• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المجلس السّابع والعشرون بعد المئة

 

المجلس السّابع والعشرون بعد المئة
كان السّبب في غزاة تبوك ـ وهي آخر غزواته ـ أنّ النّبي بلغه أنّ هرقل ملك الرّوم ومَن معه من نصارى العرب قد عزموا على قصده , فتجهّز للقائهم , وكان النّاس في عسرة فسمّي ذلك الجيش جيش العسرة . فأمر رسول الله أهل الغنى أنْ يعينوا الفقراء , وكان المسلمون خمسة وعشرين ألفاً عدا العبيد والأتباع , وكان إذا أراد الغزو لا يخبر أحداً إلاّ في هذه الغزاة , فاخبرهم لبُعد المسافة ليستعدّوا , ولم يقع في هذه الغزاة قتال وإنّما أرسل بعض السّرايا , فحصلت منواشات يسيرة , وصالح كثير منهم على الجزية ورجع .
ولمّا خرج رسول الله إلى غزاة تبوك خلّف عليّاً (عليه السّلام) على المدينة ؛ لأنّه خاف عليها من المنافقين لبُعد المسافة ؛ ولأنّ الله تعالى أخبره أنّه لا يكون قتال . فقال المنافقون : إنّما خلّفه استثقالاً له . فلمّا بلغ ذلك أمير المؤمنين (عليه السّلام) , أخذ سلاحه ولحق بالنّبي فاخبره بقول المنافقين , فقال : (( كذبوا , إنّما خلّفتك لما ورائي فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك , فإنّ المدينة لا تصلح إلاّ بي أو بك , فانت خليفتي في أهل بيتي ودار هجرتي ؛ أما ترضى أنْ تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ؟ )) . فرجع .
وتخلّف عنه في هذه الغزاة كثير من المنافقين وجماعة من المؤمنين , منهم كعب بن مالك ومرارة بن الرّبيع وهلال بن اُميّة , من غير شكّ ولا نفاق ، كانوا يقولون نخرج غداً أو بعد غد حتّى رجع رسول الله فنهى عن كلامهم , فلم يكلّمهم أحد حتّى نساؤهم فكانت تاتيهم بالطّعام ولا تكلّمهم .
فخرجوا إلى جبل بالمدينة ثُمّ قالوا : إنّ النبي نهى عن كلامنا فلماذا يكلّم بعضنا بعضاً ؟ فتفرّقوا وحلفوا أنْ لا يكلم أحد صاحبه حتّى يموتوا أو يتوب الله عليهم . فبقوا على ذلك خمسين ليلة ، وفيهم أنزل الله تعالى : ( وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لاَ مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ )(1) .
 وكان ممّن تخلّف عن النّبي (صلّى الله عليه وآله)
أبو خيثمة ومراده أنْ يلحق به , وكانت له زوجتان وعريشان , ففرشت زوجتاه عريشيه وبرّدتا له الماء وهيّأتا له طعاماً , فلمّا نظر إليهما قال : لا والله , ما هذا بانصاف ، رسول الله قد خرج في الحرّ والرّيح يجاهد في سبيل الله وأبو خيثمة قاعد في عريشه ! فلحق برسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، فنظر النّاس إلى راكب فأخبروا رسول الله (صلّى الله عليه وآله) . فقال : (( كنْ أبا خيثمة )) . فاقبل وأخبر النّبي (صلّى الله عليه وآله) بما كان , فجزاه خيراً ودعا له .
وكان ممّن تخلّف أبو ذر ؛ لأنّ جمله كان أعجف ، فلحق به بعد ثلاثة أيام . ووقف عليه جمله في الطّريق فتركه وحمل ثيابه على ظهره , فلمّا ارتفع النّهار ، نظر المسلمون إلى شخص مقبل , فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله)
: (( كنْ أبا ذر )) . فقالوا : هو أبو ذر . فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : (( أدركوه بالماء فإنّه عطشان )) . فأدركوه بالماء .
هكذا جرت العادة , إنّ كلّ من يقبل وهو عطشان يؤتى له بالماء خصوصاً في حال الحرب إلاّ علي الأكبر , فإنّه لمّا رجع من الحرب إلى أبيه الحسين (عليه السّلام) وهو عطشان , جعل يقول : يا ابتِ , العطش قتلني وثقل الحديد أجهدني . فلم يؤت له بالماء ، لماذا ؟ ألم يكن عزيزاً على الحسين (عليه السّلام) فيامر له بالماء ؟ بلى والله , قد كان عزيزاً عليه وفلذة من كبده , ولكن الماء قد كان ممنوعاً عن الحسين (عليه السّلام) وأطفاله من قبل ثلاثة أيام .
