• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

تمهيد


تمهيد
الحمد للَّه ربّ العالمين ، وأفضل الصلاة وأزكى السلام على النبيّ‏ المصطفى الأمين وعلى آله الميامين‏.
لا يخفى أنّ رسول اللَّه وأهل بيته (صلوات اللَّه عليه وعليهم) هم أحبُّ الخلقِ إلى اللَّه تبارك وتعالى ، وقد وهبهم اللَّه (جلّ وعلا) جميع الفضائل والكمالات والمبرّات ، ومنها : القتل في سبيل اللَّه (عزّ وجلّ) ، فذاك رزقٌ كريم لا يُلقّاه إلاّ ذو حظٍّ عظيم .
يقول النبيّ الأكرم (صلّى اللَّه عليه وآله) : (( فوق كلّ ذي بِرٍّ بِرٌّ حتّى يُقتَل الرجل في سبيل اللَّه ، فإذا قُتل في سبيل اللَّه (عزّ وجلّ) فليس فوقه برّ ))(1) . ويقول (صلّى اللَّه عليه وآله) أيضاً : (( أشرفُ الموت قتلُ الشهادة ))(2) .
بعد هذا ، لا يُتَصوَّر أن يوهب هذا الخير وذاك الفضل كثيرٌ من الناس ، ثمّ يُحرم منه أشرفُ الخلق عند اللَّه وأعزّهم عنده محمّدٌ وآله (صلوات اللَّه عليه وعليهم) .
ومن البيّن أنّ شهادتهم (عليهم السّلام)
هي أعلى‏ مقامات الشهادة في عالم الإمكان وأخلصها وأصفاها ، تبعاً لعلوّ منازلهم عند اللَّه (عزّ وجلّ) .
ولكي نقف على المحجّة الواضحة في توثيق الأمر حاولنا إقامة الأدلّة على ذلك ، وعرض البراهين التي تكفي إن شاء اللَّه تعالى في إقناع مَنْ ضاعت عليه هذه الحقيقة .
وقد ذكرنا في هذه الوريقات جملةً صالحة من النصوص على شهادة كلّ معصوم ، غير مدّعين الاستقصاء ؛ لأنّ استقصاء الروايات في هذا المضمار ، وبحثها متناً وسنداً يحتاج إلى بيان بعض مباني الاستدلال ، وأحوال كثير من الرجال ، والجمع بين وجوه المداليل ، وذلك يحتاج إلى مجال واسع جدّاً ، وهو غير ما عُقد له هذا الكتاب ؛ فإنّ المتوخّى منه هو دفع شُبهةِ بعض المنكِرين الذين حدا بهم جهلهم ، أو حقدهم إلى إنكار شهادة مَن سوى عليّ والحسين (عليهما السّلام) ، خالِطاً ـ جهلاً أو تجاهلاً ـ بين حُكْم الشهيد من عدم التغسيل والتكفين ، وبين حقيقة الشهادة التي هي معنىً إلهيّ خاصّ يُحبى به قومٌ خاصُّون .
وهذا المعنى مشتقّ من أحد المعاني اللغويّة التي تنطبق كلّها على المعصومين ، بل هم رأسها وعينها ولبُّ لبابها . قال الشيخ الأديب فخر الدين الطريحيّ : وفي حديث ذِكْر الشهيد « وهو مَنْ مات بين يدَي نبيٍّ أو إمامٍ معصوم ، أو قُتل في جهاد سائغ » ، قيل : سُمّي بذلك لأنّ ملائكة الرحمة تشهده ، فهو شهيد بمعنى مَشْهُود .
وقيل : لأنّ اللَّه وملائكته شهودٌ له في الجنّة .
وقيل : لأنّه ممّن استُشهد يوم القيامة مع النبي (صلّى اللَّه عليه وآله) على الأمم الخالية . ومن ذلك قوله تعالى : ( لِتكونوا شُهداءَ على النّاسِ ) ، حيث رُوي أنّ الأمم يوم القيامة يجحدون تبليغَ الأنبياء ، فيطلب اللَّهُ الأنبياءَ بالبيّنة على أنّهم قد بلّغوا ، فيُؤتى بأمّة محمّد فيشهدون لهم (عليهم السّلام) , وهو يزكّيهم .
وروي عن عليّ (عليه السّلام) أنّه قال : (( إيّانا عنى ؛ فرسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) شاهد علينا ، ونحنُ شهداءُ اللَّه على خلقه , وحجّته في أرضه )) .
وقيل : لأنّه لم يمت ؛ كأنّه شاهد ، أي حاضر ، أو لقيامه بشهادة الحقّ في اللَّه حتّى قُتل ، أو لأنّه يشهدُ ما أعدّ اللَّهُ له من الكرامة ، وغيره لا يشهدها إلى يوم القيامة ، فهو على هذه المعاني (فعيل) بمعنى (فاعل)(3) .
