• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

القسم الثالث: الاعذار المختلفة للذنب ، معرفة حدود الذنب والاشارة الى الاستثناءات والقيم


القسم الثالث
الاعذار المختلفة للذنب ، معرفة حدود الذنب
والاشارة الى الاستثناءات والقيم

الاعذار لتبرير الذنب :
تبرير الذنب اكبر من الذنب . ونستطيع القول بأن ايجاد العذر للذنب نوع من الحيل الدينية .
نقرأ في الآيتين الشريفتين 14 و 15 من سورة القيامة :
( بل الأنسان على نفسه بصيرة ـ ولو ألقى معاذيره ) .
ومعناه ان محكمة الوجدان تحكم على ذلك الشخص بذي الوجهين والمكر .
ان تبرير الذنب يجعل الذنب بسيطاً ويشجع المجتمع على ارتكاب الذنوب ويكون عندها القبيح حسناً .
لاذنب أثقل من العذر للذنب . لان المذنب عندما يعترف بالذنب يفكر بالتوبة دائماً . ولكن اذا برر ذنوبه جعله غطاءاً على ما يقترفه من الذنوب . ولم يبتعد عن طريق التوبة فحسب بل تكون عنده الجرأة والعادة في اقتراف الذنوب .
إنّ أحد الامراض التي ابتلي بها المجتمع بصورة عامة هو تبرير الذنوب في صور مختلفة . حيث ينحرف بها الخاص والعام عن الطريق المستقيم . والأ خطر من ذلك هو غلق ابواب الصلاح امام المذنب واحياناً تغلق أبواب الحقيقة في نظره .
فمثلاً : يبرر خوفه ( بالاحتياط ) وضعف نفسه ( بالحياء ) وحرصه ( بواجب توفير مستلزمات الحياة ) وعجزه ( بعدم وضوح الموضوع ) وتقصيره بـ ( القضاء والقدر ) .
فأي معصية والم اكبر مما يلاقيه الانسان نتيجة تحريفه لمفاهيم الاسلام السامية واغلاق باب النجاة امامه ؟! إنّ تبرير الذنب هو اسدال الستار على الذنب حتى يشتغل بالذنوب بلا مانع ولا رادع ، فمثلاً يكتم الحق ويعتبر ( تقية ) ، او يعطي شخصاً ما رشوة ويسميها هدية من أجل الوصول الى هدفٍ سيء .
إنّ تبريره لذنبه يعتبر نوعاً من انواع الخداع لنفسه وللمسلمين كالذي ظاهره جميل وشرعي وباطنه قبيح وملوث . أو كبائع المواد الغذائية فلكي يجلب له الزبائن يجعل ظاهر المواد الغذائية جيداً للناظر في الوقت الذي يكون باطنها رديئاً .
قال الاما الباقر ( عليه السلام ) :
كان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوماً في سوق المدينة فمر بطعام فقال لصاحبه : ما أرى طعامك إلاّ طيباً وسأله عن سعره ، فاوحى الله عز وجل اليه أن يدس يده في الطعام فاخرج طعاماً رديّاً ، فقال لصاحبه :
ما أراك إلاّ جمعت خيانةً وغشاً للمسلمين . (1)

الاعذار المختلفة :
ان الناس يبررون الذنوب بتبريرات مختلفة منها :
1 ـ التبريرات العقائدية .
2 ـ التبريرات السياسية .
3 ـ التبريرات الاجتماعية .
4 ـ التبريرات النفسية .
5 ـ التبريرات الثقافية .
6 ـ التبريرات الاقتصادية .
7 ـ التبريرات العسكرية .

وهناك تبريرات متفرقة أخرى .


1 ـ التبريرات العقائدية
إنّ أحد التبريرات العقائدية هو مسألة ( الجبر والقضاء والقدر ) فعندما تقول للمذنب : لماذا أذنبت ؟ ولماذا تلوثت بالمسكرات ؟ يجبيب : هذا حظي من القضاء والقدر ، وماذا افعل وان آبائي كانوا هكذا وانا أصبحت مثلهم .
لا يلد الذئب الاّ الذئب ، ولم يقدّر لي ان اكون من المصلين ، وكثير من هذا القبيل نسمعه على ألسنة الناس . وبهذا اللحن من الكلام يكون لهم باب الفرار من المسؤولية والواجب . في الآية 148 من سورة الانعام نرى المشركين ولاجل ان يبرئوا أنفسهم من مسؤولية انحرافهم يقولون :
( لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرّمنا من شيءٍ ) .
وعلى هذا المنوال ينسبون ذنوبهم الى « الجبر » . وفي الآية 35 من سورة النمل والآية 20 من سورة الزخرف تأكيد على هذا المعنى :
( وقالوا لو شاء الرّحمن ما عبدناهم ) ( الزخرف / 20 ) .
فيقول الله تعالى رداً عليهم : ( إنّ هم إلاّ يخرصون ) .

تبرير يزيد بن معاوية :
عندما جاؤا الى يزيد بالرأس المقدّس للامام الحسين ( عليه السلام ) انشأ شعراً ، وبعدها نظر الى الحاضرين وقال : يزعم صاحب هذا الرأس أنه أفضل مني في استلام الحكومة وكأنه لم يقرأ هذه الآية ( 26 من سورة آل عمران ) :
( قل اللّهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممّن تشاء وتعزّ من تشاء وتذلّ من تشاء ) .
انظروا الى يزيد شارب الخمر وسافك الدماء كيف اقترف أعظم الجرائم ويدعي أنّ ارادة الله كانت في عزتنا واذلال اعدائنا ، لتغطية جريمته النكراء ولتبرير عمله القبيح متوسلاً بسفسطة الجبر .

نظرة في الجبر والاختيار :
إنّ مسألة الجبر والاختيار هي أحدى المسائل القديمة والتي كتبت عنها ابحاث كثيرة . ولكن الذي نستطيع ان نقوله الآن هو أننا في وجداننا أحرار في الاختيار . فحركة اليد مع حركة القلب ليست متشابهة لان حركة القلب ليست باختيارنا ولكن حركة اليد اختيارية ، اذن نحن غير مسلوبي الارادة . فمثلاً : لو اخذنا بنظر الاعتبار انابيب الماء التي تمتد من الشوارع التي عرضها 45 متراً الى الشارع التي عرضها ثلاثون متراً ثم تدخل الى شارع عرضه عشرة امتار بعدها الى زقاقٍ عرضه ستة امتار بعدها الى اربعة امتار ثم الى زقاق مغلق عرضه متران او متر واحد ثم يدخل البيت ثم يربط مع أنابيب الحوض ، فالانابيب الممتدة في الشوارع والأزقة ليست تحت ايدينا ولكن يمكننا التحكم في انبوب الحوض . وكذلك فان الغيوم والهواء والشمس والقمر والنجوم ليست تحت تصرفنا ، ولكن العيش والاكل في اختيارنا .
كما قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« فلا الجبر صحيح بان تقول : اننا مسلوبي الارادة ولا التفويض صحيح بان نقول : ان كل شيء مفوض الينا (2)، فطبقاً للمثال ليس جميع انابيب المياه تحت اختيارنا ولكن التحكم في انابيب البيت فقط هو تحت اختيارنا .

