الانتباه الى الاستثناءات :
هناك موضوع آخر مهم جداً لمعرفة الذنب وهو موضوع معرفة ( الاستثناءات ) وكما يقولون : « ما من عام الاّ وقد خصّ » إنّ اقتراف كثير من الذنوب حتى الذنوب الكبيرة جائز في بعض الاحيان وواجب في الاحيان الاخرى . فمثلاً : القسم الكاذب يعد من الذنوب الكبيرة ، فاذا كان فيه نجاة حياة المسلم من يدي الظالم ، فذلك القسم واجب ، او مثلاً : الكذب حرام ، ولكن طبق الاحاديث الواردة يجوز الكذب في ثلاث موارد .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« كل كذب مسؤول عنه صاحبه يوماً إلاّ في ثلاثة : رجل كائد في حربه فهو موضوع عنه ، أو رجل أصلح بين اثنين يلقىهذا بغير ما يلقى به هذا ، يريد بذلك الاصلاح بينهما ، أو رجل وعد أهله شيئاً وهو لا يريد أن يتمّ لهم » .
الغيبة واستثناءاتها :
إنّ الموضوع الآخر الاكثر اهمية حول معرفة الذنب . هو موضوع معرفة ما يستثنى في جواز غيبة . الغيبة معناها : ذكر عيب المسلم في غيابه . وتعتبر من الذنوب الكبيرة التي نهى الاسلام عنها في كثير من الآيات والروايات . فالغيبة تعني ذكر العيب الخفي في غياب الشخص ، ولكن ذكر العيوب الظاهرة لا تعتبر غيبة . وطبيعي ان اشاعة عيوب المسلم من باب الذم والتشهير به حرام وغير جائز (1) .
قال الامام الصادق ( عليه السلام ) :
« الغيبة أن تقول في أخيك ما ستره الله عليه » (2) .
وفي الآية 13 من سورة الحجرات نقرأ قوله تعالى :
( ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ) .
ونذكر هنا روايتين عن المساوي ، التي يخلفها ذلك الذنب
العظيم ، وهو الغيبة :
1ـ قال الرسول الاكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : « الغيبة أسرع في دين الرجل من الأكلة في جوفه » (3) .
2 ـ اوحى الله سبحانه وتعالى الى موسى ( عليه السلام ) .
« من مات تائباً من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة ، ومن مات مصرّاً عليها فهو اول من يدخل النار » (4) .
مع كل هذه التحذيرات من الغيبة التي هي ذنب كبير وكل هذه النواهي عن ارتكابها ، ولكن في بعض الموارد نرى أنّ الغيبة جائزة بل تصل الى حد الوجوب .
يذكر العالم الكبير والاستاذ المعظم الشيخ مرتضى الانصاري في كتاب المكاسب ما يلي :
اعلم انه كلما كان المرخص في ذكر المساوىء غرض صحيح لا يمكن التوصل اليه الاّ بها جازت ، وعلى هذا فموارد الاستثناء لا تنحصر في عدد منها (5) :
1 ـ اذا كان المغتاب متجاهراً بالفسق : فان من لا يبالي بظهور فسقه بين الناس لا يكره ذكره بالفسق .
2 ـ تظلم المظلوم واظهار ما فعل به الظالم وان كان متستراً به .
3 ـ الاستفتاء بان يقول للمفتي : ظلمنتي فلان في حقي فكيف طريقي في الخلاص ؟ هذا اذا كان الاستفتاء موقوفاً على ذكر الظالم بالخصوص والاّ فلا يجوز .
4 ـ قصد ردع المغتاب عن المنكر الذي يفعله فانه اولى من ستر المنكر عليه .
5 ـ قصد منع مادة فساد المغتاب عن الناس كما في المبتدع الذي يخاف من اضلاله الناس .
6 ـ جرح الشهود فانّ الاجماع دل على جوازه ، ولان مصلحة عدم الحكم بشهادة الفساق اولى من الستر على الفاسق .
7 ـ دفع الضرر عن المغتاب .
8 ـ ذكر الشخص بعيبه الذي صار بمنزلة الصفة المميزة التي لا يعرف الا بها كالاعمش والاعرج والاشتر والاحول ونحوها .
9 ـ القدح في مقالة باطلة وان دل على نقصان قائلها اذا توقف حفظ الحق وابطال الباطل عليه .
وجاء في القرآن الكريم الآية 148 من سورة النساء :
( لا يحبّ الله الجهر بالسّوء من القول الاّ من ظلم ) .
وعلى هذا الاساس نرى ان بعض الذنوب وعلى قاعدة تفضيل ( الأهم على المهم ) فيها استثناءات ذكرها الفقهاء ويجب معرفة هذه الموارد حتى يميز الانسان العمل الصالح من الطالح . ولا انسى انه في زمان النظام السابق قال احد الاشخاص : « ما دامت الغيبة حراماً فلماذا تستغيبون الشاه ؟ » إنّ مثل هذه الاعتراضات دليل على عدم معرفة الامور المستثناة من الغيبة .
الانتباه الى جميع القيم :
إنّ احد الامور اللازمة الذكر حول معرفة الذنب . هو غفلتنا في بعض الاحيان عن الذنوب الواقعة تحت تأثير القيم الكبيرة والكثيرة الاهمية . فالمسلم الذي يعرف الذنب يجب عليه ان يكون فطناً في جميع الاحوال ، ولا يدع ايّ منفذ لاقتراف الذنب . وحول هذا الأمر نأتي بهاتين القصتين :
1 ـ قال انس : استشهد غلام منا يوم أحد فمسحت أمه التراب عن وجههت وقالت : هنيئاً لك الجنة يا بني ، فقال النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : وما يدريك ؟ « فلعلّه تكلّم فيما لا يعنيه ، وبخل بما لا ينقصه » (1) .
2 ـ ومثل هذا المطلب في مسألة أم « سعد بن معاذ » (2) .
قال رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) لام سعد : « يا ام سعد مه ، لا تجزمي على ربك فان سعداً قد أصابته ضمّة » .
« نعم انه كان في خلقه مع اهله سوء » .
____________
(1) اصول الكافي ج 2 ص 342 ( باب الكذب الحديث 18 ) .
(2) اصول الكافي ج 2 ( باب الغيبة الحديث 7 ) .
(3) اصول الكافي ج 2 ص 356 .
(4) المحجة البيضاء ج 5 ص 252 .
(5) نقل نصاً في كتاب المكاسب ص 45 ـ 46 .
(6) المحجة البيضاء ج 5 ص 200 .
(7) بحار الانوار ط القديمة ج 6 ص 696 ـ قاموس الرجال ج 4 ص 341 .