• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

إعداد و إنتاج برمجیات الحکومة الإسلامیة العالمیة


الفصل الرابع: شرح الهدف الرابع علی الصعید البرمجی
إعداد و إنتاج برمجیات الحکومة الإسلامیة العالمیة
المراد من البرمجیات الحکومة، النظم الحدیثة التنفیذیة و الاجرائیة القأئمة علی الأفکار و القیم الدینیة و الإلهیة فی المجالات المختلفة. و من ذلک تدوین النظام السیاسی و النظام الاقتصادی و النظام التربوی و النظام التعلیمی و النظام الاداری و النظام الحقوقی و النظام القضائی، و النظام المعلوماتی و الأمنی و... الخ مما یُعّد مقدمات ضروریة لتشکیل أیّة حکومة. وهی أنظمة یجب أن تتمتّع بالانسجام الداخلی و تکون لها القابلیة علی التجانس مع تطورات التقنیة الحدیثة، و التناغم مع النظام الدولی و النظم العالمیة من دون الغاء القیم الدینیة. یجب أن تتمّ صیاغة هذه النظم بحیث تتحلی بالقابلیة للتصدیر إلی سائر الحضارات و الحکومات فتزید من الاستعداد البرمجی لقبول حکومة المهدی العالمیة، و تقنع النخب الحرة و الشعوب بقدرة الدین و المتدینین علی إدارة العالم و تجعلهم متشوقین لذلک. القابلیة الأخری لهذه النظم هی تنظیم المزج الطبیعی و المنطقی بین المعنویة و المادیة عند البشر. فعدم الفقر و التمییز فی المجتمع والتطبیق الشامل و المنظم الاحکام الإسلام یوفّر الأرضیة لتحقیق المعنویة و الطهارة الروحیة و الباطنیة.

لذلک ینبغی أن تتصف صیاغة النظم بالمواصفات المذکورة أدناه:
1. أن تبتنی علی الوحی و معارف أهل بیت العصمة و الطهارة: و التجانس مع الفطرة الإنسانیة السلیمة.
2. أن تکون لها القابلیة الدائمة علی الإستفادة من آخر التطورات التقنیة.
3. أن تتمتّع اجزاؤها الداخلیة بمنتهی الإنسجام و الإتقان.
4. أن تکون لها القدرة علی التطابق المعقول و المشروع مع النظام الدولی و النظم العالمیة.
5. المزج بین المادیة و المعنویة، و المعاش و المعاد عند الشر.
6. قابلیة الصدور إلی خارج الحدود المحلیة و التطبیق هناک.

المقال الأول: المبانی النظریة لإنتاج البرمجیات
لا شک أننا لأجل تحقیق النهضة البرمجیة لخلق الحضارة الإسلامیة و الحکومة العالمیة المهدویة، لایمکننا التفاؤل و الثقة بالمسیرة التی قطعتها الحضارة الغربیة خصوصاً منذ عصر النهضة إلی الیوم. إذ أن هناک تباینات جوهریة و عمیقة بین حقیقة العناصر البرمجیة فی الحضارتین الغربیة و الإسلامیة، و هذا ما یحتم علینا إعداد و تدوین أربعة أمور:
1. تدوین المبانی الفکریة و النظریة فی مجال معرفة الوجود و الإنسان و خالق الانسان و الوجود، و علاقة الاشیاء و الموجودات ببعضها و بخالقها ضمن نظام هندسی و معماری متناسق و منسجم، و فی الوقت ذاته منطقی و مبرهن.
2. صیاغة و تدوین أسالیب و مناهج لاکتساب المعرفة و نیل الحقیقة فی المجالس المختلفة علی شکل أنظمة تطبیقیة و عملیة.
3. تعیین القوانین و المقررات الخاصة بالعلاقات الاجتماعیة و المدنیة للبشر.
4. تصمیم و إنتاج الادوات و التجهیزات اللازمة لتحقیق أسهل و أسرع للنظم الفکریة و العلمیة، و التی تسمی تکنولوجیا أو تقنیة.
و فیما یلی إیضاحات مختصرة للنقاط الأربعة المذکورة أعلاه الخاصة التی تخصّ بالفوارق بین الحضارتین:

فوارق الحضارتین فی المبانی الفکریة و النظریة
ثمة فوارق رئیسیة کثیرة بین الرؤیة الکونیة الإلهیة التی یجب أن تصاغ الحضارة و الحکومة الإسلامیة العالمیة علی أساسها، و بین الرؤیة الکونیة المادیة التی تقوم علیها الحضارة الغربیة حالیاً. و لابد من الاشارة هنا إلی ثلاثة فوارق منها علی الأقل، و هی فوارق تنم عن نقاط ضعف تعانی منها الحضارة الغربیة:

