• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الخاتمة :نتائج البحث

وبعد هذا التجوال الذي قمنا به خلال مصادر حياة الإمام زين العابدين عليه السلام، وأعماله وأفكاره، وأدعيته وأحاديثه، تمكّنا من جمع شتات المؤشّرات إلى الأبعاد السياسيّة في حياة الإمام عليه السلام .
وبعد فرزنا لها في فصول الكتاب, علمنا:
أنّ الإمام زين العابدين عليه السلام قد قام بأعمال سياسية كبيرة في سبيل الأهداف الكبيرة التي من أجلها شرّع الدين .
وإذا لاحظنا صعوبة المهمة التي قام بها في الظروف الحرجة والخطيرة التي عايشها، وعلى طول المدّة حتّى وفاته عليه السلام، عرفنا عظمة تلك الجهود التي بذلها في خصوص هذا المجال وحده .
وهو عليه السلام وإن لم يمدّ يداً إلى السلاح الحديديّ إلاّ أنّه التزم النضال بكلّ الأسلحة الأخرى التي لا تقلّ أهميّة وخطورة عن السلاح الحديدي .
فشَهَرَ سلاحَ اللسان بالخطب والمواعظ، وسلاحَ العلم بالتثقيف والإرشاد، وسلاحَ الأخلاق بالتربية والتوجيه، وسلاحَ الاقتصاد بالإعانات والإنفاق، وسلاحَ العدالة بالإعتاق، وسلاحَ الحضارة بالعرفان .
حتّى وقف سدّاً منيعاً في وجه أخطر عمليّة تحريف تهدف إبادة الإسلام من جذوره، في الحكم الأمويّ الجاهليّ .
وبقيت الخطوط الاُخرى لسياسة الإمام عليه السلام غير معلنة ولا واضحة، أو غير مشروحة، حتّى عصرنا الحاضر، فلذلك وقع كثير من كتّاب العصر في وَهْمٍ فظيع،
تجاه الموقف السياسي للإمام عليه السلام حتّى نُسبت إليه تهمة الانعزال عن السياسة، بل ممالأة الظالمين، مما لا يقبله أيّ شريف فضلاً عمّن يعتقد في زين العابدين عليه السلام أنّه إمام منصوب من قبل الله تعالى، ليلي أمور المؤمنين إنّ الإمام عليه السلام كان مسؤولاً ومن خلال منصبه الإلهي عن كلّ ما يجري في العالم الإسلاميّ، وقد أنجز الإمام عليه السلام بتدابير دقيقة ما يلزم من دور قياديّ، وبكل سريّة وذكاء، فشنّ على الطغاة الحاكمين، وأمثالهم من الطامعين، حرباً شعواء، لكنها باردة صامتةً بيضاء في البداية، أصبحت معلنة صبغتها دماء طاهرة من شيعته في النهاية .
ولم ينقض القرنُ الأوّل، إلاّ أخذت آثار سياسية الإمام زين العابدين عليه السلام تبدو على الساحة، بشكل أشعة تنتشر من أفق مظلم طال مائة عام من الانحراف والظلم والتعديّ على الإسلام بمصادره:
القرآن الذي منع تفسيرُه وتأويله من المصادر الموثوقة .
والحديث الذي منع تدوينهُ ونشُره، واُحرق كثير منه .
ورجاله الذين نفوا، واُخرجوا من ديارهم، أو قتّلوا تقتيلاً .
ومكارمه وأخلاقه وفقهه وتراثه الذي طالته أيدي التزوير والدسّ والتحريف . فشوّهت سمعته ،وسُوّد وجه تاريخه .
لكن الإمام السجاد بمواقفه العظيمة ضمن خطط حكيمة، تمكّن من الوقوف امام كل هذه التحدّيات الرهيبة، تلك المواقف التي قدم لها حياته الكريمة .
