصيه، فنزل: فَإِمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنْهُمْ مُنْتَقِمُونَ .يعني بعلي.
ولثبات الخلافة في أولاده ، فنزل: لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِى الأَرْضِ .
ولابنته حال الهجرة ، فنزل: الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا . . . الآيات. انتهى.

وقال الفخر الرازي في تفسيره:16 جزء 31/213:
قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، فالمروي عن علي بن أبي طالب وابن عباس أن هذا هو الشفاعة في الأمة . . . واعلم أن الحمل على الشفاعة متعين ويدل عليه وجوه ( أحدها ) أنه تعالى أمره (ص) في الدنيا بالاستغفار . . . عن جعفر الصادق أنه قال: رضا جدي أن لا يدخل النار موحد ، وعن الباقر: أهل العراق يقولون: أرجى آية قوله ( يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ) . . . الخ.

تفسيرها بشفاعة النبي(ص) لأهل بيته خاصة
تفسير فرات الكوفي/570:
قال حدثني جعفر بن محمد الفزاري قال: حدثنا عباد، عن نصر ، عن محمد بن مروان ، عن الكلبي، عن أبي صالح ، عن ابن عباس(رض) في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، قال: يدخل الله ذريته الجنة .

تأويل الآيات:2/810:
وروى أيضاً عن محمد بن أحمد بن الحكم ، عن محمد بن يونس ، عن حماد بن عيسى ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه صلى الله عليهما ، عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله’على فاطمة÷وهي تطحن بالرحى وعليها كساء من جلَّة الإبل فلما نظر إليها بكى وقال لها: يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غداً ، فأنزل الله عليه: وَلَلأخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الأُولَى ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .
وروى أيضاً عن أحمد بن محمد النوفلي ، عن أحمد بن محمد الكاتب ، عن عيسى بن مهران بإسناده إلى زيد بن علي(ع) في قول الله عز وجل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، قال: إن رضى رسول الله’إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنة ، وكيف لا وإنما خلقت الجنة لهم والنار لأعدائهم. فعلى أعدائهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين .

مناقب آل أبي طالب:3/120:
تفسير الثعلبي عن جعفر بن محمد(ع) وتفسير القشيري عن جابر الأنصاري أنه رأى النبي’فاطمة وعليها كساء من جلة الإبل . . . الخ.
ورواه في تفسير نور الثقلين:5/594 عن المناقب لابن شهر آشوب عن تفسير الثعلبي ، وفي بحار الأنوار: 39/85 عن تفسير الثعلبي وعن تفسير القشيري عن جابر الأنصاري .
ورواه في الدر المنثور:6/361 قال: وأخرج العسكري في المواعظ وابن مردويه وابن هلال وابن النجار عن جابر بن عبد الله قال: دخل رسول الله (ص)على فاطمة وهي تطحن بالرحى . . . الخ .

مناقب أمير المؤمنين:1/153:
محمد بن سليمان قال: حدثنا أبو أحمد قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: وحدثني محمد بن الصباح الدولابي قال: حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله تعالى: ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسناً ، قال: المودة في آل الرسول. وفي قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، قال: يدخل أهل بيته الجنة .
أخبرنا أحمد بن محمد بن عبد الوهاب إجازة أن أبا أحمد عمر بن عبد الله بن شوذب أخبرهم قال: حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق قال: حدثنا محمد بن أحمد بن أبي العوام ، حدثنا محمد بن الصباح الدولابي ، حدثنا الحكم بن ظهير ، عن السدي في قوله عز وجل: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ، قال: المودة في آل الرسول(ص) . وفي قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، فقال: رضى محمد’ أن يدخل أهل بيته الجنة. انتهى.
وقال في هامشه: أقول: وقريباً منه رواه الحافظ الحسكاني في تفسير الآية 23 من سورة الشورى والآية 5 من سورة الضحى في كتاب شواهد التنزيل: 2/147 و 344 .
مناقب آل أبي طالب:2/15:
تفسير وكيع ، قال ابن عباس في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، يعني ولسوف يشفعك يا محمد يوم القيامة في جميع أهل بيتك فتدخلهم كلهم الجنة ترضى بذلك عن ربك. انتهى. ورواه في بحار الأنوار: 8/43 .

بحار الأنوار:24/48:
وروى عن ابن المغازلي أيضاً بإسناده عن السدي مثله ، وزاد في آخره: وقال في قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، قال: رضى محمد’ أن يدخل أهل بيته الجنة .

الدر المنثور:6/361:
وأخرج ابن جرير من طريق السدي عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، قال: من رضا محمد أن لا يدخل أحد من أهل بيته النار .
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود (رض) قال قال رسول الله (ص): إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا ، وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . .

\تفسيرها بشفاعة النبي(ص)  لجميع أمته !
شعب الإيمان للبيهقي:2/164:
عن ابن عباس من قوله عز وجل: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . قال: رضاه أن يدخل أمته كلهم الجنة .
الدر المنثور:6/361:
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .، قال: رضاه أن تدخل أمته الجنة كلهم .
وأخرج الخطيب في تلخيص المتشابه من وجه آخر عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، قال: لا يرضى محمد واحد من أمته في النار .
وأخرج مسلم عن ابن عمرو (رض) أن النبي(ص) تلا قول الله في إبراهيم: فمن تبعني فإنه مني ، وقول عيسى: إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ . . الآية ، فرفع يديه وقال: اللهم أمتي أمتي وبكى ، فقال الله: يا جبريل إذهب إلى محمد فقل له إنا سنرضيك في أمتك ، ولا نسوؤك .

تفسير نور الثقلين:5/595:
في مجمع البيان عن الصادق(ع) قال: دخل رسول الله’على فاطمة÷ وعليها كساء من جلة الابل وهي تطحن بيدها وترضع ولدها فدمعت عينا رسول الله’لما أبصرها فقال: يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .
وقال الصادق(ع) : رضا جدي أن لا يبقى في النار موحد .
وروى حريث بن شريح ، عن محمد بن علي بن الحنفية أنه قال: يا أهل العراق تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل: يَا عِبَادِىَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ . . الآية ، وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ، وهي والله الشفاعة ليعطاها في أهل لا إله إلا الله حتى يقول: رب رضيت .

مجمع البحرين:1/115:
وفي حديث النبي(ص): كساه الله من حلل الأمان. قال بعض الشارحين: المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى قال له: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .، وهو’لا يرضى بدخول أحد من أمته إلى النار ، كما ورد في الحديث .
مجمع البحرين:2/186:
قوله تعالى: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى، قال المفسرون: اللام في ( ولسوف ) لام الإبتداء المؤكدة لمضمون الجملة والمبتدأ محذوف ، والتقدير: ولانت سوف يعطيك ، وليست بلام قسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع نون التأكيد. وفي الرواية: إن أرجى آية في كتاب الله هذه الآية ، لأنه لا يرضى بدخول أحد من أمته النار .

بحار الأنوار:79/91:
( المكسو حلل الأمان ) قال الشيخ البهائي(رض) : المراد أمان أمته من النار ، فإن الله تعالى قال له: ولسوف يعطيك ربك فترضى، وهو’لا يرضى بدخول أحد من أمته في النار ، كما ورد في الحديث ، وحلل الأمان استعارة 