1. غفلة الحضارة الغربیة عن عالم الغیب
فی الرؤیة المادیة تساوی عالم الوجود مع عالم المادة المحسوس و المشهود و الملموس بالحواس الظاهریة المسلحة و غیر المسلحة. بینما الوجود فی التصوّر الأدیان الإلهیة أوسع بکثیر من عالم المادة، ولا یشهد أو یحس بالحواس الإنسانیة الظاهریّة الاّ جزء یسیر جداً منه، أما جزؤه الاکبر فهو عالم غیب خفی عن الحس المادی للبشر.

2. غفلة الحضارة الغربیة عن وجود و تأثیر عالم الغیب فی عالم الشهود
عالما «الغیب» و «الشهود» تخضعان وفق سنن إلهیة لاتتبدل و لا تتخلف لإرادة الباری تعالی و حکمته البالغة و هدایته. إنّ سنن عالم الشهود ما هی الاّ جزء یسیر من نظام السنن الإلهیة. لذلک فإن معرفة الوجود، و حتی معرفة الجزء المادی و المحسوس منه، منوط بمعرفة الجزء الغیر المادی من الوجود. و کلما ارتفع مستوی العلم بالعقل الغیر المادیة و النظام الغیبی فی العالم، إزدادت قدرات البشر فی عالم الملک و المادة. ففی قصة الإتیان بعرش بلقیس من قبل إنسان غیر معصوم و غیر نبی و غیر ولی، إنّما لدیه إسم واحد فقط من الأسماء الإلهیةقَالَ ألّذی عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْکِتَابِ... نلاحظ مثل هذه القدرة علی التصرف فی عالم المادة و الطبیعة، الأمر ألّذی یستبعده و ینکره العلماء التجریبیون الغربیون، و الحال أن الحضارة الإسلامیة ستقوم علی اساس قبول الغیب و الایمان به و المعرفة بأسماءالله و تسخیر علل العالم الغیبی.

3. عدم المعرفة التامة لأبعاد الإنسان الوجودیة
للإنسان فی علم الإنسان الإسلامی نشأة ملکیة مشهودة محسوسة، و نشأة ملکوتیة أخرویة. کما أنّ للحیاة الدنیویة ظاهراً و باطناً یعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَیاةِ الدُّنْیا وَهُمْ عَنِ الإخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ لکن «الإنسان المادی غافل عن الجانب الباطنی و الملکوتی للإنسان».
الخصیصتان اللتان یمتازبهما الإنسان عن الحیوان (أی جانب المیول المرتبطة بالقلب، و جانب الرؤی و التصورات المرتبطة بالعقل) تتعلقان بعالم الملکوت، فهی من التجلیات و الصادرات الملکوتیة للإنسان. و لا تزال الحضارة الغربیة غیر مطّلعة علی حقیقة المیول الملکوتیة و قدرات المعارف الملکوتیة.

الف) غفلة الحضارة الغربیة عن حقیقة المیول الملکوتیة
المیول الملکیة هی القاسم المشترک بین الإنسان و الحیوان، و نقصدبها غرائز الإنسان، أمّا المیول الملکوتیة الخاصة بالإنسان فهی الفطرة السلیمة الإلهیة لدی الإنسان فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیهَا و المطالبة بالعدالة و الجمال و الکمال و الحقیقة. و قد شیّدت الثقافة و الحضارة و النظام الغربی برفضه عالم الغیب و ملکوت العالم و الإنسان علی إشباع المیول و النزعات المادیة و الملکیة و الحیوانیه للبشر دون قید أو شرط. فالموسیقی و السینما و الأدب و الثقافة و الاقتصاد و العمارة و العلاقات الإنسانیة و الحکومة و حتی القیم السامیة کالحریة و العدالة تعرّف و تحدّد فی الإطار الملکی و الحیوانی للإنسان و حسب و هذا کله یجب أن یعاد تشکیله عند تعریف و تشیید الحضارة الإسلامیة انطلاقاً من الرؤیة التوحیدیة و الوعی الشیعی.

