• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الفصل السادس ;معركة تنزيه الأنبياء(عليهم السلام)بين الشيعة ومخالفيهم

الفصل السادس
معركة تنزيه الأنبياء(عليهم السلام)بين الشيعة ومخالفيهم


موقف علماء الشيعة الثابت: تأويل الآيات التي يبدو منها
معصية الأنبياء(عليهم السلام) ، ورد الأحاديث التي تزعم ذلك

اتضح بما تقدم أن أئمة أهل البيت(عليهم السلام)رسموا خطاً في تنزيه الأنبياء(عليهم السلام) والدفاع عنهم ، وأن علماء المذهب رضوان الله عليهم اتبعوهم فأجادوا الإتباع والشرح والإستدلال ، وكان موقفهم ثابتاً في أن الآيات التي يبدو منها وقوع المعصية من الأنبياء(عليهم السلام)وأنها ليست على ظاهرها بل يجب اتباع الراسخين في العلم في تأويلها.
واتضح أن الأحاديث الصريحة في ارتكاب الأنبياء(عليهم السلام)للمعاصي مكذوبة ، وأنها من موضوعات رواة السلطة القرشية لتبرير معاصي الخلفاء أو من الإسرائيليات التي ابتليت بها مصادر السنة عندهم ، وكلها روايات باطلة يجب التوقف فيها أو تكذيبها ، حتى لو تسرب بعضها إلى مصادرنا !
وتشمل هذه القاعدة نفي وقوع المعصية من الأنبياء(عليهم السلام)وكلِّ سلوكٍ أو وضعٍ ينفِّر الناس منهم ، كما تشمل نفي السهو والنسيان عنهم(عليهم السلام).

قال العلامة الحلي في منتهى المطلب:1/335: (احتج المخالف بأن النبي(ص) صلى بأصحابه فلما أحرم بالصلاة ذكر أنه جنب ، فقال لأصحابه: كما أنتم ، ومضى ورجع ورأسه يقطر ماء ولم يستخلف ، فدل على عدم الجواز.
والجواب: أن هذا عندنا باطل ، والخبرُ كذبٌ إذ الأنبياء(عليهم السلام)معصومون عن وقوع الذنب عمداً وسهواً ). انتهى .
ومن هذا القبيل رد علماء الشيعة لخبر اتهام نبي داود(عليهم السلام)مع أنه ورد في تفسير القمي:2/229: وجاء فيه: (فلما كان اليوم الذي وعده الله عز وجل اشتدت عبادته وخلا في محرابه وحجب الناس عن نفسه وهو في محرابه يصلي ، فإذا طائر قد وقع بين يديه جناحاه من زبرجد أخضر ورجلاه من ياقوت أحمر ورأسه ومنقاره من لؤلؤ وزبرجد ، فأعجبه جداً ونسي ما كان فيه ، فقام ليأخذه فطار الطائر فوقع على الحائط بين داود وبين أوريا بن حنان ، وكان داود قد بعث أوريا في بعث فصعد داود(عليهم السلام)الحائط ليأخذ الطير ، وإذا امرأة أوريا جالسة تغتسل ، فلما رأت ظل داود نشرت شعرها وغطت به بدنها ، فنظر إليها داود فافتتن بها ورجع إلى محرابه ونسي ما كان فيه ، وكتب إلى صاحبه في ذلك البعث لما أن يصيروا إلى موضع كيت وكيت يوضع التابوت بينهم وبين عدوهم ، وكان التابوت في بني إسرائيل كما قال الله عز وجل:فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌمِمَّاتَرَكَ آلُ مُوسَىوَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلائِكَةُ (البقرة:248) وقد كان رفع بعد موسى(عليهم السلام)إلى السماء لما عملت بنو إسرائيل بالمعاصي ، فلما غلبهم جالوت وسألوا النبي أن يبعث إليهم ملكاً يقاتل في سبيل الله بعث إليهم طالوت وأنزل عليهم التابوت ، وكان التابوت إذا وضع بين بني إسرائيل وبين أعدائهم ورجع عن التابوت إنسان كفر وقتل ، ولا يرجع أحد عنه إلا ويقتل. فكتب داود إلى صاحبه الذي بعثه أن ضع التابوت بينك وبين عدوك وقدم أوريا بن حنان بين يدي التابوت ، فقدمه وقتل ، فلما قتل أوريا دخل عليه الملكان وقعدوا ولم يكن تزوج امرأة أوريا ، وكانت في عدتها وداود في محرابه يوم عبادته ، فدخلا عليه الملكان من سقف البيت وقعدا بين يديه ففزع داود منهما فقالا: لاتَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إلى سَوَاءِ الصِّرَاطِ. (صّ:22) ولداود حينئذ تسع وتسعون امرأة ما بين مهيرة إلى جارية ، فقال أحدهما لداود:إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ. أي ظلمني وقهرني، فقال داود كما حكى الله عز وجل:قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إلى نِعَاجِهِ وإن كثيراًمِنَ الْخُلَطَاءِلَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَىبَعْضٍ إلاالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَاهُمْ وَظَنَّ دَاوُدُ إنما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ) (ص:23-24) قال: فضحك المستعدى عليه من الملائكة وقال: وقد حكم الرجل على نفسه فقال داود: أتضحك وقد عصيت لقد هممت أن أهشم فاك ، قال: فعرجا ، وقال الملك المستعدى عليه: لو علم داود أنه أحق بهشم فيه مني.
ففهم داود الأمر وذكر الخطيئة فبقي أربعين يوماً ساجداً يبكي ليله ونهاره ولايقوم إلا وقت الصلاة ، حتى انخرق جبينه وسال الدم من عينيه....)!! إلى آخر القصة الواردة في مصادر أهل الكتاب ومصادر السنيين ! وقد ردها علماء الشيعة ، وحملها بعضهم على التقية لموافقتها مذهب العامة ورواياتهم التي تجوِّز المعاصي على الأنبياء(عليهم السلام).
وقد تقدم استنكارها في مقدمة الكتاب في حديث الإمام الرضا(عليهم السلام) .

لاعصمة للأنبياء(عليهم السلام)عند السنيين لكن الصحابة عندهم معصومون !
المعروف عن المذاهب السنية أنها تعتقد بعصمة الأنبياء(عليهم السلام) ، لكن واقعها العملي عدم الإعتقاد بعصمتهم ، لاعن الصغائر ولا الكبائر ولا ماينفِّر الناس منهم ، لاقبل البعثة ولا بعدها ، لا في الأمور الشخصية ولا في تبليغ الرسالة !
فأئمة المذاهب وعلماؤها يقولون نظرياً بعصمة الأنبياء(عليهم السلام)عصمة غير تامة على اختلافٍ بينهم فيها ، لكنهم عندما يصلون إلى الإسرائيليات ، أو إلى القرشيات ، يقعون في اتهام الأنبياء(عليهم السلام)، ويتمسكون بالآيات المتشابهة التي يبدو منها وقوع المعصية منهم(عليهم السلام)فينفون عنهم العصمة التي أثبتوها لهم آنفاً ! بل ينسبون اليهم المنكرات والعظائم ، حتى إلى خاتمهم وأفضلهم(ص)!

من جهة أخرى.. يقول علماء المذاهب السنية إنهم لايعتقدون بعصمة الصحابة بل بعدالتهم، وقد يفسرون عدالتهم بتصديق روايتهم عن النبي(ص) .
لكن كلامهم هذا نظري ، لأنهم إذا وصلوا إلى أي مسألة تتعلق بأبي بكر وعمر وعثمان ، تراهم يدافعون عنهم حتى لو كانت المسألة مقابل النبي(ص)!
ومعناه أنهم يقولون بعصمة هؤلاء الثلاثة ، وبعضهم يقول بعصمة عائشة وحفصة ومعاوية معهم ، فهم يبررون أخطاءهم ، وقد يكفِّرون من ينتقدهم !
أما إذا اختلف الصحابة في رأي أو فتوى أو نقل حديث ، فهم مجمعون على أن العصمة والحق دائماً مع عمر ، وفيما وافق عمر !
وقد ناقشنا بعض المتحمسين لعمر وابن تيمية ، فقال إنكم تتهموننا زوراً بأنا نعتقد بعصمة عمر وابن تيمية ، فنحن لم نقل ذلك ؟
فقلنا له إنكم لاتقولون ذلك بل تفعلونه ، فإن كنت صادقاً فأعطنا خطأ واحداً تراه لابن تيمية أو لعمر ! فغضب وولى !
وهذه مفارقة عجيبة أنهم يقولون بعصمة الأنبياء(عليهم السلام)نظرياً ثم ينقضونها عملياً ! ويقولون بعدم عصمة الصحابة نظرياً ، ثم يصرون عليها عملياً !