دلائل حرية الارادة :
1 ـ التردد : إنّ أحد الدلائل على حرية الارادة هو اننا اذا اردنا ان نعمل عملاً ما وحصل عندنا الشك فيه هل نعمله او لا .
2 ـ الندم : اذا ندمنا على عمل ما ، فهو دليل على حرية الاختيار والا لما ندمنا .
3 ـ التأدب : التأدب معناه قابلية الانسان للأدب ، وهذه القابلية دليل الحرية في الارادة .
4 ـ الانتقاد : ومعناه أن ينتقد احدنا الآخر في اعمالنا ، وهذا دليل الحرية في الارادة فنحن مثلاً لا ننتقد شجرة الجوز ، لانها فاقدة للحرية . وعلى هذا الاساس لا ينبغي ان نضع الذنب في عهدة الجبر لنفر من المسؤولية .

2 ـ التبريرات السياسية
التبريرات السياسية كثيرة ايضاً ، منها القول ان « مقام عالم الدين ارفع من ان يتدخل في السياسة ، » حيث يضعون هذا التبرير لاجل انزواء علماء الدين عن المجتمع للوصول الى اهدافهم في استمرار الفساد والتلوث .
في زمن الشاه مثلاً كان بعض المأمورين يقولون « المأمور معذور » ليغطي ذنوبه وبهذا التبرير يفعل ما يريد ، وآخر يقول في تبرير عمله غير اللائق : لو لم نجبر الناس للخضوع للطاغوت فاننا نرى اشكالاً شرعياً في ارزاقنا المعطاة لنا ، ويقولون لمنافق قاتل : لماذا قتلت آية الله أشرفي ؟ يقول : « ان المنظمة امرتني بذلك » ، وبهذه الجملة يبرر جريمته الشنيعة ، كما جاء في الآية 67 من سورة الاحزاب قوله تعالى :
( وقالوا ربّنا إنّا اطعنا ساداتنا وكبراءنا فاضلّونا السّبيلا ) .
ان هذه التبريرات لا تقبل عند الله سبحانه وتعالى ابداً . واحياناً نسمع بان البعض يقولون : « ان طبيعة الثورة تقتضي ذلك » فيبررون بعض تقصيرهم المتعمد . صحيح ان طبيعة الثورة تواكبها بعض السلبيات ، لكن بهذه الدرجة بحيث ترددها الالسن .

تبرير المؤسسين لمسجد ضرار :
قال المفسرون في المجمع : إنّ بني عامر بن عوف اتخذوا مسجد قبا ، وبعثوا الى رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أن يأتيهم فأتاهم وصلى فيه ، فحسدهم جماعة من المنافقين من بني غنم بن عوف فقالوا : نبني مسجداً فنصلي فيه ولا نحضر جماعة محمد وكانوا اثني عشر رجلاً ، وقيل خمسة عشر رجلاً منهم ثعلبة بن حاطب ومعتب بن قشير ونبتل ابن الحارث فبنوا مسجداً الى جنب مسجد قبا .
فلما بنوه أتوا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو يتجهز الى تبوك فقالوا : يا رسول الله إنا قد بنينا مسجداً لذي العلة والحاجة والليلة الممطرة والليلة الشاتية ، وانا نحب أن تأتينا فتصلي فيه لنا وتدعو بالبركة فقال ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : اني على جناح سفر ولو قدمنا أتيناكم انشاء الله فصلينا لكم فيه ، فلما انصرف رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من تبوك نزلت عليه الآية 107 من سورة التوبة في شأن المسجد :
( والذّين اتّخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفنّ إن أردنا إلاّ الحسنى والله يشهد انّهم لكاذبون ) .
فأرسل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند قدومه جماعة لهدمه وحرقه (3) .
وجعل ارضه مركزاً لجمع نفايات المدينة وبذلك انتهت فتنة المنافقين الموجهين لاعمالهم .
نعم ، لقد ارادوا من توجيههم لبناء مسجد ضرار بانه للمرضى والعجزة ولكل من هو جار للمسجد في الليالي الممطرة وتحت هذا الستار الجميل أرادوا تحقيق اعظم جريمة وهي تفريق شمل المسلمين بل ارادوا القضاء على اساس الحكومة الاسلامية فأمر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بهدمه ، وكذلك فان يقظة المسلمين حالت دون ذلك ، ومسجد ضرار لقب بعنوان : مسجد الكفر والفتنة في التاريخ .

من علامات اهل الفتن :
من جملة كلام الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعلي ( عليه السلام ) : « من علائم اهل الفتنة انهم يستحلون حرامه بالشبهات الكاذبة والاهواء الساهية ، فيستحلون الخمر بالنبيذ ، والسحت بالهدية ، والربا بالبيع » (4) . فهذه التوجيهات الظاهرية لاجل ستر الذنوب الكبيرة التي يقترفونها .

الامام علي ( عليه السلام ) يقف أمام المبرر الكبير :
كان الاشعت بن قيس أحد القادة الحاقدين ومن المنافقين ، وبتفكيره البسيط أراد أن ينفذ الى جهاز حكومة امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، فاخذ في منتصف ليلةٍ طبقاً مغطى في داخله حلوى الى بيت الامام علي ( عليه السلام ) على انها هدية متواضعة ، ولكنها في الحقيقة رشوة مغطاة بأسم الهدية . وعندما جاء بهذا الطبق قال أمير المؤمنين ( عليه السلام ) : أحسست ان الحلوى قد عجنت بريق حيةٍ أو قيئها .
فقلت له : « أصلة ام زكاة أم صدقة » ؟
فقال لي : « لا ذا ولا ذاك ولكنها هدية » .
فقلت له : « هبلتك الهبول أعن دين الله أتيتني لتخدعني ؟ امختبط أنت أم ذو جنّةٍ أم تهجر » ؟
« والله لو أعطيت الأقاليم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملةٍ أسلبها جلب شعيرةٍ ما فعلته » (5) .
وهذا هو الموقف القوي الذي اتخذه امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) أمام هذا الراشي المنافق الذي اخفى رشوته تحت ستار الهدية ، فطرده امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) وارجع ما جاء به اليه .

الجواب القاطع للمبرر المكّار :
كان عمار بن ياسر ذلك الصحابي الجليل من اعوان الامام أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في حرب صفين التي دارت بين اصحاب الامام علي ( عليه السلام ) واصحاب معاوية والتي استغرفت 18 شهراً ، وقد علم المسلمون باجمعهم بحديث الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لعمار مخاطباً اياه ( تقتلك الفئة الباغية ) . واستشهد عمار في معركة صفين ، واثبت للشاكّين أحقيّة امير المؤمنين ( عليه السلام ) وبغي معاوية اذ هم الذين قتلوا عماراً .
فقام معاوية المحتال بتبرير قبح فعله وأعلن ان علياً ( عليه السلام ) قد قتل عمار بن ياسر اذ هو الذي ارسله لميدان القتال مما كان سبباً في قتله ، وبذلك قام بخداع جماعة واغفالهم . وعندما أدرك الامام علي ( عليه السلام ) هذه الحيلة تصدى للجواب قائلاً : ( اذا كان ما نطق به معاوية صحيحاً فان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الذي قتل حمزة ( عليه السلام ) بارساله الى ميدان المعركة ) .
وقد واجه عبد الله بن عمرو بن العاص معاوية بنفس جواب امير المؤمنين ( عليه السلام ) مما ادى الى غضب معاوية حيث التفت الى عمرو بن العاص قائلاً : ( أخرج ولدك الاحمق من المجلس ) .
فالبرغم من ان قتل عمار بن ياسر ادى الى انهيار معنويات جيش معاوية لانهم احسّوا بالخيبة والخجل لكن تبرير معاوية الخادع ادى الى غفلة جيشه ايضاً معلنين بصوت عال : ( ان عامر قد قتله الذي ارسله الى ساحة القتال ) . (6)

