في التوحيد والصفات :
اختلف أهل الفرق الإسلاميّة في تحديد علاقة الصفات بالذات ، فمنهم من رأى أنّها : معان زائدة على الذات ، مرتبطة بها ، وقديمة قدمها ، وذلك مذهب الأشاعرة . ومنهم من قال : بأنّ الصفات هي عين الذات ، ولا تختلف صفة عن اُخرى ، وعلى ذلك مذهب الشّيعة ومَن سار بعدهم من المعتزلة . فيما ترى الكرامية : أنّ الصفات زائدة على الذات , محدثة ليست قديمة ، وهذا رأي لم يحتفل به الحكماء ولا غيرهم .
والثغرة التي توجد في قول الأشاعرة ، هي في تعدّد الصفات واستقلالها عن الذات ، ذلك أنّ الذات الواجبة هي بسيطة وكاملة وأزلية , لا تحتاج إلى عوارض مستقلّة لتحقيق كمالها المُطلق ؛ إذ إنّ استقلال الصفات عن الذات ، يناقض مقولة البساطة في الذات , ثمّ إذا كانت الصفات مستقلّة وزائدة وقديمة ، ترتّب أن يوجد أكثر من ذات قديمة ، فالعلم الزائد على الذات قديم قدم الذات ، يترتّب على ذلك وجود قديمين ، وإذا قسنا ذلك على الصفات السّبع التي وضعها الأشاعرة ، يكون هناك إلى جانب الذات ، سبع قديمات وواجبات .
يقول العلامة السّيد الطباطبائي(1) : وأيضاً , لازمه فقدان الواجب في ذاته صفات الكمال ، وقد تقدّم أنّه صرف الوجود الذي لا يفقد شيئاً من الكمال الوجودي .
ومن هذا المنطق ، غاص أهل الفرق في متاهات اُخرى , كان الأشاعرة ـ صراحة ـ فيها أكثر سطحية وتلفيقاً ، فلو كانت صفة البقاء مستقلة عن الذات ، للزم أن يتوقف بقاء الله على شيء مستقل عنه , هو البقاء , والله باق بذاته لا بغيره , ولذا لزم أن تكون صفة البقاء هي هو من دون أن نلغيها , ولو كان الله في حاجة إلى غيره في البقاء ، إذن لكان ممكناً غير واجب ، وتكون صفة البقاء هي الواجب وفق هذا القول ، وعلى هذا الرّأي الشّيعة .
فيما رأى الأشاعرة : أنّ الله تعالى باق بالبقاء(2) . والغريب عندما رأوا أنّه باق ببقاء ليس هو .
ونلخص إلى القول ، بأنّ الشّيعة وقفوا موقف الوسط في مسألة الصفات ، فيما غلا كلّ من الأشاعرة والمعتزلة ، كما صوّر ذلك الشّاعر :
الأشعريُّ (بازديادٍ) قائلٌ وقال (بالنِّيابةِ) المعتزلُ
فالأشاعرة أثبتوا كلّ الصفات الزائدة ، ونفى المعتزلة الصفات وقالوا بالنّيابة ، فيما قال الشّيعة بثبوت الصفات العينية دون أن يلغوها .
وفي نهج البلاغة يقول الإمام عليّ (عليه السّلام) : (( أوّل الدين معرفته ، وكمال معرفته التصديق به , وكمال التصديق به توحيده ، وكمال توحيده الإخلاص له , وكمال الإخلاص له نفي الصفات عنه , لشاهدة كلّ صفة إنّها غير الموصوف ، وشهادة كلّ موصوف إنّه غير الصفة . فمَن وصف الله سبحانه فقد قرنه ، ومَن قرنه فقد ثنّاه ، ومَن ثنّاه فقد جزّأه , ومَن جزّأه فقد جهله ، ومَن جهله فقد أشار إليه ، ومَن أشار إليه فقد حدّه، ومَن حدّه فقد عدّه ، ومَن قال فيم ؟ فقد ضمنه ، ومَن قال علام ؟ فقد أخلى منه . كائن لا عن حدث ، موجود لا عن عدم , متوحّد إذ لا سكن يستأنس به ولا يستوحش لفقده )) .
ونلاحظ أنّ الإمام عليّ (عليه السّلام) تكلّم بنفي الصفات ، وهو بالطبع لا يقول بما قالت به المعتزلة فيما بعد ، وإنّما يعني نفي الصفات الزائدة التي تنافي كمال الذات .
يقول مرتضى المطهري : وصف نهج البلاغة ذات الله سبحانه بالأوصاف الكمالية ، وفي نفس الوقت نفى مقارنته بالصفات الزائدة على ذاته , والمعتزلة ينفون عنه كلّ صفة ، والأشاعرة يصفونه بكلّ صفة زائدة على ذاته(1). والرّأي الوسط هو الرّأي الموضوعي؛ لأنّه لا ينفي صفات أثبتها البارئ في كتابه ، ولا يجمع بين الذات والصفات الزائدة وينسب لها القدم والوجوب ، فيطرق بذلك باباً للشرك .
ـ ( وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ )(1) .
وانطلاقاً من روح القرآن نستلهم حقيقة العدل الإلهي ، وبأنّ الوجود قائم عليه ، بخلاف ما ذهب إليه الأشاعرة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) نهاية الحكمة / 289 , مؤسسة النّشر الإسلامي ، قم .
(2) شرح التجريد للقوشجي .