ب) غفلة الغرب عن المدیات الواسعة لاکتساب المعرفة
و علی مستوی الرؤی أیضاً بقی الإنسان المادی محروماً و محدوداً سواء فی تعیین الادوات المعرفیة، أو فی منهجیة المعرفة، أو فی مصادر المعرفة. و کأنما لیس به عطش إلی التعلم و اکتساب المعرفة. و النقطة الثانیة أی منهجیة العلم و المعرفة فی البحث البرمجی تبدأ من هذا النقاش التأسیسی.
تباین الحضارتین فی اسالیب و مناهج المعرفة

1. أدوات المعرفة
ادوات المعرفة لدی الإنسان المادی محصورة فی الحس و العقل (و العقل هنا عقل المعاش الخاص بقضایا الحیاة المادیة الشهودیة). فالإنسان المادی حرم نفسه تماماً من القلب و الفؤاد (ألّذی ینسب القرآن الکریم التعقل و التفکر و التفقه و التدبر إلیه) و من عقل المعاد و هو الحجة و النبی الباطنی للإنسان. أمّا فی الفکر الدینی فعلاوة علی الحس و التجربة، عُبّر عن العقل و القلب بتعابیر مختلفة، و اعتبرا من أدوات کسب العلم و المعرفة و ادراک حقائق العالم و رموزه.
القلب فی الرؤیة الإسلامیة أهمّ أدوات المعرفة، و ألّذی یکون بالتقوی و التهذیب و التزکیة مستعداً لاکتساب الفیض و أنوار المعرفة. و قد قال النبی الأکرم6: «لیس العلم بکثرة التعلیم و التعلم، بل العلم نورٌ یقذفه الله فی قلب من یشاء». و جاء فی القرآن: یؤتِی الْحِکْمَةَ مَن یشَاء وَمَن یؤْتَ الْحِکْمَةَ فَقَدْ أُوتِی خَیرًا کَثِیرًا وَمَا یذَّکَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ. و ورد فی حدیث نبوی: «من أخلص عمله أربعین صباحاً فجّر الله ینابیع الحکمة من قبله علی لسانه».

2. المنهج و المیتدولوجیا
المنهج أیضاً لدی الإنسان المادی محدود بالمنهج الاستقرائی (من الجزء إلی الکل) و المنهج القیاسی (من الکل إلی الجزء)، و لکن بسبب الرؤیة المادیة و الأومانیة و العلمانیة للإنسان الغربی للعالم، غدت المعرفة التجریبیة و الاستقرائیة فقط رصیداً للتکنولوجیا و الحضارة الغربیة. و بإمکان العالم الشیعی إعتماداً علی التقوی و الإخلاص، و إلی جانب إستخدام و نقل العلوم و المعارف التقنیة من الحضارة الغربیة، أن یستفید من المناهج الاشراقیة و الالهام و المعرفة القلبیة التی یقذفها الله و یعلمها  وَاتَّقُواْ اللّهَ وَیعَلِّمُکُمُ اللّ لیبنی الحضارة الإسلامیة بأمتن و أقوی مما بدأه الغرب فی عصر النهضة.