ملاحظتان
الأولى: قد يشكل على بعض هذه الأحاديث بأن سورة الضحى مكية فكيف نزلت في المدينة بعد ما قاله النبي للزهراء صلى الله عليه وعليها ؟ أو بعد أن سب بعض القرشيين بني هاشم وقال ( إنما مثل محمد فيهم كمثل شجرة في كبا ) كما ذكرت بعض الروايات ؟ .
والجواب: أنه لا مانع من القول بنزول بعض الآيات مرتين أو مرات ، كما قرر ذلك علماء التفسير في أسباب النزول ، فيكون النزول الثاني مؤكداً ، أو مبيناً لمصاديق الآية ، أو تأويلاً لها . . ومن الواضح أن هذه الآية من النوع الذي يصح نزوله في أكثر من مناسبة لتطمين النبي’وتذكيره بنعم الله تعالى الآتية ، ليتحمل أحقاد المشركين ومؤامراتهم ، ومتاعب الأمة وأذاياها ، ومصاعب الدنيا ومراراتها .
ويؤيد نزولها مرة ثانية ما رواه السيوطي في الدر المنثور:6/361: وأخرج ابن مردويه عن عكرمة (رض) قال: لما نزلت وللاخرة خير لك من الأولى ، قال العباس بن عبد المطلب: لا يدع الله نبيه فيكم إلا قليلاً لما هو خير له. انتهى .
ويؤيده أيضاً ما رواه المجلسي في بحار الأنوار:22/533: عن أبي جعفر (ع)  قال: لما حضرت النبي الوفاة استأذن عليه رجل فخرج إليه علي(ع)  فقال: حاجتك ؟ قال: أردت الدخول إلى رسول الله’فقال علي(ع) : لست تصل إليه فما حاجتك ؟ فقال الرجل: إنه لابد من الدخول عليه ، فدخل علي فاستأذن النبي (ص)  فأذن له فدخل وجلس عند رأس رسول الله ثم قال: يا نبي الله إني رسول الله إليك ، قال: وأي رسل الله أنت قال: أنا ملك الموت ، أرسلني إليك يخيَّرك بين لقائه والرجوع إلى الدنيا ، فقال له النبي’: فأمهلني حتى ينزل جبرئيل فأستشيره ، ونزل جبرئيل(ع) فقال: يا رسول الله الآخرة خير لك من الأولى، ولسوف يعطيك ربك فترضى ، لقاء الله خير لك ، فقال’: لقاء ربي خير لي ، فامض لما أمرت به ، فقال جبرئيل لملك الموت: لا تعجل حتى أعرج إلى ربي وأهبط ... الخ. انتهى .
على أنا نلاحظ في بعض رواياتها أن النبي(ص) قال لفاطمة(س) ( يا بنتاه تعجلي مرارة الدنيا بحلاوة الآخرة فقد أنزل الله علي: وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى .) وهو يدل على أن النبي ذكَّر فاطمة بنزول الآية ، لا أنها نزلت في ذلك الوقت .
الثانية: نلاحظ في تفسير هذه الآية ملامح الاتجاه إلى توسيع الشفاعة لكل المسلمين ، مؤمنهم ومنافقهم ظالمهم ومظلومهم محسنهم ومسيئهم ! وأنها وأمثالها لم تستثن الظالمين والجبارين والطغاة ومحرفي الدين والمفسدين في أمور البلاد والعباد ! ولا اشترطت شروطاً لنيل الشفاعة والنجاة فقالت مثلاً: من مات على الشهادتين وكان من الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، ولم يكن في رقبته ظلم للعباد . . ولو أنها اشتملت على ذلك لكان لعمومها وجه يمكن الدفاع عنه . . ولكنها وأمثالها من الروايات تريد أن تقول إن المسلمين كلهم يدخلون الجنة مهما ارتكبوا من معاص ومظالم ، ومهما انحرفوا عن في سلوكهم الخاص والعام عن الإسلام وخالفوا الله تعالى ورسوله ! بل مهما حرَّفوا الإسلام وأعملوا معاولهم في هدم أصوله وتغيير فروعه..! فما داموا مسلمين بالاسم منتمين إلى أمة النبي فإن النبي(ص) لا يرضى يوم القيامة حتى يدخلهم الجنة إلى آخر نفر !!
وهذه نفس مقولة اليهود ( نَحْنُ أَبْنَاءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ) ولا يمكن التوفيق بينها وبين آيات القرآن والأحاديث التي اتفق الجميع على صدورها عن النبي(ص)  . . مثل إخباره بأن بعض أصحابه يمنعون من ورود الحوض ، ويؤمر بهم إلى النار . . كما سيأتي في محاولات توسيع الشفاعة، إن شاء الله تعالى، وستعرف أن عدداً من الآيات والأحاديث الثابتة عند الجميع تنص على أن شفاعة النبي(ص)لا يمكن أن تشمل أنواعاً من المجرمين والظالمين ، حتى لو كانوا من أمة رسول الله’وصحابته ، وحتى لو كان عندهم بعض الأعمال الحسنة ، لأن إجراء قوانين الجزاء والعقاب من مقتضيات العدل الالهي.
ولذلك فإن مقولة ( أن النبي لا يرضى مادام أحد من أمته محكوماً عليه بدخول النار ) مقولةٌ باطلة لا تصح نسبتها إلى النبي وآله صلى الله عليه وعليهم ، لأن الآيات والأحاديث القطعية تعارضها ، ويعارضها حكم العقل أيضاً ، لأنها تساوي بين المحسنين والفجار ، بل تبطل القانون الالهي في العقاب !
وبسبب ذلك نستظهر أن أصل الحديث شفاعته(ص)’لأهل بيته فجعلوه لأمته، كما حرفوا غيره من الأحاديث والمناقب الخاصة ببني هاشم أو بالعترة وجعلوه لكل قريش أو لكل الأمة ، ومن ذلك حديث ( الأئمة من بعدي اثنا عشر من أهل بيتي ) فجعلوه من قريش ! ولا يتسع المجال للتفصيل .
نعم يمكن القول بشمول شفاعته(ص)’لكل أمته إذا حددنا مفهوم أمته(ص) بمن يقبلهم ويرتضيهم بسبب صحة عقيدتهم وصحة خطهم العام ، فتشمل شفاعته خيار الموحدين الذين خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً ، فهؤلاء قد يصح القول فيهم ان النبي(ص)لا يرضى أن يدخلوا النار .
وقد ورد معنى قريب مما ذكرنا في دعاء في بحار الأنوار: 94/119 يقول: اللهم إنك قلت لنبيك(ص): وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى . اللهم إن نبيك ورسولك وحبيبك وخيرتك من خلقك لا يرضى بأن تعذب أحداً من أمته دانك بموالاته وموالاة الأئمة من أهل بيته وإن كان مذنباً خاطئاً في نار جهنم ، فأجرني يا رب من جهنم وعذابها ، وهبني لمحمد وآل محمد ، يا أرحم الراحمين. انتهى .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page