الباب السادس و الأربعون من كلام أمير المؤمنين و الأئمة (ع)
قال أمير المؤمنين لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل و يؤخر التوبة بطول الأمل يقول في الدنيا بقول الزاهدين و يعمل فيها عمل الراغبين إن أعطي لم يشبع و إن منع لم يقنع يعجز عن شكر ما أوتي و يبتغي الزيادة فيما بنى ينهى و لا ينتهي و يأمر بما لا يأتي يحب الصالحين و لا يعمل عملهم و يبغض المذنبين و هو أحدهم يكره الموت لكثرة ذنوبه و يقيم على ما يكره الموت له إن سقم ظل نادما و إن صح أمن لاهيا يعجب بنفسه إذا عوفي و يقنط إذا ابتلي إن أصابه بلاء دعا مضطرا و إن ناله رخاء أعرض مغترا تغلبه نفسه على ما يظن و لا يغلبها على ما يستيقن يخاف على غيره بأدنى من ذنبه و يرجو لنفسه بأكثر من عمله إن استغنى بطر و فتن و إن افتقر قنط و وهن يقصر إذا عمل و يبالغ إذا سأل إن عرضت له شهوة أسلف المعصية و سوف التوبة و إن عرته محنة الفرج عن شرائط الملة يصف البرة و لا يعتبر و يبالغ في الموعظة و لا يتعظ فهو بالقول مدل و من العمل مقل ينافس فيما يفني و يسامح فيما يبقى يرى المغنم مغرما و المغرم مغنما يخشى الموت و لا يبادر الفوت يستعظم من معصية غيره ما يستقل أكثر منه من نفسه و يستكثر من طاعته ما يحقره من طاعة غيره فهو على الناس طاعن و لنفسه مداهن اللغو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء يحكم على غيره لنفسه و لا يحكم عليها لغيره يرشد غيره و يغوي نفسه فهو يطاع و يعصي و يستوفي و لا يوفي و يخشي الخلق من ربه و لا يخشى ربه في خلقه و قال أمير المؤمنين (ع) يا نوف خلقنا من طينة و خلق شيعتنا من طينتنا فإذا كان يوم القيامة ألحقوا بنا قال نوف قلت صف لي شيعتك يا أمير المؤمنين فبكى لذكر شيعته ثم قال يا نوف شيعتي و الله الحلماء العلماء بالله و بدينه العاملون بطاعته و أمره المهتدون لحبه و أنصار عباده جلاس زهاده صفر الوجوه من التهجد عمش العيون من البكاء ذبل الشفاه من الذكر خمص البطون من الطوى تعرف الربانية في وجوههم و الرهبانية في سمتهم مصابيح كل ظلمة و رياحين كل قبيلة لا يشنئون من المسلمين سلفا و لا يقفون لهم خلفا سرورهم مكنونة و قلوبهم محزونة و أنفسهم عفيفة و حوائجهم خفيفة و أنفسهم منهم في عناء و الناس منهم في راحة فهم الكاسة الأولياء و الخالصة النجباء و هم الراغبون الرواعون قرار بدينهم إن شهدوا لم يعرفوا و إن غابوا لم يفتقدوا أولئك من شيعتي الأطيبون و إخواني الأكرمون الأتقياء ألا هاه شوقا إليهم و عن علي (ع) قال قال رسول الله (ص) أنا الشجرة و فاطمة فرعها و علي لقاحها و الحسن و الحسين ثمرتها و شيعتنا أغصانها فما من عبد أحبنا أهل البيت و عمل بأعمالنا و حاسب نفسه قبل أن يحل رمسه إلا أدخله الله الجنة و عن علي (ع) إنه قال يا نبي الله بينه لي لأهتدي بهداك فقال لي يا علي من يهدي الله فما له من مضل و من يضلل الله فلا هادي له و إن الله عز و جل هاديك و معلمك و حق لك أن تعي و لقد أخذ الله ميثاقي و ميثاقك و ميثاق شيعتك و أهل مودتك إلى يوم القيامة فهم شيعتي و ذو مودتي و هم ذو الألباب يا علي حق على الله أن ينزلهم في جنانه و يسكنهم مساكن الملوك و حق لهم أن يطيبوا و بالإسناد مرفوعا عن الصادق (ع) أنه سئل أي الأعمال أفضل بعد المعرفة قال ما من شيء بعد المعرفة يعدل هذه الصلاة و لا بعد المعرفة و الصلاة شيء يعدل الزكاة و لا بعد الزكاة يعدل الحج و فاتحة ذلك كله و خاتمته معرفتنا و لا شيء بعد ذلك كبر الإخوان و المواساة يبذل الدينار و الدرهم فإنهما حجران ممسوخان بهما امتحن الله خلقه بعد الذي عددت لك و ما رأيت شيئا أسرع غناء و لا أنفى للفقر من إدمان حج هذا البيت و صلاة فريضة تعدل عند الله ألف حجة و ألف عمرة مبرورات متقبلاتو الحجة عند الله خير من بيت مملوء ذهبا لا بل خير من ملء الدنيا ذهبا و فضة ينفق في سبيل الله و الذي بعث محمدا بالحق بشيرا و نذيرا لقضاء حاجة امرئ مسلم و تنفيس كربته أفضل عند الله من حجة و طواف و عمرة حتى عد عشرة ثم رفع يده و قال اتقوا الله و لا تملوا من الخير و لا تكسلوا فإن الله عز و جل و رسوله غنيان عنكم و عن أعمالكم و أنتم الفقراء إلى الله و إنما أراد الله عز و جل بلطفه سببا يدخلكم الجنة به و روي عن أبي عبد الله (ع) قال مصافحة المؤمن بألف حسنة