3. مصادر المعرفة
أهم و أوضح و أنور مصادر المعرفة، أی «الوحی و الالهامات الإلهیة» أغفلت و أنکرت فی الحضارة الغربیة، و أقصیت تماماً عن مسرح العلم و المعرفة البشریة. حتی أن الإنسان الغربی وجد رمز نجاحه فی بدایة عصر النهضة الفکریة بأوروبا فی إقصاء الدین و الوحی عن ساحة العلم و المعرفة. و مع ان الوحی الموجود فی العهدین «التوراة و الانجیل» لیس جدیراً بالاستنباط و الاعتماد العلمی، الاّ ان القرآن الکریم آخر المعجزات الإلهیة التی نزلت علی خاتم السفراء الإلهییین بقی مصوناً عن أی تحریف و هو بین یدی الإنسانیة و لا سیما المسلمین، لکنه رغم کل جدارته الکاملة واجه جفاءً و عدم اهتمام عجیبین، بل انه أنکر و استبعد حتی من قبل المفکرین المسلمین الانهزامین ألّذین انبهروا بالافکار و الحضارة الغربیة، و اقصی عن دائرة العلم و المعرفة بذرائع شتی، منها «رمزیة اللغة الدینیة، أو بشریة المعرفة الدینیة» أو بقی عملیاً دون استخدام و جری التصور بأنه غیر إلهی. فی حین أن القرآن تبیان لکل شئ، هُدًی لِّلنَّاسِ، یهْدِی لِلَّتِی هِی أَقْوَمُ، لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَی النُّورِ، هُدًی لِّلْمُتَّقِینَ، شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِینَ. لکنه بحکم إِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ممکن الاستفادة و التصرف من قبل المطهرین فقط لاَّ یمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ و لا یتسنی للإنسان المادی إدراکه و التأمل فیه وَلاَ یزِیدُ الظَّالِمِینَ إَلاَّ خَسَارًا. القرآن بحر زاخر من معرفة الله و معرفة أسمائه و أفعاله، و له منهجیته الخاصة لأولی الألباب و أصحاب القلوب أَفَلاَ یتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَی قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا.
لذلک، اذا استخدم المتقون و الصالحون بنظرتهم التوحیدیة منهجیة الإشراق و الشهود الباطنی من بین کافة المناهج المعرفیة للتحلیق علی براق العقل و الفؤاد، و راجعوا جمیع العلوم و المصادر الإدراکیة و المعرفیة و خصوصاً الثقل الأکبر و الثقل الأصغر، لأمکنهم التفاؤل بقدرتهم علی إرساء و تشیید بناء جدید للمعرفة و الثقافة و التقنیة و الحضارة الإسلامیة، فیرتقون بأنفسهم من عالم الظلمات إلی النور، و یمهدون لظهور المهدی و یکونون مستعدین لتلقی و استقبال المعرفة و الحکومة المهدویة. المهم هو الاعراض فی عصر الغیبة و لأجل تصمیم البرمجیات اللازمة، عن الرؤیة الکونیة و علم الإنسان و علم المعرفة و المنهجیات الغربیة، و الایمان بأن الرؤیة الکونیة الإسلامیة و علم الإنسان الإسلامی و علم المعرفة الإسلامی، و المنهجیة الإسلامیة خیر سند و أفضل أداة للإنسان المتدین المتقی الصالح، لا تترک أیة ذریعة لعدم إستماع و إتباع الموعظة الإلهیة قُلْ إِنَّمَا أَعِظُکُم بِوَاحِدَةٍ أَن تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَی وَفُرَادَی.
و من البدیهی أن هذا التوجه لا یعنی عدم استخدام مکتسبات التقنیة و الحضارة الغربیة، و انما یعنی توسیع مساحة الأفکار و الأعمال للإنسان الصالح المتقی الموحد بالنحو ألّذی عرضناه.
و بهذه الرؤیة و التوجه یتضح الموقف من النقطتین الثالثة و الرابعة. ففی نظام التقنین و فی مجال التقنیات ثمة أمامنا آفاق واسعة، إذا یمکن التفاؤل بتصمیم و إنتاج برمجیات تعتمد علی الرؤیة الإلهیة والمعرفة الشهودیة و القلبیة و الرجوع للثقلین من قبل الصالحین و المتقین و أهل العلم و الولایة، و تمهید الأرضیة للحکومة العالمیة علی أساس العدل و الحقیقة و الإعداد لظهور الإمام المنتظر، و إعتبار الخطوات الفاعلة و الشجاعة قیاماً لله، و التحرق فی عطش الإنتظار بالتوکل علی الله، و عندها یمکن القول: «المنتظر لأمرنا کالمتشحط بدمه فی سبیل الله».

