والتفت عمر إلى عثمان « مرشح قريش » فقال له :
هيهاً اليك كأني بك قد قلدّتك قريش هذا الأمر لحبها اياك فحملت بني امية وبني ابي معيط على رقاب الناس وآثرتهم بالفيء فسارت اليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحاً والله لئن فعلوا لتفعلن ولئن فعلت ليفعلن وأخذ عمر بناصية عثمان وأردف : إذا كان ذلك فاذكر قولي .
وهنا جاء دور الاجراءات المشدّدة في خلق جوّ ارهابي سوف يساعد على دعم وتعزيز موقف عثمان .
استدعى عمر أحد الانصار وقال :يا أبا طلحة أن الله أعز الاسلام بكم فاختر خمسين رجلاً من الانصار فالزم هؤلاء النفر ( اعضاء الشورى ) بامضاء الأمر وتعجيله واستدعى الخليفة « المقداد » واصدر اليه آخر اوامره التي تنضح تهديداً ووعيداً : اجمع هؤلاء الرهط (اعضاء الشورى) في بيت حتى يختاروا رجلاً منهم فان اجتمع خمسة وأبى واحد فاشرخ رأسه بالسيف وان اتفق اربعة وابي اثنان فاضرب رأسيهما وأن اتفق ثلاثة منهم على رجل ورضي ثلاثة منهم برجل آخر فحكموا عبد الله بن عمر فإن لم يرضوا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن بن عوف واقتلوا الباقين ! وأدرك علي من خلال كل هذا « السيناريو » ان الهدف الأخير هو حرمانه مرّة أخرى من حقه في الخلافة فقال لعمه العباس :يا عم لقد عدلت عنا قال العباس : ومن ادراك بهذا ؟! قال علي وهو يميط اللثام عمّا وراء كل هذا « اللف والدوران » :« لقد قرن بي عثمان وقال :كونوا مع الأكثر ثم قال :كونوا مع عبد الرحمن وسعد لا يخالف ابن عمه ( عبد الرحمن ) وعبد الرحمن صهر لعثمان فاما أن يوليها عبد الرحمن عثمان أو يوليها عثمان عبد الرحمن » (1) .
يقول علي مؤرخاً لتلك اللحظات المريرة :« فصبرت على طول المدّة (2) وشدّه المحنة حتى إذا مضى لسبيله جعلها في جماعة زعم اني احدهم فيالله وللشورى متى اعترض الريب فيَّ مع الأول منهم حتى صرت أقرن إلى هذه النظائر ؟! لكنيّ اسففت إذ اسفّوا وطرتٌ إذا طاروا فصغا رجل لضغنه ومال الآخر لصهره مع هن وهنٍ إلى أن قام ثالث (3) القوم نافجاً حضينه بين نثيله ومعتلفه وقام معه بنو ابيه يخضمون مال الله خضمة الابل نبتة الربيع (4) .
وهكذا بدأت اعمال الشورى في ظروف بالغة الحساسية وبدأت الاطماع بالظهور والمصالح والمؤامرات في موازنات يمكن القول أنه محسوبة سلفاً فالتوزيع القبلي لاعضّاء الشورى يمنح الارجحية لبني امية لقد توقف التاريخ ملياً في السقيفة قبل أن يغير مساره وها هو الآن يتوقف مرّة أخرى لا ليغير من اتجاهه ولكن ليزيد من سرعة ذات المسار حيث المجتمع الإسلامي يفقد مقاييسه الصائبة في اختيار الحاكم اللائق توفي عمر بعد ثلاثة أيام وصلّى على جثمانه صهيب الرومي في غرّة المحرّم وبدأ أول لقاء لاعضاء الشورى وارتفعت نبرة الجدل العقيم لقد استيقظت في نفوس البقض شهوة الحكم والزعامة وضاع صوت علي وهو يحذر اصحاب النبي من العواقب الوخيمة التي ستسفر عن التنكر لكلمة الحق :لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق وصلة رحم وعائدة كرم فاسمعوا قولي وعوا منطقي عسى ان تروا هذا الأمر من بعد هذا اليوم تنتضي فيه السيوف وتخان فيه العهود حتى يكون بعضكم ائمة لأهل الضلال وشيعة لأهل الجهالة (5) .
ومرّ يومان ولكن دون جدوى وقد حبس المجتمع الإسلامي انفاسه ماترقباً نتيجة الجدل الذي تحول الى صراع .
وجاء أبو طلحة الانصاري واعلن أنه سينفذ أوامر الخليفة الراحل اذا انصرمت الأيام الثلاثة دون انتخاب خليفة :والذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي أمرت .
وهنا وجه عبد الرحمن أول ضربة عندما اعلن تنازله عن حقه في الخلافة مقابل أن يكون له الحق في انتخاب الخليفة وانبرى عثمان لتأييد خطوة بن عوف وتهافت الآخرون على تأييد عبد الرحمن أيضاً فيما ظل علي معتصماً بالصمت .
التفت عبد الرحمن إلى علي وقال :ما تقول يا أبا الحسن ؟ وادرك الامام ما وراء خطوة بن عوف فقال :اعطني موثقاً لتؤثرن الحق ولا تتبعن الهوى ولا تخصّ رحم ولا تألوا الامّة نصحاً وشعر عبد لرحمن أن مصير الخلافة قد اضحى في قبضته فاعطى لعلي ما يريد انها في كل الأحوال مجرّد كلمات .
وهنا وجه عبد الرحمن ضربته القاضية عندما زجّ شرطاً لا مبرّر له كاساس للبيعة قال لعلي وهو في ذروة ايمانه أن علياً سيرفض :ابايعك على كتاب الله وسنّة رسوله وسيرة الشيخين (6) ابي بكر وعمر قال علي موضحاً موقفه الخالد ومعتزّاً بشخصيته الفريدة : بل على كتاب الله وسنة رسوله واجتهاد رأيي .
والتفت عبد الرحمن إلى عثمان فعرض عليه شروط البيعة فرددها عثمان على الفور وهو يكاد يطير فرحاً .
وهنا صفق عبد الرحمن على يد عثمان وهتف : السلام عليك يا أمير المؤمنين .
وخاطب علي بن أبي طالب عبد الرحمن قائلاً : احلب حلباً لك شطره وأردف وهو يكشف له معرفته ما يدور فى الخفاء وراء.
*************
(1) تاريخ الطبري 5 : 35 .
(2) فترة حكم الخليفة الثاني .
(3) الخليفة الثالث .
(4) نهج البلاغة : الخطبة 3 .
(5) نهج البلاغة .
(6) لم تكن سيرة الشيخين سوى شرط وهمي فلقد تقاطعت سيرتهما في نقاط بالغة الأهمية .
وجاء دور عثمان :
- الزيارات: 1143