تبرير سفاك التاريخ :
كان الاعتقاد السائد قديماً ( كزمن آدم ( عليه السلام ) مثلاً ) هو ان قبول القرابين التي كانوا يضعونها فوق قمم الجبال ، مرهون بنزول النار عليها واحراقها ، واذا لم تحترق فهو دليل على عدم قبول القربان .
كان الحجاج بن يوسف الثقفي وهو احد المتعطشين للدماء ، والياً لعبد الملك في العراق وهو أحد المجرمين الذين ليس لهم مثيل في التاريخ ، ولشدة ظلمه فقد التجأ معارضوه الى الكعبة المكرمة فنصب المنجنيق وهدم الكعبة ولم يهتم بحرمتها ، فعندها نزلت صاعقة من السماء واحرقت المنجنيق فخاف جيش الحجاج وتوقف عن الرمي نحو الكعبة ، فجائهم الحجاج وقال لهم : ان عملكم هذا مقبول بدليل ان النار نزلت من السماء فاحرقت المنجنيق كما كان سابقاً من قبول القرابين (7) .

التبرير الخائن لهارون الرشيد :
انّ احدى التبريرات السياسية على مر التاريخ والتي استفاد منها اغلب المجرمين الغاصبين هي كلمة ( حفظ الأمن ) كما ان امريكا الآن تحت اسم ( حفظ أمن المنطقة ) أخذت تكرّس وجودها في منطقة الشرق الاوسط وترتكب الجرائم البشعة والظلم . وفي كل مكان يقولون : أن حفظ الامن في المنطقة من الواجبات . وهارون الرشيد الطاغية العباسي الخامس ، ذهب من بغداد الى مكة المكرمة ومن مكة الى المدينة ، وقرر اعتقال وحبس الامام موسى بن جعفر ( عليه السلام ) وعندما مر على قبر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) برر جرمه الكبير بالقول : يا رسول الله ، إني أعتذر اليك من شيء أريد ان أفعله ، أريد أن أحبس موسى ابن جعفر فانه يريد ان يشتت أمتك وأن يسفك دمائها . وبعدها ربط الامام ( عليه السلام ) بسلسلة فارسله الى بغداد ثم اودعه في سجن البصرة .  وبهذه الطريقة نرى ان هارون يبرر جريمته الكبيرة والباقية مدى الدهر باسم ( حفظ الأمن ) (8) .
تبرير شهادة الامام الحسين ( عليه السلام ) :

إن احدى التبريرات المعروفة عند الاعداء في مسألة استشهاد الامام الحسين ( عليه السلام ) هي أن الامام الحسين ( عليه السلام ) قد خرج من دين جده وشق عصا المسلمين .وكان عمر بن سعد قد برر حربه مع الحسين بانها من أجل الصلح ، لكنه ارتكب جريمة كبيرة وهي قتل سيد الشهداء ( عليه السلام ) .
ويذكر أنّ احد جنود عمر بن سعد في واقعة كربلاء بعد شهادة الامام الحسين ( عليه السلام ) كان مشغولاً بنهب اموال البيت ( عليه السلام ) وهو في حالة بكاء ! فرأته طفلة من اطفال الامام الحسين ( عليه السلام ) فقالت له : لماذا تبكي ؟ فقال : ابكي لمظلوميتكم والجريمة التي ارتكب بحقكم ، فاجابته : ان كان هكذا فلماذا تسلبنا اذن ؟ فاجابها : أخاف ان ياخذها غيري (9)
نعم بهذا التبرير ارتكبوا اكبر الذنوب واعظمها .

3 ـ التبريرات الاجتماعية
يعتبر التبرير الاجتماعي أحد التبريرات للذنوب فمثلاً يقال للمذنب : لماذا ارتكبت الذنب الفلاني ؟! يقول : هذا عرف اجتماعي فاذا اردت ان لا تعاب من المجتمع فكن مثلهم . ( فضربوا ورقصنا ) . والكل يفعل ذلك ونحن معهم .
إنّ الانسان لا يستطيع ان ينعزل عن المجتمع ( والخيط لا يحاك لوحده ) وكثيراً ما نرى مثل هذه التبريرات في حياتنا .
ومثل هذه التبريرات كذلك كانت في السابق ايضاً ، حيث يذكر أن قوم شعيب ( عليه السلام ) كانوا يعبدون الاصنام وتعشعش فيهم الخرافات وينقصون الكيل ويأكلون الربا و ... فدعاهم شعيب ( عليه السلام ) الى عبادة الله سبحانه وتعالى وحذرهم من التلوث في الذنوب . فسخروا منه وقالوا له كما في الآية :
( قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آبائنا ) .
المذنبون من قوم شعيب ( عليه السلام ) كانوا يبررون ذنوبهم بانها عرف وطريقة اجدادهم .
كان فرعون في اوج اقتداره وقد أوجد مجتمعاً يسوده التكتم عن الحقائق والاختناق وكان يحكم في جو ومحيط فاسد ، واكثر الناس كانوا يبررون طاعتهم لفرعون بان ( اذا اردت ان لا تعاب في المجتمع فكن مثلهم او منهم ) .
أما آسيا امرأة فرعون فلم يؤثر عليها ظلم فرعون ولا غطرسته ومنزلته الاجتماعية وحافظت على ايمانها بارادتها القوية ، على العكس من الضعفاء والمتخاذلين امثال امرأة نوح وابنه ، وكذلك امرأة لوط ، فأولئك تأثروا بالمجتمع السيء فصاروا منه ولم يؤمنوا بدعوة نوح ولوط ( عليهم السلام ) واتخذوهم سخريا (10) .
وبالرغم من كثرة اعداء رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعلي امير المؤمنين ( عليه السلام ) ، لكنهما لم يرافقا على الاخطاء السائدة في المجتمع ، ولم يقرا على ما يخالف حكم الله سبحانه بل جاهدا المجتمع الفاسد في اشد الظروف العصيبة . وعلى هذا الاساس يجب علينا ان لا نخاف من العرف والسنن والضغوط الاجتماعية والتحدي للفساد والقومية وجعل المحورية للمجتمع وألاّ نحيد تحت قناع هذه التبريرات عن طريق الحق الى الباطل .

4 ـ التبريرات النفسية
هناك بعض التبريرات لتغطية الذنوب وهي التبريرات النفسية ، ولها اشكال مختلفة :


1 ـ اليأس وقطع الأمل : ومثله أن ييأس الانسان من بلوغ هدف معيّن فيشبّه نفسه بالغريق الذي لا امل له في النجاة او مثل رجل كبير في السن لا يحسن القراءة في الصلاة فاذا قيل تعلم القراءة فيقول : فات الأوان وانا أمي ولا أستطيع التعلم .

