• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المجلس التّاسع والأربعون بعد المئة

 

المجلس التّاسع والأربعون بعد المئة
إنّ أمر الحسين (عليه السّلام) ليس حنكة سياسية وليس غفلة سياسية ، ليس واقعية اورومانتيكية ، إنّه أمر واضح تماماً يرتفع عن مستوى الغفلة أو الخيال . أذكى وأشرف رجل في عصره يقدّم نفسه ليوغل فيه أعداء القيم العليا ما شاء لهم انحدارهم ، كآخر ما يستطيع أنْ يصل إليه الشرّ ، فتكون الصّرخة التّي توقظ ضميراً خربوه بكلّ الوسائل .
وهكذا مضى الحسين (عليه السّلام) في طريقه إلى العراق ، فتخاذل عنه مَن تخاذل ، واختفى حوله صغار النّاس الذين ساروا في موكبه أول الطّريق حين علموا بخروجه إلى البيعة . لم يمضِ معه إلاّ هؤلاء الذين تمثّلت فيهم الثّورية بمعناها العميق ، ثورية التغيير الجذري للقيم ذاتها .
وتبلورت القوى الثّورية هُنا في هذه الجماعة الصّغيرة التّي تقطع الصّحراء ، مُتحدّية مُصمّمة ، ليس لها من أمل إلاّ في أنْ تعدى النّاس بالثّورة وإنْ تعدى بالذّات تلك الجيوش التّي قد تقطع عليها طريقها إلى العراق ، وهذا الأمل هو الذّريعة التّي يتذرّع بها الحسين (عليه السّلام) ليُحقق هدفه ، وهو الشّهادة في أكمل صوره .
وفي الطّريق يسأل (عليه السّلام) مجمعاً بن عبيد العامري ويجيبه : أمّا أشراف النّاس ، فقد اُعظمت رشوتهم ومُلئت فرائرهم ، فهم ألب واحد عليك ؛ وأمّا سائر النّاس فإنّ قلوبهم تهوي إليك ، وسيوفهم غداً مشهورة عليك .
وفي هذه الجملة تلخيص ذكي للقوى القائمة ، فكُبراء النّاس , هؤلاء الذين يملكون الثّروة ، لم يعد يهمّهم في شيء أنْ يخرج حفيد النّبي ، بل لعلّ خروجه يهمّهم من زاوية اُخرى ؛ وهو أنّ هذا الحفيد يُريد أنْ يُغيّر مراكز القوى , وأنْ يُعيد توزيع الثّروة ، وأنْ يمضي في نفس الطّريق الذي مضى فيه أبوه (عليه السّلام) ، فهو من هذه النّاحية عدو طبقي لا يُهمل خروجه في طلب البيعة ، إنّه الحسين بن علي ، ابن فاطمة الزّهراء ابنة رسول الله (عليهم السّلام) ، والسّلطة قوية ولتفعل ما تشاء .
ولكن السّلطة ليست بهذه البلاهة ، إنّها لا تُلقي بدمّ الحسين (عليه السّلام) على عاتقها وحدها , فمَن أراد أنْ يُدافع عن ثروته ، وعن مركزه الإجتماعي فليشترك في دمّ الحسين (عليه السّلام) . وسنرى أنّ رجالاً من هذه الطبقة اُهيب بهم أنْ يشتركوا في قتل الحسين (عليه السّلام) , وكانوا بين خوف من غضب السّلطة والشّك في ولائهم للمصلحة الطّبقية الواضحة ، وبين أنْ يأثموا بدمّ الحسين (عليه السّلام) . على أنّ الأمر لم تكن له هذه الخطورة ؛ فمن قبل قُتل علي (عليه السّلام) نفسه ، ومن بعده قُتل الحسن (عليه السّلام) مسموماً ، كما قُتل محمّد بن أبي بكر .
إنّ الإحساس بالإثم كان إحساساً هيّناً يمرّ بالخاطر مرّاً سريعاً , ولولا أنّ الحسين (عليه السّلام) بالذّات تربّى في حجر النّبي ، ولولا أنّه رجل يُمثّل الصّورة المُثلى للإسلام ، لما مرّ مثل هذا الخاطر بأحد . ومن النّاحية الاُخرى فإنّ سائر طبقات الشّعب قد بلغ بها القهر والشّك والخوف ما يجعلها تتردّد ألف مرّة في الثّورة ، وفي العراق بالذّات كان الرّجل يؤخذ بمجرد الشّبهة ، وسيرة زياد بن أبيه لم تُنسَ بعد ، فقد خطب فيهم خطبة خطيرة وردَ فيها أنّه سيأخذ البريء بالمُسيء .
