• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

علي (عليه السلام) والعدل

 

علي (عليه السلام) والعدل
العدل: ما أحلى هذا الاسم عند النفوس المظلومة، وما أحبه إلى المضطهدين وما أبغضه عند الظالمين الذين يزاحم العدل منافعهم، وأرباحهم.
هذه الكلمة التي تتلهف إليها النفوس وعليها أساس الملك وبها نظام الاجتماع واعتداله، وإنني أعتقد أن أصعب قانون يمكن تطبيقه وتنفيذه في المجتمع هو قانون العدالة!! لاصطدام هذا القانون بنزعات الأقوياء الذين لو كانت العدالة موجودة لما كانوا أقوياء، وهؤلاء في طليعة المكافحين لهذه الفضيلة، والتاريخ والحس والوجدان شواهد على هذا، ولا أراني بحاجة إلى دليل.
ومن لوازم تطبيق العدالة وتنفيذها قوة الإيمان بالله تعالى والتقوى أولاً، وحزم وعزم فوق كل عاطفة واتجاه ومصانعة ثانياً وعدم الخوف من المشاكل المتوقعة، المحتمل وقوعها ثالثاً.
وقد توفرت هذه المؤهلات كلها في نفسية علي (عليه السلام) فهو الإيمان كله والتقوى المتجسدة، وهو أقوى رجل يستطيع السيطرة على أعصابه وعواطفه وهو الذي لا تأخذه في الله لومة لائم، وهو الحق المحض الذي لا يشوبه شيء، ونستطيع أن نقول: إن تطبع نفسية الإمام (عليه السلام) على العدالة والتزامه بها بالغاً ما بلغ هو السبب الوحيد الذي فرق عنه ذوي الأطماع والأغراض، وأخاف ذوي المناصب والكنوز التي كانت عصارة دماء المسلمين، وهدد الفسقة الفجرة الذين استوجبوا إقامة الحدود الإلهية وقطع آمال المستغلين وآماني حواشي السلاطين، وغير ذلك من الأمور التي تدرك ولا توصف، فاجتمعت هذه العوامل، وأججت نيران الحروب الداخلية ضد الإمام (عليه السلام).
إذ لولا عدالة علي (عليه السلام) لما ذهب أخوه عقيل إلى معاوية ولولا عدل أبي الحسن (عليه السلام) لما انضم طلحة والزبير إلى عائشة للمساهمة في تكوين حرب الجمل.
لو كان علي (عليه السلام) ظالماً لأمهل معاوية يتصرف في مقدرات المسلمين وما كانت حرب صفين.
وهكذا وهلم جراً، فإن كانت العدالة نغصت على علي (عليه السلام) عيشته وسلبته الراحة والاطمئنان، وجرت عليه النوائب فإن التاريخ الصحيح عرف لعلي (عليه السلام) هذه الفضيلة وشكره عليها، وإن كان بعض الشواذ يعتبرون العدالة منافية للسياسة، ويرون الأرجح تقديم السياسة على الدين عند التعارض، فإن علياً (عليه السلام) يضرب بالسياسة ـ التي تزاحم دين علي (عليه السلام) ـ عرض الجدار ويتبرأ منها.
وهو التلميذ الأول للرسول (صلّى الله عليه وآله) والمعلم الثاني للأمم عبر التاريخ، ولو كان علي (عليه السلام) يمشي وراء السياسة لعرفه التاريخ رجلاً سياسياً فحسب، وما كانت الملوك والعظماء يطأطئون هاماتهم أمام عظمته وينظرون إليه بكل تقدير وتقديس.
نذكر نماذج من تلك العدالة، ولا يسعنا الإسهاب في الكلام لضيق المجال، ولعلنا نستطيع التحدث عن هذه الفضيلة بصورة أوسع في مناسبة أخرى إن شاء الله.
دخل عمرو بن العاص على أمير المؤمنين (عليه السلام) ليلة وهو في بيت المال وكان الإمام ينظر في أموال المسلمين وحسابهم ودواوين العطاء وعنده سراج يضيء بنوره الضئيل، وقد اشترى زيت السراج من بيت المال، لأن السراج عائد لمصالح بيت مال المسلمين.
فلما دخل ابن العاص وأراد أن يتحدث مع الإمام في بعض الشؤون أطفأ الإمام السراج وجلس في ضوء القمر ولم يستحل أن يجلس في الضوء بغير استحقاق!! وبنى (عليه السلام) موضعاً تحبس فيه الإبل والغنم الضالة يقال له: (المربد) فكان يعلفها علفاً لا يسمنها ولا يهزلها من بيت المال.
فلمن أقام عليها بينة أخذها، وإلا أقرها على حالها.
وتظهر الحكمة في تحديد كمية علف الحيوانات، وهي رعاية الحيوان والمحافظة عليه ورعاية بيت المال والاهتمام به.
في الكافي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنه قال: بعث أمير المؤمنين (عليه السلام) مصدقاً من الكوفة (المصدق: عامل الزكاة التي يستوفيها) إلى باديتها وقال: يا عبد الله: انطلق، وعليك بتقوى الله وحده لا شريك له ولا تؤثرن دنياك على آخرتك، وكن حافظاً لما ائتمنك عليه، مراعياً لحق الله فيه حتى تأتي نادي بني فلان، فإذا قدمت فانزل بمائهم من غير أن تخالط أبياتهم ثم امض إليهم بسكينة ووقار حتى تقدم بينهم وتسلم عليهم ثم قل لهم: يا عباد الله أرسلني إليكم ولي الله لآخذ منكم حق الله في أموالكم فهل لله في أموالكم من حق فتؤدوه إلى وليه؟ فإن قال قائل لك: لا .