2 ـ او اعتاد الذنب : فالمدمن علىالتدخين والترياك يقول : « لا استطيع ترك هذه العادة » فاذا اعطيته عن كل يومٍ يمتنع فيه عن التدخين ( الف دينار ) لمدة مائة يوم ، فانه سيترك التدخين . وهذا يدل على انه لو اراد التغلب على عادته تلك لتمكن . في حين انه يرى نفسه مسلوب الارادة ويبرر ذنوبه بالعادة على اقتراف الذنوب .
3 ـ او يقول : النهي عن المنكر واجب وتركه حرام . فيقال له : لماذا لم تنه فلاناً عن المنكر ؟ فيقول : أتصور انه ينزعج من ذلك .
4 ـ او يقال له : ادب طفلك ولا تدعه ضائعاً في التيه ، فيقول : أخاف ان اضغط عليه فيصاب بالعقدة النفسية .
5 ـ يسخر من الآخرين : والسخرية من الذنوب القبيحة . ولكن عندما يقال له لماذا تسخر من الآخرين ؟ يقول : اتمازح معهم وبهذه الطريقة يبرر ذنبه بالمزاح .
6 ـ نقول له : ان اباك او أخاك يتبعان طريق الكفر . فلا تصحبهما ، فيقول : هل يترك احد أباه اوأخاه .
ومن هذا القبيل نرى ونسمع الكثير من تبريرات الناس لذنوبهم . ولاجل ان تردّ على هذه التبريرات نقرأ ( الآية 24 من سورة التوبة ) :
( قل ان كان آباؤكم وأبناوكم واخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحبّ اليكم من الله ورسوله وجهادٍ في سبيله فتربّصوا حتّى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين ) .
7 ـ أحد التبريرات للمذنبين هي أنهم يجوزون ارتكاب الذنب ثم يقترفونه ، كأن يغتاب الانسان احداً بقوله « ارجو ان لا تكون غيبة » ، او يذكر شخصاً ما امام الناس حتى يوحي الى الآخرين بجواز غيبته .
ينقل عن المرحوم آية الله العظمى السيد محمد حجت ( صاحب مدرسة الحجتية في قم ) بانه قال : انا ابرىء ذمة كل من استغابني الاّ بعض الطلبة فاني لا ابرئهم الذمة لانهم يفسّقون المرء ثم يغتابونه .
بمثل هذه التبريرات يريد الانسان المذنب ان يفتح الطريق امامه ولا يتحمل مسؤولية الذنب وبهذا ( الاشباع الكاذب ) ينقض القانون الالهي ويتبع هوى نفسه بكل ما يريد وبحرية مطلقة .
مثلاً : ان أحد العوامل التي تمنع الانسان من ارتكاب الذنب هو الاعتقاد بيوم المعاد والحساب والكتاب ويوم القيامة ، فالمبرر لذنوبه ولاجل ان يطلق لنفسه العنان لارتكاب الذنب ، يسعى لانكار المعاد ويقف بكل ما اوتي من قوة امام الدلائل القوية على المعاد .
كما ذكر ذلك في ( الآية 5 و 6 ) من سورة القيامة :
( بل يريد الانسان ليفجر أمامة ـ يسئال أيان يوم القيامة ) .
أحد التبريرات الاخرى هو تبرير الافشاء ، فأحياناً وتحت هذا الغطاء يقترف البعض ذنباً كبيراً بفضح الناس المحترمين . ان الافشاء في بعض اوقاته لا اشكال فيه للذين يشكلون خطراً في المجتمع والذين ينتظرون الفرص للفتن فيجب ان يفشى سرّهم ويفضحوا امام الناس لا إفشاء أمور الناس المحترمين واظهار عيوبهم وفضحهم .

5 ـ التبريرات الثقافية
أحد التبريرات التي يغطي بها المذنبون ذنوبهم هي التبريرات الثقافية كأن :
1 ـ إذا ارتكب أحدً ذنباً واعترض عليه يقول : لم اكن اعلم بانه ذنب لاني رجل أمي . وهذا التبرير لا اساس له من الصحة وغير مقبول ، لانّ الله سبحانه وتعالى قد منّ على الانسان بالعقل وأعطاه فطرة سليمة ووجداناً كمصباح مضيء ليميز الصالح عن الطالح ، هذا من جهة ، ومن جهة اخرى فقد اتم انبياء الله واولياؤه والائمة ( عليهم السلام ) الحجة عليه وارشدوه الى صراط السوي . ولكنه سلك السبيل الخاطىء والضال .
في الآية 149 من سورة الانعام نقرأ :
( قل لله الحجّة البالغة ) .
سأل احد الامام الصادق ( عليه السلام ) عن تفسير هذه الآية فقال : « انّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي ! أكنت عالماً ، فان قال : نعم ، قال له أفلا عملت بما علمت ؟ وان قال كنت جاهلاً ، قال له : أفلا تعلّمت حتى تعمل ؟ فيخصمه ، فتلك الحجة البالغة » (11) .
ونتيجة لهذا : فان تبرير عدم الفهم وعدم القراءة والكتابة لا يرفع المسؤولية عن الانسان . ونتيجة سير الانسان في الطريق الأعوج مع كل تلك الهدايات ، هي السقوط في شباك المجازات .
2 ـ احد التبريرات الاخرى هو الافتخار ( بالنسب ) ، فمثلاً يرتكز بعض الافراد على الحسب والنسب في اقتراف الذنب . فمثلاً يتنازع أحد الاشخاص المفتخرين بالنسب مع شخص مؤمن ، وعندما يراد الاصلاح بينهما نرى الجواب : ( أنا من العوائل المحترمة فكيف أقبل الصلح مع فلان ؟! ) . فهو يرتكب ذنب « تحقير المؤمن » الذي يعتبر من الذنوب الكبيرة لكونه من العوائل الغنية والفخمة . وكان مثل هذا الجو في صدر الاسلام سائداً حيث نرى المشركين المتكبرين ينظرون الى بلال وصهيب وجويبر من اراذل القوم وبعضهم كانوا يحقرون سلمان ( عليه السلام ) .
ان الشيطان قد طرد من رحمة الله سبحانه لافتخاره على ادم في خلقته ولهذا فهو لم يطع أمر الله سبحانه في السجود .
في الآية 12 من سورة الاعراف نقرأ :
( قال ما منعك الاّ تسجد اذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طينٍ ) .
ان هذا المعيار وهو الافتخار بالحسب والنسب في الحقيقة اتباع للشيطان لان الميزان والمعيار الذي جعله الله سبحانه للتفضيل هو التقوى والعمل الصالح .

