• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ثالثاً: موقفه من الحركات المسلّحة

كان الإمام زين العابدين عليه السلام يخطو نحو أهدافه بحذر تامٍ، ووعي كامل، لا يُثيرُ انتباه الحكّام والولاة المغرورين، كي لا يقضوا على حركته وهي في المهد .
فهم ،بانهماكهم في ترفهم واغترارهم بقدراتهم، كانوا بعيدين عن الأجواء التي يصنعها الإمام عليه السلام، فكانوا يعدّون مواقفه شخصيّة خاصة وفرديّة، بل يستوحون منها الانصراف عن التصدّي لأيّ نشاط سياسيّ .
فلذلك لم يُظهر الإمام انتماءاً إلى أيّة حركة معارضة للدولة، ولم يسمح لها أن تتصل بالإمام، سواء الحركات المتحبّبة إليه، كحركة التوّابين وحركة المختار، أو الحركات المحايدة كحركة أهل الحرَة، أم المعادية له كحركة ابن الزبير في مكّة والعراق .
لكن الاَثار تشير إلى أن الإمام عليه السلام لم يكن في معزل عن تلك الحركات، سلباً أو إيجاباً، حسب قربها أو بعدها عن الأهداف الأساسية التي كان الإمام وراء تحقيقها وتثبيتها .
فهو من جهة كان يركّز على خططه العميقة والواسعة، بالشكل الذي يغرّر بالحكّام الأمويين بصحّة تصورّاتهم عن شغله وشخصه، حتّى أعلنوا عنه أنّه (الخير) .
ولعلّ رجال الدولة كانوا في رغبة شديدة في الاحتفاظ بهذا التصوّر، حتّى لا يتورّطوا مع آل أبي طالب بأكثر ممّا سبق، وليتفرّغوا لغير الإمام زين العابدين عليه السلام ممّن أعلن الثورة والمعارضة لهم كابن الزبير، فلذا نشروا هذا المعنى في عملية تحريف، ليدفعوا مجموعة من الناس للمشي بسيرة الإمام عليه السلام .
وقد وقف كتّاب من مؤرخي عصرنا الحاضر على هذه الاَثار، فأعلنوا: (أنّ الإمام عليه السلام تبنّى مسلكاً، يرفض فيه كلّ تحرك مناهض للسلطة، ويبتعد عن كلّ نشاط معادٍ لها) (89) .
مع أن الإمام زين العابدين عليه السلام كان يهدف من خلال مواقفه حتّى العبادية والعلمية والشخصية منها إلى تثبيت مخططاته السياسية كما عرفنا في الفصول السابقة .
وكان مع ذلك يتعامل مع الحركات السياسية الأخرى بشكل مدروس ومدبّر، حسب المواقع والظروف:
فبالنسبة إلى حركة الحرّة: .
وجدنا الإمام عليه السلام قد أحرز أنها حركةً لم تنبع عن مبدأ يتّفق وضرورات الموقف الإسلاميّ الصحيح، فلا القائمون بها كانوا من العارفين بحقّ الإمام عليه السلام، ولا خططهم المعلنة كانت أساسية، ولا أهدافهم كانت واضحة أو مدروسة، وأهم ما كانت عليه خطورةَ الموقع الذي اختاروه للتحرّك، وهو (المدينة) فقد عرّضوها للجيش الشامي الملحد، ليدنّس كرامتها ويستهين بمقدّساتها .
وقد عرفنا أن الإمام عليه السلام اتخذ موقف المنجي للمدينة المنكوبة ولأهلها الذين استباح حرماتهم الجيشُ الأمويّ .
ولم تكن حركة الحرّة تتبع أمر الإمام عليه السلام ولا قيادته بل ولا إشرافه، بل كان الإمام عليه السلام يومها في فترة لملمة قواه وتهيئة وضعه، والتأهّب لخطته المستقبلية .
كما سبق حديث عن ذلك كلّه في الفصل الأول (90) .
وأما فتنة ابن الزبير: .