المقال الثانی: رسم المراحل الکلیة لإنتاج البرمجیات
فی رسم المراحل العامة للإنتاج المعرفی و البرمجی لحکومة الإسلام العالمیة، تتبدی أمامنا ثلاثة مراحل:
1. إعداد مجتهدین علماء بعلوم و مهارات العصر الجامعیة.
2. نهضة الترجمة التحلیلة و النقدیة لآثار الحضارة الغربیة من قبل مجتهدین متخصصین.
3. البدء بإنتاج البرمجیات من العلوم الإنسانیة.
و فیمایلی ایضاح اجمإلی للمراحل الثلاثة المذکورة أعلاه:
1. إعداد مجتهدین عالمین بعلوم و مهارات العصر الجامعیة
النقطة الجدیرة بالاهتمام فی رسم المراحل الکلیة لإنتاج البرمجیات هی: من هم الاشخاص الجدیرون بإنتاج مثل هذه البرمجیات المبتنیة علی معارف الثقلین و المطلعة علی آخر المکتسبات العلمیة و البحثیة للإنسانیة؟ هل یمکن الوثوق و الاطمئنان بشکل عمیق بما تنتجه الجامعات الموجودة فی العالم الإسلامی؟ و هل یمکن الاعتماد علی ترجمة مترجمی العلم و ناقلی الحضارة الغربیة؟
إن عمق وسعة و کثرة البرمجیات التی تحتاجها الحضارة و الحکومة العالمیة (بالمواصفات المذکورة سابقاً) تستدعی حرکة إجتهادیة بقصد القربة إلی الله و بمنتهی الوفاء للإسلام من قبل المحققین. من هنا کان من الضروری جداً إعداد حفاظ للقرآن یدرسون العلوم الدینیة إلی درجة الإجتهاد و استنباط الاحکام الشرعیة و یکونون مطلعین علی الافکار و الحضارة الغربیة، حتی تتمخض عن مثل هذه الثنائیة نهضة ترجمة تحلیلیة و نقدیة و نقل إجتهادی للحضارة المعاصرة، و یتم عن طریق هذا العبور و الترجمة و النقل للمعارف و الثقافة و الحضارة الغربیة عبر قنوات قلوب حفظة الوحی و عقول أصحاب الإجتهاد، إنتاج برمجیات الحکومة العالمیة. ثم یجب العمل علی إعداد و تکمیل العقل العملی للمجتهدین الحوزویین و الجامعیین. و بهذا سیصار فضلاً عن ایجاد التمهیدات الثقافیة و الإنسانیة علی المستوی العالمی، إلی رفع المستوی الکمی و النوعی لإنتاج البرمجیات.