( التعصب الخاطىء ) :

شاعت في الجاهلية طريقة وأد البنات يعني دفنهن احياء بلا رحمةٍ ولا رادع ، وحتى التي تكبر وتصل الى حد البلوغ فان مصيرها الدفن وهي حية . ويبرر المتعصبون ذنبهم بانه من المحتمل ان تقع البنات أسارى بيد الاعداء عند الحرب في قبيلة اخرى فيلدن لهم . وبهذا العذر والتبرير يحفرون حفرة كبيرة ويدفنونهن بصورة مفجعة ممزوجةٍ بالآهات والويلات والبكاء وبلا هوادة ولا رحمة . نعم ، فهم يبررون ذنوبهم احياناً بانها عادية وطبقاً للعرف السائد . وبقدر ترسخ هذه الافكار الخاطئة في اذهانهم نراهم عندما يبشر احدهم بالانثى يظل وجهه مسوداً وهو كظيم كما في ( الآية 58 من سورة النحل والآية 17 من سورة الزخرف ) .
3 ـ من التبريرات الثقافية ( الفهم الخاطيء ) ، فمثلاً يقال للمرأة حافظي على حجابك ، وللرجل غض بصرك ، فيكون جوابهما « اذهبوا فان قلوبنا طاهرة » ، وبهذا التفكير يتصورون ان طهارة القلب كافية لذلك ولم ينتبهوا الى اعمالهم . أو يقال لهم لا يجوز اختلاط الرجل مع المرأة في الأعراس فيكون جوابهم « نحن اخوة ، وعلى هذا المنوال يقترفون الذنوب وهم لا يشعرون .
او يبررون ذنوبهم بانها مراسم الاعراس والضيوف والاعياد او انهم شباب او اطفال فيصبح ما حرم الله سبحانه حلالاً . واحياناً يقول أحدهم : اقسم أن لا أصالح فلاناً او اقسم ان لا اكون واسطة في الزواج لحدوث مورد ساءني عند سعيي للزواج .
هذه الانواع من القسم خاطئة لان متعلق القسم يجب ان يكون راجحاً ، فمثلاً لو اقسم احد بالله على التدخين فهذا يمين باطل وخطأ ، ولكن اذا أقسم على ان يتركها فذلك يمين صحيح ولا بأس به ، لان الإقلاع عن التدخين افضل وارجح من تناولها .
ففي انتصار الثورة الاسلامية قال عدة من كبار المسؤولين وقواد الجيش الشاهنشاهي : انا قسمنا بالله سبحانه ان نحيي ( الشاه المعدوم ) فأجابهم الامام الخميني ( رضى الله ) ( هذا يمين باطل من اوّله ) . وعلى كل حال فان الذنوب تقترف وتبرر نتيجة الفهم السيء في المجتمع .
مواجهة الامام الصادق ( عليه السلام ) لمبرر معاند :
في كل زمان توجد هذه التوجيهات ، وفي موارد كثيرة من التاريخ يوجد هذا الفهم السيء ، فالانسان يصاب بالتوجيهات اولاً ثم يرتكب الذنب والجريمة ، وفي هذا المضمار توجد قصة معروفة تدل على اسلوب الفهم السيء . والامام الصادق قد نهى بشدة عن هذه الاساليب وحذر الناس من اتباع هؤلاء الاشخاص .
« قال جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) في معنى قوله عز وجل :
( اهدنا الصراط المستقيم ) ارشدنا الى الصراط المستقيم ارشدنا للزوم الطريق المؤدي الى محبتك والمبلغ دينك والمانع من أن نتبع أهوائنا فنعطب او نأخذ بآرائنا فنهلك ثم قال ( عليه السلام ) : فان من اتبع هواه وأعجب برأيه كان كرجل سمعت غثاء العامة تعظمه وتسفهه فاحببت لقاءه من حيث لا يعرفني لانظر مقداره ومحله فرأيته قد أحدق به خلق من غثاء العامة فوقفت منتبذاً عنهم متغشياً بلثام انظر اليه وإليهم فما زال يراوغهم حتى خالف طريقهم وفارقهم ولم يقر فتفرقت العوام عنه لحوائجهم وتبعته أقتفي أثره فلم يلبث أن مرّ بخبّاز فنغفله فأخذ من دكانه رغيفين مسارقة فتعجبت منه ثم قلت في نفسي : لعلها معاملة ، ثم مرّ بعده بصاحب رمان فما زال به حتى تغفله فأخذ من عنده رمانتين مسارقة ، فتعجبت منه ، ثم قلت في نفسي لعلها معاملة ، ثم أقول : وما حاجته اذن الى المسارقة ؟ ثم لم أزل اتبعه حتى مرّ بمريض فوضع الرغيفين والرمانتين بين يديه ومضى ، وتبعته حتى استقر في بقعة من الصحراء ، فقلت له : يا عبد الله لقد سمعت بك وأحببت لقاءك ، فلقيتك ولكني رأيت منك ما شغل قلبي واني سائلك عنه ليزول به شغل قلبي ، قال : وما هو ؟ قلت : رأيتك مررت بخبّاز وسرقت منه رغيفين ثم بصاحب الرمان وسرقت منه رمانتين ! قال : فقال لي : قبل كل شيء حدثني من أنت ؟ قلت : رجل من ولد آدم ( عليه السلام ) من امة محمد ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . قال : حدثني من أنت ؟ قلت : رجل من اهل بيت رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) . قال : اين بلدك ؟ قلت : المدينة .
قال : لعلك جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهم السلام ) ، قلت : بلى فقال لي : فما ينفعك شرف أصلك مع جهلك بما شرفت به وتركك علم جدك وأبيك لئلا تنكر ما يجب ان يحمد ويمدح عليه فاعله ؟ قلت : وما هو ؟ قال : القرآن كتاب الله ! قلت : وما الذي جهلت منه ؟ قال : يقول الله عز وجل :
( من جاء بالحسنة فله عشر امثالها ومن جاء بالسّية فلا يجزى الاّ مثلها ) .
واني لما سرقت الرغيفين كانت سيئتين ولما سرقت الرمانتين كانت سيئتين فهذه اربع سيئات فلما تصدقت بكل منهما كان لي أربعون حسنة فانتقص من اربعين حسنة أربع بأربع سيئات بقي لي ست وثلاثون حسنة قلت : ثكلتك امك ! انت الجاهل بكتاب الله اما سمعت انه عز وجل يقول : ( إنّما يتقبل الله من المتّقين ) انك لما سرقت رغيفين كانت سيئتين ولما سرقت رمانتين كانت ايضاً سيئتين ولما دفعتهما الى غير صاحبيهما بغير امر صاحبيهما كنت انما أضفت اربع سيئات الى أربع سيئات ولم تضف اربعين حسنة الى اربع سيئات فجعل يلاحظني فانصرفت وتركته قال الصادق ( عليه السلام ) : بمثل هذه التأويل القبيح المستكره يضلون ويضلون » (12) .
وهنا مثال آخر يبين لنا نوعاً من انواع التبريرات الخاطئة الذي جاء به معاوية حول مقتل ( عمار بن ياسر ) حيث قال معاوية : ان عمار
قد قتله علي ( عليه السلام ) ولست انا الذي قتلته لان الامام علياً ( عليه السلام ) هو الذي ارسله الى ساحة القتال فأجابه الامام علي ( عليه السلام ) : اذا كان ادعاء معاوية صحيحاً فان الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الذي قتل حمزة ( عليه السلام ) لان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) هو الذي ارسل حمزة الى ميدان القتال ( هذه التبريرات السياسية قد ذكرناها بصورة مختصرة في المواضيع السابقة ) .
ومن هذه الروايات العجيبة يمكننا ان نحصل على المطالب التالية :
1 ـ ان بعض التبريرات خطيرة الى درجة بحيث تلقي بالانسان أحياناً في وادي التفسير بالرأي الخطير والتلاعب بكتاب الله تعالى ، وكأنه خمير يعجنه بما يطابق هواه وارادته ، ولقد بين الامام الصادق ( عليه السلام ) وانذر واعلن الخطر من الافراد ذوي الفهم الخاطىء .
2 ـ ذكرنا سابقاً الاشاعة والتشهير ، وقلنا : يجب الاستفادة من هذا الموضوع لما يرضي الحق ، ولكن هناك موارد جائزة التشهير بل يجب كما رأينا الامام الصادق ( عليه السلام ) كيف اعلن امام الملأ عن هذا الرجل ذي الفهم والفكر المعوج ، وفي النهاية قال الامام الصادق ( عليه السلام ) : « طوبى للذين هم كما قال رسول الله يحمل هذا العلم من كل خلفٍ عدوله وينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين » (13) .
اسلوب الامام الصادق ( عليه السلام ) وبيان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يوحيان بضرورة التشهير بالمنحرفين والمبتدعين . وبعبارة اوضح فاولئك الذين يتمتعون بمواقع حساسة في المجتمع بحيث تترك هدايتهم ضلالتهم اثرها على المجتمع ، يجب التصدي لهم ثقافياً لو انحرفوا عن الطريق الصحيح .
مثال : لو أن احداً شرب الخمر وركب السيارة واراد قيادتها فيجب التشهير به لان المسافرين في خطر وهو لا يهتم ويستهزء بارواح المسافرين . لكن لو شرب الخمر في بيته سراً ، فان التشهير غير جائز ويجب الحفاظ على ماء وجهه وسمعته في المجتمع .