قال العلامة الحلي (رض)في نهج الحق وكشف الصدق ص142:
( ذهبت الإمامية كافة إلى أن الأنبياء(عليهم السلام)معصومون عن الصغائر والكبائر ، ومنزهون عن المعاصي ، قبل النبوة وبعدها ، على سبيل العمد والنسيان ، وعن كل رذيلة ومنقصة ، وما يدل على الخسة والضعة.
وخالفت الأشاعرة في ذلك وجوَّزوا عليهم المعاصي ، وبعضهم جوَّزوا الكفر عليهم قبل النبوة وبعدها ! وجوزوا عليهم السهو والغلط !
ونسبوا رسولَ الله(ص)الى السهو في القرآن بما يوجب الكفر ! فقالوا إنه صلى يوماً وقرأ في سورة (النجم) عند قوله تعالى: أَفَرَأَيْتُمُ اللاتَ وَالْعُزَّى ، وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الإخرَى: تلك الغرانيق العلى ، منها الشفاعة ترتجى !!
وهذا اعترافٌ منه(ص)بأن تلك الأصنام ترتجى الشفاعة منها ! نعوذ بالله من هذه المقالة التي نسبوا النبيَّ(ص)إليها ، وهي توجب الشرك ! فما عذرهم عند رسول الله(ص) ، وقد قَتَلَ جماعةً كثيرةً من أهله وأقاربه على عبادة الأصنام ، ولم تأخذه في الله لومة لائم ، و(هم) ينسبون إليه هذا القول الموجب للكفر والشرك!!...
ورووا عنه(ص)أنه صلى الظهر ركعتين ، فقال له ذو اليد: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟! فقال: أصدق ذو اليد ؟ فقال الناس: نعم ، فقام رسول الله(ص)فصلى اثنتين أخريين ، ثم سلَّم.. الحديث !!
ورووا في الصحيحين أنه(ص)صلى بالناس صلاة العصر ركعتين ، ودخل حجرته ، ثم خرج لبعض حوائجه ، فذكَّره بعضٌ فأتمَّها !
وأي نسبة أنقص من هذا وأبلغ في الدناءة ! فإنها تدل على إعراض النبي (ص)عن عبادة ربه وإهمالها والإشتغال عنها بغيرها ، والتكلم في الصلاة ، وعدم تدارك السهو من نفسه لو كان ! نعوذ بالله من هذه الآراء الفاسدة !
ونسبوا إلى النبي(ص)كثيراً من النقص ! روى الحميدي في الجمع بين الصحيحين عن عائشة قالت: كنت ألعبُ بالبنات عند النبي(ص) وكانت لي صواحبُ يلعبنَ معي وكان رسول الله إذا دخل تقبَّعْنَ منه ، فيشير إليهن فيلعبن معي !
مع أنهم رووا في صحاح الأحاديث: أن الملائكة لاتدخل بيتاً فيه صور مجسمة ، أو تماثيل ! وتواتر النقل عنه بإنكار عمل الصور والتماثيل ، فكيف يجوز لهم نسبة هذا إلى النبي(ص)وإلى زوجته من عمل الصور في بيته ، الذي أسس للعبادة ، وهو محل هبوط الملائكة والروح الأمين في كل وقت ! ولما رأى النبي(ص)الصور في الكعبة لم يدخلها حتى محيت ، مع أن الكعبة بيت الله تعالى ، فإذا امتنع من دخوله مع شرفه وعلو مرتبته ، فكيف يتخذ في بيته ، وهو أدون من الكعبة صوراً ويجعله محلاً لها.
وروى الحميدي في الجمع بين الصحيحين: قالت عائشة: رأيت النبي يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد فزجرهم عمر! وروى الحميدي عن عائشة قالت: دخل عليَّ رسول الله وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث ، فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه ، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي؟! فأقبل عليه رسول الله وقال: دعها فلما غفل غمزتهما فخرجتا ! وكيف يجوز للنبي(ص)الصبر على هذا ، مع أنه نصَّ على تحريم اللعب واللهو والقرآن مملوءٌ به ، وبالخصوص مع زوجته؟! وهلا دخلته الحمية والغيرة مع أنه(ص)أغْيَرُ الناس؟!
وكيف أنكر أبو بكر وعمر ومنعهما ؟ فهل كانا أفضل منه ؟!
وقد رووا عنه(ص)أنه لما قدم المدينة من سفر ، خرجت إليه نساء المدينة يلعبن بالدف فرحاً بقدومه ، وهو يرقص بأكمامه !! وهل يصدر مثل هذا عن رئيس ، أو من له أدنى وقار ، نعوذ بالله من هذه السقطات !
مع أنه لو نُسِبَ أحدهم إلى مثل هذا ، قابله بالسب والشتم وتبرأ منه ، فكيف يجوز نسبة النبي(ص)إلى مثل هذه الأشياء التي يُتبرأ منها ؟!

وفي الصحيحين أن ملك الموت لما جاء لقبض روح موسى(ص)لطمه موسى ففقأ عينه ! فكيف يجوز لعاقل أن ينسب موسى(عليهم السلام)مع عظمته وشرف منزلته وقربه من الله تعالى والفوز بمجاورة عالم القدس ، إلى هذه الكراهة؟! وكيف يجوز منه أن يوقع بملك الموت ذلك وهو مأمور من قبل الله تعالى؟!  
وفي الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله(ص)قال في صفة الخلق يوم القيامة: وإنهم يأتون آدم ويسألونه الشفاعة فيعتذر إليهم ، فيأتون نوحاً فيعتذر إليهم ، فيأتون إبراهيم فيقولون: يا إبراهيم أنت نبي الله وخليله ، إشفع لنا إلى ربك أما ترى ما نحن فيه ؟! فيقول لهم: إن ربي قد غضب غضباً لم يغضب قبله مثله ولم يغضب بعده مثله ! وإني قد كذبت ثلاث كذبات. نفسي ، نفسي ، إذهبوا إلى غيري ! وفي الجمع بين الصحيحين: أن رسول الله(ص) قال: لم يكذب إبراهيم النبي إلا ثلاث كذبات !!
كيف يحلُّ لهؤلاء نسبة الكذب إلى الأنبياء(عليهم السلام)؟! وكيف الوثوق بشريعتهم ، مع الإعتراف بتعمد كذبهم ؟!
وفي الجمع بين الصحيحين أن النبي(ص)قال: نحن أحق بالشك من إبراهيم إذ قال رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي. ويرحم الله لوطاً لقد كان يأوي إلى ركن شديد ! ولو لبثت في السجن طول لبث يوسف لأجبت الداعي !
كيف يجوز لهؤلاء الإجتراء على النبي(ص)بالشك في العقيدة ؟
وفي الصحيحين قال: بينما الحبشة يلعبون عند النبي(ص)بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها فقال له رسول الله(ص):دعهم يا عمر.
وروى الغزالي في إحياء علوم الدين أن النبي(ص)كان جالساً وعنده جوارٍِ يغنين فجاء عمر فاستأذن فقال النبي(ص)للجواري: أسكتنَ فسكتن ، فدخل عمر وقضى حاجته ثم خرج ، فقال لهن عُدْنَ ، فعدن إلى الغناء !
فقلن: يارسول الله ، مَن هذا الذي كلما دخل قلت أسكتنَ ، وكلما خرج قلت: عدنَ إلى الغناء ؟ قال هذا رجلٌ لا يؤثرُ سماع الباطل.
كيف يحلُّ لهؤلاء القوم رواية مثل ذلك عن النبي(ص)؟ أترى عمر أشرف من النبي(ص)؟ حيث لا يؤثر سماع الباطل ، والنبي(ص)يؤثره ؟!
وفي الجمع بين الصحيحين: عن أبي هريرة قال: أقيمت الصلاة ، وعدلت الصفوف قياماً قبل أن يخرج إلينا رسول الله(ص)، فخرج إلينا رسول الله(ص) فلما قام في مصلاه ذكر أنه جنبٌ فقال لنا: مكانكم. فلبثنا على هيئتنا قياماً ، فاغتسل ، ثم خرج إلينا ، ورأسه يقطر ، فكبَّر وصلينا.
فلينظر العاقل: هل يحسن منه وصف أدنى الناس بأنه يحضر الصلاة ويقوم في الصف وهو جنب! وهل هذا الأمن التقصير في عبادة ربه وعدم المسارعة إليها وقد قال تعالى:وَسَارِعُوا إلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُم... فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ، فأي مكلف أجدر بقبول هذا الأمر من النبي(ص)؟!
وفي الجمع بين الصحيحين عن أبي هريرة قال: صلى النبي(ص)إحدى صلاتي العشئ ، قال وأكثر ظني العصر ركعتين ثم سلم ، ثم قال إلى خشبة في مقام المسجد فوضع يده عليها ، وفيهم أبو بكر وعمر فهاباه أن يكلماه ، وخرج سرعان الناس فقالوا: أقصرت الصلاة ؟ ورجلٌ يدعوه النبي(ص)ذو اليدين فقال: لم أنسَ ولم أقَصِّر ، قال: بل قد نسيت! فصلى ركعتين ثم سلم !
فلينظر العاقل هل يجوز نسبة هذا الفعل إلى رسول الله(ص)؟ وكيف يجوز منه أن يقول: ما نسيت؟ فإن هذا سهوٌ في سهو ، ومن يعلم أن أبا بكر وعمر حفظا ما نسي رسول الله(ص)مع إنهما لم يذكرا ذلك للنبي(ص)؟
وفي الصحيحين عن عبد الله بن عمر أنه كان يحدث عن رسول الله(ص): أنه دعا زيد بن عمرو بن نفيل وذلك قبل أن ينزل الوحي على رسول الله(ص)، فقدم إليه رسول الله(ص)سفرةً فيها لحم فأبي أن يأكل منها ثم قال: إني لا آكل ما تذبحون على أنصابكم ، ولا آكل مما لم يذكر إسم الله عليه !!
فلينظر العاقل هل يجوز له أن ينسب نبيه إلى عبادة الأصنام ، والذبح على الأنصاب ويأكل منه ! وإن زيدَ بن عمرو بن نفيل كان أعرف بالله منه ، وأتمَّ حفظاً ورعايةً لجانب الله تعالى؟! نعوذ بالله من هذه الإعتقادات الفاسدة !
وفي الصحيحين عن حذيفة بن اليمان قال:كنت مع النبي(ص)فانتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً ، فتنحيت فقال: أدنه ، فدنوتُ حتى قمت عند عقبيه ، فتوضأ فمسح على خفيه ! فكيف يجوز: أن ينسب إلى رسول الله(ص)البول قائماً ، مع أن أرذل الناس لو نُسب هذا إليه تبرأ منه؟! ثم المسح على الخفين والله تعالى يقول: وأرجلكم !
فانظروا إلى هؤلاء القوم: كيف يجوِّزون الخطأ والغلط على الأنبياء(عليهم السلام) ، وإن النبي يجوز أن يسرق درهماً ، ويكذب في أخس الأشياء وأحقرها !
وقد لزمهم من ذلك محالات:
منها: جواز الطعن على الشرائع وعدم الوثوق بها ، فإن المبلِّغ إذا جوَّزوا عليه الكذب وسائر المعاصي جاز أن يكذب عمداً أو نسياناً ، أو يترك شيئاً مما أوحيَ إليه ، أو يأمر من عنده ، فكيف يبقى اعتمادٌ على أقواله ؟!
ومنها: أنه إذا فعل المعصية ، فإما أن يجب علينا اتباعه فيها ، فيكون قد وجب علينا فعل ما وجب تركه ، واجتمع الضدان ! وإن لم يجب ، انتفت فائدة البعثة.
ومنها: أنه لو جاز أن يعصي لوجب إيذاؤه والتبري منه ، لأنه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكن الله تعالى قد نص على تحريم إيذاء النبي (ص)فقال:إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرة وَأَعَدَّ لَهُمْ عذاباً مُهِيناً , (الأحزاب:57)    ومنها: سقوط محله ورتبته عند العوام ، فلاينقادون إلى طاعته ، فتنتفي فائدة البعثة.
ومنها: أنه يلزم أن يكونوا أدون حالاً من آحاد الأمة ، لأن درجات الأنبياء(عليهم السلام) في غاية الشرف ، وكل من كان كذلك كان صدور الذنب عنه أفحش ، كما قال تعالى: يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يأت مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْن، (الأحزاب:30) والمحصن يرجم وغيره يحد، وحد العبد نصف حد الحر. والأصل فيه: أن علمهم بالله تعالى أكثر وأتمُّ ، وهم مهبط وحيه ، ومنازل ملائكته ، ومن المعلوم أن كمال العلم يستلزم كثرة معرفته والخضوع والخشوع ، فينافي صدور الذنب ، لكن الإجماع دل على أن النبي(ص) لايجوز أن يكون أقل حالاً من آحاد الأمة.
ومنها: أنه يلزم أن يكون مردود الشهادة ، لقوله تعالى: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ، فكيف تقبل شهادته في الوحي ويلزم أن يكون أدنى حالاً من عدول الأمة ، وهو باطل بالإجماع.
ومنها: أنه لو صدر عنه الذنب لوجب الإقتداء به لقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوااللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ..لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ... فَاتَّبِعُونِي... والتالي باطل بالإجماع ، وإلا اجتمع الوجوب والحرمة ). انتهى.