ولم تنقض فترة على وفاة الإمام عليه السلام حتّى بدأ العدّ التنازليّ للحكم الجاهلي، وبدأ الحكّام الأمويون بالتراجع عن كثير من ملتزماتهم، وتعنّتهم، ولم تطل دولتهم بعيداً، إلاّ انمحت آثارها حتّى من عاصمتهم دمشق الشام .
وأما أهداف الإمام السجاد عليه السلام فقد تولاّها بعده ابنه الإمام الباقر محمّد بن عليّ بن الحسين عليه السلام، ثم من بعده الإمام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام، فاستفادا من وهن الأمويين في تلك الفترة، وتمكَنا من تثبيت دعائم الإسلام والفكر الإماميّ بأفضل ما بإمكانهما .
فكوّنا أكبر جامعة علميّة إسلاميّة، تربّى فيها آلاف من العلماء المبلّغين للإسلام بعد استيعاب معارفه، على أيدي الإمامين العظيمين .
وقد تمكّن الإمامان من رفع الغشاوة عن كثير من الحقائق المطموسة تحت أَكداس من غبار التهم والتشويه والتحريف في شؤون الإسلام، عامَةً، وفي ما يرتبط بحقّ أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإمامة والحكم، خاصةً .
وعندما نرى تصدّي الحكّام من أمويّين وعباسيّين للإمامَيْن الباقر والصادق عليهما السلام ومَنْ كان على خطّهما، نجد أنّ ما قاما به يعدّ فتحاً عظيماً في المعيار السياسيّ، وإنجازاً في قاموس الحركات الاجتماعية، خاصة في تلك العصور المظلمة .
لقد قام الإمامان الباقر والصادق عليهما السلام بتهيئة الكوادر الكفوءة، وتعميق الثقافة الإسلامية في المجتمع الإسلامي، وتسليح الأمّة بالعلم، وتثبيت قواعد العقيدة والإيمان، لتكوين جيش عقائديّ منيع، لصدّ التيّارات الإلحادية المبثوثة بين الأمّة، والقضاء على الطلائع الملحدة المبعوثة من قبل الحكّام مثل علماء البلاط ووعّاظ السلاطين .
وبكل ذلك تمّيزت الاَيدولوجيّة الإسلامية المتكاملة، وعلى مذهب الشيعة، المأخوذة من ينابيع الحقّ والصدق، أئمة أهل البيت عليهم السلام، والمعتمدة على أصفى المصادر الحقّة: القرآن الكريم، والسنة الصحيحة الموثوقة، والمتّخذة من العقل الراجح مناراً لتمييز الحقّ، على أساس من التقوى والورع والاجتهاد، والإيمان .
فكان هذا العمل تحدّياً معلناً ضدّ الحكومات الفاسدة التي كانت تروّج للتيارات العقائدية الملحدة، والخارجة عن إطار العقائد الإسلامية، وتدعو إلى حياة التفسّخ، والترف، واللهو، والفساد (112) .
كما استفاد ابنه العظيم زيد الشهيد عليه السلام من الأرضيّة التي مهّدها الإمام زين العابدين عليه السلام للثورة، فكان عمله دعماً لموقف الإمامين عليهما السلام في تنفيذ خطط الإمام زين العابدين عليه السلام واستثمار جهوده، والاستمرار بأهدافه (113) .
إنّ تلك التدابير، التي اتّبعها الإمام السجّاد وابناه الإمام الباقر وزيد الشهيد، وحفيده الإمام الصادق عليهم السلام، وشيعتهم المجاهدون على خطّهم، وتلك المواقف الجريئة التي اتخذوها من الحكّام الظالمين والحكومات الفاسدة، من أجل العقيدة، لا ولن تصدر ممن يركن إلى الدعة والراحة، أو أذهلته المصائب والفجائع .
بل، إنّ ما قاموا به يعدّ في العرف السياسي، أهمّ من حمل السلاح في مثل تلك المرحلة بالذات .