6 ـ التبريرات الاقتصادية
هناك اشكال مختلفة من التبريرات الاقتصادية ، منها :
اضاعة الحقوق بأسم العدالة الاجتماعية .
وبأسم الضغوط المعيشية يعمدون الى اسقاط الجنين .
وبأسم البيع والشراء يأكلون الربا ( البقرة الآية 275 ) .
وبأسم الهدية يأخذون ويعطون الرشوة .
وبأسم المصلحة في الكذب يعمدون الى الكذب الحرام .
وبأسم الخوف من الفقر يقتلون اولادهم ( الاسراء الآية 31 ) .
ويستثمر ويأكل الارباح تحت غطاء « عندي ادارة ادارة جيدة » فيبرر عمله و ...

عذاب أصحاب السبت :
إنّ احدى القصص القرآنية التي يذكرها القرآن الكريم في سورة الاعراف ( الآية 136 ـ 166 ) هي قصة أصحاب السبت حيث تبين لنا هذه القصة نوعاً من انواع التبرير الاقتصادي للمتخلفين والعاصين لقانون الله سبحانه وتعالى وكيف انهم استحقوا بعنادهم العذاب الشديد وجزاء الهون بما كانوا يعملون ....
وخلاصة القصة هي ان جمعاً من بني اسرائيل يقطنون على بحيرة « ايله » بجانب البحر « وظاهراً البحر الاحمر » ارسل الله سبحانه وتعالى اليهم رسولاً فأمرهم أن لا يصطادوا يوم السبت ، ولكنهم بحسب الاصطلاح الشرعي عمدوا الى حيلةٍ شرعية فشقوا أترعةً بجانب البحيرة فيتجمع السمك فيها يوم السبت فيغلقون الابواب امام رجوع السمك الى البحيرة فيبقى فى الاترعة فيصطادونه يوم الأحد ويقولون : ان الله سبحانه وتعالى قد أمرنا ان لا نصيدها يوم السبت وها نحن نصطاد الاسماك يوم الأحد . انهم بهذا التبرير الخاطىء غطوا نقض الاوامر الالهية بالرغم من انهم هيأوا وسائل الصيد في يوم السبت وبرروا عملهم بعدم اصطياد السمك في يوم السبت ، فوعدهم الله سبحانه بالعذاب الاليم فلم يردعهم ذلك ، فاستحقوا الهلاك والويل والثبور ، وجاء في الروايات ان اهل ايله في مورد هذا الذنب ينقسمون الى ثلاث مجموعات :
1 ـ مجموعة ارتكبوا الذنب وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
2 ـ ومجموعة لم يرتكبوا الذنب ولكنهم وافقوا على الفعل ولم يأمروا بالمعروف ولم ينهوا عن المنكر .
3 ـ ومجموعة لم يرتكبوا ولم يوافقوا على فعلهم بل امروا بالمعروف ونهوا عن المنكر .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« هلكت الفرقتان ونجت الفرقة الثالثة » .
قصة وعبرة :
قال الامام الباقر ( عليه السلام ) : كان احد المؤمنين يدعى ( سعد ) في زمان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في بداية الهجرة النبوية ، وكان فقيراً شديد الحاجة من أهل الصفة ( الفقراء الذين يسكنون اطراف المسجد ) ، وكان ملازماً لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) عند مواقيت الصلاة كلها لا يفقده في شيء منها وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يرق له وينظر الى حاجته وغربته فيقول : يا سعد لو جاءني شيء لاغنيتك ، قال : فابطأ ذلك على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فاشتد غم رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بسعد ، فعلم الله سبحانه وتعالى ما دخل على رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من الغم ، فاهبط عليه جبرائيل ( عليه السلام ) ومعه درهمان فقال له : يا محمد ان الله قد علم ما قد دخلك من الغم بسعد أفتحب ان تغنيه ؟ فقال : نعم ، فقال له : فهاك هذين الدرهمين فاعطهما إياه ، ومره ان يتجر بهما ، فاخذهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ثم خرج الى صلاة الظهر وسعد قائم على باب حجرات رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ينتظره ، فلما رآه رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قال : يا سعد أتحسن التجارة ؟ فقال له سعد : والله ما أصبحت املك ما اتّجر به ،
فاعطاء النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الدرهمين ، فقال له : اتّجر بهما وتصرف لرزق الله ، فاخذهما سعد ومضى مع رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى صلى معه الظهر والعصر ، فقال له رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : قم فاطلب الرزق فقد كنت بحالك مغتماً يا سعد ، قال : فاقبل سعد لا يشتري بالدرهم الاّ باعه بدرهمين ، ولا يشتري شيئاً بدرهمين الاّ باعه باربعة دراهم ، واقبلت الدنيا على سعد فكثر متاعه وماله وعظمت تجارته ، فاتخذ على باب المسجد موضعاً جلس فيه وجمع تجارته اليه ، وكان رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) اذا أقام بلال الصلاة يخرج وسعد مشغول بالدنيا لم يتطهر ولم يتهيأ كما كان يفعل قبل ان يتشاغل بالدنيا ، فكان النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول : يا سعد شغلتك الدنيا عن الصلاة ؟ فيقول : ما أصنع ؟ أضيع مالي ؟ هذا الرجل قد بعته فاريد ان أستوفي منه ، وهذا رجل قد اشتريت منه فاريد أن أوفيه ، قال : فدخل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من أمر سعد غم أشد من غمّه بفقرة ، فهبط عليه جبرئيل ( عليه السلام ) فقال : يا محمد ان الله علم بغمّك بسعد ، فايما احب اليك ، حاله الاولى أم حاله هذه ، فقال له النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : يا جبرائيل بل حاله الاولى قد أذهبت دنياه بآخرته ، فقال له جبرائيل ( عليه السلام ) ان حب الدنيا والأموال فتنة ومشغلة عن الآخرة ، قال : قل لسعد يرد عليك الدرهمين اللذين دفعتهما اليه ، فان أمره سيصير الى الحالة التي كان عليها أولاً ، قال : فخرج النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فمرّ بسعد فقال له : يا سعد أما تريد أن تردّ عليّ الدرهمين الذين اعطيتكهما ؟ فقال سعد : بلى ومائتين ، فقال له :
لست اريد منك يا سعد الاّ درهمين ، فاعطاه سعد درهمين ، قال : وأدبرت الدنيا على سعد حتى ذهب ما كان جمع ، وعاد الى حاله التي كان عليها (14) .
ان هذه القصة تعلمنا ان التعلق في الدنيا سببّ للغفلة عن الاخرة . وكثير غرقوا مثل ما غرق ( سعد ) وعندما تدعوهم الى الصلاة في المساجد او اي عمل من الاعمال الصالحة يبررون عدم حضورهم كما برر سعد لرسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ويقولون : ان المسجد للذين لا عمل لهم ، ونحن نعمل ليلاً ونهاراً واشغالنا كثيرة . فهل هذا التبرير المادي صحيح ؟
اوليس على الانسان ان ينظم اوقاته حتى لا تتضرر عبادته ووظائفه الدينية ؟ ان هذه القصة تعتبر انذاراً للذين ربطوا قلوبهم بالدنيا وشيئاً فشيئاً ينقطعون عن ذكر امور الآخرة ، ولا نراهم الاّ في مجالس العزاء لأقاربهم ، وللأسف الشديد فان الكثير بهذه الحالة لان انشغالهم بالدنيا يجعلهم ان لا يصلون ارحامهم دائماً ، ولو اعترضت عليهم لاجابوك « لدينا مشاكل كثيرة » . ان هذه التبريرات الخاطئة تشكل خطراً شديداً عليهم .