وقال(رض)في نهج الحق وكشف الصدق/159:
(ذهبت الإمامية إلى أن النبي(ص)يجب أن يكون منزهاً عن دناءة الآباء وعهر الأمهات ، بريئاً من الرذائل والأفعال الدالة على الخسة ، كالإستهزاء به والسخرية والضحك عليه ، لأن ذلك يسقط محله من القلوب ، وينفِّر الناس عن الإنقياد إليه ، فإنه من المعلوم بالضرورة الذي لايقبل الشك والإرتياب.
وخالفت السنة فيه: أما الأشاعرة فباعتبار نفي الحسن والقبح ، فلزمهم أن يذهبوا إلى جواز بعثة ولد الزنا المعلوم لكل أحد ! وإن ب فاعلاً لجميع أنواع الفواحش وأبلغ أصناف الشرك ! وهو ممن يُسخر به ويُضحك عليه ويُصفع في الأسواق ويُستهزأ به ، ويكون قد ليط به دائماً لأبنة فيه ، قواداً ، وتكون أمه في غاية الزنا والقيادة والإفتضاح بذلك ، لا تردُّ يدَ لامس ! ويكون هو في غاية الدناءة والسفالة ، ممن قد ليط به طول عمره ، حال النبوة وقبلها ، ويصفع في الأسواق ، ويعتمد المناكير ، ويكون قواداً بصاصاً. فهؤلاء يلزمهم القول بذلك حيث نفوا التحسين والتقبيح العقليين ، وإن ذلك ممكنٌ فيجوز من الله وقوعه ، وليس هذا بأبلغ من تعذيب الله من لايستحق العذاب ، بل يستحق الثواب طول الأبد !
وأما المعتزلة ، فلأنهم جوَّزوا صدور الذنب عنهم(عليهم السلام) ، لزمهم القول بجواز ذلك أيضاً ، واتفقوا على وقوع الكبائر منهم ، كما في قصة إخوة يوسف !
فلينظر العاقل بعين الإنصاف: هل يجوز المصير إلى هذه الأقاويل الفاسدة ، والآراء الردية؟ وهل يبقى مكلف ينقاد إلى قبول قول من كان يفعل به الفاحشة طول عمره إلى وقت نبوته ؟ وأنه يصفع ويستهزأ به حال النبوة ؟! وهل يثبت بقول هذا حجة على الخلق ؟!
واعلم أن البحث مع الأشاعرة في هذا الباب ساقط ، وأنهم إن بحثوا في ذلك استعملوا الفضول ، لأنهم يجوزون تعذيب المكلف على أنه لم يفعل ما أمره الله تعالى به من غير أن يعلم ما أمره به ، ولا أرسل إليه رسولاً البتة ! بل وعلى امتثال أمره به ، وإن جميع القبائح من عنده تعالى ، وإن كل ما وقع في الوجود فإنه فعله تعالى وهو حسن ، لأن الحسن هو الواقع والقبيح هو الذي لم يقع. فهذه الصفات الخسيسة في النبي وأبويه تكون حسنة ، لوقوعها من الله تعالى ، فأي مانع حينئذ من البعثة باعتبارها ؟!
فكيف يمكن للأشاعرة منع كفر النبي(عليهم السلام)وهو من الله وكل ما يفعله تعالى فهو حسن ! وكذا أنواع المعاصي ! وكيف يمكنهم مع هذا المذهب التنزيه للأنبياء(عليهم السلام)؟! نعوذ بالله من مذهب يؤدي إلى تحسين الكفر وتقبيح الإيمان ، وجواز بعثة من اجتمعت فيه كل الرذائل والسقطات.
وقد عرفت من هذا أن الأشاعرة في هذا الباب ، قد أنكروا الضروريات !

وقال في منهاج الكرامة ص31 ، وهو الكتاب الذي حاول ابن تيمية أن يرد عليه في منهاج سنته، قال العلامة: (الفصل الأول: في نقل المذاهب في هذه المسألة:
ذهبت الإمامية إلى أن الله تعالى عدلٌ حكيمٌ لايفعل قبيحاً ولايخلُّ بواجب وإن أفعاله إنما تقع لغرض صحيح وحكمة ، وأنه لايفعل الظلم ولا العبث ، وأنه رؤوفٌ بالعباد ، يفعل بهم ما هو الأصلح لهم والأنفع ، وأنه تعالى كلفهم تخييراً لا إجباراً ، ووعدهم بالثواب وتوعدهم بالعقاب على لسان أنبيائه ورسله المعصومين ، بحيث لايجوز عليهم الخطأ ولا النسيان ولا المعاصي ، وإلا لم يبق وثوقٌ بأقوالهم ، فتنتفي فائدة البعثة.
ثم أردف الرسالة بعد موت الرسول بالأمة ، فنصب أولياء معصومين(عليهم السلام)، ليأمن الناس من غلطهم وسهوهم وخطئهم ، فينقادون إلى أوامرهم ، لئلا يخلي الله تعالى العالم من لطفه ورحمته. وأنه تعالى لما بعث رسوله محمداً (ص)قام بنقل الرسالة ونصَّ على أن الخليفة بعده عليُّ بن أبي طالب ، ثم من بعده ولدُه الحسن الزكي ، ثم على الحسين الشهيد ، ثم على علي بن الحسين زين العابدين ، ثم على محمد بن علي الباقر ، ثم على جعفر بن محمد الصادق ، ثم على موسى بن جعفر الكاظم ، ثم على علي بن موسى الرضا ، ثم على محمد بن علي الجواد ، ثم على علي بن محمد الهادي ، ثم على الحسن بن علي العسكري ، ثم على الخلف الحجة محمد بن الحسن(عليهم السلام)، وإن النبي(ص)لم يمت إلا عن وصية بالإمامة.
وذهب أهل السنة إلى خلاف ذلك كله ، فلم يثبتوا العدل والحكمة في أفعاله تعالى، وجوَّزوا عليه فعل القبيح والإخلال بالواجب ، وأنه تعالى لايفعل لغرض بل كل أفعاله لا لغرض من الأغراض ولا لحكمة البتة !
وأنه تعالى يفعل الظلم والعبث ، وأنه لايفعل ما هو الأصلح للعباد ، بل ما هو الفساد في الحقيقة ، لأن فعل المعاصي وأنواع الكفر والظلم وجميع أنواع الفساد الواقعة في العالم مستندة إليه! تعالى الله عن ذلك ، وإن المطيع لايستحق ثواباً والعاصي لايستحق عقاباً ، بل قد يعذب المطيع طول عمره ، المبالغ في امتثال أوامره تعالى كالنبي(عليهم السلام)ويثيب العاصي طول عمره بأنواع المعاصي وأبلغها كإبليس وفرعون ! وإن الأنبياء(عليهم السلام)غير معصومين بل قد يقع منهم الخطأ والزلل والفسوق والكذب والسهو ، وغير ذلك.
وإن النبي(ص)لم ينص على إمام بينهم ، وأنه مات عن غير وصية ، وإن الإمام بعد رسول الله(ص)أبو بكر بن أبي قحافة لمبايعة عمر بن الخطاب له برضا أربعة: أبي عبيدة ، وسالم مولى حذيفة ، وأسيد بن حضير ، وبشر بن سعيد ، ثم من بعده عمر بن الخطاب بنص أبي بكر عليه ، ثم عثمان بن عفان بنص عمر على ستة هو أحدهم، فاختاره بعضهم ، ثم علي بن أبي طالب(عليهم السلام) لمبايعة الخلق له.
ثم اختلفوا ، فقال بعضهم إن الإمام بعده ابنه الحسن(عليهم السلام) ، وبعضهم قال: إنه معاوية بن أبي سفيان ، ثم ساقوا الإمامة في بني أمية إلى أن ظهر السفاح من بني العباس، فساقوا الإمامة إليه ، ثم انتقلت الإمامة منه إلى أخيه المنصور ثم ساقوا الإمامة في بني العباس إلى المعتصم ، إلى أربعين ). !

