• +98 25 3770 33 30
  • عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

الطريق إلى حُنين :

يعدُّ ما حدث في وادي حنين آخر المواجهات العنيفة بين الإسلام والوثنية .
كانت قبائل هوازن وثقيف التي تقطن الطائف قد وقفت موقفاً سلبياً حيال الإسلام في مراحل الدعوة الأولى
وعندما غادر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم المدينة المنورة زاحفاً باتجاه مكّة ظنت تلك القبائل (1) انها ستكون الهدف من تلك الحملة العسكرية ؛ وهكذا تدفقت القبائل الوثنية إلى وادي حنين وتمركزت في المرتفعات المشرفة على الوادي في خطّة ذكيّة لمباغتة الجيش الإسلامي ؛ وقد ضم التجمع الوثني قبائل هوازن وثقيف ونصر وجشم وبلغت الحشود العسكرية الثني عشر ألف مقاتل ؛ وكان الجيش الإسلامي يتألف من اثني عشر ألف جندي هو الآخر  وقد بلغ من تهوّر الزعيم الوثني الشابّ ان هدد بالانتحار إذا لم تنفذ القبائل المتحشدة تفاصيل خطّة دون قيد أو شرط ، وكانت خطّة تستند إلى ركنين الأول : ضمان عنصر المفاجأة في احتلال المرتفعات ومباغتة الحشود الإسلامية بهجوم عنيف ، والثاني زجّه الأطفال والنسوة وما يمكن نقله من الأموال في المعركة وخلق حالة من الاصرار لدى القبائل ودفعها إلى القتال حتى النهاية .
وقد علّق الشاعر دريد بن الصمّة (2) بمرارة قائلاً : ان المنهزم لا يردّه شيء ؛ وانقد مالكاً بن عوف لذلك .
كان على الجيش الإسلامي الزاحف أن يسلك المنعطفات الجبلية في منطقة حنين ؛ وعندما بدأت الكتائب الإسلامية في غبش الفجر الانسياب في بطن الوادي العميق ، فوجئت بوابل من السهام وهي تنبعث من قلب الظلمات ، وسادت الفوضى الكتيبة التي يقودها خالد بن وليد فارتدّت الى الوراء في انسحاب فوضوي جرف معه الكتلة الرئيسية من الجيش الإسلامي ، وتحوّل الانسحاب إلى هزيمة ، ولم يعر المنهزمون اذناً إلأى صيحات النبي وهي تدعوهم إلى الثبات والمقاومة ، وبهذا سجّلوا موقفاً اسوأ بكثير مما حصل في معركة أُحد لم يثبت مع النبي صلى الله عليه وآله إلا ثلّة مؤمنة وقد تضاربت الروايات فيمن ثبت ولكنها اجمعت على ثلاثة في طليعتهم علي بن أبي طالب والعباس وأبو سفيان بن حارث (3) وايمن الذي هوى شهيداً في أرض المعركة وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلّم عمّه العباس أن يطلق هتافاته الجهورية ليتذكر المسلمون بيعة في ظلال الشجرة (4) .
ودوّت في الوادي صيحات العباس : يا أهل بيعة الرضوان ! يا اصحاب سورة البقرة يا أهل بيعة الشجرة .. إلى اين تفرّون ؟
    وكان ذو الفقار يسطع في غمرة الغبار كصاعقة مدّمرة ، وقد سجّل القرآن الكريم تلك اللحظات الحساسة من تاريخ الإسلام في قوله تعالى : « ويوم حنين إذ اعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم مدبرين * ثم انزل الله سكينة على رسوله وعلى المؤمنين وانزل جنوداً لم تروها » ان قلب المؤمن اقوى من الجبل وسيذكر التاريخ الإسلامي باجلال تلك اللحظات المصيرية ؛ فيوم هبّت العاصفة الوثنية صفراء مدمّرة ، لم يثبت سوى محمد وعلي ورجال صدقوا ... وانزل الله جنوده .. وتحولت الهزيمة إلى نصر وشيئاً فشيئاً عاد المنهزمون إلى الوادي الأيمن (5) وكانت راية الإسلام تخفق في قبضة علي ؛ واقتحم النبي عن بغلته وراح يباشر القتال ببسالة ادهشت المسلمين انفسهم ، واندفع علي إلى حامل الراية الوثنية فقضى عليه ، وسقطت راية الشرك وكان لهذا الموقف البطولي اثره في ارتفاع معنويات المسلمين .
وما ان اشرقت الشمس حتى كانت ارض الوادي تهتز لضرواة المعركة ، وعندما شاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلّم أن كفة القتال تميل لصالح الجيش الإسلامي هتف معلناً بدء الهجوم المعاكس : الآن حمي الوطيس ، شدّوا عليهم !
واندفع المسلمون في هجوم مدمّر ، وراحوا يمزقون الفلول الوثنية ، التي فضلت الفرار والنجاة بأي ثمن .
لقد سقطت راية الشرك إلى الأبد فيما ظلت راية الإسلام تخفق في قبضة بطل الإسلام علي بن أبي طالب عليه السلام .
انظر كيف يتألق اسم علي في منعطفات التاريخ الإسلامي .. في اللحظات المصيرية في « بدر » و« أُحد » والاحزاب وفي يوم حنين  ثم يختفي فجأة عندما يصبح الحديث عن الغنائم والاسلاب ، والاطماع الرخيصة لقد حصل أبو سفيان وصفوان ومعاوية ويزيد على ثروات طائلة لم يكونوا ليحلموا بها وعاد علي ولا شيء في يديه سوى البيرق الإسلامي ، و« السكينة » التي انزلها الله على رسوله تملأ قلبه .