والمعصومون الأربعة عشر كلّهم شهداء بتصريحات تفاسير النبيّ وأهل البيت (صلوات اللَّه عليهم) للآيات القرآنيّة ، وكلمات رسول ‏اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) الناصّة على ذلك ، وبإخباراتهم هم (عليهم السّلام) بذلك ، وبتأكيدات الوقائع التاريخيّة ؛ فإنّهم جميعاً قُتلوا وسُمُّوا فذهبوا إلى اللَّه تعالى وكلٌّ منهم (شهيد).
فالشهيد إذاً مأخوذ من أحد المعاني الاشتقاقيّة اللغويّة آنفة الذِّكْر ، وهي منطبقة تماماً على المعصومين (عليهم السّلام) ، وعلى مَنْ قُتل بين أيديهم بشروط خاصّة ، غاية الأمر اختصاص المقتول بين أيديهم ببعض الأحكام ـ مثل عدم التغسيل والتكفين ـ التي لا مدخليّة لها في أصل ماهيّة الشهادة .
وهناك رهطٌ آخرون حُبُوا من اللَّه بثواب الشهيد لا بحقيقة الشهادة(4) ، وذلك في مثل قوله (صلّى اللَّه عليه وآله) : (( مَنْ مات على‏ حُبِّ آل محمّد مات شهيداً ))(5) ، وقوله (صلّى اللَّه عليه وآله) : (( إذا جاء الموت طالب العلم وهو على هذه الحال مات شهيداً ))(6) .
وقال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في خطبة له : (( فإنّه مَنْ مات منكم على فراشه وهو على معرفة حقّ ربِّه وحقِّ رسوله وأهلِ بيته مات شهيداً ، ووقع أجره على اللَّه ))(7) .
وذكر رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) من شهداء أمّته ـ غير الشهيد الذي قُتل في سبيل ‏اللَّه مُقبِلاً غير مُدْبر ـ الطعين ، والمبطون ، وصاحب الهدم ، والغرق ، والمرأة يعترض ولدها في بطنها فتموت ...(8).
وعلى كلّ حال ، فمَنْ نُصّ على أنّه يموت شهيداً حُملت شهادته على الحقيقة ـ كما في شهادات المعصومين (عليهم السّلام) ـ وإلاّ حملت على المجاز كما في المذكورين آنفاً .
وفي هذا الكتاب ـ على صغر حجمه ـ ستقف أخي القارئ إن‏ شاء اللَّه على حقيقة ناصعة مفادها أنّهم قُتلوا بالسيف ، أو سُمّوا من قِبَل ظالمي عصورهم وأزمنتهم ، وكثير من الروايات المذكورة هنا معتبرة ، ومنها الصحاح والحسان والموثّقة ، والبواقي تعتضد بها ، هذا كلّه في جانب .
وفي جانب آخر نرى النصوص التاريخيّة متظافرةً متوافرة ، وليس هناك دواعٍ ماديّة أو اجتماعيّة أو سياسيّة تحدو بالمؤرّخين لِذكْر مثل هذه المواضيع الخطيرة في أزمنة العسف والإرهاب ، والتي يكفي واحدٌ منها ـ لو عثرَت عليه السلطة ـ لأنْ يُودِي بحياة كاتبه ، أو يزيله عن منصبه واعتباره على أقلّ تقدير . ومع ذلك نرى جمهرة من المؤرّخين الشافعيّين والحنفيّين وغيرهم من أتباع المذاهب يؤكّدون حقيقةَ شهادة المعصومين (عليهم السّلام) .
ومع كلّ ما ذكرناه ، نؤكّد للقارئ الكريم أنّ ما نقَلْناه هنا هو أقلّ القليل ، وغيض من فيض ، توخّينا من خلاله الإشارة إلى حقيقة أنّهم (عليهم السّلام) قُتلوا بالسيف أو بالسمّ ، ولا أظنّ منصفاً يشكّ في هذه الحقيقة بعد وقوفه على هذا النزر اليسير .
وفي نهاية المطاف نودّ التنبيه على أنّنا ذكرنا بشي‏ء من التركيز بعضَ الشهادات لجهاتٍ خاصّة ، فما تراه من إخبارات نبويّة بشهادة أمير المؤمنين والحسين (عليهما السّلام) إنّما ذكرناه لعِظَم هاتينِ الفاجعتين اللّتَين أرّقتا عينَيْ رسول اللَّه (صلّى اللَّه عليه وآله) .
ومثل ذلك صنعنا في شهادة اُمّ أبيها الزهراء البتول (عليها السّلام) ؛ وذلك لحساسيّة هذا الموضوع ، وارتباطه بنسف أصل قواعد حكومة الظالمين الغاصبين ؛ ولأنّ ناعِقة نعقت مشكّكة بهذه الحقيقة الصارخة .