وقال الكراجكي(رض)في كتابه: التعجب من أغلاط العامة ص64:
( الفصل السابع في أغلاطهم في العصمة: فمن عجيب أمرهم: أنهم ينكرون عصمة الأنبياءوالأئمة(عليهم السلام)عن سائر الأنام ، ويقولون إن هذه العصمة إن كانت منهم جاز أن تقع في غيرهم فيساويهم في منزلتهم ، وإن كانت من الله سبحانه فقد جبرهم واضطرهم ولم يستحقوا ثواباً على عصمتهم !
وهم مع ذلك معترفون بأن النبي(ص)معصومٌ في التأدية والتبليغ ، ومعصومٌ عما سوى ذلك من جميع كبائر الذنوب في حال نبوته وقبلها ، وأنها عصمة اختيار يستحق عليها الجزاء ، ولايساويه أحد من أمته فيها !
ومن عجيب أمرهم: إنكارهم لعصمة الأئمة وقولهم أنها لاتقتضي الإختيار !
ومن العجب قولهم: إن العصمة ثابتة لجميع الأمة منتفية عن كل واحد منها ، مع علمهم بأن آحادَهم جماعتُها ، وأنها إذا كانت مؤمنة بأجمعها كان الإيمان حاصلاً لآحادها ، ولو كفر جميعها لكان الكفر حاصلاً مع كل واحد منها .
وقد قال أحد المعتزلة يوماً وقد سمع هذا الكلام: فرقٌ بين العصمة وما ذكرت من الكفر والإيمان ، وذلك أن ما ثبت لكل واحد منها فهو ثابتٌ لجماعتها ، وليس كلما ثبت لجماعتها ثابتاً لكل واحد منها ، فلذلك إذا آمن آحادها كان جميعها مؤمنين ، وإذا كفر آحادها كان جميعها كافرين ، وليس إذا ثبت العصمة لجماعتها يكون آحادها معصومين.
فقلت له: ما رأيت أعجب من أمرك وانصرافك عن مقتضى قضيتك ، إذا كان ما ثبت لكل واحد من الأمة ثابتاً لجميعها فقد ثبت عندي وعندك الحكم على كل واحد منها بجواز الخطأ والنسيان وتعمد الغلط في الأفعال والأقوال ، فاحكم بثبوت ذلك لجميعها، وأسقط ما ادعيت من عصمتها ! فلم يدر ما يقول بعد هذا !
ومن عجيب أمرهم وطريف رأيهم قولهم: إن الأمة معصومة وقولها حجة ، وهي مفتقرةٌ مع ذلك إلى إمام ، وإمامها غير معصوم ولا قوله حجة ، وليس هو مفتقراً إلى إمام ، وهذا من أعجب الأقوال ! ومن عجيب المناقضة أن يكون لها إمام ولا يكون ارتفاع العصمة عن الإمام موجباً أن يكون له إمام ، ولا يكون أيضاً غناية عن الإمام يقتضي تميزه بالعصمة عن الأنام.
إنهم جعلوا حجتهم في عصمة الأمة وفي أن إجماعها صواب وحجة خبراً نسبوه إلى رسول الله(ص)وهو أنه: لاتجتمع أمتي على ضلالة ، وهذا الخبر لايمكنهم على أصلهم أن يدعوا فيه التواتر ، إذا كان غير موجب لسامعيه على الضرورة بصحته ، فهو لامحالة من أخبار الآحاد ، فهم إذاً قد جعلوا دليل الدعوى بأن الأمة لاتجتمع على ضلال قول بعضها ، والحجة على عصمتها شهادة واحد منها ، ولم يعلموا أن الخلاف في قول جميعها يتضمن الخلاف في قول بعضها ، والتخطئة لسائرها يدخل في التخطئة لواحدها ! وهل هم في ذلك إلا كمن ادعى الحجة بإجماع عشرة من الناس على قول أو فعل ، وجعل دليله على ذلك قول واحد من العشرة ، ولم يعلم أن المخالف له في الحجة بإجماع العشرة لم يصر إلى ذلك إلا بعد المخالفة له فيمن دون العشرة ! إذ لو سلَّم الخصم قول بعضها لم يصح خلافه له في قول جميعها !
ولما رأوا أن خبرهم لايصح كونه في قسم المتواتر على أصلهم ، ولا ينصرف عن إضافته إلى أخبار الآحاد التي لاتثبت بها حجة لدعواهم ، اشتد غلطهم وعظم زللهم ، فأدَّاهم إلى القول بأنهم علموا صحته بالإجماع ! وهذا من أعجب الأقوال ! وهو في المناقضة لاحقٌ في الهذيان ، لأن أصل الخلاف إنما هو في الإجماع وهل هو حجة أم لا، فكيف يكون الإجماع دليلاً لنفسه ، وبرهاناً على ما يدعى من صوابه ؟! ولو جاز هذا لكانت الدعوى نفسها برهاناً والفتوى بعينها دليلاً ، وهذا ما لايخفى فساده على العقلاء.
ومما يوضح غلطهم فيه أن الدليل على الشئ يعرف قبل معرفة الشئ ، فإذا كانوا لم يعلموا أن الإجماع حجة ، وإن الأمة فيما تخبر به معصومة إلا بالخبر فقد وجب أن يكونوا عالمين بصحته قبل علمهم بأن الإجماع حجة ، وإن الأمة فيما تخبر به معصومة ، وإذا كانوا لم يعلموا أن الخبر صحيح إلا بالإجماع ، فقد وجب أن يكونوا عالمين بأن الإجماع حجة قبل علمهم بصحة الخبر ، فكيف يتقدم المؤخر ويتأخر المقدم ، وهل رؤي قط أعجب من هذا الأمر؟! ) .
أقول: ما أوردناه من كلام العلامة الحلي والكراجكي رحمهما الله ، يكفي لبيان أن مخالفينا ينقضون عملياً عصمة الأنبياء(عليهم السلام)التي قرروها نظرياً !

نماذج من آراء علمائهم في عصمة الأنبياء(عليهم السلام)
هذه آراء بعض كبار علمائهم في عصمة الأنبياء(عليهم السلام) ، وهي صريحة في سلب قسم من العصمة عنهم(عليهم السلام) ، ثم تراهم يسلبون ما أقروا به منها عندما يصلون إلى الإسرائيليات التي تطعن في عصمتهم وعدالتهم(عليهم السلام) ، والقرشيات التي تطعن في عصمة نبينا وعدالته(ص)، ويؤيدونها بمتشابه الآيات !
وقد بسطنا الكلام في رأي الفخر الرازي لأنه إمام معترف به عند الأشعرية. وكذا في رأي ابن تيمية لأنه هاجم الشيعة بسبب قولهم بالعصمة التامة للأنبياء(عليهم السلام)وادعى إجماع السنيين على ارتكاب الأنبياء(عليهم السلام)للمعاصي الصغيرة والكبيرة حتى في تبليغ الرسالة ، غاية الأمر أن الله تعالى ينبههم أو يؤنبهم ويتوب عليهم !‍!
ولأنه انفرد بالكشف عن السبب الحقيقي لرفضهم عصمة الأنبياء(عليهم السلام)وهو أنها تستوجب الطعن في أبي بكر وعمر ، وذلك لأن الإرتكاز الذهني يوجب التجانس بين النبي(ص)وخليفته ، وأبو بكر وعمر قد عبدا الأصنام مدة طويلة ، فلو قبلوا أن النبي(ص)معصوم لما ناسب أن يكونا خليفتيه ، وسترى كلامه !

رأي الغزالي
قال في المستصفى ص274: (الفصل الأول في دلالة الفعل ونقدم عليه مقدمة في عصمة الأنبياء، فنقول: لما ثبت ببرهان العقل صدق الأنبياءوتصديق الله تعالى إياهم بالمعجزات، فكل مايناقض مدلول المعجزة فهو محال عليهم بدليل العقل، ويناقض مدلول المعجزة جواز الكفر والجهل بالله تعالى وكتمان رسالة الله والكذب والخطأ والغلط فيما يبلغ ، والتقصير في التبليغ والجهل بتفاصيل الشرع الذي أمر بالدعوة إليه.
أما ما يرجع إلى مقارفة الذنب فيما يخصه ولايتعلق بالرسالة فلا يدل على عصمتهم عنه ، عندنا دليل العقل ، بل دليل التوقيف والإجماع قد دل على عصمتهم عن الكبائر ، وعصمتهم أيضاً عما يصغر أقدارهم من القاذورات ، كالزنا والسرقة واللواط.
أما الصغائر فقد أنكرها جماعة وقالوا: الذنوب كلها كبائر فأوجبوا عصمتهم عنها ، والصحيح أن من الذنوب صغائر وهي التي تكفرها الصلوات الخمس ، واجتناب الكبائر كما ورد في الخبر ، وكما قررنا حقيقته في كتاب التوبة من كتاب إحياء علوم الدين.
فإن قيل: لِمَ لمْ تثبت عصمتهم بدليل العقل ، لأنهم لو لم يعصموا لنَفَرَت قلوب الخلق عنهم ؟!
قلنا: لايجب عندنا عصمتهم من جميع ما ينفِّر ، فقد كانت الحرب سجالاً بينه وبين الكفار ، وكان ذلك ينفِّر قلوب قوم عن الإيمان ولم يعصم عنه وإن ارتاب المبطلون ، مع أنه حفظ عن الخط والكتابة كي لايرتاب المبطلون. وقد ارتاب جماعة بسبب النسخ ، كما قال تعالى: وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أعلم بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إنما أنت مُفْتَر. (النحل:101) وجماعة بسبب المتشابهات فقالوا: كان يقدر على كشف الغطاء لو كان نبياً لخلَّص الخلق من كلمات الجهل والخلاف كما قال تعالى:فَيَتَّبِعُونَ مَاتَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ (آل عمران:7) وهذا لأن نفي المنفرات ليس بشرط دلالة المعجزة.
هذا حكم الذنوب ، أما النسيان والسهو فلاخلاف في عصمتهم بما يتعلق بتبليغ الشرع والرسالة ، فإنهم كلفوا تصديقه جزماً ، ولايمكن التصديق مع تجويز الغلط ، وقد قال قوم: يجوز عليه الغلط فيما شرعه بالإجتهاد ، لكن لايقرُّ عليه ، وهذا على مذهب من يقول المصيب واحد من المجتهدين ، أما من قال: كل مجتهد مصيب فلايتصور الخطأ عنده في اجتهاد غيره فكيف في اجتهاده).

وقال في المنخول ص309: (وقد تقرر بمسلك النقل كونهم معصومين عن الكبائر ، وأما الصغائر ففيه تردد العلماء ، والغالب على الظن وقوعه ، وإليه تشير بعض الآيات والحكايات.
هذا كلام في وقوعه، أما جوازه فقد أطبقت المعتزلة على وجوب عصمة النبي (عليهم السلام)عقلاً عن الكبائر تعويلاً على أنه يورث التنفير وهو مناقض لغرض النبوة ، وهذا يبطل بكون الحرب سجالاً بينه وبين الكفار وبه اعتصم بعض اليهود في تكذيبه. والمختار ما ذكره القاضي وهو أنه لايجب عقلاً عصمتهم إذ لايستبان استحالة وقوعه بضرورة العقل ولا بنظر العقل، وليس هو مناقضاً لمدلول المعجزة فإن مدلولها صدق اللهجة فيما يخبر عن الله تعالى ، فلاجَرَمَ لايجوز وقوع الكذب فيما يخبر به عن الرب تعالى لاعمداً ولاسهواً ، ومعنى التنفير باطل ، فإنا نُجَوِّز أن ينبِّئ الله تعالى كافراً ويؤيده بالمعجزة ! والمعتزلة يأبون ذلك أيضاً .
والذين أوجبوا عصمته عن الكبيرة اختلفوا ، فمنهم من قال كل مخالفة كبيرة بالنسبة إلى عظمته ، فلا صغيرة أصلاً وكل مخالفة كبيرة. وهذا كما أن رفع الصوت فوق صوت من يماثل الإنسان ، قد يعدُّ صغيرةً وهو بعينه في مجلس الملوك كبيرة دونه تُحَزُّ الرقاب ، فللنسبة بعد تأثير في تعظيم أثر المخالفة .
والذين أثبتوا الصغيرة اضطربوا ، ومثار الإضطراب في أنه هل يورث التنفير.
أما النسيان فلايجب كونه عندنا معصوماً عنه في أفعاله وأقواله ، إلا فيما يخبر عن الله تعالى ، لأن تجويزه مناقض مدلول المعجزة ). انتهى.
أقول: لك أن تلاحظ فظاعة مذهب أتباع الخلافة في قول الغزالي: (ومعنى التنفير باطل ، فإنا نُجَوِّز أن ينبِّئَ الله تعالى كافراً ويؤيده بالمعجزة ) !! ومعناه أن المهم عندهم في العقائد والقيم والشرائع التي يدعو إلى الرسول ، هو إبلاغها للناس ليطبقوها ، وليس أن يطبقها هو !
والمهم في شخصية الأنبياءوالرسل(عليهم السلام)ليس إيمانهم بما جاؤوا به ولا تطبيقهم له ، بل نقلهم البريدي له ! حتىلو كانوا فسقة فجرة كفرة ، وضربوا بماأوحي اليهم عرض الجدار ، فنفر الناس منهم لتناقضهم وفقدانهم المصداقية !
وهذا يضع يدنا على تأثر علماء السلطة القرشية بتصور اليهود عن أفعال الله تعالى وفقدانها للحكمة ! وتصورهم عن أنبياءالله(عليهم السلام) ، وأن النبوة منصب دنيوي كمنصب قضاة بني إسرائيل ، ومنصب الخلافة الأموية والعباسية !