فلا تراجعه، وإن أنعم لك منهم منعم فانطلق معه من غير أن تخيفه أو تعده إلا خيراً، فإذا أتيت ماله فلا تدخله إلا بإذنه، فإن أكثره له، فقل: يا عبد الله أتأذن لي في دخول مالك؟ فإن أذن لك فلا تدخله دخول متسلط عليه فيه، ولا عنف به، فاصدع المال صدعين ثم خيّره أي الصدعين شاء، فأيهما اختار فلا تعرض له، ثم اصدع الباقي صدعين ثم خيره فأيهما اختار فلا تعرض له، ولا تزال كذلك حتى يبقى ما فيه وفاء لحق الله تبارك وتعالى في ماله، فإذا قبض يقرأ ذلك فاقبض حق الله منه وإن استقالك فأقله، ثم اخلطهما واصنع مثل الذي صنعت أولاً، حتى تأخذ حق الله في ماله، فإذا قبضته فلا توكل به إلا ناصحاً أميناً حفيظاً غير معنف بشيء منها، ثم احدر كلما اجتمع عندك من كل ناد إلينا فصيره حيث أمر الله عز وجل، فإذا انحدر فيها رسولك فأوعز إليه أن لا يحول بين ناقة وفصيلها ولا يفرق بينهما، ولا يمصرن لبنها فيضر ذلك بفصيلها ولا يجهد بها ركوباً، وليعدل بينهن في ذلك وليوردهن كل ماء يمر به، ولا يعدل بهن عن ليت الأرض إلى جواد الطريق في الساعة التي فيها تريح وتغبق، وليرفق بهن جهده حتى يأتينا بإذن الله سحاحاً سماناً غير متعبات ولا مجهدات، فنقسمهن بإذن الله على كتاب الله وسنة نبيه (صلّى الله عليه وآله) على أولياء الله فإن ذلك أعظم لأجرك وأقرب لرشدك، ينظر الله إليها وإليك وإلى جهدك ونصيحتك لمن بعثك وبعثت في حاجته، فإن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: ما ينظر الله إلى ولي له يجهد نفسه بالطاعة والنصيحة له ولإمامه إلا كان معنا في الرفيق الأعلى.
قال: ثن بكى أبو عبد الله (عليه السلام) ثم قال: لا والله ما بقيت لله حرمة إلا انتهكت، ولا عمل بكتاب الله وسنة نبيه في هذا العالم، ولا أقيم في هذا الخلق حد منذ قبض الله أمير المؤمنين (عليه السلام) ولا عمل بشيء من الحق إلى يوم الناس هذا، ثم قال: أما والله لا تذهب الأيام والليالي حتى يحيي الله الموتى ويميت الأحياء ويرد الله الحق إلى أهله ويقيم دينه الذي ارتضاه لنفسه ونبيه (صلّى الله عليه وآله)، فابشروا ثم ابشروا ثم ابشروا فوالله ما الحق إلا في أيديكم.
في البحار: روي أن سودة بنت عمارة الهمدانية دخلت على معاوية بعد موت علي (عليه السلام)، فجعل يؤنبها على تحريضها عليه أيام صفين، وآل أمره إلى أن قال: ما حاجتك؟ قالت: إن الله مسائلك عن أمرنا وما افترض عليك من حقنا، ولا يزال يتقدم علينا من قبلك من يسمو بمكانك، ويبطش بقوة سلطاتك فيحصدنا حصد السنبل ويدوسنا دوس الحرمل، يسومنا الخسف ويذيقنا الحتف، هذا بسر بن أرطأة قدم علينا فقتل رجالنا، وأخذ أموالنا، ولولا الطاعة لكان فينا عزة ومنعة، فإن عزلته عنا شكرناك وإلا كفرناك، فقال معاوية: إياي تهددين بقومك يا سودة؟ لقد هممت أن أحملك على قتب أشوس فأردك إليه فينفذ فيك حكمه، فأطرقت سودة ساعة ثم قالت:
صلى الإله على روح تضمنها           قبر فأصبح فيه العدل مدفــونا
قد حالف الحق لا يبغي به بدلا           فصار بالحق والإيمان مقرونا
فقال معاوية: من هذا يا سودة؟ قالت: هو والله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) والله لقد جئته في رجل كان قد ولاه صدقاتنا، فجار علينا، فصادفته قائماً يصلي، فلما رآني انفتل من صلاته ثم أقبل علي برحمة ورفق ورأفة وتعطف، وقال: ألك حاجة؟ قلت: نعم فأخبرته الخبر، فبكى ثم قال: اللهم أنت الشاهد علي وعليهم، وأني لم آمرهم بظلم خلقك، ثم أخرج قطعة جلد فكتب فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم.
قد جاءتكم بينة من ربكم فأوفوا الكيل والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها ذلك خير لكم إن كنتم مؤمنين، فإذا قرأت كتابي هذا فاحتفظ بما في يدك من عملنا حتى يقدم عليك من يقبضه منك، والسلام).
ثم دفع الرقعة إلي، فو الله ما ختمها بطين ولا خزنها، فجئت بالرقعة إلى صاحبه فانصرف عنا معزولاً، فقال معاوية: اكتبوا لها كما تريد، واصرفوها إلى بلدها غير شاكية.


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page