ثانياًً ـ موقف الإمام الصادق عليه السّلام من مهدوية الحسني :
إنّ ما يعنينا هنا هو موقف الإمام الصادق عليه السّلام من تلقيب محمد بن عبد الله بن الحسن بالمهدي ، وإشاعة ذلك بنحو أدّى إلى الالتفاف على إيمان الأمة بما بشّر به النبي صلّى الله عليه وآله بالمهدي الموعود المنتظر عليه السّلام ، وأما عن ثورتهم فلا يعنينا أمرها في بحثنا هذا بقدر ما يعنينا التركيز على موقف الإمام الصادق عليه السّلام المؤيّد والمساند لكل الانتفاضات العلوية ضد الحكم الجائر المتمثّل بالسلطتين الأموية والعباسية ، ولكنه في ذا الوقت كان عليه السّلام حريصًا على أن تتهيّأ الأجواء المناسبة لنجاح هذه الانتفاضة أو تلك ؛لكي تؤتي ثمارها في القضاء على الظلم والفساد وإفشاء العدل والمساواة بين الناس.
وهذا القدر لابدّ منه لكي لا يُفهم بأن الإمام الصادق عليه السّلام كان يقف ـ وحاشاه من ذلك ـ أمام الرغبة الصادقة في نيل شرف الشهادة بكل غال ونفيس من أجل إعلاء كلمة الله في أرضه ، ومقارعة الباطل بكل قوة وصلابة.
وقد كان أبو جعفر المنصور يعلم هذا جيداً ، ولهذا كان يصف الإمام الصادق عليه السّلام بأنه الشجى المعترض في حلقه (1).
نعم كان يعلم بأن الإمام الصادق عليه السّلام سوف ينهى محمد النفس الزكية من ادعاء المهدوية ، ولكنه لا يمنعه من إقامة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا ما استطاع إليه سبيلاً.
ولا شكّ أنه يتذكّر كلام الإمام الصادق عليه السّلام يوم كتب المنصور نفسه إليه عليه السّلام قائلاً : « لم لا تغشانا كما يغشانا سائر الناس ؟ فأجابه عليه السّلام : ليس لنا ـ من أمر الدنيا ـ ما نخافك من أجله ، ولا عندك من أمر الآخرة ما نرجوك له ، ولا أنت في نعمة فنهنيك بها ، ولا نراها نقمة فنعزّيك بها ، فما نصنع عندك ؟ قال فكتب له : تصحبنا لتنصحنا ، فأجابه عليه السّلام : من أراد الدنيا لا ينصحك ، ومن أراد الآخرة لا يصحبك » (2).
ولهذا نجد أول عمل قام به المنصور بعد قتله محمد بن عبد الله أنه استدعى الإمام الصادق عليه السّلام وغلظ عليه الكلام ثم قال : « يا جعفر ! قد علمت بفعل محمد بن عبد الله الذي يسمونه النفس الزكية ، وما نزل به ، وإنما انتظر الآن أن يتحرّك منكم أحد فألحق الصغير بالكبير » (3).
إن علم الإمام الصادق عليه السّلام بعد تحقّق الحدّ الأدنى المطلوب من ثورة محمد النفس الزكية قبل إعلانها ، وفشل حركته المحتم ، وما سيلحق ذلك من نتائج سياسية خطيرة على البيت العلوي عموماً ، وعلى الإمام الصادق عليه السّلام خاصة ، كان محفّزاً للإمام عليه السّلام أن يبين ما بينه لقادة الثورة وللمجتمع المدني يومذاك ، لعلّهم يتريثوا إلى حين تهيئة المستلزمات المطلوبة لنجاح الثورة.
ونكتفي بهذا القدر لنعود إلى معالجة القضية الأكبر التي لا زالت عند بعض المتخرّصين مادة للهجوم على الحقيقة المهدوية بحجة وجود أدعيائها الكثيرين في التاريخ الشيعي كما هو الحال في مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن ؛ لنرى كيف عالج إمامنا الصادق عليه السّلام تلك الدعوى وبين زيفها ، فنقول :
عبّر موقف الإمام الصادق عليه السّلام في ردوده على دعوى مهدوية محمد بن عبد الله بن الحسن تعبيراًً رائعاًً عن إمامته هو عليه السّلام أولاًًً ، وعن زيف تلك الدعوى ثانياًًً ، وعلى أكثر من صعيد ، كالآتي:
إخباره عليه السّلام القيادة الحسنية بنتائج تلك الدعوى وقتل صاحبها
تفهيم الناس بمصير المهدي الحسيني ومهدويته
تأكيده عليه السّلام على سبق دعوى المهدوية لزمان المهدي عليه السّلام
بيان الاختلاف بين هوية الإمام المهدي عليه السّلام وهوية ( المهدي الحسني )
1 ـ دلائل الإمامة / الطبري : 297 ـ 298 / 253 ( 89 ) ، والخرائج والجرائح / القطب الراوندي 2 : 640 ـ 641 / 47.
2 ـ التذكرة الحمدونية / ابن حمدون 1 : 113 ـ 114 / 230 ، وعنه الإربلي في كشف الغمّة 2 : 395 ، في مواعظ الإمام الصادق عليه السّلام.
3 ـ الفصول المهمّة / ابن الصباغ المالكي : 224.