رأي الآمدي
قال في الأحكام في أصول الأحكام:1/169:
( المقدمة الأولى:في عصمة الأنبياء(عليهم السلام)وشرح الإختلاف في ذلك ، وما وقع الإتفاق من أهل الشرائع على عصمتهم عنه من المعاصي وما فيه الإختلاف.
أما قبل النبوة فقد ذهب القاضي أبو بكر وأكثر أصحابنا وكثير من المعتزلة إلى أنه لايمتنع عليهم المعصية كبيرة كانت أو صغيرة ، بل ولا يمتنع عقلاً إرسال من أسلم وآمن بعد كفره.
وذهبت الروافض إلى امتناع ذلك كله منهم قبل النبوة ، لأن ذلك مما يوجب هضمهم في النفوس واحتقارهم والنفرة عن اتباعهم ، وهو خلاف مقتضى الحكمة من بعثة الرسل ، ووافقهم على ذلك أكثر المعتزلة ، إلا في الصغائر .
والحق ما ذكره القاضي لأنه لاسمع قبل البعثة يدل على عصمتهم عن ذلك والعقل دلالته مبنية على التحسين والتقبيح العقلي ، ووجوب رعاية الحكمة في أفعال الله تعالى ، وذلك كله مما أبطلناه في كتبنا الكلامية.
وأما بعد النبوة فالإتفاق من أهل الشرائع قاطبة على عصمتهم عن تعمد كل ما يخل بصدقهم فيما دلت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه ، من دعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى.
واختلفوا في جواز ذلك عليهم بطريق الغلط والنسيان ، فمنع منه الأستاذ أبو إسحاق وكثير من الأئمة ، لما فيه من مناقضة دلالة المعجزة القاطعة. وجوَّزه القاضي أبو بكر ، مصيراً منه إلى أن ما كان من النسيان وفلتات اللسان غير داخل تحت التصديق المقصود بالمعجزة ، وهو الأشبه.
وأما ما كان من المعاصي القولية والفعلية التي لادلالة للمعجزة على عصمتهم عنها ، فما كان منها كفراً فلا نعرف خلافاً بين أرباب الشرائع في عصمتهم عنه ، إلا ما نقل عن الأزارقة من الخوارج أنهم قالوا بجواز بعثة نبي علم الله أنه يكفر بعد نبوته ، وما نقل عن الفضلية من الخوارج أنهم قضوا بأن كل ذنب يوجد فهو كفر ، مع تجويزهم صدور الذنوب عن الأنبياءفكانت كفراً.
وأما ما ليس بكفر ، فإما أن يكون من الكبائر أو ليس منها. فإن كان من الكبائر فقد اتفقت الأمة سوى الحشوية ومن جوز الكفر على الأنبياء، على عصمتهم عن تعمده من غير نسيان ولا تأويل، وإن اختلفوا في أن مدرك العصمة السمع ، كما ذهب إليه القاضي أبو بكر والمحققون من أصحابنا ، أو العقل ، كما ذهب إليه المعتزلة.
وأما أن كان فعل الكبيرة عن نسيان أو تأويل خطأ ، فقد اتفق الكل على جوازه سوى الرافضة .
وأما ما ليس بكبيرة ، فإما أن يكون من قبيل ما يوجب الحكم على فاعله بالخسة ودناءة الهمة وسقوط المروءة ، كسرقة خبزة أو كسرة ، فالحكم فيه كالحكم في الكبيرة. وأما ما لايكون من هذا القبيل كنظرة أو كلمة سفه نادرة في حالة غضب، فقد اتفق أكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة على جوازه عمداً وسهواً خلافاً للشيعة مطلقاً ، وخلافاً للجبائي والنظَّام وجعفر بن مبشر في العمد ). انتهى.
وتلاحظ في رأي الآمدي تصديق قول العلامة الحلي+في نهج الحق ص159:
(واعلم أن البحث مع الأشاعرة في هذا الباب ساقط ، وأنهم إن بحثوا في ذلك استعملوا الفضول ، لأنهم يجوزون تعذيب المكلف على أنه لم يفعل ما أمره الله تعالى به من غير أن يعلم ما أمره به ، ولا أرسل إليه رسولاً البتة !....
فكيف يمكن للأشاعرة منع كفر النبي(عليهم السلام)وهو من الله وكل ما يفعله تعالى فهو حسن! وكذا أنواع المعاصي ! وكيف يمكنهم مع هذا المذهب التنزيه للأنبياء(عليهم السلام)؟! نعوذ بالله من مذهب يؤدي إلى تحسين الكفر وتقبيح الإيمان ، وجواز بعثة من اجتمعت فيه كل الرذائل والسقطات. وقد عرفت من هذا أن الأشاعرة في هذا الباب ، قد أنكروا الضروريات ). انتهى.

رأي القاضي عياض
قال في كتابه (الشفا بتعريف حقوق المصطفى):2/172:
( فصل: قد استبان لك أيها الناظر مما قررناه ماهو الحق من عصمته(ص) عن الجهل بالله وصفاته ، أو كونه على حالة تنافي العلم شئ من ذلك كله جملة ، بعد النبوة عقلاً وإجماعاً ، وقبلها سماعاً ونقلاً ، ولا بشئ مما قررناه من أمور الشرع ، وأداه عن ربه من الوحي ، قطعاً وعقلاً وشرعاً .
وعصمته عن الكذب وخلف القول ، منذ نبأه الله وأرسله ، قصداً أو غير قصد ، واستحالة ذلك عليه شرعاً وإجماعاً ونظراً وبرهاناً ، وتنزيهه عنه قبل النبوة قطعاً ، وتنزيهه عن الكبائر إجماعاً ، وعن الصغائر تحقيقاً ، وعن استدامة السهو والغفلة واستمرار الغلط والنسيان عليه فيما شرعه للأمة ، وعصمته في كل حالاته من رضاً وغضب ، وجد ومزح ). انتهى.

أقول: بذل القاضي عياض جهده في كتابه لإظهار النبي(ص)بمظهر لائق وتنزيهه عما نسبوه اليه من أخطاء ومعاص ، لكنه اصطدم دائماً بالقرشيات التي ملأت الصحاح ، فحاول معالجتها وتأويلها بما يحفظ رواياتها ، ويحفظ مكانة النبي(ص)فلم يحالفه التوفيق ، كما سترى في قضة الغرانيق !

