الهجوم على المخيمات لسلب النساء
وبعد ما قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) بمدة قصيرة .. هجم جيش الأعداء بكل وحشية على خيام الإمام الحسين ( عليه السلام ) ، وهم على خيولهم !! حتى سحق سبعة من الأطفال تحت حوافر الخيل .. ساعة الهجوم (1) وقد سجل التاريخ أسماء خمسة منهم ، وهم :
بنتان للإمام الحسن المجتبى عليه السلام. (2)
طفلان لعبد الرحمن بن عقيل بن أبي طالب ، وإسمهما : سعد وعقيل. (3)
عاتكة بنت مسلم بن عقيل ، وكان عمرها سبع سنوات. (4)
محمد بن أبي سعيد بن عقيل بن أبي طالب وكان له من العمر سبع سنوات. (5)
نعم ، لقد كان الهجوم على العائلة ـ المفجوعة لتوها ـ بعيداً عن الرحمة والإنسانية ، وقد وصف التاريخ ذلك الهجوم بقوله :
وتسابق القوم على نهب بيوت آل الرسول ، وقرة عين الزهراء البتول ، حتى جعلوا ينزعون ملحفة المرأة عن ظهرها !! (6).
وكانت المرأة تجاذب على إزارها وحجابها .. حتى تغلب على ذلك. (7)
وخرجن بنات آل الرسول وحريمه يتساعدن على البكاء ، ويندبن لفراق الحماة والأحباء. (8)
قال حميد بن مسلم : رأيت امرأة من بني بكر بن وائل ـ كانت مع زوجها في عسكر عمر بن سعد ـ فلما رأت القوم قد اقتحموا على نساء الإمام الحسين في خيامهن ، وهم يسلبونهن ، أخذت سيفاً وأقبلت نحو الخيام وقالت :
« يا آل بكر بن وائل
اتسلب بنات رسول الله ؟!
لا حكم إلا لله !!
يا لثارات رسول الله !! »
فأخذها زوجها ، وردها إلى رحله. (9)
قالت فاطمة بنت الإمام الحسين عليه السلام :
« كنت واقفة بباب الخيمة ، وأنا أنظر إلى أبي وأصحابه مجزرين كالأضاحي على الرمال ، والخيول على أجسادهم تجول !!
وأنا أفكر فيما يقع علينا بعد أبي .. من بني أمية !
أيقتلوننا أم يأسروننا ؟
فإذا برجل على ظهر جواده ، يسوق النساء بكعب رمحه ، وهن يلذن بعضهن ببعض ، وقد أخذ ما عليهن من أخمرة وأسورة (10) وهن يصحن : « وا جداه ! وا أبتاه ! وا علياه ! وا قلة ناصراه ! واحسيناه !
أما من مجير يجيرنا ؟
أما من ذائد يذود عنا ؟ »
قالت : فطار فؤادي ، وارتعدت فرائصي ، فجعلت أجيل بطرفي (11) يميناً وشمالاً على عمتي أم كلثوم خشيةً منه أن يأتيني.
فبينا أنا على هذه الحالة وإذا به قد قصدني ، ففررت منهزمة ، وأنا أظن أني أسلم منه !! وإذا به قد تبعني ، فذهلت خشيةً منه ، وإذا بكعب الرمح بين كتفي ، فسقطت على وجهي فخرم أذني ، وأخذ قرطي ومقنعتي ، وترك الدماء تسيل على خدي ، ورأسي تصهره الشمس ، وولى راجعاً إلى المخيم وأنا مغشي علي !!
وإذا بعمتي عندي تبكي ، وهي تقول :
قومي نمضي ، ما أعلم ما جرى على البنات ، وعلى أخيك العليل ؟
فما رجعنا إلى الخيمة إلا وهي قد نهبت وما فيها.
وأخي : علي بن الحسين مكبوب على وجهه ، لا يطيق الجلوس من كثرة الجوع والعطش والأسقام ، فجعلنا نبكي عليه ويبكي علينا !! (12)
وروي عن السيدة زينب ( عليها السلام ) أنها قالت : كنت ـ في ذلك الوقت ـ واقفة في الخيمة إذ دخل رجل أزرق العينين (13) فأخذ ما كان في الخيمة ، ونظر إلى علي بن الحسين وهو على نطع من الأديم (14) وكان مريضاً فجذب النطع من تحته ، ورماه إلى الأرض !!
قال حميد بن مسلم : انتهيت إلى علي بن الحسين ، وهو مريض ومنبسط على فراش ، إذ أقبل شمر بن ذي الجوشن ومعه جماعة من الرجالة ، وهم يقولون [ له ] : ألا تقتل هذا العليل ؟
فهم اللعين بقتله ، فقلت : سبحان الله ! أتقتل الصبيان ؟! إنما هو صبي.
فلم يمتنع اللعين وسل سيفه ليقتله ، فألقت زينب ( عليها السلام ) بنفسها عليه وقالت : والله لا يقتل حتى أقتل.
فأخذ عمر بن سعد بيده وقال : أما تستحي من الله ، تريد أن تقتل هذا الغلام المريض ؟!
فقال شمر : قد صدر أمر الأمير عبيد الله بن زياد أن أقتل جميع أولاد الحسين.
فبالغ عمر في منعه ، فكف عنه. (15)
________________________________________
1 ـ كتاب « معالي السبطين » ج 2 ص 135 ، الفصل الخامس عشر ، المجلس الثاني عشر.
2 ـ معالي السبطين ، ج 2 ص 140.
كانت المرأة تمسك عباءتها وحجابها بقوة ، وكان الأعداء يسحبون ويجذبون عنها ذلك ، ويضربونهن على أيديهن بالعصي والسياط لكي يستطيعوا سلب ما عليهن من أزر ومقانع !! المحقق
3 ـ معالم السبطين ، ج 2 ، ص 135.
4 ـ نفس المصدر ، ص 135.
5 ـ نفس المصدر.
6 ـ الملحفة : الملاءة التي تلتحف بها المرأة ، كما في « أقرب الموارد ». ويعبر عنها ـ حالياً ـ بالعباءة والإزار. المحقق
7 ـ كتاب معالي السبطين ، الفصل الثاني عشر ، المجلس الثاني. أي :
8 ـ كتاب ( الملهوف ) لابن طاووس ، ص 181.
9 ـ نفس المصدر.
10 ـ أخمرة ـ جمع خمار ـ : ما تغطي به المرأة رأسها.
أسورة ـ جمع سوار ـ : حلية ـ كالطوق ـ تلبسها المرأة في زندها أو معصمها ، ويعبر عنها ـ أيضاً ـ : بالمعاضد.
11 ـ أجيل بطرفي : أدبر بعيني وبصري.
12 ـ بحار الأنوار للمجلسي ج 45 ص 61.
13 ـ وهو خولى بن يزيد الأصبحي. كما في كتاب ( اسرار الشهادة ) للدربندي الطبعة الحديثة ، ج 3 ص 129.
14 ـ النطع : بساط من الجلد يفرش تحت الإنسان. الأديم : الجلد المذبوغ.
15 ـ كتاب معالي السبطين ج 2 ، الفصل الثاني عشر ، المجلس الثاني. وكتاب أسرار الشهادة ج 3 ص 129.