قال الخوارزمي : أخبرنا الشيخ الإمام الزاهد أبو جعفر محمّد بن عمر بن أبي علي (كتابةً) , أخبرنا الإمام أبو الحسن زيد بن الحسن بن علي البيهقي ، أخبرنا السيد الإمام النقيب علي بن محمّد بن جعفر الحسني ، حدثنا السيد الإمام أبو طالب يحيى بن الحسين بن هارون الحسني ، أخبرنا أبي ، أخبرنا أبو أحمد إسحاق بن أحمد المقري بالكوفة , حدثنا عبدالله بن محمّد الأيادي ، حدثنا عمر بن مدرك ، حدثنا محمّد بن زياد المكي ، أخبرنا جرير بن عبد الحميد ، عن الأعمش ، عن عطية العوفي قال : خرجتُ مع جابر بن عبدالله الأنصاري زائراً قبر الحسين بن علي (عليه السّلام) ، فلمَّا وردنا كربلاء دنا جابر من شاطئ الفرات فاغتسل ، ثمّ اتّزر بإزار وارتدى بآخر ، ثمّ فتح صرّة فيها سعد فنثرها على بدنه ، ثمّ لم يخطُ خطوة إلاّ ذكر فيها الله تعالى ، حتّى إذا دنا من القبر قال : ألمسنيه يا عطية .
فألمسته , فخرَّ على القبر مغشيّاً عليه , فرششتُ عليه شيئاً من الماء ، فلمَّا أفاق قال : يا حسين ! يا حسين ! ـ ثلاثاً ـ , ثمّ قال : حبيبٌ لا يجيب حبيبه ، و أنَّى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك ! و فرّق بين رأسك وبدنك ! فأشهد أنّك ابن خاتم النبيين ، و ابن سيّد والوصيين ، وحليف التقوى ، وسليل الهدى ، و خامس أصحاب الكساء ، و ابن سيّد النقباء ، و ابن فاطمة سيّدة النساء .
و ما لَكَ لا تكون هكذا وقد غذّتك كفُّ سيّد المرسلين ، وربّيت في حجور المتّقين ، ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت حيّاً ، وطبتَ عيشاً , غير أنّ قلوب المؤمنين غير طيّبة بفراقك , ولا شاكّة في الخيرة لك ، فعليك سلام الله و رضوانه . فأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه يحيى بن زكريا .
قال عطية : ثمّ جالَ ببصره حول القبر ، فقال : السلام عليكم أيّتها الأرواح الطيّبة التي بفناء الحسين (عليه السّلام) أناخت برحله ، أشهد أنّكم قد أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، و أمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، و عبدتم الله حتّى أتاكم اليقين . فوالذي بعث محمداً (صلّى الله عليه وآله) بالحقِّ لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه .
قال عطية : فقلتُ لجابر : وكيف ولم نهبط وادياً ، ولم نعلُ جبلاً ، ولم نضرب بسيف ، والقوم قد فُرِّقَ بين رؤوسهم و أبدانهم ، وأُتِمَتْ الأولاد ، واُرملت الأزواج ؟!
فقال لي(1) : يا عطية , سمعت جدَّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال : (( مَن أحبَّ قوماً حُشر معهم ، و مَن أحبَّ عمل القوم أُشرك في عملهم )) .
احدر بي نحو أبيات كوفان ، فلمّا صرنا في بعض الطريق قال لي : يا عطية , هل أُوصيك و ما أظنني أنّني بعد هذه السفرة اُلاقيك ؟ أحِبَّ محبَّ آل محمّد ما أحبَّهم ، و أبغض مبغض آل محمّد ما أبغضهم و إن كان صوّاماً قوّاماً(2) .
___________________________________________
(1) وقد ذكرها في بحار الأنوار العلامة المجلسي 56/ 130 بتفصيل ، و أذكر منه المقطع الأخير تتميماً ِلما لم يذكر: . . . فقال لي : يا عطية , سمعت حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول : (( مَن أحبَّ قوماً حُشر معهم ، و مَن أحبَّ عمل القوم أُشرك في عملهم )) . والذي بعث محمداً بالحقِّ نبيّاً , إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضى عليه الحسين و أصحابه .
خذوا بي نحو أبيات كوفان . فلمَّا صرنا في بعض الطريق قال لي : يا عطية , هل اُوصيك و ما أظن أنّني بعد هذه السفرة ملاقيك ؟ أحِب مُحبّ آل محمّد ما أحبّهم ، و أبغض مبغض آل محمّد ما أبغضهم و إن كان صوّاماً قوّاماً ، و أرفق بمحبِّ آل محمّد ؛ فإنّه إن تَزَل [ لهم ] قَدَم بكثرة ذنوبهم ، ثبتت لهم اُخرى بمحبّتهم ، فإنّ محبَّهم يعود إلى الجنّة , و مبغضهم يعود إلى النار .
(2) مقتل الحسين (عليه السّلام) ـ الخوارزمي 2 / 190 ـ 191 .