فمع أن ابن الزبير لم يكن بأولى من ابن مروان، في الحكم والسيطرة، وأن طموحاته المشبوهة كانت مرفوضة لدى أهل الحقّ، وخاصّة للعلويين وعلى رأسهم الإمام زين العابدين عليه السلام .
ومع ما كان عليه من الحقد والعداء لاَل عليّ عليه السلام (91) ذلك الذي بدأه في حياته بدفع أبيه في أتون حرب الجمل، وقد حمّله الإمام الصادق عليه السلام ذلك الوزر في كلمته الشهيرة: (ما زال الزُبير منّا أهل البيت حتّى أدرك فرخه فنهاه عن رأيه) (92) .وبدأ في عهد سطوته العداء لاَل محمد عليهم السلام بصورة مكشوفة لمّا هدّد مجموعة منهم بالإحراق عليهم في شعب أبي طالب بمكة (93) .
وبلغ به حقده أنْ منع الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قائلاً: (إنّ له (أهيل سو) يشمخون باُنوفهم) حسب تعبيره الوقح (94) .
وكان بحكم معرفته بموقعيّة الإمام السجاد عليه السلام يضع العيون على الإمام يراقبون تصرّفاته (95) .
وقد قتل أخوه مصعب الشيعة بالعراق، حتّى النساء (96) .
فلذلك كان الإمام يظهر التخوّف من فتنته (97) .
ولعلّ من أوضح مبرّرات الإمام في تخوّفه من فتنة ابن الزبير أنّه اتّخذ مكّة موقعاً لحركته، مما يؤدي عند اندحاره إلى أن يعتدي الأمويون على هذه البلدة المقدَسة الاَمنة، وعلى حرمة البيت الحرام والكعبة الشريفة ? .
وقد حصل ذلك فعلاً .
مع أنَ علم الإمام عليه السلام بفشل حركته لضعفه وقلّة أنصاره بالنسبة إلى جيوش الدولة الجرّارة، كان من أسباب امتناع الإمام ومعه كل العلويين من الاعتراف بحركة ابن الزبير . وهو كان يؤكّد على أخذ البيعة منهم لكسب الشرعية أولاً، ولجرّهم معه إلى هاوية الفناء والدمار في ما لو اندحر، وقد كان متوقّعاً ذلك، فيقضي على آل محمد عليهم السلام فيكون قد وصل إلى أمنيته القديمة .
إن الإمام عليه السلام بإظهاره التخوّف من فتنة ابن الزبير، كان قد أحبط كلّ أهداف ابن الزبير وأمانيه الخبيثة تلك .
كما أنّ في هذا التصرّف تهدئةً لِوَغَرِ صدور الأمويين ضدّ آل محمّد عليهم السلام وشيعتهم، تمهيداً لتثبيت العقيدة وترسيخ قواعدها .
وبهذا حدّد الإمام عليه السلام موقفه من الحركات البعيدة عن خطّ الإمامة، والتي لم تنتهج اتّباع الإسلام المحمّدي الخالص الذي يحمله أئمة أهل البيت عليهم السلام .
فهو لم يظهر تجاهها ما يستفيده الأمويون، كما لم يؤيدها بحيث تكون ذريعة للأمويين على محاسبة الإمام عليه السلام .
ولا قام بما يعتبر وسيلة يتشبَث بها أولئك المتحرّكون غير الأصيلين في الفكر والعقيدة، والمشبوهون في الأهداف والمنطلقات .
فاتّخذ الإمام من هذه الحركات موقف الحزم والحيطة، فهي وإن لم تكن على المعلوم من الحقّ إلاّ أنها كانت معارضة للمعلوم من الباطل الحاكم، ومؤديّة إلى تضعيفه وزعزعته، وتحديد سطوته .
والإمام عليه السلام لا يهدف إلى مجرّد إحداث البلبلة، وتعويض فاسد بفاسد، أو نقل السلطة من ابن مروان، إلى ابن الزبير، أو ابن الأشعث، أو غيرهم من المتصدّين للحكم بالباطل، فتركهم الإمام عليه السلام يشتغل بعضهم ببعض حتّى ينكشف للأمة زيف دعواهم الإمامة والخلافة، ويظهر للأمة أنهم جميعاً لا يطلبون إلاّ الحكم والسلطة، دون صلاح الإسلام وإصلاح ما فسد من أمور المسلمين .