7 ـ التبريرات العسكرية
من البديهي ان تزداد التبريرات في الأمور الصعبة لأجل الفرار من المسؤولية ، فمسألة الجهاد والحرب مع الاعداء تعد من الواجبات المليئة بالمسؤولية الثقيلة ، واولئك الذين لا يمتلكون إيماناً قوياً يبررون تبريرات مختلفة لاجل ان يخلصوا انفسهم من المسؤولية الثقيلة والواجب المقدس .
واحياناً يعتذرون بالاب والام الكهلين واحياناً بالمرأة والطفل ، واخرى ان الوقت حار او بارد او بحلول موسم حصاد الزرع ، او التعذر بالمرض او الضعف لاجل تبرير عدم الاشتراك في الحرب ، خصوصاً اذا كانت الحرب مع الذين ينتحلون الاسلام والذين هم اسوء من الكفار ، يبررون عدم اشتراكهم في الحرب بان حرب المسلم مع المسلم غير صحيحة وانهم اخواننا في الاسلام .
وبمثل هذه التبريرات يهربون من الواجب المقدس وهو الجهاد في سبيل الاسلام .

التبرير في حرب تبوك :
وقعت حرب تبوك في السنة التاسعة للهجرة ، وقد أمر الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بالجهاد العام لكل المسلمين للوقوف امام الاعداء الروم ، فتحرك المسلمون الى منطقة تبوك . وتخلف البعض منهم عن أمر الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحجة أن الهواء حار ولا يستطيعون السفر الطويل في مثل ذلك الجو والقتال فيه . وبخلوا بانفسهم واموالهم في سبيل الدفاع عن حرمة الاسلام . وبهذا التبرير امتنعوا عن الذهاب الى الحرب وكانوا فرحين بعملهم . فذمهم القرآن الكريم في سورة التوبة ( الآية 81 ) :
( وقالوا لا تنفروا في الحرّ قل نار جهنّم أشدّ حرّاً لو كانوا يفقهون ) .
انتقاد الامام علي ( عليه السلام ) :
انتقد الامام علي ( عليه السلام ) مجموعة من المبررين الكذابين الذين اصطنعوا الاعذار الواهية للهروب من الجهاد المقدس والمسؤولية الثقيلة ، فخاطب اهل العراق الذين وهنوا في حربهم مع جيش معاوية فقال ( عليه السلام ) :
« فقبحاً لكم وترحاً ، حين صرتم غرضاً يرمى ، يغار عليكم ولا تغيرون ، وتغزون ولا تغزون ، ويعصى الله وترضون ، فاذا أمرتكم بالسير اليهم في ايام الحر قلتم حمّارة القيظ ، أمهلنا يسبخ عنا الحرّ ، وإذا أمرتكم بالسير اليهم في الشتاء قلتم هذه صبّارة القرّ ، أمهلنا ينسلخ عنا البرد ، فاذا كنتم من الحر والقر تفرّون فأنتم والله من السيف أفر » .

التبرير في حرب الخندق :
يجب الانتباه الى اهمية الجهاد والدفاع وبالاخص عند الاحساس بالخطر الذي يهدد الاسلام ، فحفظ النفس اغلى من اي شيء ، ولكن في ساحة الجهاد والدفاع يجب ان تبذل ، والتبريرات التي تطرح في هذا المجال غير صحيحة ، فمثلاً من التبريرات قول البعض : ان بيوتنا عورة فيجب الحفاظ عليها وانّ ابسط الامور يعظمونها ويجعلونها اساساً لعدم المشاركة في الواجب المقدس وهو الجهاد والدفاع عن الاسلام ، ففي صدر الاسلام كانت مثل هذه الحجج والاعذار كثيرة . ففي معركة الاحزاب التي وقعت في السنة الخامسة للهجرة احتج الذين في قلوبهم مرض بان بيوتهم عورة ويجب المحافظة عليها من شر الاشرار ، وبهذه الطريقة ارادوا الفرار من الحرب . لكن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) رد على هذا النوع من التبريرات .
( نقرأ في الآية 13 من سورة الاحزاب ) :
( ويستأذن فريق منهم النّبيّ يقولون انّ بيوتنا عورة وما هي بعورةٍ إن يريدون إلاّ فراراً ) .