وأما مجموع ما انتجته تلك الجهود والتدابير، فهو أكبر مما تؤثّره البسالة والبطولة في ميادين الحروب .
وهو عمل لا يقوم به إلاّ أصحاب الرسالات من العلماء بالله الذين يفوق مدادهم فضلاً وأثراً من دماء الشهداء .
وإن مَنْ يعرف أوّليات النضال السياسيّ، وبديهيّات التحرّك الاجتماعيّ، وخصوصاً عند المعارضة، ليدرك أنّ سيرة الإمام زين العابدين عليه السلام السياسيّة التي عرضناها في فصول هذا الكتاب، هي مشاعل تنير الدرب للسائرين على طريق الجهاد الشائك، ممن يلتقي مع الإمام عليه السلام في تخليد الأهداف الإلهيّة السامية .
وأيّ مناضلٍ يعرض عن كلّ هذه الجهود، ولا يعدّها (جهاداً سياسيّاً) ? .
والغريب، أنّ أصحاب دعوى النضال والحركة، في هذا العصر وفيهم من اتّهم الإمام بالانعزال السياسيّ يتبجّحون باسم النضال والمعارضة السياسية، لمجرد إصدار بيان، أو إعلان رفضٍ، ولو من بُعد أميال عن مواقع الخطر، ومواقف المواجهة ثمّ هم لا يعتبرون تلك التصريحات الخطيرة، وتلك المواجهات والمواقف الحاسمة، التي قام بها الإمام عليه السلام، نضالاً سياسياً ? .
وهم، يقيمون الدنيا، لو وقعت خدشة في إصبع لهم، ويعتزّون بقطرة دم تراق منهم . بينما لا يحسبون لذلك الجرح الذي اُثخن به الإمام عليه السلام في كربلاء، وذلك النزيف من الدم والدمع الذي أريق منه على أثر وجوده في الساحة، قيمةً وأثراً ? .
مع أن الاَلام التي تحمّلها الإمام عليه السلام في جهاده، ومن خلال جهوده العظيمة، والأخطار التي اقتحمها في سبيل إنجاح مخططه، أكثر ألماً، وأعمق أثراً، من جرح ظاهر يلتئم، وقرح يندمل لكن الإمام السجّاد زين العابدين عليه السلام ظهر على الساحة ببطولة وشجاعة تختصّ به كإمامٍ للأمّة، فتحمَل آلام الجهاد وجروحه، وصبر على آلام الجهود المضنية التي بذلها .
وانفرد في الساحة في تلك الفترة الحالكة، كألمع قائد إلهيّ في مواجهة أحلك الظروف وأصعبها، وأكثر الهجمات ضراوةً، وأكثر الحكومات حقداً وبعداً عن الإسلام، وباسم الخلافة الإسلامية .
وخرج من ساحة النضال بأعمق الخطط وأدقّها، وبأبهر النتائج وأخلدها . وأما نحن الشيعة في الوقت الحاضر: .
فإنَا نواجه اليوم حملة شرسة من أعداء المذهب، مدعومة بحملة ضارية من أعداء الإسلام .
ويشبه وضع التشيّع في هذا العصر في كثير من الجهات ما كان عليه في القرن الأول، إذ يعايش أجواء سياسية ونفسية متماثلةً .
فاليأس والقنوط يعمَان الجميع، حتّى العاملين في حقل الحركات الإسلامية، والمنضوين تحت ألوية الأحزاب والمنظمات والمجالس والمكاتب .
والارتداد، المتمّثل بابتعاد عامة الناس عن خطّ الإمامة والولاية، وفي ظروف غيبة الإمام عليه السلام، التي معها تزداد الحَيْرة وتتأكّد الشبهة .
وتعدد الاتجاهات والاَراء والأهواء، التي اقتطعت أشلاء الاُمّة، وفرَقتها أيدي سبأ .
