عبدُ اللّه والدُ النبيّ :
يوم فدى «عبدُ المطلب» ولده «عبد اللّه» بمائة من الابل نحرها، وأطعم الناس في سبيل اللّه، لم يكن يمضي من عمر «عبد اللّه» اكثر من اربعة عشر ربيعاً، وقد تسبَّبَت هذه الواقعةُ في أن يكتسب «عبدُ اللّه» شهرة خاصة بين عشيرته مضافاً الى شهرته الكبرى بين قريش، وأن يحظى بمكانة كبيرة عند أبيه : «عبد المطلب» بنحو خاص، لأن ما يُكلِّفُ الانسان غالياً، ويتحملُ في سبيله عناء اكثر لا بدَّ أن يحظى لديه بمكانة اكبر، ويحبّه محبة تفوقُ المتعارف.
ومن هنا كان «عبدُ اللّه» يتمتعُ باحترام يفوق الوصف بين أبناء عشيرته وأفراد عائلته وأقربائه.
ثم إن «عبد اللّه» يوم كان يتوجه برفقة والدهِ إلى المذبح كان يعاني من مشاعر وأحاسيس متناقضة ومتضادة، فهو من جانب كان يُكِنّ لوالده احتراماً كبيراً وحباً شديداً، ولهذا لم يكن يجدُ بداً من طاعته، والانصياع لمطلبه، بينما كان من جانب آخر يعاني من قلق، واضطراب شديدين على حياته التي كان يرى كيف تعبث بها يدُ القدر، وتكادُ تقضي عليها كما يقضي الخريفُ على
أوراق الشجر.
كما أن «عبد المطلب» نفسه كان هو الآخر تتجاذبه قوتان متضادتان : قوةُ الايمان والعقيدة من جانب، وقوةُ العاطفة والمحبة الأبوية من جانب آخر، وقد أوجدت هذه الواقعة في نفسي هاتين الشخصيتين آثاراً مُرّة يصعُب زوالها، بيد أن تلك المشكلة حيث عولجت بالطريقة التي ذكرناها ونجا «عبد اللّه» من الموت المحقق فكر «عبد المطلب» فوراً في ان يغسل عن قلب «عبد اللّه» تلك المرارة القاسية بزواج «عبد اللّه» بآمنة، وبذلك يقوّي من عرى حياته التي بلغت درجة الانصرام، بأقوى السُبُل، وأمتن الوسائل.
ومن هنا توجّه «عبد المطلب» الى بيت «وهب بن عبد مناف» - فور رُجوعه من المذبح آخذاً بيد ولده عبد اللّه - وعقد لولده على «آمنة بنت وهب» التي كانت تُعرفُ بالعِفة، والطُهر، والنجابة، والكمال.
كما أنه عقد لنفسه - في ذات المجلس - على «دلالة» ابنة عم آمنة، ورُزق منها «حمزة» عمّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والمشابه له في السن(1).
غير أن الاستاذ المؤرخ «عبد الوهاب النجار» المدرس بقسم التخصص في الازهر الذي صحح «التاريخ الكامل» لابن الاثير، وعلَّق عليه بملاحظات وهوامش مفيدة شكك في صحة هذه الرواية، واستغربها، وقال : لا أظنُ أنه يصح شيء في هذه الرواية، إذ المعقولُ أن يتريث «عبد المطلب» بعد ذلك المجهود المضني حتى يريح نفسه ثم يذهب ليخطب لابنه(2).
ولكنَّنا نعتقد بأن المؤرخ المذكور لو نظر إلى المسألة مِن غير هذه الزاوية لسهُل عليه التصديقُ بهذه الرواية.
ثم أن «عبد المطَّلب» عيَّن موعداً للزفاف، وعند حلول ذلك الموعد تمّت مراسمُ الزفاف في بيت «آمنة» طبقاً لما كان متعارفاً عليه في قريش، ولبث
«عبد اللّه» مع «آمنة» ردحاً من الزمن حتى سافر الى الشام للتجارة، وعند عودته توفّي اثناء الطريق كما ستعرف.
______________________________
(1) تاريخ الطبري : ج 2 ص 7 والمذكور في هذا المصدر «هالة».
(2) الكامل في التاريخ : ج 2 ص 4 قسم الهامش.
عبدُ اللّه والدُ النبيّ :
- الزيارات: 1053