من المقدمات التي يلزم التذكير بها هنا أن أئمة أهل البيت عليهم السلام جميعاً هم أبواب مدينة علم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يختلفون سعة ، ولا يتميزون عمقاً ، ولا تتباين أهدافهم البتة ، وإنّما الاختلاف والتباين والتنوع في أدوار كل منهم ، تبعاً للظروف السياسية والاجتماعية والاقليمية التي تتحكم في مساحة تحرك كل إمام على الساحة الاِسلامية ، وفي صفوف الاُمّة .
فهناك دور مفروض للاَئمة عليهم السلام في نصّ الشريعة الاِسلامية ، وهو دور صيانة تجربة الاِسلام . . وتعميق الرسالة فكرياً وروحياً وسياسياً في الاَُمة . . والمحافظة على المقياس العقائدي والرسالي في المجتمع الاِسلامي .
ولقد تمثل الدور الاِيجابي لاَئمة أهل البيت عليهم السلام ، في أنّهم استطاعوا الابقاء على المعالم الدينية الاَساسية للاُمّة ، والحفاظ على طابعها الرسالي ، وهويتها الفكرية من ناحية ، ومقاومة التيارات الفكرية التي تشكل خطراً على الرسالة ، وضربها في بدايات تكوينها من ناحية اُخرى . .(1) .
وبعد ذلك فإنّ الرسالة الاِسلامية تعنى بالاِنسان من كلِّ نواحيه ، وتأخذ بيده إلى كلِّ مجالاته ولا تفارقه ، وهو على مخدعه في فراشه ، وهو في بيته بينه وبين ربّه ، بينه وبين نفسه ، بينه وبين أفراد عائلته ، وهو في السوق ، وهو في المدرسة ، وهو في المجتمع ، وهو في السياسة ، وهو في الاقتصاد ، وهو في أي مجال من مجالات حياته (2) ، ومن هنا يتوجب في القائد أن يكون على اطلاع ومعرفة بكلِّ مناحي الحياة ، واستيعاب لمجمل العلوم التي يحتاجها أهل الاَرض ، ولكلِّ ما نزل من السماء ، وهو مالم يتحقق في غير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم ، وبمن أودعهم مكنون علومه من أهل بيته المعصومين المنتجبين الاَبرار عليهم السلام .
وقد ورد في الاَخبار أن من صفات الاِمام عليه السلام : « أن يكون أعلم الناس بحلال الله وحرامه ، وضروب أحكامه ، وأمره ونهيه ، وجميع ما يحتاج إليه الناس . فيحتاج الناس إليه ، ويستغني عنهم » (1) .
من هنا نقف على أن علم الاَئمة الاثني عشر عليهم السلام واحد ، فعلم أولهم كعلم آخرهم ، علم إلهامي يتوارثونه خلفاً عن سلف ، صغيرهم وكبيرهم فيه سواء ، بل ورد أن الاَئمة عليهم السلام تنتقل إليهم بعض مواريث الاَنبياء عليهم السلام أيضاً ، كالسيف والخاتم والعصا ، وغيرها . إضافة إلى ما يعلمونه من أحكام جميع رسالات السماء السابقة . وحديثهم أيضاً واحد ليس فيه اختلاف وتعارض ، وإن ظهر في ألفاظ ومعان مختلفة؛ لاَنّه صادر من منبع واحد ، فهم عليهم السلام يحدِّثون عن آبائهم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عليه السلام عن الله تبارك وتعالى ، وذلك ما جاء في قول الاِمام الصادق عليه السلام : « إنّ حديثي حديث أبي ، وحديث أبي حديث جدي ، وحديث جدي حديث علي بن أبي طالب أمير المؤمنين ، وحديث علي أمير المؤمنين حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وحديث رسول الله قول الله عزَّ وجلَّ » (2) .
بعد هذه المقدمة نعود إلى ساحة قدس إمامنا الجواد عليه السلام ، كي نستلهم من فيض علومه ما نتمكن من خلاله رسم خط بياني نستطيع به استشفاف واستقراء نشاط الاِمام العلمي خلال حياته القصيرة جداً ، ورغم سني التضييق والاِقامة الجبرية في بغداد ، وإن لم تكن معلومة العدد ، إلاّ أنها بلا شك ليست قليلة بالنسبة إلى المدة التي عاشها عليه السلام .
____________
1) أهل البيت عليهم السلام تنوع أدوار ووحدة هدف | السيد الشهيد محمد باقر الصدر : 127 ، 131 ، 144 ، 145 .
2) أهل البيت عليهم السلام تنوع أدوار ووحدة هدف | السيد الشهيد محمد باقر الصدر : 75 .
3) بحار الاَنوار | المجلسي 25 : 64 .
4) اُصول الكافي 1 : 53 | 14 ( كتاب فضل العلم ) . والارشاد | الشيخ المفيد 2 : 186
دور الامام عليه السلام في الحياة العلمية
- الزيارات: 1060