و عن أمير المؤمنين (ع) قال قال رسول الله (ص) إن لله عبادا من خلقه تفزع الناس إليهم في حوائجهم أولئك الآمنون من عذاب الله عز و جل و عنه (ع) عن النبي (ص) قال من أفضل الأعمال عند الله عز و جل إبراد الأفئدة الحارة و إشباع الأكباد الجائعة و الذي نفس محمد بيده لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان و أخوه أو قال جاره المسلم جائع و عن النبي (ص) قال من كسا مؤمنا كساه الله ألف حلة و قضى له ألف حاجة و كتب الله له عبادة سنة و غفر له ذنوبه كلها و إن كانت أكثر من نجوم السماء و أعطاه الله يوم القيامة ثواب ألف شهيد و زوجه الله تعالى ألف حوراء و كتب الله له براءة من النار و جواز
على الصراط و عن النبي (ص) إذا تلاقيتم فتلاقوا بالتسليم و التصافح و إذا تفارقتم تفرقوا بالاستغفار و عن أبي جعفر (ع) من مشى في حاجة أخيه المؤمن أظله الله عز و جل بخمسة و سبعين ملك و لم يرفع قدما إلا و كتب له بها حسنة و حط بها عنه سيئة و رفع له بها درجة فإذا فرغ من حاجته كتب الله بها بكل ما قضاه له أجر حاج و معتمر و عن أبي عبد الله (ع) من مشى في حاجة أخيه المؤمن كان أحب إلى الله من عتق ألف نسمة و حمل ألف فرس في سبيل الله مسرجة ملجمة و قال من سعى في حاجة أخيه المسلم طلب وجه الله كتب الله له ألف ألف حسنة يغفر فيها لأقاربه و جيرانه و إخوانه و معارفه و قال من أعان أخاه المؤمن اللهفان عند جهده فنفس كربته و أعانه على نجاح حاجته كتب الله بذلك اثنتين و سبعين رحمة يعجل له منها واحدة يصلح بها أمر معيشته و يدخر له إحدى و سبعين رحمة لأفزاع يوم القيامة و أهواله .
و قال (ع) أيما مؤمن نفس عن مؤمن كربة و هو معسر يسر الله له حوائجه في الدنيا و الآخرة.
و قال (ع) من أشبع مؤمنا وجبت له الجنة و من أشبع كافرا كان حقا على الله أن يملأ جوفه من الزقوم و لئن أشبع رجلا من المسلمين أحب إلى الله من أن أطعم أفقا من الناس قلت و ما الأفق قال مائة ألف أو يزيدون .
و عن أبي جعفر (ع) قال من أطعم ثلاثة نفر من المسلمين أطعمه الله عز و جل من ثلاث جنات في ملكوت السماوات الفردوس و جنة عدن و طوبى .
و قال علي (ع) ما من رجل يدخل بيته مؤمنين فيطعمهما و يشبعهما إلا كان ذلك أفضل من عتق نسمة .
و عن علي بن الحسين (ع) قال من أطعم مؤمنا من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة و من سقى مؤمنا من ظمإ سقاه الله من رحيق مختوم .
و عن الصادق (ع) من أطعم مؤمنا حتى يشبعه لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرب و لا نبي مرسل إلا الله رب العالمين ثم قال من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان قال الله تعالى أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْم ذِي مَسْغَبَة يَتِيماً ذا مَقْرَبَة أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَة .
و قال رسول الله (ص) من سقى مؤمنا شربة من ماء من حيث يقدر على الماء أعطاه الله عز و جل بكل شربة سبعين ألف حسنة و إن سقاه من حيث لا يقدر على الماء فكأنما أعتق عشر رقاب من ولد إسماعيل .
و قال الصادق (ع) لإطعام مؤمن أحب إلى الله من عتق عشر رقاب و عشر حجج و من كساه ثوبا كسوة شتاء أو صيف كان حقا على الله أن يكسوه من ثياب الجنة و أن يهون عليه سكرات الموت و أن يوسع عليه في قبره و أن تتلقاه الملائكة إذا خرج من قبره بالبشرى كما قال الله تعالى تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلّا تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.
و قال (ع) من كسا أحدا من فقراء المسلمين ثوبا من عرى أو أعانه بشيء مما يقوته من معيشة وكل الله عز و جل به سبعة آلاف ملك من الملائكة يستغفرون لكل ذنب عمله إلى أن ينفخ في الصور .
و قال (ع) من كسا مؤمنا ثوبا من عرى كساه الله من إستبرق الجنة و من كساه ثوبا من غنى لم يزل في ستر الله عز و جل ما بقي من الثوب خرقة و قد ورد أن مشركا تلطف بمؤمن فلما مات أوحى الله إليه لو كان في جنتي مسكن لمشرك لأسكنتك فيها و لكنها محرمة على من مات بي مشركا و لكن يا نار حاذيه و لا تؤذيه قال و يؤتى برزقه طرفي النهار من حيث يشاء الله .
و قال النبي (ص) من أدخل على مؤمن سرورا خلق الله عز و جل له من ذلك السرور مثالا لا يزال معه في كل هول يبشره بالجنة .