شورى عمر المعهودة:
س3 ـ ماذا حصل يوم الشورى المعهودة؟
ج - بعد دفن عمر، جمعنا أبو طلحة الأنصاري ووقف على باب البيت في خمسين من الأنصار حاملي السيوف كما أمرهم عمر، ثمّ تكلّمنا وتنازعنا، فأوّل ما عمل طلحة أنّه أشهدنا على نفسه أنّه وهب حقّه من الشورى لي، وذلك لعلمه أنّ الناس لا يعدلون بعلي أو بي أحداً، وأن الخلافة لا تخلص له ونحن موجودان، فأراد تقوية أمري وإضعاف جانب عليّ بهبة أمر لا انتفاع به ولا تمكن له فيه.
وهنا قال الزبير في معارضته: وأنا أشهدكم على نفسي أنّي قد وهبت حقّي من الشورى لعليّ.
وإنّما فعل ذلك لما رأى عليّاً قد ضعف وانخذل بهبة طلحة حقّه لي. دخلته حمية النسب; لأنّه ابن عمّة علي وهي صفية بنت عبد المطلب وأبو طالب خاله. وإنّما مال طلحة لي لانحرافه عن علي، باعتبار أنّه تيمي، وابن عمّ أبي بكر، وقد كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم شق شديد لأجل الخلافة، وكذلك صار في صدور تيم على بني هاشم، وهذا مركوز في طبيعة البشر، وخصوصاً طينة العرب وطباعها، والتجربة إلى الآن تحقّق ذلك، فبقي من الستّة أربعة.
ـ فقال سعد بن أبي وقاص: وأنا قد وهبت حقّي من الشورى لابن عمّي عبد الرحمن، وذلك لأنهما من بني زهرة، ولعلم سعد أنّ الأمر لا يتمّ له. فلم يبقى إلاّ ثلاثة أنا وعلي وعبد الرحمن.
فقال عبد الرحمن لعلّي ولي: أيكما يخرج نفسه من الخلافة ويكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين؟
فلم يتكلّم منّا أحد.
فقال عبد الرحمن: أشهدكم أنني أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدكما، فأمسكنا، فبدأ بعليّ وقال له: أُبايعك على كتاب الله وسنّة نبيّه وسيرة الشيخين أبي بكر وعمر.
فقال: بل على كتاب الله وسنّة رسوله واجتهاد رأيي.
فعدل عنه إليّ فعرض ذلك عليَّ، فقلت: نعم.
فعاد إلى عليّ فأعاد قوله، فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثاً، فلمّا رأى أنّ عليّاً غير راجع عمّا قاله وأنّي أنعم له بالإجابة، صفق على يدي وقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين.
فقال عليّ: والله ما فعلتها إلاّ لأنّك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه، دقّ الله بينكما عطر منشم.
(منشم: اسم امرأة كانت بمكّة عطّارة، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيّبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم، فكان يقال أشأم من عطر منشم)(1).
قيل: ففسد بعد ذلك بين عثمان وعبد الرحمن، فلم يكلّم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن.
س4 ـ يقول الحسن البصري: إنّه شهدك تخطب على المنبر بعد أن تولّيت الخلافة تقول: أيّها الناس، اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافية، أيها الناس اغدوا على كسوتكم فيغدون، فيجاء بالحلل فتقسم بينهم، حتى والله سمعت إذناي: يا معشر المسلمين اغدوا على السمن والعسل فيغدون فيقسمون بينهم السمن والعسل، ثمّ يقول: يا معشر المسلمين اغدوا على الطيب وما على الطيب والمسك والعنبر، و العدوان والله متّقي، والأعطيات دارّة والخير كثير، وما على الأرض مؤمن يخاف مؤمناً... فماذا حصل بعد ذلك، ولماذا أنكر عليك الناس ما يعدّ أشرا وبطرا؟(2)
____________
1- لسان العرب 12: 577.
2- الإمامة والسياسة 1: 31، تاريخ المدينة لابن شيبة 3: 1023، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 94.