تبرير مضحك آخر في حرب تبوك :
كان أحد المنافقين ويدعى « جدّ بن قيس » في معركة تبوك قد برر عدم اشتراكه في ميدان الجهاد بهذا التبرير المضحك حيث قال للرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « اعذرني يا رسول الله من الاشتراك في الحرب لانني شديد التعلق بالنساء ، فعندما تقع عيني على البنات الروميات أفقد نفسي وأنجذب اليهن فأخرج عن الجهاد والواجب الشرعي فأكون مذنباً بذلك » . وحول هذا التبرير المضحك نزلت ( الآية 49 من سورة التوبة ) مفنّدةً اقواله :
( ومنهم من يقول إئذن لي ولا تفتنّي الا في الفتنة سقطوا وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين ) .
ان الماكرين يفرون من ساحة القتال بحجة الخوف من ارتكاب الذنوب ، ولكنهم سقطوا في قلب الذنب لانهم بالشبهة الشرعية خالفوا الاوامر الشرعية الربانية الصريحة ، وهل يستطيع احد ان يفرّ من الواجب الالهي الصريح بالتبريرات المضحكة ؟

تبرير قبل صلح الحديبية :
في السنة السادسة للهجرة الذي وافق شهر ذي القعدة ، توجه الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) من المدينة الى مكة المكرمة مع ألف واربعمائة مسلم لحج العمرة . وكان هدف هذا التحرك كمناوراتٍ عسكرية لإخافة المشركين . فشجع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) المسلمين على الاشتراك بهذا التحرك . فساروا وما ان وصلوا الى منطقة ( عسقان ) القريبة من مكة المكرمة . منع المشركون الرسول من الدخول الى مكة المكرمة فتوجه الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صوب الحديبية ( قرية تبعد عن مكة عشرون كيلو متراً ) حتى وصلوا اليها . وعندها عقد الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) صلح الحديبية مع قريش حيث هيأ الارضية ذات الاهمية الواسعة لانتصار الاسلام مستقبلاً . ثم غادر الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) مع اصحابه المكان متوجهاً الى المدينة من دون ان يدخل مكة . وبالرغم من ان الامر النبوي كان قد عم المسلمين قاطبة فقد تخلف أصحاب الايمان الضعيف ولم يشتركوا في الذهاب مع الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقد برروا عدم ذهابهم بان : « كيف يمكن للمسلمين ان يعودوا سالمين والمشركون يتحينون الفرص للهجوم عليهم ؟! » (16) .
ولكن عندما رأوا المسلمين قد رجعوا سالمين تغمرهم فرحة الانتصار ( في صلح الحديبية ) بادر المتخلفون بالاعتذار من رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحجة المحافظة على نساءهم واطفالهم واموالهم ، وبهذه الحجة برروا ذنبهم امام الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ولكن الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) ردهم رداً شديداً كما نرى في ( الآية 11 من سورة الفتح ) :
( سيقول لك المخلّفون من الأعراب شغلتنا أموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم ) .
وجاء كذلك ذمهم في ( الآية 11 ـ 14 ) من سورة الفتح التي تبيّن ان الرسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ) قد أصدر أوامره الشديدة ضدهم .

التبرير في حرب الجمل :
احتج بعض الناس قائلين : إنّ حرب الجمل حرب بين الاخوة المسلمين ، فالواجب علينا ان نرفع ايدينا عن قتل المسلم للمسلم ، وقد انتقدوا أمير المومنين علياً ( عليه السلام ) ووقفوا ضدّه بهذه الحجة والعذر الواهي ، ولكنّ أمير المؤمنين علياً ( عليه السلام ) لعن أصحاب الجمل علناً ، فقال له أحدهم :« يا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) استثني المؤمنين منهم » ، فاجابه الامام علي ( عليه السلام ) بصورة قاطعة : « ويلك ما كان فيهم مؤمنّ » (17) .
وفي معركة صفين برر بعضهم عملهم بالقول : « ان قتل المسلمين غير جائز » ، فيجب الخروج عن طاعة الامام علي ( عليه السلام ) والانسحاب من المعركة .
فاجابهم امير المؤمنين علي ( عليه السلام ) : ان افراد جيش معاوية ليسوا مسلمين بل يتظاهرون بالاسلام ويخفون الكفر ويعلنونه متى ما تسلطوا على رقاب المسلمين .
وقال شخص آخر لعمار بن ياسر : الم يقل رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حاربوا الكفار حتى يسلموا فاذا أسلموا أصبحت دماؤهم واموالهم حراماً ؟! فأجابه عمار : بلى ولكن والله ما أسلموا ولكن استسلموا وأسرّوا الكفر حتى وجدوا عليه اعواناً (18) .
وبقوا على هذه الحالة من الاعذار الواهية والحجج الخاوية وظلوا في ترديدهم يعمهون ( بان قتل المسلم للمسلم حرام ) .
قال الامام الباقر ( عليه السلام ) في قبال هذا النوع من الافراد :
« لو أن علياً قتل مؤمناً واحداً لكان شراً من حماري هذا » (19) .
هذه هي الاعذار والحجج العسكرية التي طرحها بعض الناس ليرفعوا أيديهم عن نصرة الحق ويغروا الآخرين بها . ولكن يجب على المؤمنين ان يكونوا فطنين أمام الحيل والتبريرات التي يدبرها مرضى القلوب (20) .

تبرير عسكري رهيب :
في سنة 1945 للميلاد القى الامريكان قنابل ذرية على مدينتي « هيروشيما » و « ناكازاكي » في اليابان بأمر من رئيس الجمهورية الاسبق لأمريكا ( ترومن ) فقتل ( 150 ألف انسان ) في ( هيروشيما ) وبعد ثلاثة أيام القيت قنبلة اخرى على ( ناكازاكي ) فراحت المدينة باهلها طعمة للنار ودمرت عن آخرها . فبرر ( ترومن ) هذه الفاجعة التي هي اشد مرارة من سم الافعى بان « هذا الأمر التاريخي لاجل نجاة مئات الآلاف من الجنود والملاحين والطيارين الامريكان » (1) .
نعم ان ترومن بهذه السفسطة اراد ان يخدع وجدانه والعالم أجمع ، ولكن لم يستمر كثيراً حتى انتفض عليه اصحاب الحرية في العالم وأدانوا علمه هذا ، وبقي هذا العار يتبعه الى الابد ، وفي الحقيقة لو ان باب التبرير كان مفتوحاً لمثل هذا ، لكانت افظع الجرائم التي لا تنسى تبرر بكلمات خادعة .
____________


(1) وسائل الشيعة ج 12 ص 209 .
(2) اصول الكافي ج 1 ص 155 « باب الجبر والقدر حديث 13 » .
(3) اقتبست من تفاسير وبالخصوص مجمع البيان : ج 5 ص 72 و الميزان ج 9 ص 419 .
(4) نهج البلاغة : خطبة 156 .
(5) نهج البلاغة خطبة 224 .
(6) أعيان الشيعة ج 42 ص 215 .
(7) مجمع البحرين كلمة الحج .
(8) الارشاد للشيخ المفيد ج 2 ص 231 .
(9) مقتل الحسين للمقرّم ص 369 ـ الامالي للصدوق المجلس 31 .
(10) في آية 10 و 11 من سورة التحريم جعل الله ( امرأة فرعون قدوة النساء المؤمنات وامرأة لوط قدوة النساء الكافرات ) .
(11) تفسير نور الثقلين 1 ص 76 .
(12) معاني الأخبار ص 33 ـ 35 .
(13) معاني الاخبار للصدوق ص 35 .
(14) وسائل الشيعة ج 12 ص 297 ـ 298 .
(15) نهج البلاغة الخطبة 27 .
(16) شرح هذه اللمحة التاريخية في تاريخ الطبري المجلد 2 وسيرة ابن هشام المجلد 2 و تفسير نمونة المجلد 22 صفحة 10 الى 17 .
(17) بحار الانوار : ج 32 ، ص 326 .
(18) بحار الانوار : ج 32 ، ص 325 .
(19) بحار الانوار ج 32 ص 327 .
(20) هناك تبريرات اخرى متفرقة ولاجل الاقتصار اكتفينا بهذا المقدار .
(21) تاريخ الحوادث الكبرى ص 293 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page