لاقى شعب العراق صنوفاً من الضّغط لم يلقها شعب آخر ، جيلاً وراء جيل ،فكيف كان يُمكن لهذا الشّعب المطعون أنْ يهب لمُساندة الحسين (عليه السّلام) والخوف يقضي على كلّ كرامة ، وقد استطاع الحُكم الاُموي أنْ يزرع الخوف وأنْ يجعله القوت اليومي للشعب العراقي ؟! وبهذه الصّورة لم يكن لخروج الحسين (عليه السّلام) إلاّ معنى واحد هو الشّهادة .
وأي سياسي آخر غير الحسين (عليه السّلام) كان يستطيع تقدير الموقف ، وأنْ يتراجع في الوقت المُناسب ، أو يرى طريقاً آخر للكفاح ؟ أمّا التراجع ، فقد كانت فرصته أمامه حين شارف أرض العراق وجاءته أنباء مقتل رسوله مُسلم بن عقيل وانفضاض النّاس من حوله ؛ ومع ذلك فقد استمع باهتمام إلى واحد من صحبه يقول : ما أنت مثل مسلم بن عقيل ، ولو قدمت الكوفة لكان النّاس إليك أسرع .
واقتنع الحسين (عليه السّلام) ، لم يفكّر ولم يتدبّر موقفه . أكان ذلك عن سوء تدبير ؟ لا يستطيع أحد أنْ يحكم هُنا بسوء تدبير الحسين (عليه السّلام) ؛ فهو مُنذ تحرّك من مكّة كان يعلم أنّ الوضع قد بلغ الحدّ الذي يدفع إلى المواجهة إلى القتال الصّريح مهما تكن القوّة التّي تُجابهه ؛ وقد تأكّد له الموقف بعد ذلك حين أرسل قيساً بن مسهر الصّيداوي فقُتل هو الآخر ، ثُمّ عاد فأرسل عبد الله بن يقطر فاُلقي من شُرفات القصر .
أيّ شيء إذن كان يتوقّعه ؟! إنّه يلحّ في الإتصال بالشّعب ، فقد وضع أمله فيه وإنْ لم يستطع الاتصال به عن طريق الكتب ؛ إذ كان رُسله يُقتلون واحداً بعد الآخر ، فليس هُناك إلاّ أنْ يتصل بهم بحدث يُزلزل كيانهم . أهذا كان تفكير الحسين (عليه السّلام) ؟
ليس من الضّروري أنْ تكون هذه الفكرة واضحة في الذّهن ، يكفي أنْ تكون هي الموجّه لكلّ تصرّف ، وجميع تصرّفات الحسين (عليه السّلام) تؤكد أنّ مثل هذه الفكرة وراءها .
لم يكن أمامه إلاّ أنْ يتراجع ، وكان له أكثر من مُبرّر للتراجع ؛ فهؤلاء الذين كتبوا إليه يستقدمونه انفضّوا عن رسوله حتّى قُتل . وها هو ذا يرسل رُسلاً آخرين فلا يكون حظّهم خيراً من حظّه . فلماذا لم يتراجع ؟ إلاّ أنّه كان عليه عندئذ أنْ يمنح البيعة ليزيد ، وكانت هذه في رأيه أكبر الكبائر .
أيعتكف في حرم الكعبة ؟ وهل كان ليزيد أنْ يتحرّج عن قتله في قلب الحرم ؟
ليس أمامه إلاّ أنْ يمضي في طريقه , فهو يعلم تماماً أنّ ظهوره أمام الشّعب سوف يجمعهم حوله ، يعلم كيف يُحدّثهم وكيف ينزع الخوف من قلوبهم ، ولكن كيف يصل إلى مداخل العراق وعبيد الله بن زياد يرصد له الجيوش الآن ؟
إنّ الموقف لا يصعب تقديره على الرّجل العادي ، ومن المؤكّد أنّ الحسين (عليه السّلام) كان محيطاً به من كُلّ جوانبه ، وربّما خالجه ظنّ بأنّ أيّ جيش سيعترض طريقه لا يلبث أنْ يلين له حين يُخاطبه فيُزيل الغشاوة عن عينيه . هذا خاطر لازمه مع خاطر آخر لم يُفارقه ، وهو أنّه مقتول بغير شك ؛ إذ كان يُردّد أنّ الموت كُتب على ابن آدم . . .
كان يضع موته في كفّة وثقته في النّاس في كفة ، فهو لم يفقد الثّقة في الجوهر الكامن في النّفس الإنسانيّة ؛ ذلك الجوهر النّازع إلى الإرتقاء الرّوحي .
ومرّة اُخرى لم يتراجع الحسين (عليه السّلام) بل مضى في طريقه .

 


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page