وقبل كلّ ذلك ، أطَلْنا بعض الشي‏ء في ذكر شهادة الرسول الأكرم (صلّى اللَّه عليه وآله) ، وأحلنا التفاصيل على الكتب والأبواب والفصول التي عُنِيت بذلك على الخصوص .
وفي ختام هذه التقدمة ، أرجو أن لا أكون قد حفتُ على أحد برأي أو فكرة ، كما أرجو أن لا يحيف أحدٌ عليَّ بذلك ، متقبّلاً كلَّ نقدٍ واعتراض شريطة أن يكون نقداً نزيهاً مطابقاً لموازين العلم .
والآن ننقل اليراع إلى أدلّة الشهادة ، فإلى‏ هناك :
ــــــــــــــــــــــ
(1) الكافي ـ للشيخ الكلينيّ 2 / 348 ـ باب العقوق ح 4 .
(2) أمالي الصدوق / 395 ـ الباب 74 , ح 1 . عنه : بحار الأنوار ـ للشيخ المجلسيّ 100 / 8 ح 4 .
(3) انظر مجمع البحرين 3 / 77 و 81 .
(4) أعمّ من كونها ذات أحكام مخصوصة أو ليست لها تلك الأحكام .
(5) تفسير الكشّاف 3 / 303 ، وتفسير الفخر الرازي 7 / 405 .
(6) بحار الأنوار 1 / 186 .
(7) نهج البلاغة / 204 ـ خ 190 .
(8) انظر دعائم الإسلام 1 / 225 ـ 226 , بأدنى تصرّف .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة

telegram ersali arinsta ar

١ ذوالقعدة الحرام

١- ذوالقعدة الحرام ١ـ ولادة كريمة أهل البيت فاطمة بنت موسى بن جعفر(س). ٢ـ غزوة بدر الصغرى. ٣ـ وفاة الاشعث ب...

المزید...

١١ ذوالقعدة الحرام

١١- ذوالقعدة الحرام ولادة ثامن الحجج، الامام السلطان ابوالحسن علي بن موسى الرضا المرتضى(ع) ...

المزید...

١٥ ذوالقعدة الحرام

١٥- ذوالقعدة الحرام نهاية الحكم الاموي وبداية الحكم العباسي ...

المزید...

٢٣ ذوالقعدة الحرام

٢٣- ذوالقعدة الحرام غزوة بني قريظة وتصفية يهود المدينة

المزید...

٢٥ ذوالقعدة الحرام

٢٥- ذوالقعدة الحرام ١) يوم دحو الارض ٢) خروج الرسول (ص) لحجة الوداع ٣) احضار الامام الرضا(ع) من الحجاز إلى ...

المزید...

٣٠ ذوالقعدة الحرام

٣٠- ذوالقعدة الحرام شهادة الامام الجواد(ع)

المزید...
012345
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page