رأي الفخر الرازي
قال في المحصول:3/225: (اختلفت الأمة في عصمة الأنبياء(عليهم السلام)على قولين: أحدهما ، قول من ذهب إلى أنه لايجوز أن يقع منهم ذنب صغيراً كان أو كبيراً ، لاعمداً ولاسهواً ولا من جهة التأويل ، وهو قول الشيعة.
والإخر: قول من ذهب إلى جوازه عليهم ، ثم اختلفوا فيما يجوز من ذلك وما لايجوز. والإختلاف في هذا الباب يرجع إلى أقسام أربعة:
أحدها، ما يقع في باب الإعتقاد وقد اتفقوا على أنه لايجوز أن يقع منهم الكفر، وقالت الفضيلية من الخوارج أنه قد وقعت منهم ذنوب وكل ذنب عندهم كفر وشرك. وأجازت الشيعة إظهار الكفر على سبيل التقية .
فأما الإعتقاد الخطأ الذي لايبلغ الكفر ، مثل أن يعتقد مثلاً أن الأعراض باقية ولايكون كذلك ، فمنهم من أباه لكونه منفراً ، ومنهم من جوزه .
وثانيها، باب التبليغ ، واتفقوا على أنه لايجوز عليهم التغيير ، وإلا لزال الوثوق بقولهم. وقال قوم يجوز ذلك من جهة السهو.
وثالثها، ما يتعلق بالفتوى ، واتفقوا أيضاً على أنه لايجوز عليهم الخطأ فيه ، وجوزه قوم على سبيل السهو .
ورابعها، مايتعلق بأفعالهم ، واختلفت الأمة فيه على أربعة أقوال:
أحدها: قول من جوَّز عليهم الكبائر عمداً. وهؤلاء منهم من قال بوقوع هذا الجائز وهم الحشوية ، وقال القاضي أبو بكر: هذا وإن جاز عقلاً ولكن السمع منع من وقوعه.
وثانيها: أنه لايجوز أن يرتكبوا كبيرة ولاصغيرة عمداً ، لكن يجوز أن يأتوا بها على جهة التأويل ، وهو قول الجبائي.
وثالثها: أنه لايجوز ذلك لا عمداً ولامن جهة التأويل لكن على سبيل السهو ، وهم مؤاخذون بما يقع منهم على هذه الجهة ، وإن كان موضوعاً عن أمتهم ، لأن معرفتهم أقوى فيقدرون على التحفظ عما لا يتأتَّى لغيرهم.
ورابعها: أنه لا يجوز أن يرتكبوا كبيرة ، وأنه قد وقعت منهم صغائر على جهة العمد والخطأ والتأويل إلا ما ينفر كالكذب والتطفيف ، وهو قول أكثر المعتزلة .
والذي نقول به أنه لم يقع منهم ذنب على سبيل القصد لاصغيراً ولاكبيراً ، أما السهو فقد يقع منهم لكن بشرط أن يتذكروه في الحال وينبهوا غيرهم على أن ذلك كان سهواً ، وقد سيقت هذه المسألة في علم الكلام ، ومن أراد الإستقصاء فعليه بكتابنا في عصمة الأنبياء، والله أعلم ). انتهى.
وقال في عصمة الأنبياءص8:
[الرابع] ما يتعلق بأفعالهم وأحوالهم ، وقد اختلفوا فيه على خمسة مذاهب:
الأول: الحشوية وهو أنه يجوز عليهم الإقدام على الكبائر والصغائر.
الثاني: أنه لايجوز منهم تعمد الكبيرة البتة ، وأما تعمد الصغيرة فهو جائز بشرط أن لا تكون منفراً ، وأما أن كانت منفراً فذلك لايجوز عليهم ، مثل التطفيف بما دون الحبة ، وهو قول أكثر المعتزلة.
الثالث: أنه لايجوز عليهم تعمد الكبيرة والصغيرة ، ولكن يجوز صدور الذنب منهم على سبيل الخطأ في التأويل ، وهو قول أبي على الجبائي.
الرابع: أنه لايجوز عليهم الكبيرة ولاالصغيرة ، لا بالعمد ولا بالتأويل والخطأ. أما السهو والنسيان فجائز ، ثم إنهم يعاتبون على ذلك السهو والنسيان لِمَا أن علومهم أكمل ، فكان الواجب عليهم المبالغة في التيقظ ، وهو قول أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام.
الخامس: أنه لا يجوز عليهم الكبيرة ولا الصغيرة ، لا بالعمد ولا بالتأويل ، ولا بالسهو والنسيان. وهذا مذهب الشيعة .
واختلفوا أيضاً في وقت وجوب هذه العصمة ، فقال بعضهم: أنها من أول الولادة إلى آخر العمر، وقال الأكثرون هذه العصمة إنما تجب في زمان النبوة فأما قبلها فهى غير واجبة. وهو قول أكثر أصحابنا رحمهم الله تعالى
والذي نقول: أن الأنبياء(عليهم السلام)معصومون في زمان النبوة عن الكبائر والصغائر بالعمد ، أما على سبيل السهو فهو جائز .
ويدل على وجوب العصمة وجوه خمسة عشرة:
الحجة الأولى ، لو صدر الذنب عنهم لكان حالهم في استحقاق الذم عاجلاً والعقاب آجلاً أشد من حال عصاة الأمة ، وهذا باطل....
الحجة الثانية ، لو صدر الذنب عنهم لما كانوا مقبولي الشهادة لقوله تعالى: يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا....
الحجة الثالثة ، لو صدر الذنب عنهم لوجب زجرهم ، لأن الدلائل دالة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، لكن زجر الأنبياءعليهم الصلاة والسلام غير جائز ، لقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخرة ، فكان صدور الذنب عنهم ممتنعاً...
الحجة الرابعة ، لو صدر الفسق عن محمد عليه الصلاة والسلام لكنا إما أن نكون مأمورين بالإقتداء به وهذا لايجوز ، أولاًنكون مأمورين بالإقتداء به وهذا أيضاً باطل لقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ....
الحجة الخامسة ، لو صدرت المعصية عن الأنبياء(عليهم السلام)لوجب أن يكونوا موعودين بعذاب الله بعذاب جهنم ، لقوله تعالى: وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ، ولكانوا ملعونين لقوله تعالى: إلا لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ...
الحجة السادسة ، إنهم كانوا يأمرون بالطاعات وترك المعاصي ، ولو تركوا الطاعة وفعلوا المعصية لدخلوا تحت قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ .كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاتَفْعَلُونَ. وتحت قوله تعالى: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ...
الحجة السابعة، قال الله تعالى في صفة إبراهيم وإسحاق ويعقوب: إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ ، والألف واللام في صيغة الجمع تفيد العموم فدخل تحت لفظ الخيرات فعل كل ما ينبغى وترك كل ما لاينبغى ، وذلك يدل على أنهم كانوا فاعلين لكل الطاعات وتاركين لكل المعاصي .
الحجة الثامنة ، قوله تعالى: إِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الإخيَار.... فدلت هذه الآية على أنهم كانوا من المصطفين الإخيار في كل الأمور...
الحجة التاسعة ، قوله تعالى حكاية عن إبليس: قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأُغْوِيَنَّهُمْ أجمعين ، إِلاعِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ. استثنى المخلصين من إغوائه وإضلاله. ثم إنه تعالى شهدعلى إبراهيم وإسحاق ويعقوب(عليهم السلام)أنهم من المخلصين ، حيث قال: أنا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ.وقال في حق يوسف(عليهم السلام):إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ فلما أقر إبليس أنه لايغوي المخلصين ، وشهد الله بأن هؤلاء من المخلصين ، ثبت أن إغواء إبليس ووسوسته ما وصلت إليهم...
الحجة العاشرة ، قال الله تعالى: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إبليس ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إلافَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، فهؤلاء الذين لم يتبعوا إبليس إما أن يقال إنهم الأنبياءأو غيرهم فإن كانوا غيرهم لزم أن يكونوا أفضل منهم....
الحجة الحادية عشرة ، أنه تعالى قسم المكلفين إلى قسمين: حزب الشيطان كما قال تعالى:أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ إلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وحزب الله كما قال تعالى: أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ إلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. ولاشك أن حزب الشيطان هو الذي يفعل مايريد الشيطان ويأمره به ، فلو صدرت الذنوب عن الأنبياءلصدق عليهم أنهم من حزب الشيطان ، ولصدق عليهم قوله تعالى: إلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ ، ولصدق على الزهاد من آحاد الأمة قوله تعالى: إلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، وحينئذ يلزم أن يكون واحد من آحاد الأمة أفضل بكثير من الأنبياء، ولا شك في بطلانه..
الحجة الثانية عشرة ، إن أصحابنا بينوا أن الأنبياءأفضل من الملائكة ، وثابت بالدلالة أن الملائكة ما أقدموا على شئ من الذنوب ، فلو صدرت الذنوب عن الأنبياءلامتنع أن يكونوا زائدين في الفضل على الملائكة...
الحجة الثالثة عشرة ، قال الله تعالى في حق إبراهيم(عليهم السلام):إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً ، والإمام هو الذي يقتدى به ، فلو صدر الذنب عن إبراهيم لكان اقتداء الخلق به في ذلك الذنب واجباً. وإنه باطل .
الحجة الرابعة عشرة ، قوله تعالى: لايَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ، فكل من أقدم على الذنب كان ظالماً لنفسه لقوله تعالى: فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ. إذا عرفت هذا فنقول: ذلك العهد الذي حكم الله تعالى بأنه لايصل إلى الظالمين إما أن يكون هو عهد النبوة أو عهد الإمامة ، فإن كان الأول فهو المقصود ، وإن كان الثاني فالمقصود أظهر ، لأن عهد الإمامة أقل درجة من عهد النبوة ، فإذا لم يصل عهد الإمامة إلى المذنب العاصي ، فبأن لايصل عهد النبوة إليه أولى .
الحجة الخامسة عشرة ، روي أن خزيمة بن ثابت الأنصاري(رض)شهد على وفق دعوى النبي(ص)مع أنه ماكان عالماً بتلك الواقعة فقال خزيمة: إني أصدقك فيما تخبر عنه من أحوال السماء ، أفلا أصدقك في هذا القدر؟! فلما ذكر ذلك صدقه النبي(ص)فيه ولقبه بذي الشهادتين ، ولو كان الذنب جائزاً على الأنبياءلكانت شهادة خزيمة غير جائزة....
ثم قال الرازي:(واعلم أن شبهات المخالفين في هذه المسألة كثيرة ، ونحن نذكرها على سبيل الإختصار...). انتهى.

ملاحظات على كتاب عصمة الأنبياء للفخر الرازي

الملاحظة الأولى
أنه تأثر كثيراً بمنهج السيد المرتضى في كتابه تنزيه الأنبياء(عليهم السلام)الذي ألفه قبله بأكثر من قرن ونصف ، بل يمكن القول إن كتاب عصمة الأنبياء(عليهم السلام)للرازي هو نفس كتاب تنزيه الأنبياء(عليهم السلام)للسيد المرتضى ، مصوغاً بقلم سني !

الملاحظة الثانية
أن الرازي كغيره من علماء الأشعرية ، يجيدون الدفاع عن الأنبياء(عليهم السلام)عندما يعتمدون العقل والفطرة الإنسانية ، فيجئ دفاعهم قوياً متماسكاً ، لكنهم عندما يصطدمون بعشرات الأحاديث الصحيحة عندهم في البخاري ومسلم وغيرهما ، ينخنث كلامهم ويضطرب ! فترى بعضهم يغمض بصره عن تلك الأحاديث ، أو يشير اليها إشارة ويردها ، وأحياناً أخرى يدافع عنها ، فيقع في التناقض !
فالمشكلة الأساسية التي تواجه الباحث منهم ليست الآيات المتشابهة التي يفهم من ظاهرها معصية الأنبياء(عليهم السلام) وتحتاج إلى تفسير أو تأويل ، بل الإسرائيليات التي تثقل كاهل الصحاح في ذم الأنبياء(عليهم السلام) ، ولا يمكن تأويلها !
نعم إن العقبة الكأداء هي القرشيات التي روتها مصادرهم في ذم نبينا(ص) وربطتها بالآيات المتشابهة وفسرتها بها ، أو جعلتها سبباً لنزولها كذباً وزوراً !
وقلما تجد من علمائهم صاحب شجاعة ، يتقرب إلى الله تعالى ويتخطى هذه الموانع دفاعاً عن نبينا(ص)وأنبياءالله(عليهم السلام)!
لاحظ ما قاله الرازي في ص72، في قصة نبي الله داود(عليهم السلام):(فاعلم أن الذي أقطع به عدم دلالة هذه الآية على صدور الكبيرة من داود(عليهم السلام). وبيانه من وجوه:
الأول ، أن الذي حكاه المفسرون عن داود وهو أنه عشق امرأة أوريا فاحتال حتى قتل زوجها فتزوجها ، لايليق بالأنبياء، بل لو وصف به أفسق الملوك لكان منكراً.
الثاني ، أن الدخول في دم أوريا أعظم من التزوج بامرأته ، فكيف ترك الله الذنب الأعظم واقتصر على ذكر الإخف؟!
الثالث، أن السورة من أولها إلى آخرها في محاجة منكري النبوة ، فكيف يلائمها القدح في بعض أكابر الأنبياءبهذا الفسق القبيح ؟!
الرابع، أن الله تعالى وصف داود(عليهم السلام)في ابتداء القصة بأوصاف حميدة ، وذلك ينافي ما ذكروه في الحكاية..... !
فإن قلت: إن كثيراً من المحدثين روى هذه الحكاية !
قلت: هذه الدلائل الباهرة لما أبطلت قولهم وجب القطع بفسادها، فالعجب اتفاق الناس على أن خبر الواحد لايفيد إلا الظن ، والظن إنما ينتفع به في العمليات وهذه المسألة ليست من العمليات ، فصارت روايتهم ساقطة العبرة من كل الوجوه....وعن سعيد بن المسيب والحارث الأعور أن علياً(رض)قال:من حدثكم بحديث داود(عليهم السلام)على ما يرويه القٌصَّاص جلدته مأتين وستين وهو حد الفرية على الأنبياء(عليهم السلام). وروي أن واحداً ذكر ذلك الخبر عند عمر بن عبد العزيز وعنده رجل من أهل الحق ، فكذب المحدث به وقال: إن كانت القصة على ما في كتاب الله تعالى فما ينبغي أن نلتمس خلافها ، وإن كان على ما ذكرت وكفَّ الله عنها ستراً على نبيه فيما ينبغي إظهار ما عليه. فقال عمر: سماعي هذا الكلام أحب إلى مما طلعت الشمس عليه). انتهى.
فأنت ترى أن الرازي أجاد ، لأنه جرى في كلامه على مقتضى العقل والفطرة ، وردَّ إسرائيليات رواة السلطة ، لأنها تنافي عصمة نبي الله داود(عليهم السلام) .
لكنه لايملك هذه الشجاعة إذا وصل إلى القرشيات التي يستوجب ردها أن يضرب برواية البخاري عرض الجدار ، مع أن البخاري دخل في الرواة الذين هاجمهم ! حيث تبنى اتهام رواة الإسرائيليات لداود(عليهم السلام)! قال في:4/134: (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ.....إِنَّ هَذَا أخي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً..... يقال للمرأة نعجة ، ويقال لها أيضاً شاة...الخ.) ! انتهى.
ومعنى هذا أن البخاري تبنى كل إسرائيليات السلطة ، لأنها كلها مبنية على أن المقصود بتسع وتسعين نعجة: تسعٌ وتسعون امرأة !!
ومن تأثير قداسة البخاري على الرازي أنه قال بتنزيه الأنبياء(عليهم السلام)وساق حججه التي رأيت بعضها ، لكنه غض بصره عن أحاديث البخاري وغيره التي تنسبهم إلى المعاصي ، ولم يؤولها ولم يردها !
لقد أطال في ص28 وما بعدها في الدفاع عن نبي الله إبراهيم(عليهم السلام)، فقال عن الآيات التي تمسكوا بها في اتهامه بالكفر والكذب: (تمسكوا بها من وجوه تسعة: الأولى: قوله تعالى حاكياً عن إبراهيم(عليهم السلام):قَالَ هَذَا رَبِّي، فلا يخلو إما أن يقال إنه قال هذا الكلام في النظر والإستدلال أو قبل البلوغ أو بعده....
والأصح من هذه الأقوال أن ذلك على وجه الإعتبار والإستدلال لا على وجه الأخبار ، ولذلك فإن الله تعالى لم يذم إبراهيم(عليهم السلام)على ذلك ، بل ذكره بالمدح والتعظيم ، وأنه أراه ذلك كي يكون من الموقنين ، هذا هو البحث المشهور في الآية ، وفيها أبحاث أخر من حيث أن بعض الملاحدة قال إن إبراهيم استدل على الشئ بما لايدل عليه وذكر أشياء لا تصح ، فكان الطعن متوجهاً ، ونحن نذكر كل واحد من تلك الأسئلة الأربعة عشرة مع جوابه....). انتهى.
وقد تقدم قول الرازي: (الحجة الثالثة عشرة: قال الله تعالى في حق إبراهيم(عليهم السلام): إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إماماً ، والإمام هو الذي يقتدى به ، فلو صدر الذنب عن إبراهيم لكان اقتداء الخلق به في ذلك الذنب واجباً. وإنه باطل ). انتهى.
فهل فاته أنه بذلك يطعن فيما رواه البخاري عن الأنبياء(عليهم السلام) ؟!