وتدل الرّواية أنّه قد تكرّر من علي الأكبر طلب الماء من أبيه , يقول الرّاوي : فجعل علي الأكبر يشدّ على القوم ثُمّ يرجع إلى أبيه , فيقول : يا ابت , العطش . فيقول له الحسين (عليه السّلام) : (( اصبر حبيبي , فإنّك لا تمسي حتّى يسقيك رسول الله بكأسه )) .
قضوا عطشاً يا للرجال iiودونهمْ  شـرائعُ لـكن ما اُبيح iiورودُها
يعزّ على المختار أحمدَ أنْ يرى  عداها عن الورد المُباح iiتذودُها
تـموتُ ظـماً شبّانها iiوكهولُها  ويفحص من حرِّ الأوام iiوليدُها
ووافى أبو ذر رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ومعه أداوة فيها ماء , فقال رسول الله : (( يا ابا ذر ، معك ماء وعطشت ؟ )) . فقال : نعم يا رسول الله بأبي أنت واُمّي ! انتهيت إلى صخرة وعليها ماء السّماء ، قذفته فإذا هو عذب بارد , فقلت لا اشربه حتّى يشربه حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) .
لنعم الإيثار إيثار أبي ذر رضي الله عنه لرسول الله بالماء على نفسه وهو عطشان ! ولكن أين هو من إيثار أبي الفضل العبّاس لأخيه الحسين (عليه السّلام) بالماء يوم عاشوراء ؟ وذلك لمّا جاء إلى أخيه الحسين (عليه السّلام) واستأذنه في القتال , فقال له الحسين (عليه السّلام) : (( أنت حامل لوائي )) . فقال : لقد ضاق صدري وسئمت الحياة . فقال له الحسين (عليه السّلام) : (( إنْ عزمت فاستسق لنا ماء )) .
فأخذ قربته وحمل على القوم حتّى ملأ القربة , واغترف من الماء غرفة ثُمّ ذكر عطش أخيه الحسين (عليه السّلام) فرمى بها ، وقال :
يا نفسُ من بعد الحسين هوني  وبعده لا كنتِ أنْ تكوني
هذا الحسـيـنُ واردُ المنـونِ  وتشربيـن بـاردَ المعين
ثُمّ عاد ، فأخذوا عليه الطّريق ، فجعل يضربهم بسيفه وهو يقول :
لا أرهب الموتَ إذا الموت رقى  حتّى اُوارى في المصاليت لُقى
إنّي أنا العبّاسُ أغـدو بالسّقا  ولا أهاب الموتَ يـوم الملتقى
فضربه حكيم بن الطّفيل الطّائي السّنبسي على يمينه فبراها , فأخذ اللواء بشماله وهو يقول :
واللهِ إنْ قطعتمُ يميني  إنّي اُحامي أبداً عن ديني
فضربه زيد بن ورقاء الجهني على شماله فبراها , فضمّ اللواء إلى صدره ـ كما فعل عمّه جعفر , إذ قطعوا يمينه ويساره في حرب مؤتة فضمّ اللواء إلى صدره ـ وجعل العبّاس يقول :
ألا ترَون معشر الفجّارِ  قد قطعوا ببغيهم يساري
فحمل عليه رجل تميمي من أبناء ابن بن دارم فضربه بعمود على رأسه , فخرّ صريعاً إلى الأرض ونادى بأعلى صوته : أدركني يا أخي ! فانقضّ عليه أبو عبد الله كالصّقر , فرآه مقطوع اليمين واليسار ، مرضوخ الجبين ، مشكوك العين بسهم ، مرتثاً بالجراحة , فوقف عليه منحنياً وجلس عند رأسه يبكي حتّى فاضت نفسه , ثُمّ حمل على القوم فجعل يضرب فيهم يميناً وشمالاً , فيفرّون من بين يديه كما تفرّ المعزى إذا شدّ فيها الذّئب ، وهو يقول : (( أين تفرّون وقد قتلتم أخي ؟ أين تفرّون وقد فتتم في عضدي ؟ )) . ثُمّ عاد إلى موقفه منفرداً .
فـهنا لـكمْ ملك الشّريعة واتّكى  مـن فـوق قـائم سيفه iiفمقامُها
فـأبتْ نـقيبتُهُ الـزكيّة iiريـَّها  وحشا ابنِ فاطمةٍ يشبُّ iiضرامُها
وكـذلكمْ مـلأ الـمزادَ iiوزمَّـها  وانـصاعَ يرفلُ بالحديد iiهمامُها
حـسمتْ يديه يدُ القضاء iiبمبرمٍ  ويـدُ الـقضا لم ينتفض iiإبرامُها
واعتاقه شرَكُ الرّدى دون السّرى  إنّ الـمنايا لا تـطيش iiسـهامُها
 
ـــــــــــــــــــ
(1) سورة التوبة / 118 .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page