وَذَلَّ كُلُّ شَيْء لَكُمْ
أنزلهم في بيت من داره قريب من المطبخ ، ثمّ حمل إليهم المال والثياب والجواهر والأشربة والخدم ، ثمّ استدعاهم وقال : مَن ربّكم ؟
فقالوا : ما نعرف ربّاً وما سمعنا بهذه الكلمة ، فخلع عليهم ، ثمّ قال للترجمان : قل لهم : إنّ لي عدوّاً في هذه الحجرة فادخلوا إليه وقطّعوه ، فدخلوا بأسلحتهم على الكاظم (عليه السلام) والرشيد ينظر ماذا يفعلون .
فلمّا رأوه رموا أسلحتهم وخرّوا له سجّداً فجعل موسى (عليه السلام) يمرّ يده على رؤوسهم وهم منكّسون وهو يخاطبهم بألسنتهم .
فلمّا رأى الرشيد ذلك غشي عليه وصاح بالترجمان أخرجهم فأخرجهم يمشون القهقري إجلالا لموسى (عليه السلام) ثمّ ركبوا خيولهم وأخذوا الأموال ومضوا » (1) .
(1) ـ ذلّ : مأخوذ من الذِّل بكسر الذال بمعنى اللين والإنقياد والسهولة ضدّ الصعوبة ، كما وأنّ الذُّل بضمّ الذال بمعنى الخفّة والهوان ضدّ العزّة .
فكلمة ذَلَّ بمعنى انقاد ولانَ وسَهُل ، كما في قوله تعالى : (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلا) (2) .
وهذا الإنقياد هو غاية الخضوع ، يقال لكلّ مطيع من الناس ذليل ، ومن غير الناس ذلول (3) .
فالمعنى : انقاد وخضع كلّ شيء في العالم لكم بقدرة الله تعالى .
وهذه هي الولاية التكوينية الثابتة بقدرة الله تعالى وإرادته لأهل البيت (عليهم السلام) .
فإنّ كلّ شيء في الكون خاضع ومنقاد وتابع لهم ، ويمكنهم التصرّف بولايتهم في جميع أشياء ، الكون والتكوين .
وهذا مضافاً إلى ولايتهم التشريعية الثابتة لهم بنصب الله تعالى ، وهي إمامتهم وأولويتهم بالأمر وهدايتهم وإرشادهم مع وجوب إطاعتهم ، الثابتة بأدلّة الإمامة من الكتاب والسنّة والعقل والإعجاز .
كما ثبتت ولايتهم التكوينية بالأدلّة المتظافرة المتقدّمة في فقرة : « والسادة الولاة » .
ونضيف هنا بياناً أنّ من الأدلّة عليها :
1 / الاقتران في آية الولاية في سورة المائدة / الآية 55 (4) .
2 / حديث طارق بن شهاب الذي جاء فيه : « خلقهم الله من نور عظمته ، وولاّهم أمر مملكته ، فهم سرّ الله المخزون وأولياؤه المقرّبون ، وأمره بين الكاف والنون » (5) .
3 / تصرّفاتهم الإعجازية في الكون والمكان والكائنات ، ممّا تلاحظها في كتاب الثاقب في المناقب .
فهم (عليهم السلام) أولياء الكون ، وكلّ شيء خاضع لهم بالتكوين ، بالقدرة الإلهية ، والإرادة الربّانية .
وَاَشْرَقَتِ الاَْرْضُ بِنُورِكُمْ وَفازَ الْفائِزُونَ بِوِلايَتِكُمْ بِكُمْ يُسْلَكُ اِلَى الرِّضْوانِ
(1) ـ أي أشرقت الأرض بنور وجودكم ، فإنّه لولاهم (عليهم السلام) لما وجدت ولا ثبتت أرض ولا غيرها من سائر الموجودات . كما أشرقت القلوب بنور هدايتكم .
وتلاحظ بيان ذلك في فقرة : « ونوره وبرهانه » .
قال الله تعالى : (وَأَشْرَقَتِ الاَْرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا) (6) وجاء تفسيرها بنور الإمام (عليه السلام) كما في حديث علي بن إبراهيم (7) .
(2) ـ الفوز : هو النجاة والظفر بالخير .
أي نجى وظفر الناجون بولايتكم أهل البيت ، وباعتقاد إمامتكم ، ومتابعتكم فإنّ شيعتكم هم الفائزون كما تظافر به الحديث من الفريقين .
وتلاحظ بيان ذلك ودليله في فقرة « وفاز من تمسّك بكم » .
وكذلك فقرة « من اتّبعكم فالجنّة مأواه » .
(3) ـ أي بكم أهل البيت عليكم السلام لا بغيركم يسلك إلى جنان الله تعالى ورضوانه فإنّكم حجج الله وخلفاؤه والوسيلة إليه ، فاتّباعكم إطاعة لله ، وموجب لرضوانه .
إشارة إلى قوله تعالى : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْن وَرِضْوَانٌ مِّن اللهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (8) .
وفي حديث تفسيره عن الإمام الهادي (عليه السلام) قال : « إذا صار أهل الجنّة
وَعَلى مَنْ جَحَدَ وِلايَتَكُمْ غَضَبُ الرَّحْمنِ
في الجنّة ودخل ولي الله جنّاته ومساكنه ، واتّكى كلّ مؤمن منهم على أريكته ، حفّته زوجاته وخدّامه ، وتهدّلت عليه الثمار ، وتفجّرت حوله العيون ، وجرت من تحته الأنهار ، وبُسطت له الزرابي ، وصُفّفت له النمارق ، وأتته الخدّام بما شاءت شهوته من قبل أن يسألهم ذلك .
قال : وتخرج عليهم الحور العين من الجنان ، فيمكثون بذلك ما شاء الله ، ثمّ أنّ الجبّار يشرف عليهم ، فيقول لهم : أوليائي وأهل طاعتي وسكّان جنّتي في جواري ، ألا هل اُنبّئكم بخير ممّا أنتم فيه ؟
فيقولون : ربّنا ، وأيّ شيء خير ممّا نحن فيه ؟ نحن فيما اشتهت أنفسنا ولذّت أعيننا من النعم في جوار الكريم .
قال : فيعود عليهم بالقول .
فيقولون : ربّنا نعم ، فأتنا بخير ممّا نحن فيه .
فيقول لهم تبارك وتعالى : رضاي عنكم ومحبّتي لكم خير وأعظم ممّا أنتم فيه .
قال : فيقولون : نعم ، ياربّنا رضاك ومحبّتك لنا خير لنا وأطيب لأنفسنا .
ثمّ قرأ علي بن الحسين (عليهما السلام) هذه الآية : (وَعَدَ اللهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ـ إلى قوله ـ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) » (9) .
(1) ـ أي على من جحد وأنكر ولايتكم وإمامتكم وخلافتكم ووجوب طاعتكم غضب الله الرحمن أي سخطه وعذابه وعقابه .
_____________
(1) جلاء العيون : ج3 ص71 .
(2) سورة الإنسان : الآية 14 .
(3) مجمع البحرين : ص474 .
(4) كنز الدقائق : ج4 ص144 .
(5) بحار الأنوار : ج25 ص169 ب4 ح38 .
(6) سورة الزمر : الآية 69 .
(7) كنز الدقائق : ج11 ص338 .
(8) سورة التوبة : الآية 72 .
(9) كنز الدقائق : ج5 ص498 .
وحباهم الله تعالى بالولاية التكوينية والتشريعية التي فيهم
- الزيارات: 1059