2. نهضة الترجمة التحلیلیة و النقدیة لآثار الحضارة الغربیة من قبل المجتهدین المتخصصین
یحتفظ تاریخ العلم و الحضارة فی ذاکرته بتغییرین و انتقالین مهمین للغة العلمیة فی العالم: أحدهما تغییر اللغة العلمیة العالمیة من "اللاتینیة إلی العربیة"، و الثانی تغییر اللغة العلمیة من "العربیة إلی الانجلیزیة". و قد کان التغییران بدایة حضارة جدیدة و انتقالا للحضارة من بقعة جغرافیة إلی أخری. و کأن تغیر اللغة العلمیة لأعمال و محافل العلم فی العالم و قیام نهضة الترجمة هو المقدمة و الحاجة الأولیة و الضروریة لانتقال المعارف و تشیید الحضارات. بید أن هناک فارقاً علی جانب کبیر من الاهمیة بین هماتین النهضتین فی الترجمة و بین ولادة الحضارتین الإسلامیة و الغربیة، و هو فارق یعد استیعابه غفلة کبری تُوقِع فی اخطاء خطیرة. و الفارق هو أن ترجمة آثار الحضارة الإسلامیة من العربی إلی الانجلیزیة تزامن مع حدثین مهمین أدیا إلی تشکیل الحضارة العربیة. احدهما اختراع قدر البخار و انطلاق الثورة الصناعیة، و الثانی فصل العلم عن الفکر الکنسی ألّذی عُدَّ لاحقاً تحت عنوان فصل العلم عن الدین رمزاً لموفقیة و نجاح النهضة الاوربیة. اما نهضة ترجمة الآثار اللاتینیة الیونانیة إلی العربیة و تشکیل الحضارة الإسلامیة فقد کان ببرکة إسلام الوثنیین فی شبه الجزیرة العربیة و سائر المناطق فی ذلک العصر. لذلک کانت بدایة الحضارة الإسلامیة المتألقة بدایة دینیة ارتبطت بالإسلام و القرآن و الوحی المصون عن التحریف، و بدایة الحضارة الغربیة فی عصر النهضة ارتبطت بالتهرب من الدین و ترک الدین و الوحی المسیحی و الیهودی المحرف ألّذی حمله رجال الدین فی الدیانتین المسیحیة و الیهودیة.
اغفال هذا التباین المهم أدی إلی أن لایکون لترجمة الاثار الغربیة من اللغات الانجلیزیة و الفرنسیة و الالمانیة إلی العربیة و الفارسیة، تأثیر فی تشکیل الحضارة الإسلامیة الجدیدة، بل و ادی إلی انهزامیة العالم الإسلامی، و قد کان مستنیرو العالم الإسلامی و مترجموه فی الغالب حلقة وصل و جسر عبور الحضارة الغربیة إلی البلدان الإسلامیة، و تصوروا أن سبیل نجاة المسلمین و البلدان الإسلامیة یکمن فی ترک الدین و اقصاء الإسلام عن الإرادة العلمیة و المسرح السیاسی للبلاد، و رفع شعارات العلمانیة. و الحال أن سبیل النجاة الوحید هو العودة إلی أحضان الإسلام العزیز فی ظل الإجتهاد و التفقه و العدالة و حکمة الفقهاء و المجتهدین. «ان نهضة الترجمة التحلیلیة و النقدیة فی أحضان الفقاهة و الطهارة، تنتج الحضارة الإسلامیة الجدیدة و الحکومة الإسلامیة العالمیة».
3. انطلاق الإنتاج البرمجی من العلوم الإنسانیة
یبدو أن مثل هذه النهضة العظیمة یجب ان تبتدأ من دائرة العلوم الإنسانیة، ثم تمدیدها إلی حیز العلوم التجریبیة و الصناعیة و الهندسیة و الفنیة و المعماریة. فأسس هذه العلوم لها تأثیرها فی معرفة الإنسان و نظرته للوجود و الإنسان و الطبیعة و المعرفة. و کل تغییر او تحول فی مجال العلوم الإنسانیة له تأثیراته المباشرة الأکیدة فی سائر المیادین المعرفیة البشریة. هذا أولاً و ثانیاً أن حصیلة العلوم التجریبیة و الصناعیة الغربیة و هی صناعة الادوات و التقنیات اللازمة للحیاة یمکن استخدامها و الاستفادة منها فی الغالب بعد تشذیبها و مطابقتها للافکار و القیم الإسلامیة. لذلک یمکن عن طریق السیطرة علی التقنیات المتطورة و توجیهها بالاتجاه الصحیح، الانتفاع منها لإنتاج برمجیات إسلامیة. و بمثل هذه النتاجات فی حیز العلوم الإنسانیة، یتسنی تغییر مسار العلوم و البحوث فی بقیة فروع العلم و المعرفة البشریة باتجاه الإصلاح و هدایة المجتماعات الإنسانیه. و عندها سنشهد تحولاً کبیراً و نهضة شاملة فی مضمار إنتاج العلم بفضل تربیة الإنسان و تزکیة المجتمع و تجهیز الإنسان الصالح المتقی بکافة الادوات و المصادر و المناهج اللازمة لکسب المعرفة.
ألّذی نتصوره هو أن الحوزات العلمیة اذا لم تکن تتحری معارف جدیدة، و اوقفت البحث و التحقیق لاکتشاف الحقائق النظریة، و حاولت تطبیق المفاهیم النظریة الموجودة، و تربیة المجتمع المحلی علی اساس معارفها النظریة، فإن مثل هذه المهمة تستلزم آلاف الفقهاء و المجتهدین و الخبراء الإسلامیین لیعملوا علی ذلک التطبیق و توفیر برمجیات اداراة المجتمع علی اساس الدین.
المشکلة هی ان الحوزات العلمیة حسب الظاهر لم تتقبل بعد ان المجتمع الشیعی سلّم نفسه لإدارة رجال الدین، و راح یتوقع منهم التوجیه و التنفیذ. لاتزال الحوزة العلمیة تعیش طور التفکیر النظری تارکة إدارة المجتمع لبرمجیات غیر إلهیة، و هذه مشکلة لابد من حلها.
الخطوة الأولی لحلها هی ایمان الحوزویین و علماء الدین. بحقیقة لا سبیل إلی انکارها، و هی أن قیام النظام الإسلامی فی ایران ثمرة جهود المجتمع الشیعی و العلماء و رجال الدین الشیعة الأجلاء. و تبدیل النظام الإسلامی إلی حاکمیة الإسلام و الاحکام الإسلامیة یقع الیوم علی عائق العلماء و المجتهدین الشیعة المعاصرین.
الخطوة الثانیة تغییر بنیة الحوزات العلمیة، و ایجاد حوزات علمیة جدیدة «ضمن سیاق الحاکمیة البرمجیة و الإنسانیة للحوزة الشیعیة إلی جوار حاکمیة نظام الجمهوریة الإسلامیة». و اذا تأخر التحول البنیوی فإن الشرخ بین النظام الإسلامی و البرمجیات غیر الإلهیة غالباً سیتطور و یتفاقم إلی درجة یکون معها اهم معارضی النظام الإسلامی من بین المجتهدین و العلماء الحوزویین ألّذین لن یصبروا علی الباطن غیر الإسلامی و غیر الإلهی للنظام، و فی حال إعراضهم عن النظام الإسلامی فسیحرم التشیع من برکات النظام الإسلامی القیم الإسلامی القیم و أیضاً من خدمات العلماء و رجال الدین الفضلاء.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page