وأقبل الفرس يدور حوله ويلطّخ ناصيته بدمه(1) فصاح ابن سعد : دونكم الفرس ؛ فإنّه من جياد خيل رسول الله (ص) . فأحاطت به الخيل ، فجعل يرمح برجلَيه حتّى قتل أربعين رجلاً وعشرة أفراس . فقال ابن سعد : دعوه لننظر ما يصنع . فلمّا أمِن الطلب أقبل نحو الحسين (ع) يمرّغ ناصيته بدمه ويشمّه ويصهل صهيلاً عالياً(2) ، قال أبو جعفر الباقر (ع) : (( كان يقول : الظليمة ، الظليمة ، من اُمّة قتلتْ ابن بنت نبيّها )) . وتوجّه نحو المخيّم بذلك الصهيل(3) ، فلمّا نظرن النّساء إلى الجواد مخزياً والسّرج عليه ملويّا خرجن من الخدور ناشرات الشعور ، على الخدود لاطمات وللوجوه سافرات ، وبالعويل داعيات ، وبعد العزّ مذللات ، وإلى مصرع الحسين (ع) مبادرات(4) .
فـواحـدة تـحنو عـليه تـضمّه واُخـرى عـليهِ بـالرداء تـظلّل
واُخرى بفيض النّحر تصبغ وجهها واُخـرى تـفدّيه واُخـرى تـقبّل
واُخـرى عـلى خوفٍ تلوذ بجنبه واُخرى لِما قد نالها ليس تعقل(5)
ونادت اُم كلثوم زينب العقيلة : وآ محمداه ! وآ أبتاه ! وآ علياه ! وآ جعفراه ! وآ حمزتاه ! هذا حسين بالعراء صريع بكربلاء(6) . ثمّ نادت : ليت السّماء اُطبقت على الأرض (7) ! وليت الجبال تدكدكت على السّهل(8) ! وانتهت نحو الحسين (ع) وقد دنا منه عمر بن سعد في جماعة من أصحابه ، والحسين يجود بنفسه . فصاحت : أي عمر ، أيُقتل أبو عبد الله وأنت تنظر إليه ؟! فصرف بوجهه عنها ودموعه تسيل على لحيته(9) . فقالت : ويحكم أما فيكم مسلم ؟! فلَم يُجبها أحد(10) . ثمّ صاح ابن سعد بالنّاس : انزلوا إليه وأريحوه . فبدر إليه شمر فرفسه برجله ، وجلس على صدره وقبض على شيبته المقدّسة وضربه بالسّيف اثنتى عشرة ضربة(11) واحتزّ رأسه المقدّس .
**********************
(1) أمالي الصدوق / 98 ، المجلس الثلاثون ، ومقتل الخوارزمي / 37 ، وتظلّم الزهراء (عليها السّلام) / 128 .
(2) تظلّم الزهراء (عليها السّلام) / 129 ، والبحار 10 / 205 .
(3) مقتل الخوارزمي 2 / 37 .
(4) زيارة النّاحية المقدسة .
(5) من قصيدة للحاج هاشم الكعبي .
(6) البحار 10 / 206 ، ومقتل الخوارزمي 2 / 37 .
(7) الطبري 6 / 259 .
(8) اللهوف / 73 .
(9) كامل ابن الأثير 4 / 32 ، وتاريخ الطبري 6 / 259 الطبعة الاُولى .
(10) الإرشاد .
(11) مقتل العوالم / 100 ، ومقتل الخوارزمي 2 / 36 وما بعدها .
المصدر : مقتل الحسين للمقرم
قصة جواد الامام الحسين عليه السلام في ظهيرة عاشوراء
- الزيارات: 2629