رأي ابن تيمية ومشبهة الحنابلة في عصمة الأنبياء(عليهم السلام)
ابن تيمية يهاجم الشيعة لقولهم بعصمة الأنبياء(عليهم السلام)!!
قال في منهاج سنته:1/473: (وأما الرافضة فأشبهوا النصارى ، فإن الله تعالى أمر الناس بطاعة الرسل فيما أمروا به ، وتصديقهم فيما أخبروا به ، ونهى الخلق عن الغلو والإشراك بالله تعالى ، فبدلت النصارى دين الله تعالى فغلوا في المسيح فأشركوا به وبدلوا دينه.....
وكذلك الرافضة غَلَوْا في الرسل بل في الأئمة حتى اتخذوهم أرباباً من دون الله ، فتركوا عبادة الله وحده لاشريك له التي أمرهم بها الرسل ، وكذبوا الرسل فيما أخبروا به من توبة الأنبياءواستغفارهم ) ! انتهى.
يقصد بذلك أن الشيعة كذبوا الرسل في أن الأنبياء(عليهم السلام) قد ارتكبوا المعاصي وتابوا ، وذلك لأن الشيعة يكذبون الإسرائيليات في مصادر الخلافة القرشية التي تنسب إلى الأنبياء(عليهم السلام)المعاصي ، فتكذيبها عنده يعتبر تكذيباً للرسل وكفراً !!

السبب الغريب لهجوم ابن تيمية على العصمة !
كشف ابن تيمية عن سبب حملته على الشيعة لتنزيههم الأنبياء(عليهم السلام)!
فقد تخيل أن غرضهم من ذلك الطعن بأبي بكر وعمر ، لأن عقيدة العصمة التامة تجعل المعاصي فضيلة وارتكابها منقصة ، وأبو بكر وعمر كانا كافرين قبل الإسلام يرتكبان المعاصي ، فيكون ذلك منقصة فيهما ، فلا يستحقان مقام الخلافة عن النبي المعصوم عصمة تامة !.
لذا رأى ابن تيمية أنه يجب الدفاع عن أبي بكر وعمر ، وذلك برفض عقيدة العصمة التامة للأنبياء(عليهم السلام) ، والقول بأنهم كانوا قبل النبوة مثل أبي بكر وعمر كفاراً يرتكبون المعاصي ثم تابوا ، ثم بجعل الكافر ومرتكب المعصية التائب أفضل من غير مرتكبها !!
قال في منهاج سنته: 2/429: (وأما ما تقوله الرافضة من أن النبي قبل النبوة وبعدها لايقع منه خطأ ، ولاذنب صغير وكذلك الأئمة ، فهذا مما انفردوا به عن فرق الأمة كلها ، وهو مخالف للكتاب والسنة وإجماع السلف ، ومن مقصودهم بذلك القدح في إمامة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما لكونهما أسلما بعد الكفر ، ويدعون أن علياً(رض)لم يزل مؤمناً ، وأنه لم يخطئ قط ولم يذنب قط ، وكذلك تمام الإثني عشر. وهذا مما يظهر كذبهم وضلالهم فيه لكل ذي عقل يعرف أحوالهم ! ولهذا كانوا هم أغلى الطوائف في ذلك وأبعدهم عن العقل والسمع....
ونكتة أمرهم أنهم ظنوا وقوع ذلك من الأنبياءوالأئمة نقصاً ، وإن ذلك يجب تنزيههم عنه ، وهم مخطئون إما في هذه المقدمة وإما في هذه المقدمة.
أما المقدمة الأولى فليس من تاب إلى الله تعالى وأناب إليه بحيث صار بعد التوبة أعلى درجة مما كان قبلها ، منقوصاً ولا مغضوضاً منه ، بل هذا مفضَّلٌ عظيمٌ مكرمٌ ، وبهذا ينحل جميع ما يوردونه من الشبه ). انتهى !!

ثم أفاض ابن تيمية بذكر فضائل من يعصي ويتوب ، فقال في منهاجه2/430:
(وفي الصحيحين عن النبي(ص)من غير وجه أنه قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من رجل أضل راحلته بأرض دويِّة مهلكة ، عليها طعامه وشرابه ، فقال (من القيلولة) تحت شجرة ينتظر الموت ، فلما استيقظ إذا بدابته عليها طعامه وشرابه ! فكيف تجدون فرحه بها؟ قالوا: عظيماً يا رسول الله. قال: لله أشد فرحاً بتوبة عبده من هذا براحلته..... فمن يجعل التائب الذي اجتباه الله وهداه منقوصاً بما كان من الذنب الذي تاب منه ، وقد صار بعد التوبة خيراً مما كان قبل التوبة ، فهو جاهل بدين الله تعالى وما بعث الله به رسوله ) !!.
ثم تنازل ابن تيمية قليلاً ، فقال: ( ولسنا نقول إن كل من أذنب وتاب فهو أفضل ممن لم يذنب ذلك الذنب ، بل هذا يختلف باختلاف أحوال الناس ! فمن الناس من يكون بعد التوبة أفضل ، ومنهم من يعود إلى ما كان ومنهم من لا يعود إلى مثل حاله. والأصناف الثلاثة فيهم من هو أفضل ممن لم يذنب ويتب ، وفيهم من هو مثله ، وفيهم من هو دونه ). انتهى.

ومعنى كلامه أن الكافر مرتكب المعصية إذا تاب ، قد يكون أحياناً خيراً ممن لم يكفر ولم يرتكب المعصية !
ثم قال: ( بل أقوال هؤلاء الذين غلوا بجهل من الأقوال المبتدعة في الإسلام (بقولهم بالعصمة التامة) وهم قصدوا تعظيم الأنبياءبجهل ، كما قصدت النصارى تعظيم المسيح وأحبارهم ورهبانهم بجهل، فأشركوا بهم واتخذوهم أرباباً من دون الله)!
ثم ارتكب ابن تيمية مصادرة واضحة فاستدل على معاصي الأنبياء(عليهم السلام)بما رووه من الإسرائيليات ، وبظواهر بعض الآيات المتقدمة ! قال في منهاجه2/435:
( بل كتب التفسير والحديث والآثار والزهد وأخبار السلف مشحونةٌ عن الصحابة والتابعين بمثل ما دل عليه القرآن (أي ارتكاب الأنبياءللمعاصي!) وليس فيهم من حرَّف الآيات كتحريف هؤلاء ، ولا من كذب بما في الأحاديث كتكذيب هؤلاء ، ولا من قال هذا يمنع الوثوق أو يوجب التنفير ونحو ذلك ، كما قال هؤلاء ) !
وقال: ( وأما المسائل المتقدمة فقد شرك غير الإمامية فيها بعض الطوائف إلا غلوهم في عصمة الأنبياءفلم يوافقهم عليه أحد أيضاً ، حيث ادعوا أن النبي (ص)لايسهو ، فإن هذا لايوافقهم عليه أحد فيما علمت ، اللهم إلا أن يكون من غلاة جهال النساك ، فإن بينهم وبين الرافضة قدراً مشتركاً في الغلو وفي الجهل والإنقياد لما لا يعلم صحته ، والطائفتان تشبهان النصارى في ذلك ) !

وقال في:2/393: (فصل: وأما قوله وإن الأنبياءمعصومون من الخطأ والسهو والمعصية صغيرها وكبيرها من أول العمر إلى آخره ، وإلا لم يبق وثوق بما يبلغونه فانتفت فائدة البعثة ولزم التنفير عنهم .
فيقال: أولاً، إن الإمامية متنازعون في عصمة الأنبياء.... ثم يقال ثانياً قد اتفق المسلمون علىأنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله فلايجوز أن يقرَّهم على الخطأ في شئ مما يبلغونه عنه ، وبهذا يحصل المقصود من البعثة ، وأما وجوب كونه قبل أن يبعث نبياً لايخطئ أو لايذنب ، فليس في النبوة ما يستلزم هذا ).
لاحظ قوله: (لايجوز أن يقرَّهم على الخطأ في شئ مما يبلغونه عنه) فهو صريح في أن الأنبياءقد يخطئون حتى بعد البعثة في التبليغ عن الله تعالى ! غاية الأمر أن الله لايقرهم على الخطأ بل يوبخهم ويصحح لهم ، وذلك لتبرير زعم قريش أن النبي(ص)زاد في القرآن وكفر ، ومدح الأصنام في سورةالنجم بأنهن الغرانيق العلى، وشفاعتهن ترتجى ، فنزل جبرئيل ووبخه وصحح له !