وأمّا موقفه من الحركات الاُخرى: .
فهي بفرض انّها قامت بشعارات حقّة .
.كحركة التوّابين في عين الوردة، وشعارهم (يالثارات الحسين) (98) وهم الذين تحالفوا على بذل نفوسهم وأموالهم في الطلب بثأر الحسين عليه السلام ومقاتلة قتلته وإقرار الحقّ مقرّه في رجل من آل بيت نبيّهم صلوات الله عليه وسلامه (99) .
وكحركة المختار الذي كتب إلى الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام يريده على أن يُبايع له، ويقول بإمامته، ويظهر دعوته، وأنفذ إليه مالاً كثيراً (100) وتتَبع قتلة الحسين عليه السلام فقتلهم (101) .
ولكنّ الإمام عليه السلام كان حكيماً في تعامله مع المتحرّكين أولئك، فلم يعلنْ عن ارتباطه المباشر بهم، وكذلك لم يعلن عن رفض حركتهم , مثلما واجه ابن الزبير، بل أصدر بياناً عاماً، يصلح لتبرير الحركات الصالحة، من دون أن يترك آثاراً سيئة على الإمام عليه السلام: فقال لعمّه محمد بن الحنفية: (يا عمّ، لو أنّ عبداً تعصّب لنا أهلَ البيت، لوجب على الناس مؤازرته، وقد ولَيتك هذا الأمر، فاصنع ما شئت) (102) .
إن تولية الإمام عليه السلام لعمّه في القيام بأمور الحركات الثوريّة تلك كان هو الطريق الأصلح، حيث أن محمّد بن الحنفيّة لم يكن متّهما من قبل الدولة بالمعارضة، ولم يُعْرَف منه ما يشير إلى التصدي للإمامة لنفسه، بينما الإمام عليه السلام كانت الدولة تتوجّس منه خيفةً باعتباره صاحب الدم في كربلاء، والمؤهّل للإمامة، لعلمه وتقواه وشرفه، ولم يخفَ على عيون الدولة أنّ جمعاً من الشيعة يعتقدون الإمامة له . وبذلك كان الإمام عليه السلام قد حافظ على وجوده من أذى الأمويين واستمرّ على رسم خططه والتأكيد على منهجه لإحياء الدين وتهيئة الأرضيّة للحكم العادل .
وهو مع ذلك لم يقطع الدعم عن تلك الحركات التي انتهجت الثأر لأهل البيت عليهم السلام .
فلمّا أرسل المختار برؤوس قتلة الإمام الحسين عليه السلام إلى الإمام السجّاد عليه السلام، خرّ الإمام ساجداً، ودعا له، وجزّاه خيراً (103) .
وقام أهل البيت كافّة بإظهار الفرح، وترك الحداد والحزن، ممّا يدلّ على تعاطفهم عملياً، وعلنيّاً مع المختار وحركته . ولو نظرنا إلى هذا العمل، نجده لا يُثير من الأمويين كثيراً من الشكوك تجاه الإمام، إذ من الطبيعي أن يفرح الموتور بقتل ظالمه، ويدعو لمن قتله وانتقم منه وثأر لدماء الشهداء خصوصاً، إذا اقترن مع رفض الإمام عليه السلام لقبول هدايا المختار المادّية (104) .
فإنّ ذلك يدلّ بوضوح على أن الإمام عليه السلام لا يريد التورّط سياسيّاً مع حركة بعيدة عنه جغرافيّاً، ولم تلتق مع أهدافه البعيدة المدى حضارياً وتاريخيّاً . ولا تعدو أن تكون فوزاً أو بُروزاً مقطعيّاً فقط . وأمّا ما ورد عن الإمام زين العابدين عليه السلام من أحاديث في ذمّ المختار أو لعنه: .
