ودّع عليّ أباه وامتطى صهوة جواده. صهل الجواد، وانطلق كالسهم باتّجاه العدوّ. ومرة أخرى جسّد الأكبر ملحمة الفداء من أجل الإسلام، والحق والعدالة.
اخترق الفارس العلويّ خطوط العدوّ، وغاص في قلب الجيش، وراح يقاتل ببسالة فريدة.
لم يصمد الفرسان أمامه. لهذا فكّر أحدهم بالغدر. حمل رمحه، وانتهز فرصة انشغال عليّ بالقتال. فجاءه من جهة الخلف. الغادر الجبان؛ كان يخاف مواجهة عليّ وجهاً لوجه.
سدّد الغادر رمحه الى ظهر علي، وهجم آخر عليه فضربه بالسيف. شعر علي أنّها نهايته فصاح مودّعاً أباه:
- عليك منّي السلام يا أبا عبد الله.
اعتنق علي جواده تصوّر الجواد أن عليّاً يريد مواصلة الهجوم، فغاص في قلب آلاف الجنود.. السيوف تنهال على جسد عليّ دون رحمة.
رأى عليّ في تلك اللحظات جدّه رسول الله وهو يسقيه من شراب الجنة. سمع الحسين نداء ابنه الأكبر، فقفز فوق جواده، وانطلق الجواد نحو قلب المعركة.. كان الهجوم قويّاً، وفرّ الاعداء خائفين من غضب الحسين.
جلس الأب عند رأس ولده الحبيب.
قال الابن وهو يحاول أن يبتسم لأبيه:
- لقد سقاني جدّي بكأسه شربة لا أظمأ بعدها أبداً.. وقال إن لك كأساً مذخورة.
وضع الحسين خدّه على خدّ ولده وقال بحزن:
- على الدنيا بعدك العفا.. ما أجرأ هؤلاء على الرحمن، وعلى انتهاك حرمة الرسول.
كانت جراح علي ما تزال تنزف بشدّة. أغمض علي عينيه كأنّه ينام. لقد آن له أن يستريح بعد كلّ تلك المعارك الضارية.
ملأ الحسين كفّه من دماء ولده الطاهرة.. ورمى بها نحو السماء. لم تسقط من دماء علي قطرة واحدة فوق الأرض؛ كأنّ الملائكة تحمل تلك الدماء الزكية نحو السماء، تشكو إلى الله ظلم يزيد واليزيديين.
الهجوم الأخير
- الزيارات: 1323