وَالتَّامِّينَ فِي مَحَبَّةِ اللّهِ
حمراء الأسد .
فقال : بأبي أنت واُمّي والله لو حُملت على أيدي الرجال ما تخلّفت عنك .
قال : فنزل القرآن : (وَكَأَيِّن مِّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (1) ونزلت الآية فيه قبلها : (وَمَا كَانَ لِنَفْس أَن تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ كِتَاباً مُّؤَجَّلا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الاْخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ) (2) » .
ثمّ ترك الشكاية في ألم الجراحة شكت المرأتان (3) إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما يلقى وقالتا : يارسول الله قد خشينا عليه ممّا تدخل الفتائل في موضع الجراحات ، من موضع إلى موضع ، وكتمانه ما يجد من الألم .
قال : فعُدّ ما به من أثر الجراحات عند خروجه من الدنيا فكانت ألف جراحة من قرنه إلى قدمه صلوات الله عليه) (4) .
(1) ـ يقال : أتممتُ الشيء أي أكملته ـ فمعنى التامّين ـ أي الكاملين .
وتمّ في محبّة الله تعالى : أي بلغ أعلى مراتب محبّته .
في المحيط : المحبّة مأخوذة من الحبّ ضدّ البغض (5) .
وفي المفردات : الحبّ بالضمّ معناه الوداد (6) .
والمحبّة هي تلك الصفة النفسانية والعُلقة الوجدانية المعروفة ، المعبّر عنها بميل النفس ، نقيض كُره النفس .
ومحبّة العبد لله تعالى حالة يجدها العبد في قلبه ، يحصل منها التعظيم لله ، وإيثار رضاه ، والاستئناس بذكره (7) .
ويأتي مزيد بيان المحبّة في آخر هذه الفقرة إن شاء الله .
وأهل البيت سلام الله عليهم حازوا أعلى المراتب في حبّ الله عزّ شأنه ، لأنّهم عرفوا الله بأعلى درجات المعرفة ، وكلّما كانت المعرفة أرقى كانت المحبّة أقوى ، وكلّما كانت المحبّة أقوى كانت الطاعة أسنى ، فإذا ازداد المخلوق حبّاً لله ازداد توجّهه إلى الله حتّى يبلغ درجة الإنقطاع إليه .
لذلك كان أهل البيت النبوي (عليهم السلام) أطوع لله تعالى من جميع الخلق ، حتّى انقطعوا إلى الله ، واشتغلوا عن غير الله .
وقد بلغ المعصومون (عليهم السلام) في محبّة الله تعالى هذه الدرجة القصوى ، فترى أنّه جاء في دعاء الصحيفة السجّادية المباركة قول الإمام زين العابدين (عليه السلام) : « اللهمّ إنّي أخلصت بانقطاعي إليك ، وأقبلتُ بكُلّي عليك » (8) .
وأهل البيت (عليهم السلام) كملوا في خصوصية حبّ الله والمحبّة التامّة لله كما يدلّ عليه القرآن الكريم بأحاديث تفسيره بآل محمّد سلام الله عليهم مثل :
1 ـ قوله تعالى : (فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) (9) .
2 ـ قوله تعالى : (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً للهِِ) (10) .
وأفاد العلاّمة المجلسي هنا أنّ في بعض النسخ القديمة (والنّامين) من النموّ ، أي نشأوا في بدو سنّهم في محبّة الله تعالى ، أو أنّ في كلّ آن وزمان يزدادون حبّاً لله تعالى . وكلا المعنيين يصدق على أهل البيت (عليهم السلام) كما هو واضح .
ثمّ ما هي معنى المحبّة ؟ هذا ما يحسن تفصيل بيانه فنقول :
وقعت كلمة المحبّة في القرآن الكريم ، فلنقتبس من نوره في استفادة بيانه من أحاديث أهله .
في المجمع بعد ذكر قوله تعالى : (... فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْم يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ) قيل : محبّة الله للعباد إنعامه عليهم ، وأن يوفّقهم لطاعته ، ويهديهم لدينه الذي إرتضاه ، وحبّ العباد لله أن يطيعوه ولا يعصوه ...
ثمّ ذكر : (إنّ المحبّة حالة يجدها المحبّ في قلبه يحصل منها طاعة المحبوب ، وتعظيمه ، وإيثار رضاه ، والاستئناس بذكره ...) (11) .
والأحاديث المباركة بيّنت محبّة الله وآثارها التي منها الطاعة فلاحظ مثل :
1 ـ حديث المفضّل الجعفي ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : « كان فيما ناجى الله عزّوجلّ به موسى بن عمران (عليه السلام) أن قال له :
يابن عمران ! كذب من زعم أنّه يحبّني فإذا جنّه الليل نام عنّي ، أليس
______________
(1) سورة آل عمران : الآية 146 .
(2) سورة آل عمران : الآية 145 .
(3) إحداهما نسيبة الجرّاحة ، والاُخرى امرأة غيرها تتصدّيان معالجة الجرحى في الغزوات .
(4) الاختصاص : ص158 .
(5) المحيط : ج1 ص321 .
(6) المفردات : ص105 .
(7) مجمع البحرين : ص109 .
(8) الصحيفة السجّادية : الدعاء 28 .
(9) سورة المائدة : الآية 54 ، لاحظ تفسيره بأهل البيت (عليهم السلام) في كنز الدقائق : ج4 ص141 .
(10) سورة البقرة : الآية 165 ، لاحظ تفسيره بأهل البيت (عليهم السلام) في تفسير العياشي : ج1 ص72 .
(11) مجمع البحرين : مادّة حبب ص109 .
أهل البيت (عليهم السلام) في ذروة المحبّة الإلهية
- الزيارات: 988