فالذي يوجّهه أنّ الحكّام الظلمة عامّةً وبني أمية خاصّة استعملوا أساليب التزوير والاتّهامات الباطلة ضدّ معارضيهم بغرض إسقاط المعارضة في نظر العامة .
قد استهدفوا شخص المختار وأصحابه بأشكال من الاتهامات التي تعبُر على أذهان العوام، مثل السحر والشعوذة، كما اتّهموه بدعوى النبوّة، والاُلوهية، وما أشبه ذلك من الخرافات، سعياً في إبطال مفعول حركته، وإبعاد الناس عنه، والتشويش على نداءاته وشعاراته بالطلب بثارات الحسين عليه السلام وتأسّفه على قتله، وإعلانه عن هويَة القاتلين، وحمايته لبني هاشم من الأذى .
ولقد تواترت أخبار البلاطيّين، واتّهامهم إيّاه على طريقة (اكذب ثم اكذب ثم اكذب حتّى يصدّقك الناس) وقد ملئت الصحف والكتب والأخبار بتلك الأكاذيب، حتّى صدّقها الناس فعلاً !!.
وإذا كان المختار بتلك المنزلة التي أبداها الحكّام والنقلة والرواة والمؤرّخون، وكان من أخبارهم الموحشة عنه ما ملأ مسامع الناس وأفكارهم: أنّه ساحر، كذّاب على الله ورسوله، مدّعٍ للنبوّة، وما إلى ذلك من الترّهات والأكاذيب .
إذا كان المختار عند العامة بهذه المنزلة، فهل يجوز للإمام عليه السلام أنْ يدافع علناً عن حركته ? أو أنْ يسكت إذا سُئِلَ عنه ? .
إنّ إظهار التعاطف معه، ولو بأدنى شكل، كانت الدولة تستغلّه لضرب الإمام عليه السلام وتشويه سمعته عند العامة العمياء . فلا نستبعد أن يكون الإمام عليه السلام قد أصدر ضدّ ما يعرفه الناس عن المختار، ما يبرّى ساحة الإمام عليه السلام من الموافقة عليه، أو السكوت عنه، ففي الخبر: قام الإمام عليه السلام على باب الكعبة يلعن المختار !.
فقال له رجل: يا أبا الحسين، لِمَ تسبه ? وإنّما ذُبِحَ فيكم ? .
قال الإمام عليه السلام: إنّه كان كذّاباً، يكذب على الله ورسوله (105)
فلو صحَ هذا الخبر، فإنّ وقوف الإمام عليه السلام على باب الكعبة، وإعلانه بهذا الشكل عن ذمّ المختار ولعنه، لا يخلو من قصد أكثر من مجرّد اللعن حيث أنّ في ذلك دلالة واضحة على إرادة مجرّد الإعلان بذلك وتبيينه للناس . وفي قول المعترض: (ذُبِحَ فيكم) الهدف السياسيّ من تلطيخ سمعة أهل البيت عليهم السلام وتوريطهم بما لطّخوا به سمعة المختار . إذ لا يصدر مثل هذا الاعتراض، وهذا الإعلان، عن شخص غير مغرض في مثل ذلك الموقف .
ثمّ إنّ ما ورد من أمثال هذه الأحاديث، المشتملة على ذمّ المختار من قبل أهل البيت عليهم السلام ورواتهم، إنّما رواها رجال الدولة وكتّابهم ومؤرّخو البلاط، مما يدّل على أن المستفيد الوحيد من ترويجها هم أولئك الذين يرتزقون من الارتباط بالدولة . هذا لو صحّت تلك الأحاديث والنقول .
وإلاّ، فهل يشكّ أحد من دارسي التاريخ في أنّ المختار تحرّك بشعار الأخذ بثارات الحسين عليه السلام وقد وصفه زوجتاه بعد قتله بأنّه (رجل يقول ربّي الله، كان صائم نهاره، قائم ليله، قد بذل دمه لله ولرسوله في طلب قتلة ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهله وشيعته، فأمكنه الله منهم حتّى شفى النفوس) (106) .