ثم قال في:2/397 (والله تعالى قد أخبر أنه يبدل السيئات بالحسنات للتائب ، كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح ، ومعلوم أن الصحابة رضي الله عنهم من عهد الرسول(ص)وقبل أن يصدر منهم مايدعونه من الأحداث ، كانوا من خيار الخلق ، وكانوا أفضل من أولادهم الذين ولدوا بعد الإسلام ). انتهى.
وبذلك كشف ابن تيمية عن هدفه وغرضه ، وهو أن يثبت أن كفر أبي بكر وعمر ومعاصيهما قبل الإسلام ، وكذا معاصي بعض الصحابة بعد الإسلام ، لاتنقص من درجتهم ، ولا تجعل درجة عليٍّ(عليهم السلام)والنبي(ص)لعصمتهما التي يدعيها الشيعة ، وعدم عبادتهما للأصنام ، أرفع من درجة الصحابة !
ثم تمادى ابن تيمية فاعتبر أن القول بعصمة الأنبياءالتامة هو حرمان للأنبياء(عليهم السلام)من الوقوع في المعاصي والفوز بالتوبة وثوابها العظيم !! قال في نفس الموضع:
(وأيضاً: فوجوب كون النبي لايتوب إلى الله فينال محبة الله وفرحه بتوبته وترتفع درجته بذلك ، ويكون بعد التوبة التي يحبه الله منه خيراً مما كان قبلها ، فهذا مع ما فيه من التكذيب للكتاب والسنة ، غض من مناصب الأنبياءوسلبهم هذه الدرجة ، ومنع إحسان الله إليهم وتفضله عليهم بالرحمة والمغفرة.
ومن اعتقد أن كل من لم يكفر ولم يذنب أفضل من كل من آمن بعد كفره وتاب بعد ذنبه ، فهو مخالف ماعلم بالإضطرار من دين الإسلام ! فإنه من المعلوم أن الصحابة الذين آمنوا برسول الله(ص)بعد كفرهم وهداهم الله به بعد ضلالهم ، وتابوا إلى الله بعد ذنوبهم أفضل من أولادهم الذين ولدوا على الإسلام !
وهل يُشَبِّهُ بني الأنصار بالأنصار ، أو بني المهاجرين بالمهاجرين إلا من لا علم له!!....... وقد قال عمر بن الخطاب(رض)إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة ، إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية ) !! انتهى.

فالنبي عند ابن تيمية إذا ذاق طعم الكفر والجرائم والمعاصي مثل أبي بكر وعمر ، يكون أقرب إلى الله تعالى ! والذين يقولون بعصمة النبي(عليهم السلام)وعدم صدور المعاصي منه فقد نقصوه حقه وحرموه من النعمة العظيمة التي لاتتحقق إلا بالكفر أو بالمعاصي وهي فرحة الله بتوبته ، والتي فاز بها أبو بكر وعمر !
وهكذا يظهر لك أن مكانة أبي بكر وعمر عنده هي حجر الزاوية في هندسة عقائده(الإسلامية)! وأنه لايخجل في سلب العصمة عن جميع الأنبياء(عليهم السلام)ورميهم بالكفر والمعاصي حتى بعد النبوة ، من أجل مساواتهم بأبي بكر وعمر ! والتفضل عليهم بدرجة التوبة العظيمة التي نالها أبو بكر وعمر بتوبتهما من كفرهما ومعاصيهما!

وقد واصل ابن تيمية خطبة الجمعة في مقام التائبين من جرائمهم ، وكيف أن الله تعالى يمحوها بل يبدلها حسنات ، ثم قال في:2/400:(وكذلك من اتفق أن شرب السم فسقى ترياقاً فاروقاً يمنع نفوذ سائر السموم فيه ، كان بدنه أصح من بدن من لم يشرب ذلك الترياق. والذنوب إنما تضر أصحابها إذا لم يتوبوا منها. فهذا وأمثاله من خيار تأويلات المانعين لما دل عليه القرآن من توبة الأنبياءمن ذنوبهم واستغفارهم، وزعمهم أنه لم يكن هناك مايوجب توبة ولااستغفار ولاتفضل الله عليه بمحبته وفرحه بتوبتهم ومغفرته ورحمته لهم. فكيف بسائر تأويلاتهم التي فيها من تحريف القرآن وقول الباطل على الله ، ما ليس هذا موضع بسطه !
وقال: (والمقصود هنا أن الذين ادعوا العصمة مما يتاب منه ، عمدتهم أنه لو صدر منهم الذنب لكانوا أقل درجة من عصاة الأمة ، لأن درجتهم أعلى فالذنب منهم أقبح ، وأنه يجب أن يكون فاسقاً فلا تقبل شهادته ، وأنه حينئذ يستحق العقوبة فلا يكون إيذاؤه محرماً وأذى الرسول محرم بالنص ، وأنه يجب الإقتداء بهم ولايجوز الإقتداء بأحد في ذنب. ومعلوم أن العقوبة ونقص الدرجة إنما يكون مع عدم التوبة ، وهم معصومون من الإصرار).
ثم ذكر عدداً من أدعية النبي(ص)مستدلاً بها على أنها دليل على صدور الذنوب الصغيرة والكبيرة منه(ص)والعياذ بال له، وإن ذلك لم يكن ينفر المسلمين منه !
ثم ختم كلامه بقوله:2/408: (وهذا عمر بن الخطاب(رض)قد علم تعظيم رعيته له وطاعتهم ، مع كونه دائماً كان يعترف بما يرجع عنه من خطأ ، وكان إذا اعترف بذلك وعاد إلى الصواب زاد في أعينهم وازدادوا له محبة وتعظيماً.... فعلم أن التوبة والإستغفار (من المعاصي) لاتوجب تنفيرأولاًتزيل وثوقاً) !!

دفاع ابن تيمية عن اليهود وعن أسطورة الغرانيق !
قال في منهاج سنته::2/409: (وما أعلم أن بني إسرائيل قدحوا في نبي من الأنبياءبتوبته في أمر من الأمور ! وإنما كانوا يقدحون فيهم بالإفتراء عليهم كما كانوا يؤذن موسى(عليهم السلام) ، وإلا فموسى قد قتل القبطي قبل النبوة ، وتاب من سؤال الرؤية ، وغير ذلك بعد النبوة ، وما أعلم أحداً من بني إسرائيل قدح فيه بمثل هذا. وما جرى في سورة النجم من قوله:(تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتها لترتجى) على المشهور عند السلف والخلف من أن ذلك جرى على لسانه ثم نسخه الله وأبطله ، هو من أعظم (الردود)على قول هؤلاء...
والعصمة المتفق عليها أنه لا يُقَرُّ على خطأ في التبليغ بالإجماع ، ومن هذا فلم يعلم أحد من المشركين نفر برجوعه عن هذا ، وقوله إن هذا مما ألقاه الشيطان. ولكن روى أنهم نفروا لما رجع إلى ذم آلهتهم بعد ظنهم أنه مدحها ، فكان رجوعهم لدوامه على ذمها ، لا لأنه قال شيئاً ثم قال إن الشيطان ألقاه. وإذا كان هذا لم ينفر ، فغيره أولى أن لا ينفر ) !!


ابن تيمية يجوِّز أن يكون النبي كافراً فاسقاً شريراً !
وأخيراً صرح ابن تيمية بمذهبه وإن لفه بلفافة ! فقال بعدم عصمة الأنبياءمطلقاً وأن الله تعالى يمكن أن يبعث نبياً كافراً أو فاسقاً قبل النبوة ، أو يصير كافراً فاسقاً بعدها. وهو بذلك يجري مع رواسب أشعريته في إنكار الحسن والقبح العقليين ، وإنكار لزوم الحكمة في أفعال الله تعالى ! قال في منهاجه:2/413:
( ومما يبين الكلام في مسألة العصمة أن تعرف النبوة ولوازمها وشروطها ، فإن الناس تكلموا في ذلك بحسب أصولهم في أفعال الله تعالى ، إذْ كان جعل الشخص نبياً رسولاً من أفعال الله تعالى ، فمن نفى الحِكَم والأسباب في أفعاله وجعلها معلقةً بمحض المشيئة ، وجوَّز عليه فعل كل ممكن ، ولم ينزهه عن فعل من الأفعال ، كما هو قول الجهم بن صفوان وكثير من الناس كالأشعري ومن وافقه من أهل الكلام من أتباع مالك والشافعي وأحمد وغيرهم من مثبتة القدر ، فهؤلاء يجوِّزون بعثة كل مكلف! والنبوة عندهم مجرد إعلامه بما أوحاه إليه ! والرسالة مجرد أمره بتبليغ ما أوحاه إليه ! والنبوة عندهم صفة ثبوتية ولامستلزمة لصفة يختص بها ، بل هي من الصفات الإضافية كما يقولون ، مثل ذلك في الأحكام الشرعية. وهذا قول طوائف من أهل الكلام كالجهم بن صفوان والأشعري وأتباعهما ، ولهذا من يقول بها كالقاضي أبي بكر وأبي المعالي وغيرهما يقول إن العقل لايوجب عصمة النبي إلا في التبليغ خاصة ، فإن هذا هو مدلول المعجزة ! وما سوى ذلك إن دل السمع عليه ، وإلا لم تجب عصمته منه .
وقال محققوا هؤلاء كأبي المعالى وغيره إنه ليس في السمع قاطع يوجب العصمة ، والظواهر تدل على وقوع الذنوب منهم ! وكذلك كالقاضي أبي بكر إنما يثبت مايثبته من العصمة في غير التبليغ إذا كان من موارد الإجماع ، لأن الإجماع حجة ، وما سوى ذلك فيقول لم يدل عليه عقل ولا سمع .
وإذا احتج المعتزلة وموافقوهم من الشيعة عليهم بأن هذا يوجب التنفير ونحو ذلك فيجب من حكمة الله منعهم منه ، قالوا هذا مبني على مسألة التحسين والتقبيح العقليين ونحن نقول لايجب على الله شئ ويحسن منه كل شئ ! وإنما ننفي ما ننفيه بالخبر السمعي ، ونوجب وقوع ما يقع بالخبر السمعي أيضاً ، كما أوجبنا ثواب المطيعين وعقوبة الكافرين لإخباره أنه يفعل ذلك ، ونفينا أن يغفر لمشرك لإخباره أنه لايفعل ذلك ، ونحو ذلك. وكثير من القدرية المعتزلة والشيعة وغيرهم ممن يقول بأصله في التعديل والتجوير ، وأن الله لايفضل شخصاً على شخص إلا بعمله ، يقول إن النبوة أو الرسالة جزاءٌ على عمل متقدم فالنبي فَعَل من الأعمال الصالحة ما استحق به أن يجزيه الله بالنبوة ، وهؤلاء القدرية في شق ، وأؤلئك الجهمية الجبرية في شق ). انتهى.
إن اعتراف ابن تيمية هذا ، لايقف عند تجويزه أن يكون النبي كافراً فاسقاً شريراً ! بل يصل إلى نفي الحكمة عن الله تعالى في أفعاله وأقواله !
وهذا هو نفس معبود التوراة الذي قال التلمود في وصفه: (سمع الله يئن كما تئن الحمامة ويبكي وهو يقول: الويل الويل لمن أخرب بيته....وَيْلِي على ما أخربت من بيتي! ويْلي على ما فرقت من بنيَّ وبناتي ) ! (الفصل لابن حزم:1/1/222)


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page