والحكومات الجائرة، بما تمتلك من أجهزة القمع، وأساليب الفتك والهتك، والسجن والقتل، وبأحدث أساليب التعذيب، خصوصاً تلك الحاملة لسيوف التكفير ومشانق الاتهام بالردة، وبدعوى شعارات إسلامية مزيَفة .
والاختراق الثقافيّ الهدَام، لصفوف الاُمَة الإسلامية وعقولها، وبوسائل الإعلام الحديثة، المقروءة والمسموعة والمرئيّة، وباستخدام الأثير والأشعة والأقمار الصناعية والغزو الفكري المخلخل للوجود الدينيّ من الداخل، بالأفكار والشبهات المضلّلة، والحملات الكاذبة، الطائشة ضدّ المقدّسات الإسلامية، التي تروّجها الدول الاستعمارية الحاقدة، ويزمر لها الحكّام العملاء في البلدان الإسلامية .
والتصرّفات العشوائية المشبوهة التي يقوم بها الضالون من رجال الدين، والبلاطيون من وعّاظ السلاطين، والمتزلّفون إلى المناصب والأموال والفخفخة والعيش الرغيد في القصور، والمتطفّلون على الموائد وفي السهرات، والمُتّكِؤون على أرائك الحكم وأسرّة الإدارة، والراكنون إلى الذين ظلموا أنفسهم بالمعاصي، وحكموا الناس بالجور .
وأصحاب الدعاوى الزائفة بالاجتهاد والمرجعيّة، مع فقدان أوليات المعارف اللازمة، والفراغ من الالتزام الصحيح باُصول العقيدة، والانتماء المذهبي، وإنّما بالركون إلى الحزبيّة الضيّقة، وبدعوى الانطلاق لمسايرة الجيل المتطلّع وادعاء مصادمة الواقع بالفتاوى التي لا أساس لها في الفقه ومصادره، وبالأفكار المخالفة لضرورات الدين والمذهب، باسم التجديد، والتوعية، والتوحيد، والتأليف وغير ذلك من العناوين العصريّة الغارّة لأفكار الشباب وبالأموال التي توزّع بأرقام كبيرة، من مصادر مجهولة أو معلومة !!.
إنّ كلّ هذه الحقائق الجارية في عصرنا، تمثّل بالضبط الفصول التي عاصرها الإمام زين العابدين عليه السلام لكن بشكلها العصري . لكنّ الحقّ الناصعَ وهو (الإسلام) المتأصل في قلوب المؤمنين، يتجلّى أكثر ممّا مضى بفضل الثقافة الواسعة حول المعارف الإسلامية، وظهور حقائق القرآن والسنّة ،
وفضل أهل البيت عليهم السلام، ذلك الذي لم يَعُد اليوم مكتوماً ولا ممنوعاً . وأساليب عمل الإمام السجّاد عليه السلام وجهاده وتعاليمه السياسيّة والاجتماعيّة ماثلة أمام مَنْ يطلب الحقّ .
فعلى كل مَن يُريد النضال والحركة في سبيل الله، أنْ يقتديَ بإمامه، ويجعل عمله مشعلاً يهتدي بنور إرشاده، ويسير على منهجه في النضال والتحرك السياسيّ والاجتماعيّ، فيكون على بصيرة من أمر دينه، ويصل إلى أفضل النتائج المتوخّاة في أمر دنياه .

والله المستعان . والْحَمْدُ لله رَبَ الْعَالَمِينَ , وصلى الله على رسوله المصطفى الأمين وآله الطاهرين

___________________
(112) إقرأ كتاب (الأغاني) للوقوف على جانب منقول من هذه الحياة العابثة التي عاشها الخلفاء ولاحظ: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للندويّ
(113) إقرأ عن زيد الشهيد بحار الأنوار (46: 168 - 209) وعوالم العلوم الجزء (18) .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
اللطميات
المحاضرات
الفقه
الصور

اللطميات

مشاهدة الكل

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page