المجلس التّاسع والتّسعون
روي أنّه كان السّبب في ابتلاء الله يعقوب (عليه السّلام) بفراق ولده يوسف (عليه السّلام) : أنّ يعقوب (عليه السّلام) ذبح كبشاً ، وأنّ سائلاً مؤمناً صوّاماً غريباً اجتاز على بابه عشيّة جمعة , فاستطعمهم وهم يسمعون فلم يُصدّقوا قوله , فلمّا يئس أنْ يُطعموه وغشيه الليل استرجع واستعبر وشكا جوعه إلى الله تعالى , وبات طاوياً وبات يعقوب وآله بطاناً , فكان يعقوب ـ بعد ذلك ـ إذا أراد الغداء أمر مُناديا فنادى : ألا مَن أراد الغداء من المساكين فليتغدّ مع يعقوب . وإذا كان صائماً أمر منادياً فنادى ألا مَن كان صائماً فليفطر مع يعقوب .
ولمّا كان مقام النّبوة أعلى المقامات عند الله تعالى , فقد يبتلي الله الأنبياء بالشّدائد في الدّنيا ؛ لأجل تركهم للأولى ويعاتبهم على ذلك .
ولكن انظر لترى الفرق بين ما جرى ليعقوب وولده , وما جرى لأمير المؤمنين علي وزوجته البضعة الزّهراء وولديه الحسنين (عليهم السّلام) حين تصدّقوا بزادهم على المسكين واليتيم والأسير ، وطووا ثلاثة أيام صائمين .
روى صاحب الكشّاف في تفسير قوله تعالى : ( يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرّهُ مُسْتَطِير * وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَى حُبّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِير * إِنّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُوراً )(1) . عن ابن عباس رضي الله عنه : أنّ الحسن والحسين (عليهما السّلام) مرضا فعادهما رسول الله في ناس معه , فقالوا : يا أبا الحسن لو نذرت على ولديك . فنذر عليٌ وفاطمة وفضّة جارية لهُما , إنْ برءا ممّا بهما أنْ يصوموا ثلاثة أيام . فشفيا وما معهم شيء , فاستقرض علي (عليه السّلام) من شمعون الخيبري ثلاثة أصوع من شعير , فطحنت فاطمة (سلام الله عليها) صاعاً واختبزت خمسة أقراص على عددهم , فوضعوها بين أيديهم ليفطروا , فوقف عليهم سائل فقال : السّلام عليكم أهل بيت محمّد , مسكين من مساكين المُسلمين ، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجّنة . فآثروه وباتوا لم يذوقوا إلاّ الماء ، وأصبحوا صياماً ، فلمّا أمسوا ووضعوا الطّعام بين أيديهم , وقف عليهم يتيم فآثروه , ووقف عليهم أسير في الثّالثة ففعلوا مثل ذلك .
فليت أمير المؤمنين والزّهراء (عليهما السّلام) اللَذين تصدّقا بقوتهما وقوت ولديهما على المسكين واليتيم والأسير , لا غابا عن يتامى ولدهما الحسين (عليه السّلام) يوم كربلاء وقد باتوا ليلة الحادي عشر من المُحرّم وهم جياعى عُطاشى , بلا مُحامٍ ولا كفيل غير زينب والعليل .
ليت الاُولى اطعموا المسكين قوتَهمُ وتالييه وهم في غـاية السّغبِ
يـرون بالطّـف أبناءً لهم أُسرتْ يستصرخون من الآباء كلّ أبي
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(1) سورة الإِنسان / 7 ـ 9 .
المجلس التّاسع والتّسعون
- الزيارات: 873