********
(1) تسارعت الأحداث بشكل مثير ولم تسمع قبائل هوازن وثقيف بانتهاك قريش لصلح الحديبية ثم سيطرت مشاعر الغرور على حشودهم العسكرية الضخمة وحماس زعيمهم الشاب مالك بن عوف في مواجهة الجيش الإسلامي .
(2) دريد بن معاوية والصمّة لقب ابيه معاوية سيد بني جشم فقد بصره في اخريات  عمره وكانت هوازن تستشيره في الأزمات .
(3) ابوسفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلّم وأخوه من الرضاعة كان يهجو سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم ؛ وفيما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلّم يتجه صوب مكّة في عام الفتح غادر أبو سفيان مكّة مصطحباً ابنه وقد مال قلبه للإسلام فالتقى النبي صلى الله عليه وآله وسلّم في الطريق ، ورفض النبي استقباله ، وتوسطت أم المؤمنين أم سلمة له ولاخيها من ابيها قائلة :
لا يكن ابن عمّك وابن عمّتك اشقى الناس بك يا رسول الله ! وقال ابو سفيان بمرارة : والله ليأذنن لي أو لآخذن بيد ابني ثم لنذهبن في الأرض  حتى نموت عطشاً ؛ وعلّمه علي كيف يقابل النبي صلى الله عليه وآله وسلّم قائلاً له : إئت رسول الله من قبل وجهه وقل له ما قاله اخوة يوسف : تالله لقد آثرك الله علينا وعندها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم : لا تثريب عليكم اليوم ، يغفر الله لكم .
(4) بيعة الشجرة أو بيعة الرضوان وفيها بايع المسلمون سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلّم على الموت وذلك سنة 6 هـ ، وهي البيعة التي سبقت بأيام صلح الحديبية .
(5) انحاز النبي إلى يمين الوادي .


أضف تعليق

كود امني
تحديث

مؤسسة السبطين عليهما السلام

loading...
أخبار المؤسسة
إصدارات
حول المؤسسة
loading...
المرئيات
المدائح
المحاضرات
الفقه
الصور

مشاهدة الكل

telegram ersali arinsta ar

۱ شوال

  ۱ـ عيد الفطر السعيد.۲ـ غزوة الكدر أو قرقرة الكدر.۳ـ وفاة عمرو بن العاص.۱ـ عيد الفطر السعيد:هو اليوم الاوّل م...

المزید...

۳شوال

قتل المتوكّل العبّاسي

المزید...

۴ شوال

۱- أميرالمؤمنين يتوجه إلى صفين. ۲- وصول مسلم إلى الكوفة.

المزید...

۸ شوال

هدم قبور أئمة‌ البقيع(عليهم سلام)

المزید...

۱۰ شوال

غزوة هوازن يوم حنين أو معركة حنين

المزید...

11 شوال

الطائف ترفض الرسالة الاسلامية في (11) شوال سنة (10) للبعثة النبوية أدرك رسول الله(ص) أن أذى قريش سيزداد، وأن ...

المزید...

۱۴ شوال

وفاة عبد الملك بن مروان

المزید...

۱۵ شوال

١ـ الصدام المباشر مع اليهود واجلاء بني قينقاع.٢ـ غزوة أو معركة اُحد. ٣ـ شهادة اسد الله ورسوله حمزة بن عبد المط...

المزید...

۱۷ شوال

۱- ردّ الشمس لأميرالمؤمنين علي (عليه السلام) ۲ـ غزوة الخندق ۳ـ وفاة أبو الصلت الهروي ...

المزید...

۲۵ شوال

شهادة الامام الصادق(عليه السلام)

المزید...

۲۷ شوال

مقتل المقتدر بالله العباسي    

المزید...
012345678910
سيرة العلماء
تطبيق اندرويد لكتاب العروة الوثقی والتعليقات عليها
مكتبة أنيس
ثبّت سؤالك هنا
العروة الوثقى
Sibtayn International Foundation
Tel: +98 25 37703330 Fax: +98 25 37706238 Email : sibtayn[at]sibtayn.com
© 2024 Sibtayn International Foundation. All Rights Reserved.

Hi! Click one of our representatives below to chat on WhatsApp or send us email to [email protected]

الإتصال بنا
Close and go back to page