وقتل معه سبعة آلاف رجل كلّهم طالبون بدم الحسين (107) .
أليس ما قام به المختار من أخذ الثار، مكرمةً تدعو إلى السكوت عنه، على الأقلّ ? .
ولقد ذكّر الإمام الباقر عليه السلام بمثل هذا في حديثه عن المختار لمّا دخل عليه أبو الحكم بن المختار، فتناول يد الإمام ليقبّلها فمنعه، ثم قال له: اصلحك الله، إنّ الناس قد أكثروا في أبي وقالوا، والقول والله قولك ... ولا تأمرني بشي إلاّ قبلتُه .
فقال الإمام: سبحانَ الله أخبرني أبي - والله - أنّ مهر اُمّي كان ممّا بَعَثَ به المختار . أوَلم يبْنِ دورنا، وقَتَلَ قتلتنا، وطلب بدمائنا، فرحمه الله . وأخبرني - والله - أبي: أنّه كان ليسمر عند فاطمة بنت عليّ يمهّدها الفراش ويُثْني لها الوسائد، ومنها أصاب الحديث . رحم اللهُ أباك، رحم اللهُ أباك، ما أصاب لنا حقّاً عند أحدٍ إلاّ طلبه .... (108)
وعلى حدّ قول ابن عباس لما طُلِبَ منه سبّ المختار: ذاك رجل قَتَلَ قتلتنا، وطلب ثأرنا وشفى غليل صدورنا، وليس جزاؤه منّا الشتم والشماتة (109) .
إنّ خروج الإمام زين العابدين عليه السلام من أزمة الحركات المعارضة للدولة، على اختلاف مواقفها تجاهَ الإمام، من مُواليةٍ، ومُحايدة، ومُعاديةٍ، وبالشكل الذي لا يترك أثراً سلبيّاً عليه، ولا يحمّله مسؤوليّة، ولا تستفيد الأطراف المتنازعة من موقعه كإمام، وككبير أهل البيت عليه السلام، ولا تتضرّر أهدافه وخططه التي رسمها لإحياء الدين .
إنّ الخروج من مثل هذا المأزق، وبهذه الصورة، عمل جبّار لابدّ أن يُعدّ من أخطر مواقف الإمام السياسيّة، ويستحقّ دراسة معمّقة لمعرفة أسسه، وأبعاده .
وبعد: .إنّ ما بذله الإمام السجّاد عليه السلام من جهود وجهاد في سبيل الله، وما قام به من فرض الإمامة وواجب الولاية تجاه الدين والأمة، مع اقتران المهمّة بظروف صعبة وحرجة للغاية، حيث ملئت الأجواء بالرعب والردّة والانحراف عن القيم والموازين والأعراف، سواء الدينيّة، ام الأخلاقية، بل حتّى الإنسانية !. إنّ ما بذله الإمام عليه السلام في سبيل القيام بالمهمة تمَ بأفضل ما يُتصوّر، فقد رسم لمخططاته خطّة عمل ناجحة بحيث مهّد الأرضية لتجديد معالم التشيع، ممثلاً لكلّ ما للإسلام من مجد وعدل وعلم وحكمة، لَهُوَ عمل عظيم، يدعو إلى الإعجاب والفخر والتمجيد، ويجعل من الإمام عليه السلام في طليعة القوّاد السياسيّين الخالدين . ولقد حقّ له عليه السلام أن يكلّل تلك الحياة العظيمة بالطمأنينة التي ملأت وجوده الشريف عندما حُضِرَ، فأغمض عينيه حين الوفاة، وفتحهما ليقول كلمته الأخيرة، فيقرأ (الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الأرض، نتبوّأ من الجنة حيث نَشأ، فنعم أجر العاملين).[ سورة الزمر (39) الاَية 74 ] ثم قبض من ساعته (110).
فسَلام الله عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيّاً .
وكما كانت نَتائج الثورة الحسينيّة في كربلاء تتبلور في انتصار الإسلام باستمرار شعائره وعدم تمكّن الأعداء من القضاء عليها، بالرغم من استشهاد الصفوة من خيرة المسلمين وعلى رأسهم الإمام أبو عبد الله الحسين السبط الشهيد عليه السلام وأهل بيته وشيعته، فإنّ الظلمة لم يتمكنّوا من محو الإسلام، بل بقيَ مستمرّاً، ممثّلاً في أذانه وصلاته وكعبته وسائر أصوله وضروريّاته .
وقد أعلن الإمام السجّاد عليه السلام عن هذه الحقيقة، وأبرزَ هذه النتيجة في ما أجاب به إبراهيم بن طلحة بن عبيد الله، حين قدم علي بن الحسين عليه السلام وقد قتل الحسين صلوات الله عليه استقبله إبراهيم وقال: يا عليّ بن الحسين، مَنْ غَلَبَ ? - وهو مغط رأسَه وهو في المحمل ! - فقال له علي بن الحسين: إذا أردت انْ تعلم مَنْ غَلَبَ، ودخل وقتُ الصلاة، فأذنْ ثُمّ أقم (111) .
فإنّ الإمام عليه السلام جعل استمرار الشعائر التي تُذكر فيها شهادةُ التوحيد والرسالة عَلَناً وعلى رؤوس الأشهاد دليلاً على انتصار الحسين عليه السلام وغلبته، وهذا من أعظم العِبَر لمن اعتبر .
فكذلك تبلورت نتائج مخططات الإمام السجّاد عليه السلام في إحياء التشيع من جديد، والتمهيد لقيام أولاده الأئمة عليهم السلام بالحركات التجديدية المتتالية .

_____________________________
(89)الإمام السجاد عليه السلام لحسين باقر (ص 98) .
(90)لاحظ (ص 65 - 72) من هذا الكتاب .
(91) فقد قال لابن عباس: إني لأكتم بغضكم أهل هذا البيت منذ أربعين سنة مروج الذهب (3: 84 و 89) وانظر تاريخ اليعقوبي (2: 261) .
(92)أرسله الصدوق في الخصال (ص 157) باب الثلاثة ح 199 .
(93) تاريخ اليعقوبي (2: 261) وسير أعلام النبلاء (4: 118) وطبقات ابن سعد(5: 100) ومروج الذهب (3: 85) .
(94) تاريخ اليعقوبي (2: 261) مروج الذهب (3: 88) .
(95) شرح رسالة الحقوق، لعبد الهادي المختار (ص 102) .
(96)مروج الذهب (3: 107) وتاريخ اليعقوبي (2 :264
(97 )الكافي () التوحيد للصدوق (ص 374) وشرح الأخبار (3: 261) وبحار الأنوار (46: 37 و 145) . وحلية الأولياء (3 :134) .
(98) أيام العرب في الإسلام (ص 436) .
(99) الفخري في الاَداب السلطانية (ص 104) .
(100 )مروج الذهب (3: 83) .
(101) مروج الذهب (3 :84 )
(102)بحار الأنوار (45: 365 )وانظر أصدق الأخبار للسيد الأمين(ص39 )و المختار الثقفي لأحمد الدجيلي (ص39)
(103)رجال الكشي( ص 125 و 127) وشرح الأخبار (3: 270) وتاريخ اليعقوبي (2: 259 )
(104) مروج الذهب (3: 83) ورجال الكشي (ص 126) رقم (200) .
(105) مختصر تاريخ دمشق، لابن منظور (17: 243) .
(106) مروج الذهب (3: 107) وانظر تاريخ اليعقوبي (2 :264) .
(107) مروج الذهب (3: 107) .
(108) رجال الكشي (اختيار معرفة الرجال) (ص 126) رقم (199) .
(109) الكامل في التاريخ لابن الأثير (4 :278) .
(110) الكافي (1: 468) و( 3 - 165) وانظر عوالم العلوم (ص 299) .
(111) أمالي الطوسي (ص 677) المجلس (37) الحديث 1432 - 11 . .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page